عقب النجاح الذى حققه الفيلم مؤخرا.. نوارة.. أول ثلاثية الثورة
صباح الخير
كلمة السر «نوارة»، أحدث إبداعات المخرجة هالة خليل، وذلك العمل السينمائى الذى استطاع رغم جميع الصعوبات أن يخرج إلى النور، المنتج صفى الدين محمود قرأ فتحمس فأنتج نوارة، والنجمة الشابة منة شلبى، قرأت فتحمست فأبدعت، وها هى اليوم تحصد نتاج ذلك الإبداع، والجمهور يشيد بأدائها وها هى أشهر مهرجانات العالم تحتفى بأحدث أعمالها ومرحلة جديدة بدت من خلالها أكثر نضجا وأكثر جدية فنيا، أما النجم محمود حميدة فقد جاءت مشاركته من خلال نوارة كالعادة إضافة كبيرة للتجربة، خاصة فى ظل تحمسه لها لما تتمتع به من حيادية، كانت هى الدافع الرئيسى وراء تحمسه، وذلك وفقا لحديثه، أما وفقا لحديث الفنانة الشابة رحمة حسن فقد تستطيع أن تلمس مدى سعادتها بالتجربة، التى تعود من خلالها إلى عالم السينما عقب النجاح الذى حققته فى عالم التليفزيون.
• وجوه موهوبة
ليال وطفة. هند حيدر وغيرهم من الأسماء التى سطعت فى سماء عالم «نوارة»، تلك الحدوتة السينمائية التى حالفها الحظ حتى تجمع فى طياتها مجموعة من الوجوه الشابة الموهوبة، التى استطاعت أن تثبت رغم صغر سنها وقصر مشوارها الفنى أنها تستحق وبجدارة إشادة الجميع لما صنعته من أجل نوارة سواء من ديكور قامت بإبداعه مهندسة الديكور الشابة هند حيدر أو الموسيقى التصويرية التى أبدعتها الموسيقية الشابة ليال وطفة. إنها حقا حدوتة نجاح عنوانها نوارة، اجتمع على أثرها كل هؤلاء النجوم فى حضرة الصبوحة أو مجلة «صباح الخير».
• الثلاثية
فى البداية كان الحديث مع مخرجة وكاتبة فيلم «نوارة» المخرجة هالة خليل وتحديدا فيما يخص تناولها لأحداث الفيلم التى تباينت حولها الآراء بين كونها نابعة من وجهة نظر شخصية أو جزء من وجهة نظرها حول ثورة يناير وهنا تقول هالة: فى البداية أودّ أن أشكر مجلة صباح على الاستضافة الكريمة وعلى الدعم الواضح للفيلم، «نوارة» جزء من ثلاثية الثورة - «نوارة» أولها والجزء الثانى معنى بصراع الإخوان على السلطة والثالث بعنوان «الليلة ثورة» يناقش مفهوم الثورة وفكرة الثورة من الناحية الرومانسية وأنا لم أنفذ الثلاثة أعمال بشكل متتال وقد كنت أقصد ذلك فأنا أثناء كتابة هذا العمل وضعت له فترة زمنية لتنفيذه وهى عشر سنوات.
وقد اخترت «نوارة» لأبدأ به هذه الثلاثية لأسباب عدة أهمها هو نزولى ميدان التحرير لوقف الظلم الاجتماعى وكل شخص شارك فى الثورة لديه سبب ما نزل لأجله ثم تتبعه أسباب أخرى، لكن أنا كان يشغلنى الظلم الواقع على الطبقات الكادحة فى مصر.
• صباح الخير: طالبك البعض بعد عرض الفيلم بالتركيز فى الإخراج وكان من الأفضل مشاركة سيناريست معك فى الكتابة، كيف قرأت مثل هذه الملاحظات؟
- بتأمل شديد استمعت لهذه الملاحظات، ثم عدت مرة أخرى لمشاهدة الفيلم، وأنا دائما أصرح أن هذا الفيلم بالتحديد تجمعنى به علاقة عاطفية شديدة لا تجعلنى آخذ المسافة بينى وبين العمل ومهم جدا ذلك بالنسبة للمبدع لكى يشاهد الفيلم بعين يقظة، وبالتأكيد سيأتى الوقت الذى أشاهد العمل بشكل مختلف وأركز فى جميع الملاحظات، وأنا أتخدت قرار كتابة السيناريو بعد آخر أفلامى «قَص ولزق» لعدة أسباب منها الموضوعات التى أريد تقديمها ولم أجد شخصًا لديه نفس الأفكار وكتبت بالفعل سيناريوهات عدة، ولكن المؤكد بالنسبة لى أننى أتعلم كتابة السيناريو لأنه شىء أضاف لى وأذاكره جيدا، وجميع الملاحظات التى كتبت عن نوارة سأتعلم منها فى كتابة الأعمال القادمة لأنى اتخذت قرار الكتابة وهذا لا يمنع أيضا أننى أتعاون مع كتاب سيناريو آخرين».
