مخاوف من ضعف البنية التحتية وصعوبة النقل والخدمات المصرفية السيئة

محمد عبد العاطي وريشة احمد جعيصة
ضربة البداية للدخول بقوة للقارة السمراء، جاءت عبر توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع التكتلات الإفريقية الثلاثة لتبدأ مصر فتح صفحة جديدة مع إفريقيا من أجل الحصول على المواد الخام وترويج المنتجات داخل أعماق القارة.. ولكن تبقى بعض المعوقات العملية التى تحول دون تطبيق هذه الاتفاقية على أرض الواقع..
جاء توقيع الاتفاقية مع أكبر ثلاثة تكتلات وهى السوق المشتركة لدول جنوب وشرق إفريقيا «الكوميسا» وتجمع اتحاد شرق أفريقيا «إياك» وتجمع التنمية الجنوب أفريقى «سادك» وذلك من خلال المؤتمر الذى يتألف من 26 دولة حرصت كل منها على تعظيم دور التجارة والتعامل بتعريفة جمركية تفضيلية تخفض من تكلفة المنتجات وتساعد على تشجيع التعامل بين دول القارة السمراء.
وربما كانت خطوة اتفاقية التجارة متأخرة إلا أنها جاءت فى نهاية المطاف، وذلك بعد أن أخذت الكثير من القارات نفس المسار فى وقت مبكر وبدأ الاتحاد الأوروبى وآسيا وقارتا أمريكا الشمالية والجنوبية الاتجاه إليها قبلنا.
• معوقات قديمة
لا يميل أغلب المتعاملين من رجال الأعمال فى مصر إلى الاتجاه لأفريقيا والوثوق فى القارة السمراء كمصدر غنى بالمواد الخام المنخفضة التكاليف وذلك بسبب الصعوبات الجمة التى يواجهونها، بداية من عمليات النقل الصعبة التى تسبب فيها عدم اكتمال الطرق البرية وعجز بعض الدول عن تأمين مياهها من القرصنة البحرية وارتفاع تكاليف النقل الجوى وعدم صلاحيته لنقل الكثير من البضائع، فضلا عن سوء الاتصالات بين دول القارة وبعضها البعض وضعف البنية التحتية.
ثم تأتى فى نهاية هذه المعوقات الخدمات المصرفية الضعيفة نظرا لعدم وجود فروع لبنوك مصرية تغطى الكثير من الدول الأفريقية فضلا عن صعوبة التعامل مع بنوك من جنسيات أخرى نظرا لعدم حصولها على مرتبة متقدمة فى الخدمات المصرفية.
وأكد الدكتور فاروق شقوير المدير التنفيذى السابق لبنك التنمية الإفريقية أن هناك عدة مشاكل رئيسية تعوق العمل فى القارة السمراء وتتمثل فى البنية التحتية والنقل والاتصالات والخدمات المصرفية.
وأوضح شقوير أن البحث عن عملة مشتركة للتعامل التجارى بين الدول الأعضاء فى القارة السمراء من أهم المعوقات فى العمل كذلك المشاكل التى تنجم عن تسوية المدفوعات الخاصة بالتجارة والسلع والقيود غير الجمركية مثل تنقل الأفراد بين دولة وأخرى.
وأشار شقوير إلى أن مشكلة النقل تمثل أزمة كبيرة فى التعامل التجارى بين الدول الأفريقية وعلى سبيل المثال فإن نقل السلع من مصر إلى جنوب السودان لا يتم إلا عن الطريق البحرى لكينيا رغم أن الدولة المراد التعامل معها تجاريا لها حدود مباشرة مع شمال السودان وشبكة الطرق سيئة، فضلا عن عدم وجود خط ملاحى منتظم خاصة بعد توقف الخط الملاحى عام 2008 وكانت القائمة عليه المجموعة الدولية للنقل المشترك وكان يخدم منطقة شرق أفريقيا وسبب توقفه هو القرصنة على السفن وارتفاع التكلفة والمخاطر الكبيرة التى تحيط بهم.. والآن هناك اتجاه لإنشاء خط ملاحى بحرى لمجموعة شرق أفريقيا بالكامل من أجل عودة التجارة المنتظمة مرة أخرى.
وأضاف شقوير: إن الطريق البرى يمكن أن يكون الأمل فى دعم التجارة بين دول القارة وهو الطريق الذى يربط بين القاهرة وجبرونى فى بتسوانا ومنه إلى كيب تاون فى جنوب أفريقيا، حيث إن معظم هذا الطريق مكتمل ولا يتبقى فيه من الناحية العملية إلا 15 % ويتم رصفه كاملا الآن لاسيما أن الطرق البرية دائما ما تخلق حياة تجارية وتجمعات وتربط بين الشعوب غير السكك الحديدية وغيرها من طرق النقل.
