الخميس 8 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ياسين التهامى .. ظاهرة الشرق

ياسين التهامى ..  ظاهرة الشرق
ياسين التهامى .. ظاهرة الشرق


يعد الشيخ ياسين التهامى ظاهرة فريدة فى عالم الإنشاد الديني, حيث أطلقت عليه إحدى الصحف الإسبانية «ياسين العظيم ظاهرة الشرق»، الذى ذاع صيته كمنشد دينى منذ منتصف السبعينيات، واستطاع التربع على عرش الإنشاد الدينى لمدة تزيد على الثلاثين عاما.
 
• نشأته
ولد «ياسين التهامي» عام 1949 بقرية «الحواتكة» بمركز منفلوط بأسيوط، ونشأ فى بيت دينى، حيث كان والده الشيخ «التهامى حسنين» أحد قراء القرآن الكريم بالقرية، وكان من أولياء الله الصالحين، ومن الزاهدين العابدين، وكان لهذا الجو تأثير عميق فى نفس «ياسين»، فقد نشأ وتربى فى جو يسوده التدين وحب وذكر الله، وذلك من خلال ليالى الذكر التى كان يقيمها والده فى المناسبات الإسلامية، كالمولد النبوى الشريف وغيرها من المناسبات الدينية، كما كان للأب دور كبير فى حياة ابنه «ياسين»، حيث ساهم بشكل رئيسى فى تقويم لسانه، فساعده على حفظ القرآن الكريم، والعديد من القصائد الصوفية، حيث كان الوالد واحدا من أقطاب الصوفية فى الصعيد، فكان للبداية والنشأة المتدينة أثر كبير فى تشكيل عقل وقلب ووجدان الصبى الصوفى الصغير الذى بدأ حياته بتلاوة القران وتجويده، وحفظ الأشعار، ومن هنا دفع به والده إلى أن يتلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى وصل إلى السنة الثانية فى المرحلة الثانوية الأزهرية، وكان ذلك عام 1970 وخلال تعليمه الأزهرى كان «ياسين» مولعا بالشعر الصوفى، الذى كان يسمعه من والده وممن يحضرون ليالى الذكر فى منزلهم، ومن هنا امتنع «ياسين» عن استكمال دراسته الأزهرية، ثم ظل لمدة عامين متأملا ومنقطعا لقراءة أشعار أقطاب الصوفية الكبار أمثال «ابن الفارض، والحلاج، والسهرودى، ومحيى الدين بن عربي» وغيرهم ممن كان لهم الفضل وكان لهم أكبر الأثر فى تكوين شخصيته، وبمرور الوقت بدأ «ياسين» يسلك طريقه إلى الإنشاد الدينى، رغم معارضة عائلته فى البداية.
• بدايته
وكانت بدايته فى عالم الإنشاد الدينى عندما بدأ «ياسين» يترنم بينه وبين نفسه بالأشعار وتجويد بعض آيات القرآن الكريم، وجاءت نقطة التحول فى حياته حيث كانت إحدى الليالى التى يقيمها والده، وبالتحديد ليلة المولد النبوى، فأخذ يقول مثلما يقول الذاكرون، ومن هنا وجد الشيخ نفسه مندفعا إلى حلقة الذكر منشدا «هو الحب فأسلم بالحشى ما الهوى، سهل فما اختاره مضنى به وله عقل، وعش خاليا فالحب راحته عنا، فأوله سقم وآخره قتل»، وبعدها ترك دراسته فى الأزهر وتفرغ للإنشاد فى موالد الصالحين، الذين تنتشر أضرحتهم من أسوان حتى بنى سويف بالصعيد، فكانت ساحات مولد «الفرغلي» بـ «أبوتيج»، ومولد «الفولي» بالمنيا، و«العارف بالله» فى سوهاج، مسارح مفتوحة استطاع من خلالها «ياسين التهامي» أن يقدم نفسه للناس من العامة قبل الصوفيين، واستطاع باستخدام آلات جديدة لم تكن تستخدم من قبل أن يصنع لنفسه حالة خاصة، فبصحبة الناى والكمان اللذين تصنع نغماتهما ألحان الشجن، صاغ «ياسين» منهج الإنشاد الصوفى لديه، ليصبح بالإنشاد الدينى منافسا لأغانى كبار نجوم الغناء والطرب فى العالم العربى.
وبالرغم من أن الشيخ قد ترك تعليمه الأزهرى إلا أن الفترة الدراسية التى تلقاها فى الأزهر كانت خير معين له فى رحلته التى شاء القدر أن يسير فيها، فقد استطاع حفظ القرآن الكريم وتجويده، كما ساعده حفظ القرآن الكريم على إنماء ملكة الحفظ لديه التى كانت عاملا مهما بالنسبة له فيما بعد، وكانت اللغة العربية وقواعدها التى درسها على أيدى أساتذة وعلماء الأزهر قد ساعدته على عبور حاجز الرهبة، كما ساعدته على معرفة أصول اللغة وقواعدها وكيفية نطقها نطقا سليما.
• شهرته