• أبطال بلا أجر
أما عن مرحلة إنتاج نوارة التى تحمس لها المنتج صفى الدين محمود الذى عبر عن تحمسه الشديد للتجربة قائلا: أنا أعمل فى السينما منذ حوالى عشرة إلى خمسة عشر عاما وعملت كمنتج منذ فترة طويلة، واتعرض على كثيرا أن أتجه إلى الإخراج، ولكنى رفضت ذلك لأننى كنت مقررًا الاتجاه إلى الإنتاج وأسست شركة مع مجموعة من الأصدقاء منهم بطلة العمل منة شلبى عام 2010، وبالفعل كانت هناك أعمال كثيرة كانت ستنفذها الشركة، ولكن لم تظهر للنور، إلى أن عرض عليّ صديقى صبرى السماك سيناريو فيلم «نوارة»، وبالفعل أرسله لى وبمجرد قراءته اتصلت بالمخرجة هالة خليل وطلبت منها التعاقد وحدث ذلك فى 48 ساعة فقط وصورنا بعدها بشهر، وهو من أروع الأعمال التى قرأتها ومن الأشياء التى أثارت إعجابى هو أن العمل بدون متحدث عن الثورة، وأنا لا أجد فى العمل مغامرة على الإطلاق».
أما بالنسبة للناحية المادية فيكشفها المنتج قائلا: هذا العمل مخرجته حصلت على نصف أجرها وكذلك النجم الكبير محمود حميدة وتقريبا لم تأخذ البطلة أجرًا على عملها وهذا لإيمانهم الشديد بالعمل فدعموه للغاية، ومن وجهة نظرى أن عملاً بهذا الشكل سيعيش كثيرا وسيحصد أموالاً كثيرة فيما بعد من خلال عرضه على القنوات الفضائية».
وعلقت المخرجة هالة خليل على عدم وجود متحدث للثورة وعلى الانقسام الذى حدث بعدها بين مؤيد ومعارض قائلة: ظهر ذلك فى مشهد داخل الفيلم وهو مرور البطلة بميكروباص وطلبت من المتظاهرين فتح الطريق لكى تصل إلى عملها حيث قالت خليل: هذا المشهد حدث بالفعل فى الواقع وأنا حضرته حيث كان سائقو التاكسى والميكروباصات بيمروا بينا ويسبوننا ويتهموننا أننا السبب فى وقف حال البلد وأننا السبب فى معاناتهم، ونحن كطبقة وسطى نزلنا إلى الشارع من أجلهم وهذا كان موجعًا بالنسبة لى، وأنا تفهمت ذلك بسبب أن الإعلام لعب دورًا كبيرا فى ذلك وحدث انشقاق بين الناس».
• ظهور متميز
من خلال أحداث الفيلم شاهدنا معا ظهورًا مميزاً لإحدى المواهب الشابة وهى رحمة حسن التى عبرت عن سعادتها بتجربتها فى «نوارة» وتحدثت عن أهم محطات مشوارها الفنى قائلة: «شاركت بالفعل فى أعمال كثيرة ولكن جميعها أدوار صغيرة منها مسلسل «الداعية» وفيلم «العالمي»، وعندما عرض عليّ فيلم «نوارة» كان مغريا بالنسبة لى بسبب الكاست الذى يعمل فيه، المخرجة هالة خليل ومنة شلبى والمنتج صفى الدين محمود».
