الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مافيا الأعمال الفنية: اللوحات المضروبة تتحدى الأصلية

مافيا الأعمال الفنية: اللوحات المضروبة تتحدى الأصلية
مافيا الأعمال الفنية: اللوحات المضروبة تتحدى الأصلية


تشهد سوق بيع اللوحات المزيفة رواجًا كبيرًا فى السنوات العشر الأخيرة، حيث يقوم المزورون ومحترفو النصب باستخدام أحدث أساليب التزوير، ويشجعهم أنهم لا يجدون أى رادع من الجهات المعنية، وهو ما يزيد من خطورة الظاهرة التى يجنى أصحابها من ورائها الملايين.
 
ويرى البعض أن هناك «مافيا» لتزوير اللوحات والأعمال الفنية لمشاهير ورواد الفن التشكيلى العالمى منتشرة منذ سنوات، حيث ينتشر التزييف للوحات الفنانين الأعلى سعرًا مثل محمود سعيد، وراغب عياد، وعبدالهادى الجزار، وحامد ندا، وسيف وانلى، وتحية حليم، وبيكار وغيرهم من الرواد، وتتكون مافيا الفن من التجار وأصحاب القاعات الخاصة المشبوهة، ودور المزاد، ودوائر الجمارك.
6 مليارات دولار
وقد قدّر خبراء حجم السوق السوداء لتجارة الفن المسروق حول العالم بنحو 6 مليارات دولار سنويًا، وباتت سرقة الفن أكبر رابع تجارة رواجا حول العالم بعد تجارة المخدرات، وغسيل الأموال والسلاح بحسب التقرير الذى نشرته صحيفة مونتريال جازيت الكندية، مما أدى إلى ظهور وسائل وطرق شتى للتحايل على القوانين، من أجل سرقة المتاحف وبخاصة فى دول العالم الثالث.. وفى كتابه الشهير «فن ساخن وأموال باردة» لمؤلفه تاجر التحف والآثار والأعمال الفنية الهولندى ميشيل فان راين يؤكد أن «معظم خبراء فحص التحف فى العالم يعملون لحساب مافيا التحف والقطع الفنية لكتابة تقارير مزورة عن القطع واللوحات والتحف التى تعرض عليهم لفحصها، بل إن بعضهم يتقاضى رواتب من القائمين على المكاتب والمؤسسات التى تديرها هذه المافيا».. ويروى المؤلف فى كتابه كيف استطاع بالتعاون مع مجموعات المافيا فى أوروبا والولايات المتحدة، العمل على تهريب آلاف القطع الأثرية والأعمال الفنية والأيقونات النادرة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة بعد انهيار نظامها السابق.
نصاب على المعاش
وفى مصر تبدو المافيا جلية ولها دور خفى، ففى كل فترة نجد خبر القبض على مزور يتصدر صفحات الجرائد، ولكن أشهر هذه الوقائع عندما تمكنت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة من ضبط أحد الأشخاص، لقيامه بتزوير اللوحات الفنية وبيعها على أنها أصلية، وكان بطل الواقعة شخصًا بالمعاش لديه خبرة فى ذلك المجال يقوم بتقليد لوحات فنية لفنانين مشهورين، البعض منهم متوفى، وعرضها للبيع على أنها لوحات أصلية عليها توقيعات منسوبة لهؤلاء الفنانين، وبذلك تحَصَّل على مبالغ مالية كبيرة نظير بيع تلك اللوحات، حيث يقوم بتزوير شهادات توثيق تلك اللوحات المقلدة منسوبة للجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى، لإيهام ضحاياه من مشترى تلك اللوحات بأنها أصلية ومسموح بالتعامل عليها خارج البلاد وداخلها، وعُثر بمسكنه على 11 لوحة مقلدة منسوبة لكبار الفنانين وتحمل توقيعات مقلدة بأسمائهم، و3 شهادات توثيق منسوبة للجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى ممهورة بأختام مقلدة منسوبة للجمعية.