بدأ الشيخ «ياسين التهامي» حياته بالإنشاد الدينى فى الموالد والحفلات الدينية بقرى ونجوع الصعيد حتى سطع نجمه فى منتصف السبعينيات فأصبح نجم الإنشاد الدينى الأول فى مصر، بعد أن انتقلت شهرته من قلب الصعيد إلى الوجه البحرى، وأصبح مولد «السيد البدوي» بمدينة طنطا ساحة اللقاء بين «ياسين التهامي» وبين عشاقه، الذين عرفوه من خلال شرائط الكاسيت قبل أن يروه وجها لوجه، بالإضافة إلى ذلك أصبح مكانه محجوزا بالليالى الأخيرة فى موالد القاهرة، كالسيدة زينب والحسين، ليتجمع مئات الآلاف لسماع شعر «عمر بن الفارض» و«محيى الدين بن عربي» بصوت ياسين التهامى، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد ولكنه امتد لتصل شهرة «ياسين التهامي» إلى جميع أرجاء العالم العربى والإسلامى، بل والغربى أيضا، فجميعهم أصبح يستمع إلى قصائد أقطاب الصوفية على لسان «التهامي» وبل يطربون بها، بعد أن كان مكانها بطون الكتب أو حلقات الذكر ومجالس شيوخ الطرق، فجاء «ياسين» بإنشاده فى الموالد والميادين والحفلات ليجعلها على ألسنة العوام فى القرى والنجوع والأرياف لتشبه الفلكلور الشعبى، فتسمع مثلا حمال أمتعة أتعبه كثرة العمل يبرر لك عجزه عن رفع بعض المتاع قائلا «ما حيلتى والعجز غاية قوتي»، وربما عبّر لك آخر عن قلقه حيالك قائلا «قلبى يحدثنى بأنك متلفي» ثم لا يلبث أن يردف مؤكدا أنه يداعبك فقط فيقول «روحى فداك عرفت أم لم تعرف»، وبهذه الكلمات العربية الفصحى التى لا يفهمها الكثير من العوام ولكنهم يرددونها كثيرا بعد سماعهم لها على لسان التهامى فى الحفلات التى أحياها فى النجوع والقرى والموالد وفى مختلف الدول العربية، والأجنبية فأحيا حفلات فى لندن وباريس وألمانيا وهولندا وإسبانيا وفنلندا وغيرها من العواصم والدول الأجنبية، وأصبح انشاده جزءا مهما فى المهرجانات الغربية، خاصة فى مهرجانات الموسيقى الروحية، ونظرا لكونه كان ظاهرة فريدة فى عالم الغناء والطرب وفى عالم الإنشاد الدينى خاصة أطلقت عليه إحدى الصحف الاسبانية «ياسين العظيم ظاهرة الشرق».
• العلاج بالإنشاد
تفرد «ياسين التهامي» فى الإنشاد الدينى لدرجة أصبح بعدها يقود جلسات العلاج النفسى بالإنشاد الدينى، والتف الناس بالصعيد حوله، وصار له مريدون وعشاق يتحسسون أخباره، ويسافرون إلى الأماكن التى يقيم بها حفلاته، فما أن يحل ضيفا بإحدى القرى، حتى ينتشر الخبر فى القرى المجاورة قبلها بأيام، فيهيئ المغرمون بإنشاده أنفسهم لحضور الليلة، وينهون كل الأعمال التى قد تعطلهم عن الحضور، والجميع يرددون الكلمات التى ينشدها التهامى ولا يعرفون أنها مقتطعة من عيون الشعر الصوفى، ودون إدراك لمعانيها الحقيقية غالبا بعفوية وبفصاحة لا تنم عنها بساطتهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية المتواضعة، بل إن بعضهم يكاد يحفظ قصائد بأكملها لأقطاب الصوفية، وذلك من كثرة ما رددها وراء الشيخ ياسين فى الموالد والحفلات، أو لكثرة ما سمعها من أشرطة الكاسيت التى تحتوى إنشاده الدينى.
والغريب أنه حتى بعد انتهاء الليلة يظل الحديث عن الشيخ «ياسين» وعن إنشاده الذى أطرب النفوس، ووسط هذا الجو المليء بالحب استطاع «ياسين» أن يتربع على عرش ليالى الغناء الصوفى، ولكنه رفض ما يحدث فيها من العادات البالية التى كانت منتشرة بالصعيد، مثل إطلاق الأعيرة النارية، واحتساء الخمور والمخدرات، وهى عادات كانت سائدة فى الموالد وفى حفلات الإنشاد.
• أسباب نجاحه
تميز «ياسين التهامي» بطريقة فريدة وخاصة فى الإنشاد تعتمد على التفاعل المستمر مع الجمهور، فهو لا يقوم بالإنشاد داخل استديو، وإنما فى الموالد واللقاءات المفتوحة مع الجمهور؛ لأن التسجيل فى الاستديو كما كان يقول أقرب إلى الغناء «الاستهلاكي» الذى يعد مسبقا للجمهور، كما لا يقوم بأى بروفة للحن أو للكلمات التى ينشدها، بل يأتى عفوا ومن تلقاء نفسه أو حسب ما يسميه «الحالة»؛ فهو يرتقى المسرح، ويحاول أن يختار من قصائد الصوفية ألْيقها بالمقام، لكن الذى يحدث غالبا أن «الحالة» هى التى تلهمه اختيار القصيدة واللحن.
ويبدو ذلك واضحا من تغير لحن وكلمات القصيدة الواحدة، فكثيرا ما أنشد القصيدة الواحدة على أكثر من لحن أو مقام، وربما أنشد على المقام الواحد أكثر من قصيدة، وربما غير فى القصيدة الواحدة والمقام الواحد بحسب الحالة التى ينشد فيها، والتى يخلقها الزمان والمكان والحدث والناس من حوله أو حالته الشخصية أيضًا التى تتدخل فى ذلك، لذلك مرات تأتى القصيدة ترقص طربا، ومرات أخرى تأتى هى نفسها تقطر حزنا كالنشيد الجنائزى.•