الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قراءة فى ظاهرة إلحاد الشباب: (4) وكان بيانه للهدى سبلا!

قراءة فى ظاهرة إلحاد الشباب: (4) وكان بيانه للهدى سبلا!
قراءة فى ظاهرة إلحاد الشباب: (4) وكان بيانه للهدى سبلا!


ما بين الملاحقة الأمنية والنبذ المجتمعى يعيش الآن مايقرب من 3 ملايين ملحد فى مصر.. وذلك بعد تأييد حكم حبس أكثر من شاب ملحد بتهمة ازدراء الأديان وإطلاق وزارة الأوقاف مبادرة لمواجهة التطرف والإلحاد.

نعلم أن قانون العقوبات المصرى لا يعرف تهمة باسم «الإلحاد»، لكنه يحتوى على تهمة «ازدراء الأديان»، وتقوم الشرطة عادة بضبط الملحدين وتوجه لهم تهم ازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية.
لكن المشكلة ليست فى وجود الملحدين فى حد ذاته، فالإلحاد موجود منذ قدم الأديان، ولكن.. مشكلتنا الحقيقية التى يجب أن نعترف بها إنما هى فى الدعوة والخطاب الدينى خاصة مع جيل الشباب، هذا الجيل الذى لم يعد يقدر جيل الآباء وينكر آراء العلماء ولا يثق فيهم، بل هو جيل يبحث عن المعلومة بنفسه ويتعامل مع سماوات مفتوحة لا يمكننا أن نحجبها عنه، ودعونا نتساءل هل نجح المنع والحجب والترهيب فى محو أى فكرة أو أيديولوجية، الإجابة: بل العكس هو الصحيح على مر العصور فربما جعل المنع من مؤيديها أبطالا وأسهم فى زيادة انتشارها، ولكن ما ينجح فعلا هو طرح الفكرة القوية البديلة والدعوة السليمة التى تعتمد على المنطق والحجة والمثل، فدعونا نعى الدرس ولا نكن مثل النعامة تدفن رأسها فى الرمال عند مواجهة الخطر، فالاعتراف والمواجهة أول خطوة فى طريق العلاج، ولربما بعد كل ذلك نجد فائدة ما لوجود هؤلاء الملحدين، ربما بظهورهم نضطر لتطوير الخطاب الدينى من مجرد خطبة عصماء موجهة لمن يتفق معنا فى الثوابت إلى خطاب روحى وعقلى يصلح للتواصل مع الأجيال الجديدة التى لم تعد تتقبل ما قبلناه نحن بالوراثة وبدون أن نناقش أو نجادل.
«منابر الإعلام البديل»
بدأ الملحدون المصريون فى الترويج لدعوتهم والتبشير بالإلحاد القائم على الاقتناع والبحث، وكذلك بدأت محاولاتهم فى بناء منابر الإعلام البديل لنشر ثقافة، وأفكار، وتساؤلات الإنسان عن أصل الإله ورحلة الإنسان فى هذا الكون فقد أنشأوا راديو على اليوتيوب، وصفحة على الفيس بوك «البط الأسود» بجانب العشرات من الصفحات التى تنشر أفكارهم بجانب بعض المقاهى والأماكن المفتوحة التى أصبحت معروفة بتردد الملحدين عليها، بجانب ظهور أول تنظيم رسمى للملحدين فى الإسكندرية، والمجاهرة العامة بالإلحاد ومواجهة الإله والبشر على حد سواء.
«وسائل تقليدية»
فى المقابل وجدنا المؤسسات الدينية تتعامل مع الإلحاد باعتباره مرضًا لابد من استئصال أتباعه من خلال ندوات التوعية والخطب الدينية فى الجوامع والكنائس، لكن يبدو أن هذه الوسائل أصبحت تقليدية ولا تستطيع مواجهة أسئلة الشباب عن الظواهر العلمية التى تتخطى حدود الميتافيزيقا، فأغلب رجال الدين غير مؤهلين علميا للتعامل مع أسئلة الشباب، فالشيوخ أو القساوسة متخصصون فى المجالات الدينية وليس العلمية، وحين يتوجه إليهم أحد بسؤال حول أمور غيبية لا يكون هناك رد من قبلهم، أو يكون الرد «لا تجادل ولا تناقش»، ولكن الشخص الذى يعلن إلحاده لا يقبل مثل هذا الرد فهو قد قام بتكوين تصور خاطئ عن الله غير موجود فى الكتب المقدسة، ويريد أن يعيش فى الصورة التى رسمها فى حياته عن الله حتى وإن كان يرفضها فى الواقع، هو يكون هذه الصورة ويرفضها فى ذات الوقت وعادة ما يُكون هذا الشخص الملحد سلبيا ومنغلقا على ذاته من هنا أدعو أن تكون الحكومة «كمنسق وليس كمتداخل» فريق عمل من رجال الدين الإسلامى والمسيحى والمتخصصين فى علم الاجتماع الدينى وغيرهم لدراسات مستفيضة حول أسباب ظهور الإلحاد فى مصر وكيفية مواجهته بالحسنى.
