الأربعاء 16 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أخطاء عبد الناصر الكبرى

أخطاء عبد الناصر الكبرى
أخطاء عبد الناصر الكبرى


فى لحظة ينطفئ الضوء الذى أبهر الجميع ويدرك ناصر .. أن هناك خطأ ما !
وأن هذا الخطأ.. كارثة.. بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
وهنا تظهر معادن الرجال ويعلنها صراحة.. إننى مستعد لتحمل النتائج كاملة.. وتحمل المسئولية كلها..
هذا هو ناصر..
وهذه هى أخطاؤه!
من كان منا بلا خطيئة،فليرم الناس بحجر.. هكذا قال المسيح عيسى عليه السلام، فالخطأ سمة بشرية، ولا أحد معصوم منه. وهناك أنواع من الخطأ: خطأ يعود على صاحبه ليتعلم منه، وخطأ يصيب المقربين فقط، لكن أصعب أنواع الأخطاء هو ما يعود على جماعة أو أمة بأكملها، لأنه كما يقال فى العامية (الغلطة بفورة).
 
ونحن اليوم لا نجلد عبد الناصر أو نلقى اللوم عليه، فهو زعيم وطنى راحل اهتم بالقومية العربية، وسعى ليرفع كرامة المواطن المصري؛ لذا أحبه المصريون جميعا وحزنوا عليه كثيرا عند وفاته، لكنه كأى سياسى فى موقع الحكم، ارتكب أخطاء فى حقيقة الأمر ليست مقصودة، إنما هى فى نهاية الأمر.. أخطاء كلفت مصر الكثير.. نتعرض لها فى السطور القادمة.
الخطأ الأول: عزل اللواء محمد نجيب
من منا لا يعرف أن اللواء محمد نجيب كان الرتبة الأكبر والأقدم فى مجموعة الضباط الأحرار، وبناء عليه فعند القيام بثورة.. 1952 تم توليه رئاسة الجمهورية، ليصبح أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بعد ذلك اختلف معه مجلس قيادة الثورة حول طريقة الحكم وأجبروه على الاستقالة، وتولى عبدالناصر بدلا منه، على الرغم من أن الشعب ثار ضد هذا القرار فرجع مرة أخرى فى مارس 1954، لكنه أجبر نهائيا على ترك منصبه نوفمبر من نفس العام.
يقول اللواء مختار قنديل -الخبير العسكرى: لا أحد منا يمكن أن ينكر الدور الوطنى لعبد الناصر، ومحاولته إعلاء كرامة المصرى، لكنه فى رأيى أخطأ للمرة الأولى، أو بمعنى أدق تسرع فى عزل محمد نجيب الذى كان قائدا لثورة، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته، على الرغم من أنه كان برتبة لواء، وكان من الممكن أن تحل اختلافات وجهات النظر بطريقة أخرى غير الإقصاء.
فعبدالناصر مشكلته فى رأيى أنه كان منفردا برأيه وقراراته، فكانت لابد أن تنفذ لدرجة أن من كان يخالفه فى الرأى من مجلس قيادة الثورة كان يقصيه جانبا.
الخطأ الثانى: آلية القضاء على الإقطاع
يستكمل اللواء مختار قنديل شهاداته قائلا: فى رأيى.. من الأخطاء التى ارتكبها عبد الناصر أيضا طريقته فى الإصلاح الزراعى والقضاء على الإقطاع، حيث حدد ملكية 100 فدان لكل أسرة، وصلت بعد ذلك إلى 50 فقط، فكان ذلك نوعا من القسوة على أصحاب الأراضى، فضلا عن أنه ثبت بعد ذلك أنه كلما كانت الملكية للأرض أكبر، كان ذلك أفضل فى التعامل مع الأرض وإمكانياتها، ويسهل تشغيل الآلات والمعدات، وأيضا الحفاظ عليها.
فكان من الممكن أن يساعد الناس عن طريق رفع أجور العمال، وتحسين مستواهم المادى، أو حتى اقتطاع جزء من هذه الأراضى لكن ليس بهذا الجذر.
الخطأ الثالث: وحدة مصر وسوريا
كان ناصر بطبعه متحمسا جدا للقضاء على الاستعمار، وتحرير الدول العربية والأفريقية، وهذا ليس عيبا فيه، أو خطأ منه؛ لكنه كان فاتحا باباً لمساعدة إفريقيا والدول العربية اقتصاديا وعسكريا بكل الوسائل، مما حمل الدولة أموالا فوق ميزانيتها، وولد ضغطا.
