محدش شاف.. منير مراد؟!

إيمان عثمان
إن الغموض الذى يكتنف سيرة منير مراد وتراثه الفنى مثير للبحث وللتأمل! فرغم كثافة إنتاجه الذى قد يصل لثلاثة آلاف لحن وربما مساعدته للإخراج بأكثر من مائة فيلم- كما جاء بكتاب «التياترجى» لوسام الدويك، فإن أحاديثه فى برامج الإذاعة والتليفزيون تكاد تكون منعدمة، وأرشيف أعماله لا يكاد يعثر عليه فى أى مكان! رغم فرادته وتميزه كفنان واسع الأثر والقدرات! والالتفات إلى أعماله عمومًا ليس جديرًا بخصوصيته الفنية تلك.
منير مراد، أو موريس زكى موردخاى،ظهر اسمه على الشاشة موريس مراد حتى عام 1948 بفيلم عنبر، وظهر اسمه لأول مرة كمنير مراد على التترات بفيلم «غزل البنات» عام 1949. ولد منير فى 13 يناير عام 1922 بأسرة فنية معروفة، تعرف على الموسيقى بطبيعة الحال.. ولكن مواهبه المتعددة فاقت المجالات الفنية فقبل اشتغاله بالفن أو بالسينما برع فى التجارة فى سن صغيرة، وإن كانت الأخبار عن عدم إكماله دراسته لفشله بها صحيحة.. فقد قام بإنقاذ أنور وجدى من أزمة مالية بشراكته فى صفقة أمواس حلاقة! منير مراد، ذو الطلة المميزة بالشقاوة، خفة الحركة والظل، اللذاذة غير المعتادة الظُرف والنباهة، تعبيرات وجهه التى لا تكاد تتوقف لحظة، المضحكة، والضاحكة رغم الجدة الأرستقراطية التى يبدو عليها.. فأناقته مبالغ بها وربما لا تناسب صورة الكوميدى المتعارف عليها.. إلا أنه يرى الكوميدى يجب أن يكون ذا مظهر أنيق جدًا ويتحلى بوسامة فائقة ربما لإحداث المفارقة! عمل بالسينما منذ عام 1941 إلى عام 1964، بكل ما يتعلق بالسينما تقريبًا، عامل كلاكيت، وتحميض، وديكور، وماكياج، ومساعد مصور، وملاحظ سيناريو، ومساعد إخراج، وكومبارس، وبطل لفيلمين، كتب روايات لأفلام وأنتجها، قدم اسكتشات واستعراضات وأغانى ومونولوجات وتقليد شخصيات.. فى الأفلام وعلى مسارح داخل وخارج مصر، كان بارعًا فى الموسيقى والغناء، ألف ألحانا لأغان وديالوجات غنائية «دويتو» واستعراضات راقصة وكان بارعًا فى رقص الكلاكيت! ظهر لأول مرة على الشاشة عام 1946، فى فيلم «ليلى بنت الأغنياء»، كدوبلير لليلى أثناء هربها من الزفاف.. ومنذ بدأ عمله كمساعد مخرج لمزراحى الذى بدأ العمل معه فى عمر التاسعة عشرة وظل يعمل فى أفلام ليلى أخته.. ليلى بنت الريف، وليلى فى الظلام، وكل الليلات اللى فى العالم! ولع منير مراد بالتياترو وفنونه، الغناء والرقص والتقليد والاستعراضات خصوصًا الكوميديا الخفيفة «الفودفيل» ومزج بينها.. منتصرًا دائمًا للفقراء بالفكاهة والمرح والشقاوة.. والاعتداد بالفن كقيمة إنسانية. حتى إن أدواره كانت تصور شابا متعدد المواهب اسمه منير يناضل من أجل العمل فى التياتروهات.. كان هدفه أن يوضح للمشاهد المقصود بالاستعراضات لأنه أحبها كما أحب الموسيقى بجميع ألوانها. يملأ الشاشة بالرقص والحركة والجرى والتنطيط.. لا يدعى تقديم قضايا، بينما ينتمى للكوميديا الشعبية المثيرة للضحك دون أهداف اجتماعية أو أخلاقية «الكوميديا الخفيفة» التى عرفت بالقرن الخامس عشر أو مسرح المنوعات الذى يهدف بالأساس للتسلية. وكان منير يدافع باستماتة عن الفن والفنانين خاصة الفقراء المبدعين غير العاديين فى التياترو، مثلما جاء فى فيلم «أنا وحبيبى» الذى كان تأليفه وبطولته. وقد قدم سبعة أفلام، قام ببطولة اثنان منها فقط «أنا وحبيبى،نهارك سعيد»، ولحن جميع الأشكال من الخفيفة للدرامية.. ولأغلب المغنين.. اشتهرت ألحانه مع شادية وصباح وعبدالحليم وعبدالمطلب وقنديل ومحرم فؤاد والعزبى ورشدى،فايزة أحمد وشريفة فاضل، هدى سلطان وسعاد حسنى وأمين الهنيدى.. حتى عادل إمام غنى له استعراض الطلبة فى المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة»، لحن الاستعراضات ومقطوعات رقصت عليها تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف ونيللى وغيرهن. ولحن المونولوجات والاسكتش الفكاهى لشكوكو وإسماعيل ياسين، وثريا حلمى،لحن الدويتو لشادية وكمال الشناوى وشادية وفاتن، وشادية معه، وفؤاد المهندس وشويكار. كما لحن ضوضاء القاهرة وعناوين الصحف وموضوعات بعض المقررات الدراسية، لبرنامج تليفزيونى لم يظهر.. إلا أنه قدم برنامج ساعة مع منير مراد فى التليفزيون المكسيكى أسبوعيًا فى السبعينيات! •• عاش عمره يحلم بمسرح استعراضى،وكتب الموسيقار أحمد فؤاد حسن ذات يوم «أعطوا مسرحًا لمنير مراد واتركوه».. وقال هو فى حوار له بمجلة «آخر ساعة» عام 1966: «أعطونى إمكانيات عبدالوهاب سنة وشوفونى هعمل إيه؟!». ويقول منير فى فيلم «نهارك سعيد» 1955: «وأنا من رأيى أننا هنؤدى رسالة من نوع تانى، أعظم رسالة بيحاول العالم أنه يؤديها، رسالة إسعاد الناس.. تسليتهم وإدخال السرور على قلوبهم!». بهذه البساطة، منير مراد!