• المختلف.. محمود حميدة
• صباح الخير: ما بين عبقريته كفنان، وبين احترافه لأداء شخصية الرجل ذى السلطة ورأس المال فى أكثر من عمل فنى.. نذكر منها «الوسية»، وأخيرا «نوارة»، يظل التساؤل يطرح نفسه حول مدى احترافية محمود حميدة فى أداء تلك الشخصية ذات المضمون الواحد التى تفاجئنا كل مرة نشاهدها بشخصية مغايرة عن الأخرى سواء على مستوى الأداء أو نبرة الصوت؟
- يقول محمود حميدة: «فى الأصل جميع الشخصيات مختلفة فى كل شيء، فإذا تحدثنا عن المضمون، فهو مما لا شك فيه أنه مختلف، لأنه مؤسس على أشياء كثيرة سابقة على الإعلان عن الشخصية، فمثلا شخصية الخواجة فهو شخصية قادمة من مجتمع آخر، هذا المجتمع لديه مفاهيم وعادات مختلفة، فماذا عن تعامله مع هذا المجتمع المختلف، وفى حال كان المضمون مختلفا، إذا ليس هناك شخصية تشبه الأخرى، وهذه قضية مثارة فى مهنتنا، حيث الأدوار النمطية، وفى رأيى ليس هناك دور نمطى، ولكن ما يجعلها كذلك هو مفهوم الممثل عن الدور، نضيف لذلك أن التمثيل فى مجتمعنا مقتصر على التقليد، والتقليد هنا بمعنى التقليدى، فالقولبة من وجهة نظرى المسئول عنها هو الممثل وليس أى شخص آخر، أما المخرج فهو المسئول عن التوجيــه الدرامـــى، ولكــــن قــــد يكـــون المعــوض عن التفاهم المفقود بينهما هو وعى كليهما عن الآخر، المخرج والممثل، فعلى سبيل المثال هالة تقوم بالتوجيه الدرامى وأنا أنفذه، ولكن إذا افترضنا أننى أعتبرها مخرجة صغيرة، ولا تعى شيئا وأنا أستاذ كبير، بالتأكيد أدائى سيكون معيبًا، ومن المستحيل أن يفيد الوحدة الكلية التى تدور برأس هالة، لذلك يجب عليّ أن أتفاهم، فأنا دائما أحافظ على المسافة بين معتقداتى الشخصية حين أتعامل مع الآخرين، وللعلم هذا الأمر لم أتقنه إلا منذ أعوام، تقريبا عقب وصولى لسن الخمسين، ألا وهو نقد الذات».
• صباح الخير: وماذا عن المسافة بينك وبين مشاركتك فى عمل لديه وجهة نظر معينة، فعلى سبيل المثال «نوارة»، فالعمل يكاد يكون الدرس المستفاد منه بالنسبة للمشاهد أن الثورة قد انسحقت، فهل هذا موقف النجم محمود حميدة فى الحياة؟ وإذا كانت هناك رؤية أخرى، فكيف تقنع نفسك بها؟
- أنا شخصيا أجيد رسم الشخصية ولعبها، فأنا معروف فى سوق العمل بهذا المفهوم، فقد يُعرض عليّ عمل ضد معتقداتى، بالتأكيد سألعبه، هذا بعيدا عن التعريفات والعناوين الكبرى التى تفيد أن العمل يقدم رسالة، فأنا لا أؤمن بهذا، فهو مشروع بحثى، وما أعجبنى على سبيل المثال فى نوارة هو عرض الموضوع بحيادية شديدة حتى وإن كانت المخرجة هالة خليل لديها رؤية شخصية حول مفهومها عن مسألة الغنى، إلا أن العرض أتى حياديا بشكل كبير ولم ينحز لوجهة نظر بعينها.
فهناك سوء تفاهم يجب حله حتى يعيش المجتمع، فالثورة ليست نهاية الحياة بل البداية، ولكن يجب أن يسودها نوع من الحوار المستنير، الذى لا نملك أدواته، فنحن بحاجة إلى غيرية هذه الغيرية بحاجة إلى نقد الذات ومعرفة الهدف من الحوار، وأيضا الإطار الذى يشمل الحوار، هل هو علمانى أو ليبرالى وإلا فلن يصل إلى نتيجة، فى النهاية السيناريو حقق لى جزءًا من هذا، لأننى على المستوى الشخصى لديّ مشكلة، فأنا لم أعد أستطيع التفاهم حتى مع أشقائى، فالجميع أصبحوا مختلفين الزوج والزوجة، الأخ وأخوه، الأب وأبناؤه».