وقال شقوير إنه بعد الانتهاء من هذه الطرق وتأمينها وتذليل العقبات الإدارية والتجارية يجب على الفور البدء فى عقد الاتفاقيات التجارية من أجل إنعاش الأسواق بالمنتجات الأفريقية المنخفضة التكاليف ويجب أن يجرى استخدام بوليصة تأمين موحدة بين الدول، وهذا إجراء متبع مع دول الكوميسا، وبالتالى يجب تعميمها على بقية التكتلات وهنا ستنخفض قيمة النقل بنسبة 30 % وتتحقق التنافسية بين الدول الأعضاء ويمكن الاعتماد على منتجات القارة بشكل كبير.. وأضاف شقوير: إن تواجد البنوك المصرية فى قارة أفريقيا فقير للغاية فهناك بنك القاهرة فى أوغندا والبنك الأهلى فى العاصمة السودانية الخرطوم وهناك بنك مصرى فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وهناك مكتب تمثيل فى جنوب أفريقيا.. وعلى سبيل المثال فإن تعداد السكان بين دول شرق أفريقيا يصل إلى 600 مليون نسمة وهناك انتشار كبير للبنوك الكينية فى المنطقة وهناك بنوك متطورة للغاية فى جنوب أفريقيا، وبالتالى ستكون المنافسة كبيرة للاستحواذ على حركة التعاملات فى القارة وهنا يجب الإسراع فى الدخول إلى أفريقيا على صعيد التمثيل المصرفى هناك، خاصة أن هذه المجموعة من الدول معدلات النمو فيها كبيرة للغاية فهناك مجموعة تطلق على نفسها النجوم الصاعدة موجود منها 4 دول فى شرق أفريقيا والتى تتجاوز 6 % من معدل النمو وهى إثيوبيا ورواندا وموزمبيق وتنزانيا والمستقبل العالمى فيها كبير من حيث النشاط الاقتصادى.
وشدد شقوير على أن تواجد البنوك الإفريقية فى القارة وانتشارها يمنح المستثمر المصرى الراغب فى الاستثمار داخل القارة السمراء طمأنينة كبيرة فلا يعقل ألا يوجد بنك مصرى فى تنزانيا وهى من الدول المهمة فى التعاملات التجارية.
• أمن قومي
اعتبرت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية السابق أن توقيع اتفاقية التجارة بين التكتلات الأفريقية ليس اتجاها مصريا فقط بل خطة أفريقية جرى وضعها منذ عملية التحول من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقى والقائمة على التكتلات الاقتصادية المتواجدة فى القارة.
وأضافت عمر: إن هناك بعض الدول حبيسة ولا تمنحها تضاريسها فرصة للتعاون أكثر فى المجال التجارى مثل زامبيا وزيمبابوى والعمل يجرى حاليا على استكمال الطريق الرئيسى البرى التجارى «القاهرة- كيت تاون» والمعوقات التى تمنع استكمال مثل هذا الطريق المشاكل السياسية وبعض الحروب الأهلية ويجرى العمل على حلها بالتعاون مع دول القارة، ومن المنتظر أن يجرى تحقيقه.. كما أن شبكة السكك الحديدية تعد من الوسائل الجيدة للنقل التجارى بين دول القارة السمراء، حيث إن بنك الاستثمار الإفريقى قد أعلن عن ضخ 500 مليون دولار للمساهمة فى تنمية الاستثمارات داخل القارة وعلى رجال الأعمال المصريين انتهاز الفرصة والعمل على استغلالها من خلال نقل عدد من النشاطات التجارية إلى إفريقيا هذا بالإضافة إلى ضرورة اتجاه خطوط مصر للطيران إلى أفريقيا والعمل على تعزيزها.
كما أن هناك إحدى الشركات المصرية قد أقامت خط سكك حديدية بين كينيا وتنزانيا من أجل سهولة حركة التجارة والاستفادة من الفرص الاستثمارية هناك كما أن هناك شبكة نقل بين جيبوتى وإثيوبيا.
• قوة ناعمة
ويرى السفير جمال بيومى الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب والدبلوماسى السابق بدولة الكاميرون أن الاتجاه إلى إفريقيا أصبح ضرورة ملحة فى هذا التوقيت وعلى سبيل المثال هناك اتفاق عربى يلغى الجمارك على الصادرات وهناك اتفاق الكوميسا وهناك الاتفاق الأوروبى وهذه الاتفاقيات الثلاثة نجحت ولولا نجاحها لما فكرنا فى الاتجاه إلى القارة السمراء لبحث وتعزيز التعاون بين دولها الأعضاء.
وحاليا فإن صادراتنا إلى دول الكوميسا كانت فى السابق 150 مليون دولار وأصبحت الآن 730 مليون دولار بزيادة خمسة أضعاف تقريبا ورغم أن الرقم لا يعنى الكثير ولكنها بداية جيدة يمكن الانطلاق من خلالها.
وقال بيومى: إن هناك خمس خامات رئيسية يمكن استيرادها من أفريقيا وهى البن والشاى والخشب والألمنيوم والنحاس.. وعلى سبيل المثال فإن استيراد الخشب من أفريقيا صعب للغاية نظرا لتوطن الشركات الفرنسية والإيطالية وغيرها من بعض الدول الأوروبية هناك من أجل الاستفادة من المواد الخام وإذا أردنا التحرك للحصول على ما نريده يجب أن نتجه لإنشاء شركات هناك وليس تعامل تجارياً تبادلياً فقط.•