السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هيكل وموسى والسادات والحقيقة الغائبة!

هيكل وموسى والسادات والحقيقة الغائبة!

 عشرات المكالمات التليفونية الغاضبة والساخطة تلقاها الأستاذ «لويس جريس» رئيس تحرير مجلة صباح الخير بعد نشره لمقال الأستاذ «صلاح حافظ» فى المجلة - سادات موسى وسادات هيكل، ولم ينزعج الأستاذ لويس من تلك المكالمات بل أعلن لأصحابها أنه مستعد لنشر أى مقال يناقش فيه كاتبه مقال الأستاذ - صلاح حافظ - ولم يتلق الأستاذ لويس أى مقال من أصحاب المكالمات الغاضبة وكلهم من أصحاب الأسماء الصحفية الكبيرة!!



وعلم الأستاذ - لويس - أن الأستاذ «هيكل» غاضب من نشر المقال، وفى اليوم الثانى كان «صلاح حافظ» يزور الأستاذ لويس فى مكتبه وحكى له عن مكالمة تليفونية ودودة وساخرة بينه وبين صديقه الحميم جدا - على حد وصفه - موسى صبرى - الذى دافع عن إيمانه المطلق بكل ما فعله السادات، ولم يغضب موسى عندما قال له «صلاح» أنت يا موسى ساداتى أكثر من السادات نفسه.. واعترف موسى صبرى قائلا: هذه تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه!!

وأعود إلى باقى مقال الأستاذ صلاح حافظ المنشور فى صباح الخير يناير 1986 حيث يكتب مستعرضا مشوار السادات السياسى كما رصده قلم موسى صبرى وقلم هيكل فكتب يقول: «سادات موسى» ذهب بعد هذه الحرب - حرب 1973 - إلى القدس لكى يستثمر نصر أكتوبر قبل أن يتبدد أثره، وكان الذى أوحى إليه بهذه الزيارة يأسه من العرب وإدراكه لمدى الزلزال الذى يمكن أن تحدثه الزيارة داخل إسرائيل نفسها وفى العالم كله.

أما سادات هيكل فقد زار القدس أيضا ولكن الذى جعله يزورها كان «كارتر» - الرئيس الأمريكى - فى أمريكا، وشاوشيسكو - الرئيس الرومانى فى رومانيا وكلاهما طلب منه يفعل ففعل!!

ومن عجائب الصدف أن كلا من سادات موسى وسادات هيكل عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، ولكن سادات موسى فرض هذه الاتفاقية على إسرائيل رغم أنفها وجند الرئيس الأمريكى والرأى العام العالمى لإرغام إسرائيل على توقيعها، بينما سادات هيكل فُرضت عليه الاتفاقية فرضا واستسلم لها عجزا عن المقاومة!

ومن عجائب الصدف أن كلا من سادات موسى وسادات هيكل تعرض فى الداخل لظروف صعبة واضطر أحيانا إلى البطش بخصومه، سادات موسى مثلا تعرض لمؤامرة شيوعية فى 18 و19 يناير سنة 1977 - وأجهض المؤامرة دون أن تهتز شعره فى رأسه، بينما سادات هيكل تعرض فى نفس التاريخ لانفجار شعبى أصابه بذعر عظيم وحاصره حتى لم يعد يدرى إلى أىن يهرب!!

وسادات موسى واجهته فتنة طائفية قرر - ذات سبتمبر - أن يسجن رؤوسها حتى لايتيح لإسرائيل عذرا تؤجل به انسحابها من سيناء، وكان ينوى بمجرد الانسحاب أن يطلق سراح الذين سجنهم، بينما سادات هيكل هو الذى صنع الفتنة الطائفية وغذاها ولم يسجن رؤوسها وإنما سجن خصومه باسمها ولم يكن ينوى الإفراج عن أحد، وإنما كان ينوى أن يسجن المزيد من الخصوم.

•• ولعل أجمل ملاحظات «صلاح حافظ» بكل ما تحمله من دلالات هى رؤية موسى لهيكل ورؤيةهيكل لموسى فيكتب قائلا:

ومن غرائب الصدف كذلك أن كلا من سادات موسى وسادات هيكل كان على صلة وثيقة بصديق لجمال عبدالناصر اسمه: محمد حسنين هيكل!!

لكن سادات موسى كان يتعامل مع هيكل ضعيف خائف مذعور بسبب انحسار سلطاته بعد وفاة عبدالناصر، وكان حلم حياته أن يسمح له سادات موسى بأداء نفس الخدمات التى كان يؤديها لعبدالناصر، وفى مقدمتها تسليته بالأخبار الشخصية للآخرين، وكان سادات موسى يقاطعه فيعود، وكان يدعوه فيلهث إليه وعندما قال له إنه استغنى عن خدمات الخبراء السوفييت قال له: هذا قرار لا يصدره إلا زعيم، وعندما سأله لماذا لم يقف معه فى المعركة ضد مراكز القوى قال: اعذرنى يافندم ماكنتش عارف مين اللى حيغلب!! وكان أحيانا يحاسبه فلا يكف عن ترديد كلمة يافندم بين كل كلمتين يجيب بهما عليه!!

