
عادل حافظ
كمال الدين صلاح.. والصومال «1»
فى شرق القارة الأفريقية، تقع دولة الصومال على ساحل طويل يطل على المحيط الهندى وخليج عدن. لقبت منذ القدم بأنها القرن الأفريقى حيث كانت تشتهر بالتجارة والموانئ المفتوحة، فهى همزة الوصل بين الدول الأفريقية والعالم العربى.
فى منتصف القرن العشرين، لم تكن قد نالت استقلالها بعد، وكانت البلاد تعيش حالة من الترقب والقلق، بين أحلام شعب يريد الحرية، وصراعات قوى كبرى تسعى للنفوذ والسيطرة.
حينها، مثلت «مقديشو» آخر محطات بطل من أبطال الدبلوماسية المصرية. فقد كان السفير كمال الدين صلاح مثالًا للقوة والإرادة والشغف. كانت كل خطوة يخطوها ليست مجرد حركة عابرة، بل هى جزء من مسيرة طويلة، كرس خلالها حياته للدبلوماسية.
وُلد محمد كمال الدين صلاح فى مصر، عام 1910، فى وقت كانت البلاد تحت وطأة الاستعمار البريطانى، وفى بيت يقدر العلم والعدل، نشأ طفلًا يحمل أسئلة أكبر من سنه، يتأمل أحوال وطنه، يتساءل عن معنى الحرية والعدالة، وعن الرجال الذين يكرسون حياتهم من أجل مبادئهم. لم يكن مجرد تلميذ عادى فى المدرسة، بل كان قارئًا نهمًا، شغوفًا بالتاريخ والسياسة، يجد فى الكتب نافذة لعالم أوسع مما يراه من حوله.
حينما التحق بكلية الحقوق، لم يكن يسعى فقط إلى مهنة تضمن له مكانة اجتماعية مرموقة، بل كان يدرك أن القانون هو السلاح الذى يمكن أن يُستخدم لصنع مستقبل مختلف.
وفى قاعات الدراسة، حيث تدور النقاشات حول القضايا المختلفة، برز سريعًا كطالب متميز، ليس فقط بذكائه، ولكن بقدرته على الربط بين النظريات القانونية والواقع السياسي. كان يؤمن أن القانون لا يجب أن يكون مجرد نصوص جامدة، بل أداة للتغيير.

تخرج فى كلية الحقوق عام 1932، فكانت الطرق مفتوحة أمامه للعمل فى القضاء، لكنه وجد نفسه ينجذب إلى عالم آخر، عالم السياسة والدبلوماسية، حيث لا تُحسم الأمور بالأحكام القضائية، بل بالقدرة على التفاوض والإقناع وبناء الجسور بين الثقافات المختلفة، فالتحق بالسلك الدبلوماسي.
وبطبيعة الحال، تنقل بين العواصم، حيث خدم فى سفارات مصر لدى الأردن وسوريا ولبنان واليابان وتشيكوسلوفاكيا - التشيك وسلوفاكيا حاليًا - والسويد وفرنسا والأمم المتحدة. وتعلم خلال مسيرته فنون الحوار وأدرك أن لكل دولة أجندتها، وأن المصالح قد تتقاطع أو تتصادم، لكن المهم هو أن يبقى الصوت المصرى حاضرًا وقويًا وقادرًا على التأثير.
ومع مرور السنوات، أصبح من الأسماء البارزة فى السياسة الخارجية المصرية، رجل يحمل رؤية واضحة، لا يتحدث لمجرد الكلام، بل ليرسم طريقًا لبلاده فى عالم يتغير بسرعة.
فكان يؤمن أن دور مصر لا يقتصر على حماية مصالحها فقط، بل كان يرى أن عليها مسئولية أوسع، تجاه أفريقيا والدول التى تبحث عن استقلالها واتجاه فكرة العدالة نفسها.
وفى الأسبوع المقبل نواصل