أيضا ورطة الوحدة بين مصر وسوريا، فقد كان معروفا عن الشعب السورى أنه متقلب جدا، وقد تسرع عبدالناصر فى موضوع الوحدة، على الرغم من أن الوحدات لا تأتى بهذا الشكل، بل لابد من استفتاء، واتفاقات مسبقة، وبالفعل تأكد بعد ذلك أن تلك الوحدة كانت خطأ؛ فتم حلها عام 1961.
الخطأ الرابع: التأميم الاجتماعى
أما فى عام 1962 فقام بعملية تأميم اجتماعى، وأمم مصانع وشركات كثيرة، حتى المبالغ التى يمتلكها الناس تم تقنينها بحد أقصى 10 آلاف جنيه لكل أسرة، والباقى يؤخذ منهم، ولذا شعر الناس بالضيق والقهر الشديد، وفى النهاية أغلقت المصانع ولم تعمل كما كانت، مثل: مصانع سيارات وزجاج، وغيرها من السلع التى كنا نتميز بها.
الخطأ الخامس: حرب اليمن
الخطأ الآخر الذى ارتكبه عبدالناصر كان حرب اليمن، ففى عام 1962، كان هناك إمام اسمه محمد البدر حميد، عشقه اليمنيون، لكن جاء المشير عبدالله السلال، وقام بانقلاب وأعلن الجمهورية، فقام عبدالناصر بإرسال ما يقرب من 95 ألف جندى مصرى لمساعدته، ولم تكن هناك دراسة كافية لعواقب ذلك.
وعلى الرغم من أن الجمهوريين انتصروا لكننا فقدنا الآلاف من جنودنا، وعاش جنودنا فترة قاسية نظرا لصعوبة التضاريس هناك، ولم يكن يصل إليهم طعام أو سلاح، مما أثر على مستوى جيشنا بعد ذلك فى 67، وحدوث النكسة، واستنزاف مواردنا.
الخطأ الأكبر: نكسة 67
أما موضوع النكسة فكان الخطأ الأكبر لعبدالناصر، فكل ما سبق ذكره مهما عظم سوؤه كان شأنا داخليا، لكن الهزيمة وضياع الأرض كانت خطأ فادحا.
 كان وزير الدفاع وقتها المشير عبدالحكيم عامر الذى كان نائبا للقائد الأعلى، ووقت اعتداء اسرائيل على سوريا فى مايو 1966خرج عبد الناصر، وألقى خطبة حماسية، قائلا: لو حدث اعتداء على سوريا سندمر إسرائيل تدميرا، ثم ذهب لشرم الشيخ وأغلق خليج العقبة، وارتكب خطأ فادحا لأنه عند إعلان الحرب على دولة، أن تكون قواتى جاهزة  وعلى أتم استعدادها؛ لكن الجيش لم يكن جاهزا آنذاك، وإسرائيل كانت تنتظر الفرصة، فضربت الطائرات على الأرض، واحتلت سيناء.
للأسف لم يكن أيضا يهتم بإعداد الجيش من الناحية العسكرية، فأضعف الإيمان لم يكن هناك دشم لحفظ الطائرات العسكرية، فكان سهلا على إسرائيل تدميرها.
فهزمنا بمجرد ضربة الطيران، حتى حشد الجيش للأسف لم يكن منظما وفق تكتيك عسكرى، وقد رأيت هذا بعينى فقد كنت فى اللواء الرابع مشاة، لدرجة أن قائد الجبهة قبل النكسة اللواء عبدالمحسن كامل مرتجى سأل عبدالناصر عن مهمته، وهل دوره دفاعى أم هجومى؟! فلم يرد عليه أحد.
مذكرات اللواء مرتجى
بعدما ذكر لى اللواء مختار قنديل حادثة اللواء عبدالمحسن مرتجى قائد القوات البرية وقت النكسة، رجعت لمذكراته، فوجدته يشهد فيها أن عبدالناصر على المستوى الإنسانى كان رجلاً محترمًا، لكن مشكلته أنه كان لا يسمع سوى صوته فقط، وهذه مشكلته الكبرى.
وعن شهادته بخصوص النكسة، قال:  بعد حرب اليمن بدأت العلاقات تتوتر مع إسرائيل وكان هذا فى عام 1964، وقال لى عبدالناصر لن أحارب إسرائيل إلا فى 1970.
