الجمعة 11 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

محصول القطن يفضح سوء التخطيط وتخبط الزراعة

محصول القطن يفضح سوء التخطيط وتخبط الزراعة
محصول القطن يفضح سوء التخطيط وتخبط الزراعة


تصاعدت أزمة تسويق محصول القطن، بعد قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بإلغاء قرار الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة، بوقف استيراد القطن من الخارج والسماح باستيراده لصالح مصانع الغزل والنسيج، فيما اعتبر الفلاحون قرار رئيس الوزراء المسمار الأخير فى نعش زراعة وصناعة القطن المصرى «طويل التيلة».
وأعرب الفلاحون، عن استيائهم الشديد من رضوخ رئيس الوزراء لأباطرة المال وبعض رجال الأعمال وفتح باب استيراد القطن على مصراعيه بدلاً من دعم مزارعيه، فى ظل تدنى سعر المحصول وانهياره، وتعرضه للتلف، مما يسبب خسارة كبيرة لهم ويعرضهم للسجن لعجزهم عن تسديد الديون.. لتستمر سلسلة الانهيارات المتتالية لهذا المحصول الاستراتيجى، الذى كانت مصر من أهم الدول المصدرة له وصادراته مصدر الرخاء فى مسيرة الاقتصاد المصرى، وأهم مصادر العملات الأجنبية، حيث اختلف الوضع وتراجعت الصادرات القطنية وفقد الملك عرشه المتوج. وأصبحنا نرى القطن الإسرائيلى وغيره من أقطان الدول الأخرى تغزو الأسواق المصرية وتنافس القطن المصرى العريق داخل وطنه.. وهذه الكارثة جريمة كبرى تتحملها الحكومات المتعاقبة، إلا أن الفلاحين كانوا يأملون كثيراً فى أن تحل مشاكلهم حكومة المهندس إبراهيم محلب.
يقول السيد عطية، فلاح من الشرقية: يجب أن تنتهى حالة التخبط الحكومى، بشأن استيراد القطن من الخارج، فقد حظر الوزير الاستيراد لحين تسويق القطن المحلى ولكن تدخل رئيس الوزراء، وألغى قرار الحظر، وتجاهلت الحكومة لغة الأرقام التى تشير إلى أن الإنتاج المحلى يزيد على مليون و750 ألف قنطار من مساحة مزروعة حوالى 249 ألف فدان بمختلف المحافظات، بالإضافة إلى تسويق مليون قنطار محلى مخزنة فى المحالج للتجار بعد شرائه من الفلاحين الموسم الماضى ولم يتم تسويقها حتى الآن.
 ويضيف «عطية»: قرار حظر استيراد القطن كان له أبلغ الأثر فى رفع معنوياتنا الذى يتماشى مع نصوص الدستور الجديد 2014 وتطبيقاً لنصوصه بأن الدولة ملزمة بشراء المحاصيل الزراعية بما يحقق هامش ربح للفلاح، ولكن تأكدنا أن الحكومة تحاربنا بالمخالفة لدستور البلاد لصالح أصحاب المال والأعمال والصناعة والتجارة، بل لحساب الفلاح الأجنبى الذى تدعمه بمثل هذه القرارات المتذبذبة دائماً وغير المدروسة وبما لا يضمن حماية الفلاح المصرى.
ويقول عبدالله سالم، مزارع من كفر شبين بمحافظة القليوبية: على مر التاريخ كان موسم جنى القطن عرساً سنوياً فى بيوت الفلاحين، وكان القطن الملاذ الآمن لكل أسرة مصرية فى الريف، مرت عليه عصور كان فيها ملكاً متوجاً ينتظره الجميع.. ولكن الآن نعانى من تجارة السوق السوداء خاصة فى الأسمدة والتقاوى وتأجير عمالة لحصاد القطن، ليكون العائد منه أقل بكثير من التكلفة.. والسماد ما بيكفيش، و6 شهور وإحنا نزرع وفى الآخر التاجر بيبيع ويشترى فينا وعاوز يمص دمنا وإحنا عاوزين نخلص علشان نسدد مديونياتنا بدلا من الحجز والحبس.
ويضيف «سالم»، أن فدان القطن تتكلف زراعته أكثر من 800 جنيه على الفلاح مصاريف سماد وكيماوى وسولار وعمالة يومية وتكلفة جمع المحصول زادت بنسبة 50% على الموسم الماضى، وسعره فى النازل بعد ما كان 1800جنيه للقنطار وقت أن كانت للجنيه قيمة، وإحنا بنجمعه علشان نجهز الأرض ونزرع، لكن لا الجمعيات الزراعية بترضى تشتريه ولا التجار، والمحصول بيتعرض للتلف فتجف شعيرات القطن ويخف وزنه وقد يتعرض للأمطار، وما بنعرفش نوديه فين.
ويؤكد إبراهيم سليم، مزارع من الشرقية رفضهم جميعا التراجع فى قرار وزير الزراعة الدكتور صلاح هلال، الذى من شأنه الحفاظ على القطن المصرى، وتدعيم الفلاح المصرى وحمايته.. مؤكدًا ضرورة أن تشترى الحكومة القطن.
