الخميس 4 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الموت الرخيص بلا سبب أو ثمن

الموت الرخيص بلا سبب  أو ثمن
الموت الرخيص بلا سبب أو ثمن


فى عشرة أيام دفع عشرات المصريين أرواحهم ثمنا لإهمال جسيم، أكثر من أربعين ضحية فى الوراق وأربعة أطفال فى بنى سويف نتيجة تسمم محلول الجفاف وستة وعشرون عاملا فى العبور ضحية للعمل فى مصنع بدون ترخيص يفتقر إلى أبسط معايير السلامة المهنية كل هذا يؤكد أن المصرى يموت بلا ثمن، منتهى الرخص.

 فقد يفقد حياته وهو يعبر الشارع أو داخل مستشفى يتلقى علاجًا من جرح بسيط ليخرج منه مصابا بفيرس خطير، وقد أصبحت جملة «نحن لا نأمن على أطفالنا» جملة نسمعها كل يوم من كل أم وأب فإذا لم يمت الطفل فى طريقه للمدرسة ربما يمت من كيس شيبسى منتهى الصلاحية أو مسمار فى رغيف خبز أو لبن فاسد أو علبة بسكويت مصنعة فى مصانع بير السلم، فقد أصبح الإهمال جزءًا لا يتجزأ من صناعة المواد الغذائية فى مصر وأصبح المتابع للحالة الموجودة فى مصر لا يعرف من هو المسئول عن كل هذه الفوضى هل هو الإهمال أم الفساد؟ أم الاثنان معا؟ وعلى من تقع المسئولية؟ وكيف يكون لدينا ما يقرب من 30 جهة رقابية ولا نشعر بأى تحسن حتى ولو طفيف؟ وكم تبلغ فاتورة الإهمال والفساد؟ أسئلة عديدة طرحناها فى هذا التحقيق لنعرف لماذا يموت المصريون بلا سبب.
فطبقا لتقرير مؤشر مكافحة الفساد، والذى يصدر عن عالم واحد للتنمية فى إطار برنامج الشفافية والنزاهة.. الشهور الثلاثة الماضية لم تشهد أية إجراءات من جانب الحكومة بشأن إشكالية تداخل اختصاصات الجهات الرقابية، الأمر الذى يحد من مدى فاعلية أعمال الرقابة من جانب الجهات والمؤسسات الرقابية فى مصر، التى تصل إلى أكثر 30 جهة رقابية.
فى ذات السياق كشف التقرير الرسمى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2013، وقوع 15 ألفا و578 حادثة نتج عنها 6716 قتيلاً و22411 مصابًا.
وتقدر خسائر الاقتصاد المصرى جراء حوادث الطرق بنحو 17 مليار جنيه سنويًا، حسب (التعبئة والإحصاء).
• الرقابة الشعبية
المحامى والحقوقى حافظ أبو سعدة يقول : الفساد مرتبط بغياب الرقابة الشعبية على المؤسسات التنفيذية فلا توجد رقابة أو تفتيش على أى شيء لا مستشفيات ولا طرق ولدينا مؤسسات تتكلف ملايين الجنيهات، ومع ذلك إدارتها وصيانتها تستدعى الرقابة، والرقابة هنا إما من خلال برلمان آو مجالس محلية وهى متوقفة لدينا والقانون الجديد للمحليات يسمح بمشاركة 50% للشباب والمرأة وهذا سيخلق تطويرا إذا عملت بشكل جيد بعيدا عن الفساد.
أبو سعدة يضيف: إذا أردنا محليات قوية فعلينا بإعطائها سلطة الاستجواب وسلطة تنفيذية لا تجعل يديها مغلولة وعلينا انتظار النتائج.
وأضاف: الإهمال والفساد لا يمكن مواجهتهما بدون رقابة شعبية حقيقية ثم تأتى بعد ذلك الأجهزة الرقابية كمباحث الأموال العامة والجهاز المركزى للمحاسبات لضبط الأداء العام، لكن الأداء العام مترد جدا فى الشوارع والمستشفيات وغيرها فيموت المواطن المصرى بلا ثمن.
فلابد من وجود برلمان فى أسرع وقت، حتى على المستوى الدولى واتفاقاتنا مع القوى الدولية لابد من وجود برلمان فهو الذى يراقب الحكومة لا يمكن أن تظل تعمل الحكومة دون أى رقابة من أى جهة فلا يمكن للحكومة أن تعمل بالحق المطلق.
• أوضاع معيشية
الحقوقى محمد زارع يرى أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب المصرى فرضت عليه الموت الرخيص لأنها تدفعه لأن يستخدم أشياء عديدة غير مؤمنة يركب مواصلات ولنشات رخيصة، لا يمكنه أن يعالج إلا فى مستشفيات الدولة التى تفتقر لأى مستوى إنسانى والدولة تغض الطرف عما يحدث من فساد ولا تقوم بدورها أى أن المشكلة مرتبطة بفساد وإهمال فى آن واحد والاثنان لهما اليد الطولى، فحرائق المصانع المنتشرة التى يذهب ضحيتها عشرات العمال لأنها تفتقر السلامة المهنية هى مسئولية الحكومة فأين هى من هذه المصانع ومراقبتها وتأمينها وإغلاقها فى حالة المخالفة، أيضا مصانع الأغذية الفاسدة ومصانع بير السلم التى تسبب الوفاه هى فساد مع إهمال، فى النهاية لا مفر من أن تقوم الدولة بدورها فى إحكام الرقابة وتفعيل الأجهزة الرقابية والتفتيش على المصانع فإذا الدولة قامت بدورها من المؤكد أن الأفراد سيقومون بدورهم.