• الثورة لم تنسحق
• صباح الخير: ماذا عن محمود حميدة الإنسان ووجهة نظره.. فهل يرى أن الثورة بالفعل انسحقت؟
- «لا، لم تنسحق، وبرأيى أن هذا النموذج من الثورة يفارق جميع أشكال الثورات السابقة فى الإنسانيات، فالثورة هى حالة إنسانية اجتماعية، فأنا منذ اللحظة الأولى مشاهد فقط وغير مشارك بأى صورة من الصور، لأننى كنت على قناعة أننى لم أفعل تلك الثورة، وإن كنت تمنيت ذلك، فمنذ أول يوم قرر بناتى النزول إلى الشارع، ولكن والدتهن رفضت ولكننى أقنعتها بنزولهن، فقد كان نقاشًا أساسه خوف الأم على بناتها، ولكن فى النهاية نزلن إلي الشارع وغنين من الحى السابع حتى ميدان رابعة العدوية، فإذا بالأعداد تتزايد إلى أن وصل عددهم عشرين ألفا، وهذا رقم كبير ومن ثم إلى ميدان العباسية حيث توقفت المسيرة ليفاجأوا بالعدد الذى وصل إلي 150 ألف شخص، هنا كان عليّ أن أتخيل فى حال قررت أنا شخصيا النزول إلى الشارع لدعوة الآخرين لأمر ما.. فأنا أراهن لو قدرت أجمع خمسة أفراد، أثناء تلك اللحظة أدركت أن تلك الثورة لا تخصنى، وبالفعل التزمت مكانى كمشاهد ومتفرج».
• لا أفهم فى السياسة
• صباح الخير: كنت بطلة لاثنين من الأفلام السينمائية الشهيرة عن ثورة يناير، الأول هو فيلم «بعد الموقعة» والثانى هو فيلم «نوارة» فمن خلال كلا العملين تم تناول لقطة بعينها من لقطات ثورة يناير ليتم على أثر ذلك تصنيف كلا العملين باعتبارهما من الأفلام السينمائية السياسية ولكن ما هو موقف بطلة كلا العملين منة شلبى من السياسة؟
تقول منة: «باختصار أنا لا أفهم فى السياسة على الإطلاق، بمعنى آخر أنا جاهلة سياسيا، ولكن هذا لا يتعارض مع كونى إنسانة، وبالتحديد «إنسانة عندها دم»، منذ سبع أو ثمانى سنوات هذه الإنسانة عندما كان يحاورها أحد فى بعض المصطلحات السياسية بالتأكيد لا تفهم شيئا مما يقوله، هذا على عكس الوقت الراهن، الذى أصبح الحال بالنسبة لى أو لغيرى من المصريين مختلفا، فالسياسة شئنا أم أبينا فى الوقت الحالى أصبحت جزءًا من حياتنا، دون أن أسعى لأكون مثقفة سياسياً، ومع سعيى الدائم لتطوير نفسى، ومع ما يمثله لى الإنسان لا السياسة، فأنا معنية أكثر بالإنسان دون السياسة».
• صباح الخير: ولكن ماذا عن المسافة بين منة غير المثقفة سياسيا وبين تلك الأعمال التى تم تصنيفها أفلاما سياسية؟
- «إذا بدأنا من «بعد الموقعة» سنجد أن ظروفه تختلف تماما عن «نوارة»، بمعنى أن «بعد الموقعة»، فيلم من إخراج يسرى نصرالله، هذا المبدع الذى قام بعرض الفيلم عليَّ فى الوقت الذي كنت أحلم فيه بالقفز إلى مركبه بشتى الطرق، بغض النظر عن نوعية الفيلم، فقط لأنى «عايزة أشتغل مع يسرى نصرالله، لذلك سرعان ما وافقت على تقديم بعد الموقعة الذى بالصدفة هو فيلم سياسي».
وتواصل منة حديثها قائلة: «أما عن «نوارة» فالقصة مختلفة تماما، فمنذ عرض القصة على، لم أمكث طويلا لقراءتها، ثم لم أمكث كثيرا لمحادثة هالة خليل مخرجة وكاتبة العمل لإبلاغها بموافقتى وتحمسى الشديد للفكرة اتفقنا على أن فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسرى نصرالله على جميع الأصعدة هو فيلم سياسى، أما نوارة فالسياسة بالنسبة له من وجهة نظرى هى مجرد خلفية، أما المضمون فما يعنيه هو الإنسان، حيث أسامة بك، ذو السلطة، الذى يأمر فيطاع، والذى فجأة ينتابه الخوف والقلق نحو حال البلد، ليصبح الحل الوحيد بالنسبة له هو الرحيل عن البلد الذى أصبح مجهولا مصيره، ومصيرهم فيه، وهنا لابد أن نتفق على أمر بعينه ألا وهو أن الكثيرين ممن تواجدوا فى ثورة يناير ليسوا جميعا أفرادا مثقفين سياسيا، فالأغلبية إذا دققنا بالأمر سنجد أنهم نزلوا إلى الميدان بدافع الخوف والقلق على لقمة العيش، من هذا المنطلق اتخذت من «نوارة» فيلمًا إنسانيًا أكثر منه فيلماً سياسياً.
