الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سبع جنات الحلقة 14

سبع جنات الحلقة 14
سبع جنات الحلقة 14


«سمير» زميل «سلطان» فى المجلة يزوره فى المستشفى حيث يرقد فى الغيبوبة، ويخبره بقرار كتابة الزملاء عنه فى كل عدد بدلا من إصدار عدد خاص. وتجميع رسومه ومقالاته فى كتاب بعنوان «وصف مصر من جديد بريشة سلطان سعيد».. وتأتى «سماء» وتكشف له عن فشلها، وتوهمها بوجود «نادرة» ضمن الـ«سبع جنات»!
ثم تزوره فى غيبوبته «ماشالله».. وتخبره بأن الأطباء مسرورون لأنك متجاوب، وتحس بأشياء من حولك، وتقول له إن واحدة فقط هى المحتاجة له.. من هي؟!

28
«راجية»
«سمير نور» رجل عظيم.
مع أنه زميلى وزميلك من سنين طويلة، لكن المقال الذى كتبه عنك هذا الأسبوع، كشف لى عن ملامح راقية فى شخصيته، لم أكن أعرف عنها شيئا من قبل، روح الفكاهة والسخرية الذكيّة اللمّاحة، وقوة الشكيمة، والإصرار على المبادئ، والثراء والتنوع الثقافى والفكرى والفنى.
شىء يدعو للفخر.
كتب عنك كما لو كان يكتب عن نفسه، وأكثر.
بسلاسة وطلاقة وشمم.. ببساطة وخفة ظل وقوة منطق معا.
والحقيقة أننى كنت أتطلّع لقراءة المقال بشوق، كنت متلهّفة لأن أعرف المزيد عنك وعن أيام شبابك وبداياتك وفنك..
ولا أعرف إن كان «سمير» أطلعك على محتوى المقال أم لا. لكن سأقترح عليه أن يأتى ويقرأه لك بنفسه.. فلا أريد أن أختصره حتى لا أفسد عليك متعة النص كله.
عموما ليس هذا فقط ما أريد أن أحدثـّك فيه، هناك ما هو أهم، فيبدو أن محاولات «أمير» وإلحاحه على الأطباء بضرورة سفرك للعلاج فى الخارج، تقترب من النجاح. وهو يطلب علاجك فى بريطانيا بالذات- عرفت منه مؤخرا أنه متزوّج من إنجليزية ويعيش ويعمل فى لندن- وقال لى إنه ينتظر الردّ هذه الأيام.
والغريب فى الأمر، أنه عاد يسألنى ذات السؤال:
= لكن يا أستاذة «راجية».. عفوا يعنى، إنتى ليه ما تجوزتيش «سلطان»؟!
وطبعا هذه المرّة كان هناك مجال أوسع للكلام، وكان التعارف بيننا قد اكتمل. تحدّثت إليه بإسهاب، وأخبرته فى النهاية بأننى الآن مستعدة وموافقة ومنتظرة موافقتك على الزواج.. لأننى - كما شرحت لك، وله- عرفت معنى الحبّ، وعرفت وتأكدت من أننى أحبّك.
فهل تحبّنى يا «سلطان»؟!.. هل تتزوّجنى؟..
على فكرة، لما طلبوا منى أكتب عنك فى المجلة، رحّبت بحماس، لكن لما بدأت أكتب، وجدت أن كلامى لا يصلح للنشر!..
ما أقدرش أكتب عنك من غير ما أكشف أسرار وخفايا، لازم أستأذنك قبل نشرها.
اعتذرت، قلت لهم: خلّونى أنا فى الآخر.

29
«جنات» و«ماشالله» و«سماء»
هل تصدّق ما حدث يا «سلطان»..
مرّة واحدة لقيت نفسى مع «ماشالله» والدكتورة «سماء»!.. رجعت من الشغل على هنا على طول، بعد الظهر، فقابلتنى «ماشالله».. ولم نكن تقابلنا من سنين، آخر مرة شفتها كانت عندك فى المرسم من سنتين تقريبا.
عندى إحساس غريب ناحيتها، عمرى مافكرت فيها كغريمة لى، طبعا لأنها أكبر منى بكثير، وربّما لأنها تعاملنى باحترام، وبحبّ أيضا.
وربّما لأننى لا أعتقد أنك ستتركنى من أجلها.
المهم، بعد دردشة سريعة عن تطورات حالتك، بان لى أنها مهمومة جدا بما جرى لك.. أحسست بأمومتها لك!