• انخفاض قيمة البشر
السياسى أحمد بهاء شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى يقول: الموت الرخيص ظاهرة منتشرة فى شعوب العالم الثالث نظرا لانخفاض قيمة البشر ولأسباب خاصة بالقهر والجهل والأمية وانعدام الضمير.
شعبان يشير إلى خبر تخلى وزيرة الدنمارك عن وظيفتها لأنها استخدمت الكارت الخاص بالبنزين والخاص بسيارة الحكومة فى وضع بنزين لسيارتها الخاصة لأنها لم تكن معها أموال وقتها فشعرت بتأنيب ضمير وقدمت استقالتها وهو من الأمور النادرة التى نسمعها فى دول العالم الثالث فمصر تتصدر المراكز الاولى فى الدول ذات المعدلات المرتفعة فى حوادث الطرق، ونزيف الأسفلت يكبد مصر خسائر فادحة ولم نجد وزير النقل يقدم استقالته لكن فى الغرب هناك مستوى عال من تحمل المسئولية، نزيف الإسفلت ليس هو الجريمة الوحيدة التى ترتكب فى حق الشعب المصرى فهناك عشرات الجرائم منها هجرة غير شرعية وأغذية فاسدة.. شعبان يرى أن المشكلة لن تحل بشكل مباشر ولا مع وجود قوانين لأن قيمة الإنسان فى المجتمع قيمة متدنية والمنظومة كلها تحتاج لنسف.
• الحكومة وحدها
ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل وعضو مجلس الشورى السابق يرى أن المسئولية تقع على الحكومة بكل أجهزتها المختلفة فمصر فيها أمر عجيب، فأى عمل تشرف عليه القوات المسلحة نجده ينجز بسرعة وبحرفية عالية على الرغم من ان الشركات المنفذة تكون واحدة لكنها لا تلتزم بأوقات التسليم او مستوى الجودة كما تفعل عندما تسلم للقوات المسلحة فنجد ان مصر نفسها أصابتها الشيزوفرنيا فمصر العسكرية منضبطة بشكل كبير لا فساد فيها او رشوة أما مصر المدنية فتعانى من الفساد والرشوة والمحسوبية.
الشهابى يرى أن الحل فى المنظومة التى تدير العمل فلابد أن نطبق القانون وأن المؤسسات فى مصر تحتاج لإدارة جيدة ولأفكار خارج الصندوق وأشخاص محصنين ضد الفساد بخلاف أن عدم وجود برلمان أو مجالس محلية حتى الآن من ضمن الأدوات التى تفتقدها الدولة لإحكام الرقابة، لكنه بالطبع ليس السبب الرئيسى فالدولة وعدم انضباط إدارتها هو السبب الاساسى للفساد والإهمال.
الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى يرى أن حوادث الإهمال والفساد لها تأثير غير مباشر على الاقتصاد المصرى لأنها بشكل غير مباشر تمنع الاستثمارات فالفساد يعيق الاستثمار ويجعل المستثمرين يفرون هاربين من مصر.
عبده يشير إلى أن الفساد لايرتبط بمسئول كبير بل هو يأتى من اصغر المسئولين فالفساد متغلغل ومنتشر فى مؤسساتنا كلها والفساد بالدرجة الأولى هو فساد إدارى ولا يوجد مستثمر محترم سيقبل على الاستثمار فى دولة كل شيء فيها بالرشاوى والمحسوبية، لذلك يجب تفعيل قانون مكافحة الفساد وضبط منظومة العمل والقضاء على كل ما يسيء لسمعه مصر . مصر لديها 30 جهازًا رقابيًا رغم ذلك هناك كم كبير من الفساد، وذلك يرجع للروتين الحكومى العقيم الذى تعمل به تلك الأجهزة، فضلًا عن عدم قدرة موظفى الحكومة الكبار على التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة.
• هيئة مكافحة الفساد
عبده أضاف: لعل أهم ما يمكن اتخاذه من إجراءات ناجزة تجاه مكافحة الفساد فى مصر، هو إنشاء هيئة عليا مستقلة معنية بمكافحة الفساد، الأمر الذى لم يتم إصدار أية قرارات أو تصريحات بشأنه، وتظل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد التى يترأسها رئيس مجلس الوزراء هى المعنية بوضع الأطر الأساسية المنظمة لمكافحة الفساد التى قامت بدورها بتوجيه الأجهزة والوزارات بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد من خلال تأسيس اللجان المعنية بإداراتها المختلفة. •