• من القصر إلى الحارة
• صباح الخير: فيما يخص رحلة «نوارة» اليومية من القصر إلى الحارة كيف رأت منة أو «نوارة» كلا العالمين؟
أكدت منة: «بالنسبة لى كمنة أنا عادة لا أرى شيئا، أما إذا تحدثنا عن «نوارة»، فهي ولا مرة كانت تلك الفتاة التى تنظر لما تتضمنه الفيلا، فهى بعمرها لم يكن يعنيها الفارق فى كل من الحياتين، فقط كل ما كان يعنيها هو جدتها التى قد تموت فى أى لحظة».. وهنا تعلق المخرجة هالة خليل: «أثناء التصوير فوجئت بمنة توجه لي سؤالا فى لقطة صامتة بسيطة للغاية، ألا وهى ذلك المشهد الذى كانت تنظر أثناءه إلى رحمة فى حمام السباحة، فإذا بها تسألنى عن حقيقة تلك النظرة، فهل هى نظرة حاقدة أم أنها تنظر متمنية أن تكون فى مكانها ولكن على حياء وحب لتلك الأسرة، فى الحقيقة أنا سعدت بالسؤال، وهذا لأن «نوارة» تركيبة علاقتها بالأسرة ليست علاقة أحادية، بل هى علاقة مركبة لأنها فى النهاية أسرة طيبة وتتصدق عليها وعلى أمها، وبالتالى تقوم نوارة بعزل هذه الأسرة عن السياق العام تماما».
• مغامرة
• صباح الخير: هل كان التصدى لانتاج هذا الفيلم مغامرة بحكم أنه يكسر القاعدة ويسير عكس السائد من الأفلام الحالية ؟!
وهنا تقول هالة: «مبدئيا نحن لا نفكر على هذا الأساس، حيث تقديم فيلم يسير وفقا أو عكس التيار، فبالنسبة لى فتفكيرى عادة ما يكون فى تقديم فيلم ما وموضوع ما، هو باختصار سبب فى ضيقى من الداخل، بمعنى آخر «منغص عليّ عيشتي»، ولكى أتخلص منه يظل الحل الوحيد هو خروجه على الورق ومن ثم البدء فى مساعدته لإيجاد المنتج المناسب، ورحلة عادة أخوضها بإخلاص وأمانة قد أوفق فيها أو لا، فقبل «نوارة» كان هناك سيناريوهان خضت معهما رحلة البحث عن منتج ولكننى للأسف لم أجده، لذلك بنفس الأمانة والإخلاص وضعتهما بالدرج، خاصة أنه كان قد حان موعد موضوع آخر للإلحاح على ومضايقتى، بالضبط كما هو الحال الآن، موضوع هناك فيلم يضايقنى أجتهد للتخلص منه بخروجه على الورق، هكذا تكون المسألة دائما، لذلك فالموضوع دائما ما يكون أبسط بكثير بالنسبة لى، فمن بعد فيلم «أحلى الأوقات» جاءت لى سيناريوهات كثيرة للقيام بإخراجها، ولكنها لم تكن ما أبحث عنه وما أطمح لتقديمه، لذلك قررت أن أجلس برفقة نفسى لبعض الوقت، وقد كان سؤالى لها كالآتي: «ماذا أريد أن أقدم للفن ولماذا أريد أن أقدم سينما؟! ولماذا أسعى للإخراج؟!، وقد كانت الإجابة التى ترتب عليها الكثير من التبعات، التى لم تكن مفاجئة بالنسبة إلى، تلك التبعات قد يراها البعض خسائر وإن كنت لا أراها هكذا، من أبرز تلك الخسائر ألا أكون تلك المخرجة التى يتسارع على العمل معها المنتجون، وألا أكون تلك المخرجة التى تحقق أفلامها أعلى الإيرادات، ففى مواجهة صريحة مع نفسى صارحتها بكل تلك الحقائق حتى لا تتفاجأ بعد ذلك، ولكننى أيضا واجهتها أن ما أناضل من أجله هى أفلام كنت وسأظل على إيمان شديد بها وعلى درجة عالية من الإخلاص لها، وبالتأكيد هناك بعض الأشخاص لطالما قمت بتقديرهم، وبالمثل سيقدرونك وهذا فى حد ذاته مكسب كبير، فى الوقت نفسه المشاركة المتميزة من خلال أبرز وأشهر المهرجانات التى بمثابة نافذة سينمائية عظيمة، حيث التواجد فى محافل سينمائية ومشاهدة أهم الأفلام لأشهر الفنانين ولقائهم ومناقشة أعمالهم، هو أمر فى غاية الأهمية ومكسب كبير ينبغى ألا نغفله، تلك الحالة التى بدأت منذ عام 1997 فهي من المكاسب العظيمة بالنسبة لى، فكرة أننى قدمت فقط ثلاثة أفلام هى إجمالى رصيدى الفنى بالمناسبة هذا الأمر لا يسبب لى الضيق ولا يزعجنى على الإطلاق، بالتأكيد أتمنى أن يزيد الإيقاع، ولكن هذا لا ينفى أن الثلاثة أفلام هى ما كنت أتمنى تقديمها ولدى من الرضا ما يكفى ويفيض تجاه كل منها، باختصار فالفكرة محسومة منذ «أحلى الأوقات»، وما ترتب عليها أننى قررت أن أكتب إلى جانب الإخراج، ففكرة المخرج المؤلف هى اختيارى مما لا شك فيه.