ويؤكد أن هناك مناطق اختفت منها بالكامل زراعة القطن، لوجود الكثير من المشكلات التى تواجه المزارعين، منها طول الوقت الذى يستغرقه المحصول، وصعوبة بيعه، وخاصة بعد أن توقفت الجمعيات الزراعية عن شرائه وتسويقه، وارتفاع أسعار المبيدات، وبعد أن كانت الدولة تشجع الفلاح على زراعة القطن طويل التيلة بتوفير البذور والتقاوى، اختفت تقريبا تلك البذور فى الوقت الحالى وأصبح الفلاح يقوم بزراعة البذور والتقاوى قصيرة التيلة وتقريبا جميع الأنواع. وشركات الغزول تهتم بشراء الأقطان رخيصة الثمن، وتوجد عمليات تهريب لبذرة القطن، ما سبب انهيار محصول القطن المصرى. كما أن رفع أسعار الأسمدة والسولار، أدى إلى رفع التكلفة الإنتاجية للقطن ما يضاعف من الخسارة.
ويقول الدكتور سعيد سليمان الأستاذ بزراعة الزقازيق: محصول القطن ضحية سوء التخطيط والتسويق، فقديما كان هناك اهتمام كبير من الدولة فخصصت طائرات لرش المبيدات والأدوية وكانت الجمعيات الزراعية تتسابق فى تجميع المحصول من الفلاحين ولكن الحكومة باعت القضية، بداية من حقبة التسعينيات، والنتيجة أن الفلاح لم يعد يزرعه، رغم أنه ثروة قومية، فزراعة القطن تتبعها العديد من المصالح والفوائد مع مصلحة الفلاح مثل صناعة حليج وصناعة غزل ونسيج وصباغة وكذلك صناعات زيوت وأعلاف وصابون وقطن طبى ثم أعمال النقل والتخزين والتصدير، فيكفى أن فدان القطن يعطينا 150 كيلو زيت، وكل قنطار يعطى 70 كيلو من الكسب اللازم لعلف الماشية، وكل 6 كيلو من الكسبة تسهم فى إنتاج كيلو من اللحم الأحمر.
ويحذر «سليمان» من الانهيار التام لمحصول القطن إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وطالب بضرورة وضع سياسة جديدة لحمايته أولها حظر استيراد الأقطان والغزول لمدة عام قابل للتجديد وضرورة إعادة دور الدولة فى دعم القطاع الزراعى أسوة برعايتها للقطاع الصناعى والبنوك والمصدرين ثم صرف دعم مباشر لمزارعى القطن المتضررين من زراعته مع التزام الدولة بشرائه وتسويقة مع تحديد سعر ضمان لعدم وقوع المزارعين تحت جشع التجار، وتحديد الملامح الرئيسية لإنتاجه والكميات التى يجب زراعتها والمحددة بكميات مطلوبة للسوق المحلية والسوق الخارجى.
أما الدكتور محمد صلاح الدين أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة المنصورة، فيقول: القطن المصرى طويل التيلة، الذى تميزت مصر به عن بلاد العالم، تقلصت مساحة زراعته من 2 مليون فدان أيام عبدالناصر إلى مليون فدان عام 90،98 ثم وصل فى العام الحالى إلى 247 ألف فقط، أى أن مساحته انخفضت خلال أواخر حكم السادات وفى فترة حكم مبارك بنحو 90%، بعد أن أصبح يشكل عبئًا على الفلاحين، لأن الحكومات المتعاقبة لم تدعمهم ولم تشجع زراعة القطن، فلا يجدون من يشتريه سواء داخليا أو خارجيا، وانخفض سعره، بالرغم من ارتفاع أسعار الأسمدة والتقاوى والمبيدات الزراعية والسولار وتكاليف الزراعة.
ومن ثم تواجه صناعة الغزل والنسيج ظروفاً أصعب أمام قلة الإنتاج وتراجع الصادرات وغزو المنسوجات المستوردة وخاصة الصينية للأسواق المصرية. فمصر بها  أكثر من 3000 منشأة صناعية للغزل والنسيج تضم استثمارات تزيد على 17 مليار جنيه وتبلغ صادراتها السنوية أكثر من 3 مليارات جنيه، كما أن هناك مئات الآلاف من العمال فى الزراعة ومئات الآلاف فى المصانع تعتمد حياتهم على ذلك القطن زراعة وإنتاجاً وحلجاً وغزلاً وصناعة وتوزيعاً وتصديراً.
ولم يتبق للقطن المصرى سوى بعض الأسواق فى دول آسيا مثل الهند وباكستان وهى دول تشترى القطن الخام وتعيد تصديره لمصر فى صورة منسوجات رخيصة رغم أن مصانعنا كانت الأولى بذلك.
ولكن مثل هذه الأمور الحساسة والتى تمس قطاعات ضخمة فى الدولة، لا يصح أن تكون القرارات بشأنها فجائية وفردية ولكن يجب أن تكون بعد دراسات مستفيضة ومناقشة كل الأطراف.•