الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الموسيقى أخرجتهم من العزلة

الموسيقى أخرجتهم من العزلة
الموسيقى أخرجتهم من العزلة


فى منطقة شبرا الخيمة وفى قصر العمال التابع لهيئة قصور الثقافة كورال من ذوى الاحتياجات الخاصة، يعمل فى القصر منذ عام 2008 ، قبل زيارتى لهم كنت أحمل عبء كيفية التفاهم معهم وكيفية إجراء حوارات صحفية، ذهبت إليهم وكلى رغبة لسماعهم ورؤيتهم أثناء التدريب .
ما إن دخلت إليهم حتى بدأوا ينشدون الأغانى الوطنية وأغانى الإنشاد الدينى، جلست دقائق أستمع إليهم كنت أعتقد أنهم مازالوا فى فترة تدريبهم ولكن بعد انتهاء الأغنية سألنى المشرف على تدريبهم: أتودين سماع شىء آخر أم ستبدئين الحوار معهم؟ وعرفت منه أنهم قد أدوا هذه الأغانى لى خصيصا لأنهم كانوا ينتظرونى وقد أنهوا تدريبهم من نصف ساعة وأنا من تأخرت عليهم بسبب الزحام.
• أحلام بسيطة
لفت نظرى طريقتهم المهذبة فى سماع نصائح المشرفين والترحيب بى ببعض الكلمات البسيطة الجميلة شاكرين مجيئى.
مظهرهم لا يختلف عن طريقة كلامهم فهم بسطاء أطفال حتى وإن تجاوزت أعمارهم الخامسة والعشرين من عائلات تبدو فقيرة ماديا البعض منهم ملابسه ممزقة مهترئة.
لكنهم حريصون على الغناء وإشباع الروح وإن كانت الأجساد حرمت من البهجة والسعادة.
 أصواتهم جيدة يؤدون الأغانى بطريقة منظمة لدى الكثير منهم إصرار على العمل والحياة يحلمون بالعمل الجيد وبالزواج والأطفال وتحلم البنات منهن بالحب وفارس الأحلام.. أحلام مشروعة مباشرة دون لف أو دوران وهذا ما يميزهم عنا نحن الأسوياء.
فى البداية تحدثت مع محمد توفيق مدرب الفرقة خريج تربية موسيقية دراسات خاصة وحاصل على دبلومة مهنية فى التربية الخاصة يعمل فى مدرسة التربية الفكرية يقول: كنت آتى للقصر فى زيارات سريعة ومعى الأطفال حتى تم التعامل معهم بشكل دائم وتعاقدوا معهم لمدة عام يجدد سنويا مقابل 84 جنيها شهريا وهو أجر رمزى.
محمد يقول يوجد من يتوفى من الأولاد فالعدد غير ثابت لكنهم حاليا عددهم 18 وهى الفرقة الوحيدة على مستوى الجمهورية التى تضم أطفالاً معاقين ذهنيا ويشاركون فى كل الاحتفالات القومية والوطنية والرمضانية الخاصة بقصور الثقافة ويتدربون 6 أيام فى الشهر.
محمد يشير إلى أنه منذ أن كان طالبا فى المدرسة وهو يهتم بذوى الاحتياجات الخاصة وخاصة المعاقين ذهنيا ويحب التعامل معهم، مشيرا إلى أن الموهبة موجودة فى كل الأطفال لكن ذوى الاحتياجات الخاصة يكونون أكثر حساسية للجملة الموسيقية ويستمعون جيدا للنصائح.
محمد أوضح أن المعاقين ذهنيا طبقا لتصنيفهم هم من تقل نسبة ذكائهم عن 75%.
سألت محمد لماذا تطلقون عليهم كورال أطفال ومنهم من يبدو فوق الـ 25 عاما فقال لى عمرهم العقلى هو 12 عاما لذلك يصنفون على أنهم أطفال. وفى الكورال نقبل أى أعمار.
• مهارات خاصة
 هناء محمد حمدان مشرف فنى قالت: أعمل معهم منذ 2013- معظمهم كانوا يدرسون بمدرسة أبوبكر الصديق وهى مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة موجودة فى شبرا الخيمة كانوا يزورون القصر بعدها تم تعيينهم فيه.
