الإثنين 16 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بقلظ لن يعود!

بقلظ  لن يعود!
بقلظ لن يعود!


تمر الأيام وتمر السنون، تنقضى سريعاً واحدة  تلو الأخرى.. تتعدد الأحداث فى حياتنا ونكبر عاماً بعد عام، ولكن يبقى الحنين إلى الماضى وإلى الطفولة، نحنّ دوماً إلى قطرة الندى التى لم تشق العباب بعد، إلى اللعب والمشاجرة والمشاكل وإلى «بقلظ» بصوت سيد عزمى وماما نجوى، كوكى كاك، ويوميات طفل معمر التى تحاكى التراث برؤية عصرية - آنذاك، كما نحنّ إلى عالم سمسم، والكثير من أغانى الزمن الجميل التى ترجعنا فى لحظة أطفالا لم نكبر بعد، وشهر رمضان دائما يكون أكثر الشهور التى تحتفظ بالذكرى لتعيدها فى كل عام من هذا الشهر، ماذا حدث لنا وماذا حدث من تغيير فى برامج الأطفال وأغانيهم ومسرحهم ومسلسلاتهم وكل ما يخص الطفل المصرى بشكل عام؟!
هذا ما قادنى إلى 10 شارع نجيب الريحانى، لألتقى بالشاعر والمخرج شوقى حجاب رائد فن الطفل فى مصر والوطن العربى ومؤلف ومخرج كل ما سبق ذكره من أعمال تعلقنا وتعلقت بنا حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا، ودائما الأيام تقلب أمواج الذكرى، أتى شهر رمضان ولم يأت معه «بقلظ» ولا «دقدق» ولا أى من البرامج الهادفة والأغانى التى كانت رسالة ومعنى للطفل، ومن خلال تلك السهرة الرمضانية لمجلة «صباح الخير» بمنزل الشاعر والمخرج شوقى حجاب، والتى حرصنا على تسجيلها لكم حتى تكون «صباح الخير» هى النافذة التى نطل عليها لنعرف كل جديد، إليكم ما دار بالسهرة من حوار:
• هل اختلف طفل الأمس عن طفل اليوم؟
- نعم اختلف كثيرا، ولكن فقط فى معطيات حياته، ويظل كونه طفلاً مهما اختلفت مفردات عصره ومهما اختلفت تفاصيل أيامه، فالطفل هو كائن برىء جديد على الحياة ينهل منها فى كل لحظة ما تعطيه له، ويرغب فى المعرفة والتكوين ويود أن يعيش كل لحظة كما ينبغى، يختلف طفل عن الآخر منذ بدء الخليقة باختلاف معطيات عصر كل منهم، فقديماً عندما كنت طفلاً كنت أمتلك فقط راديو، أما طفل اليوم فيمتلك الكثير من أدوات المعرفة الحديثة، وعندما كنت أود أن أعرف معلومات كنت أذهب إلى دائرة المعارف البريطانية فى حين أن طفل اليوم لمجرد الضغط على زرار بسيط وهو جالس بمكانه يستطيع التعرف على أى شىء يود معرفته، وذلك التطور يجعل الطفل يختلف فى تناوله للحياة واهتماماته فقط لا غير، ولكن يظل الطفل هو الطفل كائن يبحث عن سبل الحياة.
• اختلفت مفردات العصر ومعطيات الحياة عن الأمس واختلف معها طفل اليوم.. هل من الممكن أن يجلس طفل اليوم يستمع إلى مسلسلات وبرامج وأغانى طفل الأمس كما لو كانت وُلدت معه أم لا؟
- نعم يستطيع أن يجلس يستمع ويستمتع بها أيضاً، لأنه كما سبق أن ذكرت أن الطفل هو الطفل بكل ما يحمل من براءة وحب للحياة ورغبة لمعرفة المزيد بها، ولكن يختلف فى طاقة استيعابه عن طفل الأمس، لأن أطفال اليوم يحملون كماً من التوتر وعدم الصبر، وهذا دور المنزل والمؤسسات التعليمية التربوية الماهرة فى إلقاء الضوء على أقوى الجوانب والمهارات التى يتمتع بها الطفل والتركيز عليها، فالتوجيه للطفل شىء مهم جدا فليس هناك فرق بين مزور النقود المحترف والفنان التشكيلى أو لاعب الأكروبات واللص الذى يتسلق المواسير، سوى أن واحدًا منهم وجد من يوجهه إلى الجانب الإيجابى فى حين أن الآخر لم يجد.