وعقب التوصل لأحد ضحاياه، وهو صاحب جاليرى مقيم بمصر الجديدة، أقر بقيام المتهم ببيعه 10 لوحات مقلدة منسوبة لعدد من كبار الفنانين وتحمل توقيعاتهم مقابل 920 ألف جنيه.
المهنة «خبير»
وهناك واقعة أخرى أكثر دلالة استغل صاحبها وهو مقتنٍ للوحات الفنية «الفيس بوك»، حيث عرض لوحة لفنان راحل شهير فأعلنت أسرة الفنان وآخرون أنها لوحة مزيفة، ولكنه تمادى وأظهر شهادة مزورة ليؤكد أصالة اللوحة بتوقيع فنان معروف، فما كان من هذا الفنان إلا أن أعلن فورًا أن الشهادة مزورة شكلاً ومضموناً.. وليس سراً أنه تم استحداث وظيفة جديدة بالوسط الفنى تسمى «خبيراً» مهمته التعرف على الأعمال الفنية الأصلية من المقلدة ونسبها إلى أى فنان فى حالة أن تكون غير موقعة، ويتقاضى صاحبها - وهو غالبًا إما من الفنانين أو النقاد أو أساتذة فى الكليات الفنية - مبالغ تتجاوز الآلاف، وهناك فنان معروف الآن يتقاضى 5 آلاف جنيه قبل أن يكشف على اللوحة وتزيد «الفيزيتة» إذا منحك شهادة بأصلية اللوحة من عدمها، ويحظى هذا الفنان بثقة أصحاب القاعات الخاصة فى الزمالك والمعادى.
وفى الفترة الأخيرة، أثير لغط كبير حول سرقة المتاحف الفنية، أو تبديل أعمال المخازن بأخرى مزيفة، كما أعلنت أسرة الفنان الكبير الراحل عبدالهادى الجزار بأن الأعمال الموجودة فى مخازن قطاع الفنون مزورة ولا تنتمى إلى أعمال الفنان الراحل، كما لاتزال لوحة «إنسان السد العالى» للجزار مسار حديث لا ينقطع ناهيك عن سرقة لوحة زهرة الخشخاش من قلب متحف محمود خليل ولم يعرف أين هى حتى الآن؟!
كتالوج 77
ومن جانبه قدم الفنان التشكيلى السكندرى عصمت داوستاشى كتابه «الدليل الموجز فى تزييف و تزوير اللوحات الفنية - كتالوج 77» وعرض فيه نصائح لمقتنى الأعمال الفنية، وأساليب التزييف والتزوير، وكيف يتم تزييف لوحة فنية، وبداية التزوير عالميًا، وقضايا تزوير اللوحات فى القانون المصرى وعدم وجود تشريع يخص تزوير الأعمال الفنية.. ويهدف الكتاب كما يقول «دواستاشى» إلى تحذير محبى اقتناء اللوحات الفنية حتى لا يصبحوا فريسة سهلة لتجار ومزيفى الأعمال الفنية، لذلك يصف ويرصد أساليب وألاعيب المزورين وترويجهم لبضاعتهم المزورة التى انتشرت فى سوق بيع الأعمال الفنية، وطالت المزادات الشهيرة عالميا.. ويرى أن دوره وواجبه كفنان وناقد داخل الحركة التشكيلية يحتم عليه فتح الملف وكشف خبايا وأسراره والعمل على وضع قوانين واضحة لحماية التراث، خاصة أن المزيفين يروجون لبث التشكيك فى كل الأعمال المعروضة فى سوق الفن وإعطاء المصداقية لبضاعتهم ويساعدهم وجود وسطاء معدومى الضمير ومافيا سرية ومؤسسات معروفة تتستر وراء لافتة «جاليرى للفنون» لشراء وبيع وتزوير وتهريب الأعمال الفنية خارج مصر.. وأشار عدد من الفنانين التشكيليين إلى أن تزوير اللوحات الفنية، ظاهرة ليست جديدة فى مصر، ولكنها انتشرت كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، بعد الارتفاع الجنونى فى أسعار اللوحات التى أنجزها الرواد الراحلون، ودخل السباق تجار، ومقلدون ومزورون ووسطاء، مشيرين إلى أن الأمر وصل لوجود من يكتب شهادات صلاحية، وعمل توقيعات وأختام الفنان على العمل، فى غياب أى جهة مرجعية للتأكد من أصيلة العمل. •