وجاء منتصف شهر مايو 1967، فأصدرت إسرائيل بيانات تحذر مصر من أشياء معينة، لكن عبدالناصر كان مقتنعًا بأن إسرائيل تخاف منه، ولن تدخل فى حرب لهذا قام بإرسال قوات إلى شرم الشيخ، وأمر بإغلاق القناة، لأنه كان يتصور أن إسرائيل لن تدخل الحرب، وسيصبح هو بطلا فى نظر الدول العربية.
وقد رفضت قيادات القوات المصرية والمخابرات إرسال قوات إلى شرم الشيخ، وإغلاق القناة، لكن عبدالناصر فعل هذا بقرار منفرد، وعندما طلب منه قائد القوات الجوية المبادرة بالضربة الجوية الأولى، وحذره من خطورة قيام إسرائيل بهذا قال له عبدالناصر: (أنت عايزنى أقف قدام أمريكا.. متخفش مش هيحاربوا).
الخطأ السابع: مجانية التعليم
أما بالنسبة لمجانية التعليم، فلا أحد يستطيع أن ينكر أهميتها الكبرى، لكن للأسف لم تستمر آلياتها كما ينبغى، فكان لابد أن تكون المجانية للمتفوق فقط، فكيف أكافئ طالبا يرسب، وأجعله يتعلم مجانيا، ليستمر فى الرسوب.
وعلى الرغم من أن هذا النظام أتاح لأولاد الفلاحين والعمال البسطاء غير القادرين الفرصة فى التعلم، لكن الخطأ أنها أضاعت فرصة السعى للتفوق، فالجميع يلتحق بالمدارس والجامعات، والراسب يعيد السنة مرة أخرى.
تصحيح  الأخطاء
يلتقط طرف الحديث اللواء محمد طنطاوى، قائلا: لكل منا أخطاء ومميزات، وجمال عبدالناصر عندما أخطأ حدثت له إفاقة وبدأ فى إصلاح ما أخطأ فيه بالفعل والدليل على ذلك هو حرب الاستنزاف ومن قبلها قرار التنحى الشهير الذى خرج فيه وحمل نفسه المسئولية كاملة، وأعلن أنه سيتنحى لهذا السبب، لكن الشعب خرج بالآلاف ليعلن أنه متمسك به، وأنه يسامحه.
وبالفعل بدأ عبد الناصر إصلاح خطئه، وجمع الجيش ووحده وبدأ فى تدريبه مرة أخرى وبث الثقة فى نفسه، وذهب إلى السوفييت واتفق معهم على إرسال أسلحة لمصر خلال فترة، لكنه لم يستطع إكمال مايفعله لأنه توفى عام 0791.
أما بخصوص ما فعله فى التأميم الاجتماعى، والإصلاح الزراعى.. صحيح أنه كان قاسيا جدا فى طريقة التأميم والإصلاح، لكن إذا سألنا أنفسنا: لماذا فعل ذلك؟ سنجد الإجابة أنه فعل ذلك من أجل الفقراء الذين كانوا يمثلون غالبية الشعب فى ذلك الوقت، وكان الإقطاعيون يمتلكون كل شىء، والفلاح يعمل عندهم بالسخرة، ولم يكن له أى حق فى امتلاك أى شىء، ولذا فعندما جاء عبد الناصر كان منفعلا جدا لأنه كان واحدا من الشعب، وأراد أن يرد للمصرى كرامته ومن هنا جاء هذا الأمر.
نفس الأمر بالنسبة للتعليم الذى كان مقصورا على طبقة الأغنياء فقط، فجاء ليجعل التعليم مجانياً فالكل له الحق فى ذلك غنى أو فقير.
وهنا يأتى السؤال الأهم: ماذا فعلنا نحن لإصلاح ما نراه خطأ؟ بالنسبة للأرض الزراعية: أين هى الآن، فللأسف لم تعد هناك أى رقعات زراعية، لقد تم تجريفها كليا.. حتى ما فعله عبد الناصر لم نستطع الحفاظ عليه، نفس الأمر بالنسبة للتعليم، فوقت عبد الناصر كان التعليم المصرى يحتل الصدارة فى العالم، أما الآن فقد أصبحنا فى مرتبة متدنية جدا بعد أن ساءت المنظومة التعليمية، لدرجة أن الناس أنفسهم أصبحوا لا يفضلون التعليم المجانى، وأصبحوا يتهافتون على الخاص بدلا منه. علينا أن نعيد ترتيب حساباتنا وإصلاح كل ما فسد، والتأكد من أن عبد الناصر حينما فعل ذلك كان هدفه الأوحد هو إعلاء كرامة المصرى. •