من جانبه حاول الإعلام المستقل، وإعلام الدولة التحريض على الملحدين الذين ينتمى أغلبهم إلى الإلحاد عن طريق التقليد والمظهرة وليس عن فكر وتساؤل وارتباك شعورى وعقلى، ويتعامل الإعلام مع الملحدين باعتبارهم مرضى نفسيين، ويحتاجون إلى علاج للتخلص من الأفكار التى يعتنقونها أو كوباء ينبغى للمجتمع أن يتخلص منه.
«دعاوى المنع والحنجورية!!»
وهنا أجدنى مدفوعة مرة أخرى إلى التساؤل حول تقييم الدور الذى يقوم به الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية.. فإذا كانت مثل هذه الجماعات الإرهابية قد دفعت ببعض الشباب إلى الإلحاد فإن هذا يعنى أن هذه المؤسسات لا تقوم بواجبها ودورها على أكمل وجه وأن هؤلاء الشباب غير المتدين بالأساس أو على الأقل غير المتعمق فى العلوم الشرعية تعامل مع هذه الجماعات على أنها تمثل الإسلام، بينما غابت هذه المؤسسات عن الساحة على الرغم من أنه يفترض أن تقوم هى بتصحيح المفاهيم والرد على ما يثار من شبهات وتبرئة ساحة الإسلام وتعاليمه مما يرتكبه البعض من المنتسبين له.. لكن الحقيقة أن مؤسسة الأزهر والهيئات التابعة له تسهم هى الأخرى  بشكل أو بآخر ـــ فى تنفير الشباب من الإسلام وذلك للكثير من الأسباب لعل من بينها سلوك بعض المحسوبين عليه وانخراط البعض من دعاته وعلمائه فى الصراع السياسى وإصدارهم فتاوى تشعر متابعيها بأنها فتاوى مفصلة لا تستند إلى دليل شرعى وأنها ليست إلا محاولة لإرضاء السلطة لتحقيق تطلعات خاصة بأصحابها، حتى تم اتهامهم بأنهم علماء السلطان.. بل المثير أن يكون من بين الملحدين والمروجين للإلحاد طلاب وأساتذة فى جامعة الأزهر وهو الأمر الذى لم يعد خافيا على أحد بل أصبح حديثا متداولا عاما بين الجميع يتحدثون به علانية وهو بالطبع أمر مثير للحيرة والأسف فمثل هؤلاء لا يفسر موقفهم على الفهم الخاطئ للدين أو أنهم يفتقدون القدرة على كشف التباين بين ما يسلكه البعض من المنتسبين للدين الإسلامى من سلوكيات عنيفة وخاطئة وبين الإسلام وتعاليمه وعليه فإن ثمة خللا كبيرا يجب أن تلتفت له وفورا مؤسسة الأزهر الشريف والقائمون عليها.. فالموضوع ليس مناقشة تنتصر فيها على من أعلن إلحاده، فذلك لا يأتى من جلسة أو خطبة أو حوار تليفزيونى، بل وفى أغلب الظن سيحتفظ كل طرف برأيه، المشكلة هى فى من يراقب هذا النزال الفكرى ممن لديهم الكثير من الشكوك حول معتقداتهم وأمامهم من يفند أساسيات دينه ومعتقداته من ناحية، وعلى الناحية الأخرى هناك من يستخدم الصوت العالى ودعاوى المنع، وحتى حين يحاول إقناع الطرف الآخر يستخدم أدلة من الكتاب والسنة التى لا يؤمن بها الآخر أصلا أو يلجأ لخطاب عفا عليه الزمن أو إلى الفظاظة والحنجورية المتبعة الآن فى خطاب كثير من الدعاة للتغطية على معتقدات الآخرين.
«التربح باسم الدين!!»