وفجأة ظهرت «سماء».. سمعت أنها زارتك من قبل، وكنت قلقة تجاهها، خصوصا لمّا عرفت أنها تطلّقت، يعنى رجعت تحوّم حولك، حتى وأنت فى الغيبوبة؟!
تحدّثنا عنك طبعا، وتحدّثنا عن أخيك «أمير» وإلحاحه على طلب سفرك للعلاج فى الخارج.
وتحدثت الدكتورة «سماء» عن حريمك.. تصوّر؟!
دخلت للموضوع من مدخل عجيب، أقرّت لنا أنها أخطأت فى حقك مرتين. لم نكن نحاكمها، أو نستنكر أفعالها.. ومع ذلك بادرت هى بالاعتراف..
قالت إنها تتمنى لو يكون مسموحا لها بسحب الدكتوراه!
تصوّر..
= ليه؟!
سألناها أنا و«ماشالله» فى نفس واحد، وباندهاش كبير.
قالت: لأنها إساءة لـ «سلطان» وتقوم على تحليل بمنهج قديم، وفيها نواقص كثيرة.
= زى إيه؟
خرج السؤال من فمى بأسرع من قدرتى على التفكير.
- مثلا.. حكاية «نادرة».
= مالها؟!
جاء السؤال فى نفس واحد أيضا منى ومن «ماشالله».
- باين عليها حكاية وهمية.. ولا فيه «نادرة» ولا حاجة.
= يعنى إيه؟
- يعنى أنا مش فاكرة أنى قابلت واحدة اسمها «نادرة».. هل حد فيكم يعرفها أو قابلها؟.. قابلتيها يا «جنّات»؟.. قابلتيها ياست «ماشالله»؟
قلت:
= أنا أعرف بوجودها من خلالك يا «سماء».. أنت حدّثتينى عنها.. لكن أنا شخصيا ما قابلتهاش أبدا، مع أنى قابلت الباقيات جميعا.
ظلّت «ماشالله» صامتة، وكانت - فيما يبدو- تحاول استعادة شريط طويل من الذكريات.. ثم:
- مش فاكرة أبدا أنى قابلت فى حياتى كلها واحدة بالاسم ده.
بدأت «سماء» تتحدّث إلى نفسها، وهى حالة أعرفها عنها، وتعرفها أنت بالتأكيد، تصيبها عندما تكون مزنوقة أو محرجة.
= يعنى يا «سماء» مش معقول تكونى تخيلتى «نادرة» دى وخلقتيها من العدم.. مش «سلطان» مرّة كلّمك عنها؟.. حاولى تفتكرى يا «سمسم».. ماتبقيش مضروبة كده طول الوقت، إمتى «سلطان» جاب سيرتها؟.. واحدة واحدة حتفتكرى كل حاجة، إمتى كنتم بتتكلّموا عن «نادرة»؟..
إيه المناسبة؟.. ليه جت سيرتها بينكم؟..
هل هو اللى ذكر اسمها؟.. 
ضرورى يكون هو، أنت يا «سماء» ماكنتيش تعرفى عن «نادرة» دى أى حاجة.......
آآآآآآآآآآآآه.. 
نطقت أستاذة التربية النفسية بجامعة عين شمس، وكأنها تطلق صرخة ماقبل الولادة..
= الحكاية جت من اللخبطة...
هو.. «سلطان» يعنى، كان بيكلّمنى عن امرأة نادرة الوجود، موجودة فى خياله كفنان.. ولها عنده ملامح خاصة، وصفات وقدرات وميزات، نادرة.. نادرة فى كل شىء.
تعتمد على كونها امرأة، لا أكثر ولا أقل.
تكتفى بأنوثتها.. تملأ بها محيطها، وتشبع بها رجلها، وتعامل رجولته وتستمتع.. وتمضى فى حياتها.
يعنى هى صورة خيالية مثالية لمجمل جنسنا الأنثوى، يعنى هى حواء. البدر فى تمامه.
يعنى أنا اللى جسدت خيالاته وشطحاته، وصنعت منها سابع حريم السلطان.
توقفت «سماء» عن الكلام.. وتمتمت وغمغمت بعبارات غير مفهومة، وصوت غير مسموع.
خلعت نظارتها ومسحتها بورق أبيض ناعم، وأعادتها، ثم نظرت إلينا ونحن نجلس فى ركن صالة الزوار بالمستشفى، وقالت بصوت رخيم:
- مش قلت لكم أنى أسأت له مرتين.
= لكن إيه المرة التانية؟
سألت بهدوء وهمس.
- آه.. ما أنت عارفة. لما حاولت بهبالة أكوّش عليه، واستفرد بيه، وأتخلّص منكم كلكم.