أما سادات هيكل فكان يتعامل مع هيكل مختلف مترفع يتعالى عن صغائر الحكام، وفى مايو - سنة 1971 - هو الذى اقترح على السادات أسماء الأعوان اللازمين لكسب معركته، وكان هو الذى مهد أصلا لرئاسته، وكان هو الجرىء الصريح وسط أعوان جبناء، وكان سر القطيعة بينهما أنه رفض أن يكون لسانا له، وتجاهل جميع محاولات إرضائه وإغرائه!

وسادات موسى - بشهادة موسى - كان رجلاً بسيطًا، طعامه الكفاف، ومتعته القراءة، شجاعته فوق مستوى البشر، وهمومه فوق ما يطيق البشر، يصوم يومين كل أسبوع ولا تفوته صلاة، ولا ينعزل لحظة عن نبض الجماهير وآلام الفقراء!

أما سادات هيكل - بشهادة هيكل - فقد كان مولعًا بالفخفخة، وكان يكره القراءة، وكان لا يطعن إلا حين يأمن، وكان يشرب الفودكا نهارا والويسكى ليلا، وكان يعيش فى عزلة عن الدنيا والناس جميعا، ويهرب طوال الوقت من عالم الواقع إلى عالم الأوهام والأحلام!

وسادات هيكل فى النهاية وفى ختام كتابه رجل أصغر كثيرًا من الدور الذى فرضته الظروف عليه، بل أصغر من هيكل نفسه، بدليل أنه - آخر الأمر - يبدى العطف عليه، ويعتذر عنه بنوع الحياة التى عاشها، و«نقص حصيلته من التعليم والتعلم»، وعجزه عن «بذل جهد له قيمة لكى يعرف أو يفهم حقائق الجغرافيا والتاريخ بالنسبة لمصر».

أما سادات موسى فهو فى النهاية ونقلاً عن «كرايسكى» مستشار النمسا أحد زعيمين عالميين ظهرا فى هذا القرن: تشرتشل والسادات!

•• كانت هذه أبرز ملاحظات الأستاذ صلاح حافظ على كتابى «خريف الغضب» للأستاذ هيكل والسادات الحقيقة والأسطورة للأستاذ موسى صبرى، قراءة ذكية، واعية، فاهمة، أما الدرس الأهم الذى استخلصه بعد ذلك فكان تساؤله:

هل بقى شك فى أن كلا من «موسى صبرى» و«محمد حسنين هيكل» كان يؤرخ فى كتابه لرجل غير الذى يؤرخ له الآخر؟

ويجيب الأستاذ صلاح عن سؤاله بقوله:

إن طبائع الأشياء لا تسمح بأن يكون هذا «السادات» هو ذاك!

وموسى صبرى كاتب كبير، ومحمد حسنين هيكل كاتب عالمى، وكلاهما جدير بأن نصدقه، والتفسير الوحيد الذى يسمح بأن نصدقهما معا هو أن مصر كان يحكمها «ساداتان»، أحدهما يحكم أيام السبت والاثنين والأربعاء ويقابل أثناءها «موسى صبرى» والثانى يحكم أيام الأحد والثلاثاء والخميس وياقبل أثناءها محمد حسنين هيكل!

وقد يبدو هذا التفسير هزليا وسخيفا، ولكنه أرحم بكثير من التفسير الذى قد يتوصل إليه شبابنا حين يقرأ الكتابين، وهو أننا قوم لا يجوز أن يثق بما نكتب له! وأن التاريخ الحقيقى لبلاده لن يجده إلا فى المراجع الأجنبية، فالمؤرخ المصرى قد اختفى وحل محله سياسيون يوظفون التاريخ وينشرون كتبًا مهمتها أن تناصر موقفهم السياسى، وتغربل التاريخ لكى تنتفى منه ما يؤيد هذا الموقف وتلفظ ما ينفيه!

وفى الماضى كان المؤرخ قاضيا محايدا وكان يستحق أن نقر حيثيات أحكامه، لكنه أصبح اليوم أحد رجلين: إما وكيل نيابة يهاجم وإما محام يدافع، وأصبح الرأى العام - والشباب بوجه خاص - ضائعا بين بلاغة هذا وبلاغة ذاك! وبين البلاغتين تاه فى مصر التاريخ وانتهكت حرمته وفقد مصداقيته!

ومن حق موسى ولاشك أن يدافع عن قضيته، ومن حق هيكل أيضا، ولا أنكر أن مرافعة كل منهما أمتعتنى كثيرا، ولكن المتعة لا تغنى عن الحاجة الملحة إلى معرفة الحقيقة، ومسكين شبابنا لا يلبى الكتابان هذه الحاجة عنده، وإنما يزيدانه جوعًا وحيرة!

أما أنا فقد شاء الله تعالى أن يحمينى من مشقة الاختيار بين «سادات موسى» و«سادات هيكل»، السادات الذى عرفته وتعاملت معه بين وقت وآخر لم يكن هذا ولا ذاك، كان رجلا ثالثا لم يصدر عنه كتاب بعد!».

انتهى المقال البديع ولم تنته دلالاته المهنية!