هناء تؤكد أنها اعتادت على التعامل معهم على الرغم من أنها كانت التجربة الأولى لها فى التعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة لكنها أحبتهم وحصلت بعد ذلك على دورات تدريبية توضح كيفية التعامل معهم، هم أذكياء يفهمون حالتى المزاجية من تعبيرات وجهى فإن ناديت على أحد منهم وكانت تعبيرات وجهى غير مبتسمة يشعرون بضيق شديد فهم «حساسين» للغاية كلمة ترضيهم وكلمة تغضبهم، لديهم مواهب متعددة غير الغناء منهم من يعزف ومن يرسم وتركيزهم عال ويسمعون الكلام من أول مرة. وعندهم ثبات فى حفظ الأغانى يحفظونها كما حفظوها فى أول مرة. ذاكرتهم محدودة ونعطيهم فى كل مرة ورقة بمواعيد التدريبات الشهرية والعروض.
تكمل هناء: منهم من يأتى بمفرده ومنهم من يأتى بصحبة أحد من أهله وفى البداية نسجل نوع الإعاقة والأدوية التى يتناولونها وأشرف بنفسى على العناية بهم ومعرفة حالتهم لأننا أحيانا نخرج لحفلات خارج شبرا الخيمة ومنهم من يصاب بحالات كهرباء لذلك يجب أن نكون على علم بالحالة كلها والإسعافات الأولية لها.
مروة مظلوم مشرف إدارى تقول: التعامل معهم يتطلب مهارات خاصة وصبراً لكنهم بسطاء جدا ويحبون الناس ويحتاجون لرحلات كى يعتادوا على التعامل مع الآخرين لأنى لاحظت أن التعامل مع الآخرين يفرق فى نفسيتهم جدا وأتمنى رؤيتهم خارج إطار شبرا الخيمة فهم يحتاجون دعايا للخروج فى حفلات وأنشطة عديدة.
محمد محمود من أطفال الكورال عمره الحقيقى 25 عاما لديه مشاكل واضحة فى الكلام سألته عن العمل الذى يقوم به يوميا فأجابنى بطريقة بسيطة وبمعاونة المشرف الفنى هناء استطعت أن أتواصل معه نظرا لصعوبة نطق كثير من الكلمات (الدنيا مريحة.. ما فيش شغل.. كل ما أروح اشتغل فى مكان يقولوا ليا مافيش شغل.. لكن لما باجى هنا القصر بحس أنى مرتاح والأيام اللى مابجيش فيها بكون مخنوق..).
• العمل قبل الزواج
أسماء على محمد مبروك- 22 سنة من أكثر البنات التى أعجبتنى فهى بنت ذكية جدا جلست بجوارى وطلبت منى أن أساعدها وعندما سألتها عن كيفية المساعدة قالت لى: عايزة اشتغل.. وإخوتى يرفضون .
 سألتها: ليه رافضين يا أسماء؟
فأجابت: بيقولولى عيب وأختك الكبيرة مش بتشتغل وإنتى كمان مش هتشتغلى.
• سألتها عايزه تتجوزى ولا تشتغلي؟
- أجابت اشتغل الأول.. أنا مش عايزة أتجوز دلوقتى.
أسماء درست فى مركز التأهيل وأنهت دراستها والآن هى فى البيت لا تفعل أى شىء تشعر بالوحدة ولا يهون وحدتها سوى دروس الموسيقى والدها متوفى ووالدتها تسمع كلام إخوتها الأولاد وتمنعها من العمل.
أسماء فتاة ذكية عندها من الإصرار ما يفتقده الكثير من الأسوياء تشعر به فى نبرة صوتها الراجية للمساعدة وفى نظرات عينيها المتشبثة بجلستى ووجودى أملا فى المساعدة.
أسماء تحب صوت أم كلثوم وتحب أغنية سيرة الحب.
محمد محمود عبداللاه- 27 سنة يعمل «فراش» فى مدرسة راتبه 300 جنيه يعيش مع أبيه ووالدته ويحلم بمرتب أفضل كى يتزوج.
 محمود يغنى صولو منفرداً والجميع يشيد بصوته يحب زملاءه ويحب الأبلة هناء والأستاذ محمد ولا يتغيب عن موعد التدريب.
آية سعد جاد- 14 سنة تدرس فى مدرسة أبوبكر الصديق تحب الغناء وتحب زملاءها فى الكورال وتنتظر رمضان كى تشارك فى عروض رمضان وحفلات قصور الثقافة.
بسمة محمد- 18 سنة تحلم بأن تعمل فى محل ملابس تبيع الملابس تعيش حاليا مع والدها ووالدتها أنهت الكتب والكراريس على حد وصفها- أى أنهت دراستها وتبحث عن عمل.
محمد سعيد- 25 عاما من عزبة عثمان لايعمل يبحث عن عمل على حد قوله، يصنع «الحصر» يحلم أيضا بالزواج وإيجاد عمل يتكسب منه فلوس.