• أفضل ممثلة
• صباح الخير: هل جاءت جائزة أفضل ممثلة من مهرجان دبى السينمائى الدولى فى دورته الثانية عشرة تتويجا لأداء النجمة منة شلبى عن دورها فى فيلم «نوارة»، أم احتفاء بمجمل أعمالك الأخيرة ومنها «حارة اليهود» ؟
وهنا تقول منة: «على الإطلاق، فإذا كنا نتحدث عن «حارة اليهود»، فهذا المسلسل كيان مستقل بذاته بعيد كل البعد عن «نوارة» الذى يعد أيضا كيانًا مستقلاً بذاته، ولكن فى الحقيقة ما أسعدنى فى الجائزة أننى سبق لى العمل مع رئيس لجنة تحكيم المهرجان وهى بالمناسبة مخرجة هندية وأنا على دراية تامة بأنها شخصية دقيقة جدا، لذلك لم أكن أتوقع على الإطلاق الحصول على الجائزة، على الصعيد الآخر، أنا لم أشعر أن الجائزة لها علاقة بما سبق وقدمته من أعمال، ولكن إذا كان المقصود من ذلك أننى أصبحت أكثر نضجا، فهذا حقيقى بالفعل، فأنا بدأت آخذ مهنتى بشكل أكثر جدية، وأكثر احتراما، المعروف أننى بدأت العمل فى الفن فى سن مبكرة فقد كنت فى السادسة عشرة، وقد كان لدى وقتها صراع بين الفتاة والفنانة وبصراحة لفترة طويلة نجحت الفتاة فى السيطرة على أكثر من الفنانة، إلى أن اكتشفت موضوعًا شخصيًا للغاية ألا وهو أن الفنانة التى تكمن بداخلى لابد أن تتطور وفى الوقت نفسه كانت الفتاة أيضا فى طريقها للتطور وكشف الكثير عن نفسها، منذ تلك اللحظة وقد أدركت أنه عليّ أن آخذ عملى من منظور آخر، وبالفعل منذ أكثر من عام بدأت فى النظر إلى عملى بشكل أكثر جدية وهناك رغبة تلح عليّ لتقديم أعمال متنوعة، بعيدا عن النمط السائد بين أبناء جيلى، حيث تقديم عمل واحد أو عملين على الأكثر على مدار العام، فأنا أرى أن قدرتى عقب عشرة أو عشرين عاما لن تكون كالوقت الحالى، والنتيجة رصيد فنى لا يتجاوز العشرين فيلما وهو ما لا يعد ثروة فيلمية، لذلك قررت السعى خلف النص والمخرج المناسب، الذى سينجح فى الكشف عن منطقة ما لم أكن أتخيلها فى نفسى كممثلة، والحقيقة أن أكثر سعيى وراء المخرج لأننى مؤمنة أننى إذا صادفت نصًا جودته 80 % فقط فالمخرج القوى قادر على أن يجعل جودته 100 % على عكس إذا كان المخرج ضعيفًا والنص جيدًا أعتقد أن المخرج سوف يؤثر عليه ولن يقدمه بالجودة التى يستحقها، على هذا الأساس أصبح معيار اختيارى فى الوقت الراهن المخرج أولا يليه النص، والأهم من هذا وذاك هو إيمانى بما أقدمه».