• كيف ترى مستقبل الأجيال التى تتربى ذائقتهم على سماع المهرجانات والأغانى الشعبية الهابطة؟
- إذا فصلنا بين ما هو إبداعى وما هو أخلاقى سنجد أن كثيراً مما كنا نسميه لا أخلاقى شيىء بديع جداً فمثلاً الجمل التى كانت تقول «احنا اللى دهنا الهوا دوكو» أو «احنا اللى خرمنا الربع جنيه» جمل تحمل إبداعًا بشكل ما، ولكن المشكلة تكمن فى أن أصحاب تلك الجمل من طبقات دنيا، ولكن هذا لا يمنع أن هناك أغانى كثيرة تحمل إسفافًا وألفاظًا خارجة من الممكن أن تخلق جيلاً فاسدًا وغير واعٍ يحمل ثقافة سطحية وهذا هو دور المؤسسات الإعلامية المسئولة عن منع الإسفاف.
• متى يعود بقلظ إلى التليفزيون المصرى والقنوات الفضائية؟
- عندما نجد المنتج الذى يفهم قيمة مثل تلك البرامج ويستوعب كم الإبداع الذى تحمله، فالتليفزيون لا يفهم ولا يميز العمل ذا القيمة الحقيقية وغيره من الأعمال التى تخص الطفل، ونحن كبلد بشكل عام لا نعرف قيمة الطفل حتى نهتم ببرامجه ونميزها، وعلى الرغم من أن رئيس التليفزيون «عصام الأمير» صديقى، فإنه ليس واعياً بأهمية الطفل وأهمية برنامج من الممكن أن يخلق جيلاً كاملاً واعياً ويبنى عليه فكرًا وأمة، فمنذ قرابة السنة والنصف التقيت أنا وعصام الأمير وأشرت عليه بفتح مكتبة التليفزيون التى تضم عددًا هائلاً من البرامج والتراث الهادف والأعمال الجميلة جداً، واتفقنا أيضاً على إذاعة مسلسلاتى التى تعرض الآن على إذاعة صوت العرب، وكان يشاركنى ألحانها الموسيقار فاروق الشرنوبى وبعد اكتمال كل شىء رفضوا دخول الموسيقيين والملحنين إلى المبنى، فى حين أن كل أفراد العمل كانوا متبرعين لعمل تلك المسلسلات مجاناً وكانت ستذاع فى رمضان السابق، بالإضافة إلى أن أحد نواب رئيس التليفزيون لم يستحسن شخص فاروق الشرنوبى أو كما قال هو نصا بمنطق لسانه «مستظرفتهوش»، وبهذا ضاع عمل فنى كان من الممكن أن يضيف كثيراً للتليفزيون بسبب معاندات شخصية، وأشياء لا فائدة منها.