محمد لايريد أن يعمل فى صنع «الحصر» لكنه يريد أن يعمل نجارا فهو يحب النجارة والخشب أكثر.
آمنة حسن- 29 عاما فتاة شقية بسيطة وتلقائية جدا منذ أن بدأت أتحدث مع زملائها وزميلاتها وهى ترقبنى وتنتظر دورها وعندما جاء عليها الدور لتتحدث كانت فرحة ومتلهفة للسلام عليَّ وأن تقول لى كل سنة وإنتى طيبة.
 • سألتها نفسك فى إيه؟
فأجابت بتلقائية. عايزة أتجوز وحددت اسم من تريد الزواج منه وهو واحد فى الكورال قالت اسمه بتلقائية بدون لف أو دوران وغير مبالية بإذا كان هو الآخر يحبها أم لا ولم تهتم هل سيخبره أحد أم لا وهل سمعها أم لم يسمعها.
وعندما سألتها عما تحبه فيه أشاحت بوجهها بعيدا عنى فى خجل ونظرت فى الأرض وضحكت وخبطت بقدميها الأرض مرددة ماتكسفونيش.
 أكثر ما يعجب آمنة فى الكورال هو الصحبة. صحبة البنات والصبيان على حد قولها..
• لا مؤاخذة بترقص
 آية محمد كمال- 18 سنة خجولة وكلامها قليل جدا تأتى للتدريب بصحبة والدتها خديجة محمد سألت والدتها عن الذى اختلف فى شخصية آية منذ أن بدأت فى التدريب فى الكورال منذ ثلاث سنوات فأجابت الأم بلهجتها البسيطة التلقائية أصبحت تغنى وهى فى البيت ومن الممكن أن ترقص (لا مؤاخذة) أمام التليفزيون لم تكن هكذا قبل أن تختلط بالناس  على الرغم من أنها كانت تذهب لمدرسة لكن الكورال جعلها تتحسن أكثر، كانت منطوية وهادئة الآن أصبحت أكثر جرأة وأنا سعيدة بالاختلاف وكنت أتمنى أن يكون لها راتب أكثر من الـ 84 جنيها وأن يكون لها معاش قبل ذلك.
حنان فتحي- 21 سنة تحلم بالعمل ضابط شرطة، عايزة أبقى ضابط عشان أساعد الناس.
عمرو فتحي- 12 سنة طفل شقى جدا الشقاوة تتضح فى حركاته، قدمه مكسورة بعدما وقع أثناء لعب الكرة.
عمرو لا يجيب على كثير من الأسئلة يكتفى بالضحك يذهب للمدرسة لكنه يقول إنه لا يتذكر أى شيء تعلمه يحاول الأستاذ محمد مدرب الفرقة وأستاذه أيضا فى المدرسة تذكيره بالهدايا التى حصل عليها لكنه لا يتذكر شيئاً يكتفى بالضحك وإنكار كل شيء.
 • دعم رجال الأعمال
عبدالجليل جاد الحق رئيس قصر العمال بشبرا الخيمة قال: فريق كورال أطفال ذوى الاحتياجات الخاصة هو من ضمن الفرق الفنية بقصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة حيث استغرق تكوين الفرقة حوالى ثلاث سنوات وتم اعتماده فى 2008 يتكون من 18 من الشباب والفتيات.
قدم الفريق عددا من العروض الفنية على مسرح القصر وكذلك بالمواقع الثقافية ودائما ما يقدم الفريق عروضاً فنية فى احتفالات أعياد الطفولة وليالى رمضان الثقافية والفنية ويوم الطفل اليتيم.
عبدالجليل يتمنى أن يرى الكورال يمثل مصر فى المحافل الدولية ويطالب بزيادة رواتب الأولاد، فهم من عائلات فقيرة ويحتاجون دعماً مادياً حتى يكون هناك حافز للاستمرار وإن كانت الحكومة لاتستطيع تحمل الزيادة فلماذا لايتدخل رجال الأعمال فى تبنى كورال كهذا أو حتى تشجيعهم بالهدايا والمكافآت.
عبدالجليل يشير إلى آن إمكانات قصر ثقافة العمال محدودة جدا فعلى الرغم من أن ميزانية القصر من وزارة الثقافة تصل لـ290 ألف جنيه فى العام ويعتبر قصر ثقافة العمال من أكثر القصور ميزانية إلا أننا لدينا خمس فرق فى مختلف الأنشطة فيمكن بالميزانية الكبيرة أن نجلب مدربين أكثر حرفية. •