• إبداع الديكور
• صباح الخير: من أبرز أيقونات «نوارة» التى أشاد بها الجميع أيضا عقب عرض الفيلم هو الديكور الذى قامت الفنانة هند حيدر بوضعه.. كيف تعاونتم؟!
وتقول هالة خليل: «هند كانت الأقدر على إعادة تأسيس ديكور «نوارة» لتضع بشكل دائم بصمتها كفنانة، فعلى سبيل المثال بيت «نوارة» الذى قمنا بمعاينته وكانت حجرة «نوارة» مجرد مخزن مغلق منذ أعوام فإذا بهند تقوم بإعادة تأثيثها ودهانها وفرشها من خلال الكثير من التفاصيل التى كان لها الفضل فى اختيارها، فهى فنانة لديها من الحلول كل ما هو فورى وممتاز.. مهمة فى غاية الأهمية كانت مصدر إشادة الجميع هى مهمة مهندسة الديكور الشابة هند حيدر التى قالت عنها: «ما بين الإباجية وبولاق أبو العلا، كان جزء كبير من رحلة «نوارة» وحالة لونية للديكور، جلسنا لاختيار ألوانها حتى تظهر ملامح حياة «نوارة» دون أن يشعر المشاهد بأى ضيق، بالضبط مثل نوارة، فعلى سبيل المثال حجرتها، ففى البداية كان الاتفاق أن تكون مجرد حجرة متهالكة ولكننا توصلنا فى النهاية إلى حقيقة فى غاية الأهمية ألا وهى أننا لابد ألا نغفل أن «نوارة» إنسانة مرتبة، معروف عنها حرصها الشديد على النظافة، فى الوقت نفسه هى فتاة تعمل وتحصل على أجر مقابل عملها، لذلك فالحجرة لابد أن تكون بها تفاصيل تلك الشخصية المرتبة والنظيفة، فهى مضطرة للعيش هكذا ولكنها تحاول أن تحسن من نفسها وحياتها، وذلك فى ظل الرضا الكامن بداخلها، فى الوقت نفسه لابد من التركيز على علاقتها بجدتها التى تحاول «نوارة» تكريمها وتقديم كل شيء من أجلها وهذا بدا واضحا فى إحساس «نوارة» دراميا، وبالتالى كان لابد أن يبدو مدى اهتمامها ببيتها الذى ستوفر من خلاله الوسائل المريحة من أجل جدتها»..
وتواصل هند حديثها قائلة: «هذا بالإضافة إلى رفض فكرة الفيلم التام لفكرة العشوائية فى المناطق الشعبية، والتركيز والتحيز لفكرة أهم وهى المنطقة الشعبية وأهلها الطيبون وطموحهم نحو حياة أفضل، الذى ما زال موجودًا دون النقمة على حياتهم».
• المعادلة الصعبة
على الصعيد الآخر ننتقل إلى حياة أسرة أسامة بك و«الكومبوند» الذى كان علينا من خلاله إظهار مدى أصالة الأسرة وتحديدا أصالة سيدة الأسرة شاهندا هانم، تلك الإنسانة التى اشتهرت بمعدنها الطيب وطيبتها، فكان علينا أن نظهر ذلك بوضوح من خلال ديكور بيتها فعلى سبيل المثال الصور الأبيض والأسود التى تضمنها، وبالفعل كانت النتيجة أنه على الرغم من فخامة المنزل فإنه لم يحتو على تفاصيل مبالغ فيها للدلالة على الرفاهية المفرطة أو البهرجة المبالغ فيها، فمثلا الألوان التى اعتمدت من خلالها على القاتم منها مثل البنى والزيتى، لمساعدة المشاهد فى الحصول على الشعور المطلوب، فهو دون قصد وجد نفسه يشعر بالضيق تجاه ذلك البيت، ولعل من أبرز تلك الأسباب وراء هذا الشعور هى الحالة اللونية. على هذا الأساس بدا واضحا مدى التحيز للطبقة البسيطة، فدون إرادة تجد نفسك منحازا لنوارة وعالمها، ولكن فى النهاية تظل هناك معادلة، حاولنا جاهدين أن نحققها».