• ما سبب منع مسلسل «يوميات طفل معمر» من العرض وتهميش «دقدق» الذى كان يقدم حلقات هادفة وتعليمية للطفل؟
- هناك خطأ شائع حدث فيما يخص برامج الأطفال، حيث احتسبوا أنها تخص سوزان مبارك وليس الطفل ودون أن يعبأ أحد بأن سوزان مبارك هى التى كانت تأتى لنا وليس نحن من يذهب لها ونحن مبدعون موجودون قبل سوزان مبارك وبعدها وأعمال الطفل خاصة بالطفل مهما تغير الزمن والحكام، وعلى هذا الأساس تم إضافة «دقدق» ضمن مقتنيات سوزان مبارك، وهذا خطأ جدا، وبالتالى تم تهميشه واستبعاده تماماً، أما «مذكرات طفل معمر» فهو جريمة قومية لأنهم خلطوا الخاص بالعام، فمنذ سنوات وأنا على خلاف شخصى برئيسة الرقابة السابقة التى كانت تدعى «منى الصغير»، وكنا أعضاء لجان موافقة النصوص الأدبية والفنية ولهذا الخلاف الذى لا علاقة له بالعمل قامت بوقف إذاعة مسلسل «مذكرات طفل معمر» الذى تكلف آنذاك منذ حوالى 10 سنوات مبلغ 3 ملايين جنيه، بالإضافة إلى الجهد الإنسانى والنفسى لعدد هائل من الممثلين والقائمين على العمل ومنهم أنا وعزت أبوعوف ونهال عنبر والموسيقار عمار الشريعى ومحمد أبو الحسن وسحر رامى وغيرهم الكثير، كل هذا ضاع بسبب خلاف شخصى بينى وبين رئيسة الرقابة وعدم استلطاف شخصى وبعد شكواى لعصام الأمير قام بتكوين لجنة لفحص العمل وقرار اللجنة لم يكن له علاقة بالعمل تماما،ً فاللجنة قالت إن العمل قديم ولا يحاكى العصر فى حين أن العمل قائم على مقارنة مفردات الأمس باليوم.
• وماذا عن آخر عروضك المسرحية «فركش لما يكش» الذى كان فى الكويت؟ وعن ماذا تدور الأحداث؟
- مسرحية «فركش لما يكش» التى شاركت بها فى المهرجان العربى لمسرح الطفل بالكويت، كتبت منذ سنوات طويلة، وعرضت لأول مرة فى العام 2007، وطرحت فيها رؤية سياسية للواقع، بعد أن ابتعد الناس وتفرق المجتمع العربى، على عكس ما كان يحلم به أو حلم به الزعيم جمال عبدالناصر الذى دعا إلى الوحدة العربية، ومن هذا المنطلق قدمت فكرتى فى عمل فنى إنسانى غير مباشر وغير خطابى، هدفه لم الشمل عن طريق التمثيل والغناء، وكون المسرحية تدعو إلى الوحدة والتكاتف، فريق العمل الذى يعمل معى بالمسرحية فريق جديد، عرضناها فى المهرجان العربى لمسرح الطفل بالكويت واستقبلت بحفاوة بالغة للغاية واستحسان غير عادى، وسيتم عرضها بعد العيد فى مسرح العرائس كما فى الإسكندرية.
• كيف ترى دور المسرح فى تكوين وتأهيل خيال وشخصية الطفل؟
- لا شك فى أن للطفل عقلية خاصة تختلف عن عقلية الكبار، فعالمه لا يتصف بالثبات وفكره متمركز حول ذاته، فهو يتصور الحياة فى لعبه وأشيائه الخاصة، فخيال الطفل يفوق خيال الكبار.
وانطلاقاً من هذا المبدأ يعد المسرح من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل.
والمقصود بالمسرح هنا مسرح الطفل الذى يشارك فيه الأطفال بأنفسهم، وفى نفس الوقت فهو مُوجَّه إليهم، ويتعامل مع أحاسيسهم، ويلبى احتياجاتهم.
ومن المعروف أن المسرح من أهم الوسائط الفاعلة فى بناء شخصية الطفل، وتنمية قدراته العقلية، وإعداده ليكون طاقة خلاقة منتجة، كما أن له تأثيرًا فى الأطفال يفوق وسائل الثقافة الأخرى المقدمة للطفل وذلك لعدة أسباب :
- إن مسرح الطفل من أكثر الفنون اقتراباً من وجدان الأطفال.
- إن قيام الطفل بممارسة أدواره فى المسرح كفيل بتدريبه على كيفية التعامل مع الآخر.