سألتها «ماشالله»:
= طب والعمل يادكتورة؟..
- أنا خلاص، عرفت غلطى، وعايزه أعتذر عنه، وجايه أطمئن على حالته.
قالت لنا «ماشالله» كلاما غريبا بعد ذلك، قالت إنها تبنّت «سلطان».
من أول مرّة تحس بموهبته، وإنها لم تسبب له أية متاعب، وإنها لم تكن تطلب منه أى شىء. ولم تكن ترغب فى الانفراد به أو الزواج منه، أو أى شىء.. وإن ما جرى بينهما كان نوعا من الحنان.. والاحتياج، والرحمة، والانجذاب الذى لم تكن هى ولا هو يملكان مقاومته أو التخلّص منه، شىء زى المغناطيس، زى الجاذبية الأرضية ونظرية «نيوتن».
يا «سلطان».. ليتك تفيق من هذه الغيبوبة الآن.. أريد أن أطمئنك عليّ، أنا خلاص، خرجت من دائرة جاذبيتك.. برغبتى.. وأعفيك من مسئوليتى.. ولك الخيار.. ولا أعرف كيف سيكون اختيارك.. ماذا سيكون؟.. من ستكون «نادرة» التى فى خيالك؟.. من ستجسّدها على الأرض؟..
هل هى أنا.. أم «لحظة»؟.. أم «هدى»؟.. أم «ماشالله»؟.. أم «سماء»؟..
أم تكون «راجية» هى امرأتك التى تسميها- فى عقلك الباطن -«نادرة»؟!
    30
«هــدى» و«أمــير»
سمعت، لا.. قرأت فى الصحف، ما قاله شقيقك «أمير» عن ضرورة سفرك للعلاج فى الخارج. وقال إن هذا هو الحل الوحيد لخروجك من الغيبوبة..
وأحسست من كلامه أن هناك عائقا ماليا.. فقررت البحث عن «أمير» لمعرفة تفاصيل الموقف.. وقلت إنه بالتأكيد سيكون هنا فى المستشفى،
وأمضيت ساعات، أنتظر حضوره، فلا أحد هنا يعطى معلومات عن أى شىء، لأى أحد.
ولأنه لايعرف وأنا لا أعرف، كيف أتصل به، فقد أوصيت بعض الممرضات والموظفين، ودفعت المعلوم، ليخبرونى بوصوله ويخبروه برغبتى فى لقائه.
قابلته أخيرا.. وكان فى حالة توتّر شديد، قال إن كلّ يوم يمضى دون سفرك مخصوم من فرص علاجك.
قلت متسائلة: وما المانع فى السفر؟
نظر إلى بعيون متفحّصة، وهو يردّد مندهشا:
= ما المانع؟!..
ثم بما يشبه الصراخ المكتوم:
= مطلوب مليون جنيه!
قلت:
- أنا جاهزة.. وسأتكفل بكل شىء، «سلطان» أغلى عندى من كل أموال الدنيا يا أستاذ «أمير».
قال:
= ياه.. أنت للدرجة دى بتحبّيه يا «هدى» هانم؟!..
قلت:
- هو فيه حدّ مابيحبّش «سلطان»؟..
قال:
- لكن ده مبلغ رهيب ياهانم!
قلت:
= كل شىء يهون، بس يرجع لنا بصحته وعافيته وفنه وقلبه الكبير.
سكت طويلا.. ونظر إليّ متفحّصا، وغاص فى تفكير عميق داخل نفسه، ثم تنحنح، كقاض يتهيأ لإصدار حكم قاس، قبل أن يقول لى:
- أنا آسف يا «هدى» هانم، لأن العيلة لا يمكن تقبل عرضك ده.. إحنا ناس عندنا كرامة، ومانقبلش العطايا، حتى ولو بنموت.
انفجرت فيه:
= عطايا إيه يا أستاذ.. انت ما تعرفش حاجة، ما تعرفش «سلطان» بالنسبة لى يساوى إيه. انت عايش فى ضباب بريطانيا، ومش دريان باللى حاصل هنا فى مصر.
صممّ على رأيه، وشكرنى على كرمى الحاتمى - كما قال- وتركنى ومضى.
لا أفهم حكاية أخيك هذا؟..
هل يريدك أن تخرج من الغيبوبة، أم لا؟!.. أم يريد لك أن تخرج من مصر نفسها؟!
وحتى لو كان هدفه خروجك، كيف سيتم ذلك؟ ولماذا يرفض عرضى ..
لا أفهم شيئا.. لكننى لن أسكت. •