• الموسيقى التصويرية
صباح الخير: أيقونة أخرى كانت محور إشادة الجميع هى الموسيقى التصويرية .. ما هى ظروف لقائك بالفنانة ليال وطفة؟
تقول هالة خليل: إنها كانت من أكثر العناصر التى استلزمت منى رحلة بحث طويلة، فقد كنت أتمنى تقديم عمل موسيقى مميز، وأثناء رحلة بحثى صادفت ليال وطفة، وبالفعل قمت بإرسال أحد المشاهد إليها وتحديدا مشهد الحارات وهو مشهد طويل وفى غاية الأهمية، وبالفعل قامت بعمل الموسيقى وبعثتها إليّ، وبالفعل فوجئت بها وأعجبت بها للغاية، فقد كانت الأقرب إلى ما يدور برأسى فيما يخص الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم، ولكن عقب محاولات للتواصل فيما بيننا عبر الهاتف قررت أن أسافر إليها فى دبى لأننى شعرت بوجود مسافة بينها وبين العمل، فكان علىّ كمخرجته أن أقوم بتقصيرها، وبالفعل التقينا وعملت أثناء هذا اللقاء على إدخالها إلى عالم «نوارة»، عقب ذلك عدت إلى مصر وبعدها بفترة قامت هى بإرسال الموسيقى إليّ، التى أعجبت بها كثيرا وبالفعل أشاد بها الجميع، وهو ما لم يحدث لى مع الفيلمين السابقين من تعليقات وأخبار عن الموسيقى التصويرية للعمل، فهى بدا واضحا مدى إحساسها وموهبتها، وما لديها من أفق واسع رغم صغر سنها.
• مهارات نوارة
• صباح الخير: من جديد نعود للحديث مع النجمة منة شلبى وتحديدا عن «نوارة» ورفيق أغلب مشاهدها وهو الكلب وعن كيفية تحضيرها للتعامل معه وتجاوزها حاجز الخوف منه ؟
وهنا تقول: «هذه ليست المرة الأولى التى أضطر فيها للتعامل مع الكلاب، فأنا أثناء العمل على فيلم «بعد الموقعة» كان علىّ التعامل معها نظرا لأنه كان هناك كلب مقيم معى أثناء أحداث الفيلم، وأثناء العمل على «نوارة» عرضت عليّ هالة أن يقيم معى الكلب قبل التصوير والحقيقة أن الكلب الذى لازمنى طوال تصوير «نوارة» ساعدنى كثيرا فى إنجاز الأمر، لأنه كان كلبا طيبا ومطيعا».
• أحمد راتب مشاركة متميزة
• صباح الخير: ماذا عن المشاركة المتميزة للنجم الكبير أحمد راتب الذى أبهر الجميع بأدائه وجاءت مشاركته إضافة كبيرة لفيلم «نوارة» ؟
وهنا يقول المنتج صفى الدين محمود: أثناء العمل وجدنا أن نصف الفيلم الثانى قائماً على ثلاثة أشخاص هم «نوارة»، الغفير والكلب، لذلك سألت هالة عن إمكانية تحميل شخصية الغفير تفاصيل أكثر، والحقيقة أنها رحبت، فقلت لها أتحدث مع النجم أحمد راتب ففوجئت بها متحمسة للأمر للغاية فى الوقت نفسه كانت المفاجأة عندما رأيت تحمس الفنان الجميل أحمد راتب للفكرة وترحيبه بتقديمها».
• صباح الخير: من خلال «نوارة» لاحظنا تناول المخرجة هالة خليل عنصر السرد أو الحكى عن طريق الأخبار والتوك شو بعيدا عن استخدام بعض المشاهد الموثقة، الأمر الذى دفع البعض ليبرهن أن هذا الأسلوب أنه وسيلة للتخفيف من وطأة الثورة ؟
- قالت هالة: «هذا اختيار فنى، فمشاهد الثورة من وجهة نظرى كان من الممكن أن تشوش على الصفاء المطلوب من خلال كلا العالمين اللذين تنتقل فيما بينهما بطلة الفيلم، وفى نفس الوقت كان وجود مشاهد الثورة أمرًا لا جدال عليه لذلك لم يكن أمامى سوى الاعتماد على الراديو والتليفزيون وبرامج التوك شو والنشرات التى اعتمدت استخدامها استخدامًا دراميًا ًموازيًا لرحلة تصاعد الحلم، بداية من النشرة وفكرة عودة الأموال، ومن ثم نمو الحلم مرورا بمشهد خروج أسامة بك مهزوما إلى أن وصل الحلم لنهايته، ومن ثم الخفوت ومطالبة الشارع بعودة الأموال المنهوبة، وهو ما بدا واضحا فى مشهد على بالمحل، ومن ثم نفى النيابة تباطؤها بالتحقيقات، وأنه لم يتم التحفظ على ثروة مبارك وهكذا خفوت تدريجى فى الحلم تزامن مع نهاية «نوارة» ومصيرها». •