وزمان.. أجدادنا قالوا إن الوقاية خير من العلاج.. وهذا يعنى أن  الاهتمام بالتنشئة الدينية الصحيحة عبر الأسرة.. هى طوق النجاة من الغرق فى دوامات الإلحاد.. والتى من الصعب جدا الفكاك منها.. هناك خطوات للحد من هذه الظاهرة والتى لم تصل بفضل الله تعالى إلى مرحلة «الكارثة».
أولى هذه الخطوات وضع آلية دعوية للأكاديميين والتربويين وفق منهج «ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين»، وإسناد الأمر إلى الهيئات العلمية المعتمدة وعلى رأسها الأزهر الشريف والعناية بإبراز الحقائق العلمية فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والعمل على تجديد الخطاب الدينى وتطويره.
ثانياً: أن نتواصل دوما مع جيل الشباب وأن نعدل من خطابنا الدينى الدعوى الإسلامى دون أن نمارس عبارات الهجوم المعتادة، التزاما بمنهج النبى صلى الله عليه وسلم الذى كان يقول «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا دون أن يعين المخطئ» فهذه طريقة تربوية نسبية محببة لدى النفوس السوية مع الأخذ فى الاعتبار أن محاورة هذا الجيل من الشباب تحتاج إلى طول نفس وتدعيم بالحجج العقلية والنقلية أعنى «آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة» حتى لا تصطدم بأصحاب هذه المشكلة «الإلحاد» لأن منهم عددا غير قليل لا يقبل أن تواجهه بسلطة النص مع أنها سلطة قوية ومقيدة عندنا لكنه فى حاجة إلى خطاب مستنير من هذه النصوص هذا مع مراعاة أنه لا يصح التعامل مع مدعى الإلحاد فى إطار من حرية العقيدة، ولكن يجب مواجهة هذه الأفكار من جميع جوانبها وليس من جانب الدين فقط وإنما أيضا من جانب علم النفس والطب والاجتماع وأن تكون هذه المراجعة من خلال مختصين كل فى مجاله، فضلا عن أنها لا تعامل بالشك الذى يروج لها ويسوقها عبر وسائل الإعلام، فمراجعة هذه الأفكار أمر لازم ولكن دون استضافة هؤلاء الذين يتبنون تلك الأفكار فى وسائل الإعلام حتى لا يبدو الأمر وكأنهم أصحاب أفكار تستحق أن يستمع لها وإنما يجب أن يعاملوا كمرضى ذوى أفكار شاذة يستندون فيها إلى نظريات أبطلت من قديم الأزل، ويحتاج الأمر إلى تفتيت هذا الفكر المنحرف ورد الأمور إلى أصولها وأسانيدها بما يسمح لخروج هذه الأفكار من أذهان هؤلاء وترسيخ مبادئ الإيمان بدلاً منها، بعدها يعودون إلى صفوف المجتمع كأشخاص أسوياء، لأننا كمجتمع مسئولون بشكل أو بآخر عن إصابة  هؤلاء الشباب بالتخبط والارتباك والرفض فعلينا جميعاً أن نتحمل هذه المسئولية ولا نستخف أو نستهين بما يفكر فيه الشباب، كما علينا أن نحتضنهم بحب ونحترم إنسانيتهم أولاً وأفكارهم ثانية ونحاول استيعابهم ومناقشتهم بكل أدب واحترام.
ثالثاً: النظر إلى المشاكل الاجتماعية المتفاقمة مثل الفقر والبطالة والعمل على سد منافذها وتجفيف منابعها.
رابعاً: ثم نأتى إلى الإعلام فإن الإعلام القائم على الشو الفارغ من المضمون والقائم على اللعب والعبث على أوتار العواطف الدينية أو العرقية أو الجنسية ماهو إلا إعلام موجه يعمل على استمرار تغييب وقتل الوعى وليس على إثراء ثقافة التنوع وبناء مساحات أوسع للحوار والانفتاح على مختلف الأفكار المغايرة أو حتى الجديدة.. واسمحوا لى بالدهشة ممن يستنكرون على من يقوم بالرد على الملحدين بالقرآن والسنة ولا يستنكر من السماح لهؤلاء الملحدين بالتشويش والترويج لفكرهم المنحرف!! نعم لا ينبغى أبدا أن يكون الرد بالسب أو الشتم أو بالتطرف أو بالتشدد، ولكن ترك الحبل على الغارب دون رد بآية أو حديث أو حتى موعظة حسنة خطأ كبير.