- يعد مسرح الطفل وسيلة لإكساب الطفل مصادر المعرفة المختلفة، حيث يتم تحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية يتداولها الأطفال فيما بينهم بطريقة محسوسة، وذلك رغبة فى الابتعاد عن الحفظ والتذكر.
- يلعب المسرح دوراً بارزاً فى ترسيخ القيم الأصيلة فى المجتمع، التى يتم طرحها على خشبة المسرح، دون تلقين مفتعل ومتعمد.
- إن مسرح الطفل يعد وسيلة طيبة للترويح عن نفس الأطفال، والتنفيس عن رغباتهم المكبوتة.
- تنمية الحس الفكاهى لدى الطفل، الذى يتحقق من خلال التفاعل التلقائى مع ألعاب الدراما الاجتماعية، حيث يُتاح للطفل تقليد حركات الشخصية التى يقوم بها، كما يقلد كلامها وأحاديثها.
- كما يعد مسرح الطفل وسيلة مهمة من وسائل تنمية لغة الأطفال، وإمدادهم بالكثير من الكلمات والمعانى التى تسهم فى بناء المحصول اللغوى للأطفال، فاللغة هى مفتاح التعامل مع عالم المعرفة.
وانطلاقاً من أهمية مسرح الطفل فسوف نتناول واقع مسرح الطفل العربى الحالى - وهو أقل بكثير مما يرجوه رجال التربية والمهتمون برعاية الطفولة - مع محاولة تقديم رؤية مستقبلية لما يجب أن يكون علية مسرح الطفل، بوصفه منارة تربوية وتعليمية للأجيال القادمة.
• وماذا عن واقع مسرح الطفل فى العالم العربى؟
 - يمكن القول - بصفة عامة - إن القصص الخيالية البعيدة عن الواقع، التى تعتمد على التهريج والأحلام وقصص السندريلا والأقزام تشكل النواة التى يرتكز عليها مسرح الطفل فى العالم العربى اليوم، وهى التى تؤدى - حتماً - إلى أن يغرق الطفل فى الأحلام والخيال إلى أن يكبر، ويصطدم بأرض الواقع.
ولقد كانت البداية عن طريق «تمثيليات خيال الظل» والتى جاءت من الصين مع المغول الذين احتلوا العراق، ثم ظهر هذا الفن على يد (الحكيم شمس الدين بن محمد بن دانيال بن الخزاعى الموصلى) واستوطن فى القاهرة وانتقل إلى تركيا عام 1517 م على يد السلطان سليم الأول، ثم منها انتشر فى أوروبا.
ولقد كان ظهور «فن القراقوز» فى مصر - فيما بعد - إيذاناً باضمحلال «تمثيليات خيال الظل»، ولكنه سرعان ما اندثر، ويرجع السبب فى ذلك إلى عدم النهوض بذلك الفن، وتطويره ورعايته من قِبَلْ فنانين فقراء الحال والثقافة والهدف والإمكانات الفنية والمادية، وتلى ذلك ظهور «المسرح الشعرى الغنائى»، وفى مطلع القرن العشرين حدث التحول فى مسرح الطفل، حيث بدأ عرض مسرحيات الأطفال عام 1964م، ولقد عاب مسرح الطفل - وقتها - غياب التخطيط، وعدم الثبات، والاعتماد على المصادفات فى العمل الفنى.
ويمكننا الآن أن نقول إن حركة مسرح الطفل العربى ظاهرة معاصرة تحاول أن تنمو، ولكنها تفتقر إلى التنظيم الجيد للنصوص المسرحية، وكذلك قلة الخبرة فى التعامل مع الأطفال، والتعبير عن همومهم وأحلامهم.
• وأخيراً ماذا عن أحلام الشاعر شوقى حجاب فى عالم الأطفال؟
- أتمنى أن يكون جميع العاملين بشئون الأطفال فى مصر والوطن العربى أجمع على دراية شاملة بأهمية الطفل وسيكولوجيته، فإذا كنت تريد أن تعرف الدولة انظر إلى الطفل، فالدولة التى تهتم بشئون الأطفال لها مستقبل أفضل وأعلى.•