أعلم أننا أصبحنا نعيش فى عالم مفتوح يصعب فيه إخفاء تلك الظواهر الغريبة، ولكن دعونى أتساءل هنا عن المغزى الحقيقى وراء استضافة تلك القنوات الفضائية لهؤلاء الملحدين سوى المزيد من التربح باسم الدين، فظاهرة مثل تلك أكيد ستشد انتباه الكثير من المشاهدين لمتابعتها ولو حتى لمجرد إشباع الفضول لديهم والخطورة كل الخطورة هنا أن يكون من ضمن هؤلاء المتابعين من هم ضعفاء الإيمان وضعفاء الثقافة الدينية والعقيدة فيسهل التأثير عليهم لعدم وجود الحجج والرد المقنع المنطقى الذى ينفى أو يتصدى لتلك الأفكار، خاصة أن معظم الفضائيات التى استضافتهم لم تستعن برجال وعلماء الدين القادرين على مواجهتهم بالحجة ومحاولة إثبات الحق الذى يجب أن يتبع.
خامساً: تصحيح الخطاب والموروث الدينى المليء بالخرافات والأكاذيب والآراء العنيفة التى يأنفها الضمير الإنسانى الحى  حسبةً لله تعالى  لأن الأسلاف ليسوا مقدسين وخصوصاً أن الله أعطانا علما وتكنولوجيا لم يُعطها لهؤلاء الأسلاف ـــ فكل الأدوات الحديثة وغيرها من أبسط الأشياء التى نستعملها يومياً ـــ كان يعتبرها كل هؤلاء الأسلاف فى قصصهم نوعاً من السحر ورجساً من عمل الشيطان يكفر من يقول بفكرتها مثل دوران الأرض.
سادساً: معالجة من يحملون هذه الأفكار الإجرامية الإرهابية من الجماعات الكافرة فى المصحات النفسية التعليمية، ومعاقبة من تلوثت يداهُ بالدم منهم بشديد العقاب.
سابعاً: اختيار واختبار رجال الدين بمعرفة لجنة من الطب النفسى وكبار العلماء، لتقديم خطاب دينى قائم على العقل والمنطق مبنى على الرحمة والتسامح وإعلاء الضمير الإنسانى الحى وحقوق الإنسان، بجعل الجزء الأكبر من الخطاب والخطبة الدينية عن الحرية وحقوق الإنسان ونبذ العنف، وجعل السلام بين شعوب الأرض منهج حياة لا بديل عنه.
«شمس الإسلام!!»
ها هو السؤال يبرز من جديد.. ترى على أى أنقاض قامت المادية الحديثة؟
الإجابة كما آمن بها شيخنا محمد الغزالى ورصدها فى كتابه «الحضارة بين الإيمان والإلحاد»: «إن المادية القائمة على نوازع الأثرة وقوانين المنفعة وانتهاز اللذائذ واشترائها بأى ثمن قد كسبت المعركة ضد الأديان دون أن تجد أمامها مقاومة تذكر، ونعنى بالأديان ما كان له أصل محترم من وحى السماء، أما ما يسود الهند والصين واليابان وغيرها من وثنيات أخذت سمة الدين وصيغته، فهى أفكار وعواطف أرضية، لا مكان هنا لمحاسبتها.
ولما كان التقدم العلمى والاتجاه المادى قد طفر طفرته الكبرى فى الغرب، حيث توجد اليهودية وتسود المسيحية، ولما كان الإسلام فى هذه الفترة محسورا فى بلاده بين همل لا يدركون شيئا ولا يحسنون عملا بل كان شائه الحقائق طامس المعالم راكد التيار.. فقد انفردت المادية بالديانتين القديمتين فافترستهما  ونظرت فى شرق الأرض وغربها  فلم تسمع صوتا يتحداها، فظنت أن الأمر قد استتب لها ولم تحسب فى الإسلام قوة يستطيع بها البقاء بل زيادة من قوة يستطيع بها المغالبة والنجاح، إذ كانت جماهير المسلمين أشبه بالغيوم الكثيفة حول شمس الإسلام , تميت شعاعه وترد نهاره ظلاما طويلا».
ويقول: «والحق أن هناك أناسا يشتغلون بالدعوة الإسلامية، وفى قلوبهم غل على العباد، ورغبة فى تكفيرهم أو إشاعة السوء عنهم، غل لا يكون إلا فى قلوب الجبابرة والسفّاحين.. وإن زعموا بألسنتهم أنهم أصحاب دين».
وتبقى كلمة أخيرة إذا كان العقل ضد الإيمان فلماذا إذن خلقه الله لنا وبأى الأشياء إذن تم استقبال وتدوين الوحي؟!. •