الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سافرت بحثا عن حياة مختلفة

سافرت بحثا عن  حياة مختلفة
سافرت بحثا عن حياة مختلفة


ابن الصعيد الذى حلم بالتميز والتحليق الى حيث لم يسبقه أحد من قبل، كان حلمه السفر والاكتشاف وحققه ليجد نفسه وموهبته التى دعمها بعمل دءوب على مدى ثلاثين عاما من خلال الغناء والتلحين، الفنان صبرى القشيرى الذى وجد حظه خارج مصر أكثر بكثير من داخلها ليترك بصمته فى أعمال فى دول أوروبية عديدة يعود إلى مصر فى رحلة قصيرة تحدثنا إليه خلالها.
• حلم الغناء والتميز
مثل أى أسرة تريد أن ترى ابنها متفوقا وناجحا أرادت أسرتى أن أدرس الهندسة وأنا فى اتجاه آخر، أريد أن أدرس الموسيقى وأتخصص فيها وأنا من الصعيد من محافظة المنيا، وبالفعل دخلت كلية الهندسة وبدأت ألعب مزيكا بالتزامن مع الدراسة وكانت قاسما مشتركا فى كل أنشطة حياتى، ذوقى الموسيقى كان مختلفا عن كل من حولى، أحب الشرقى ولكن المزيكا الغربية أخذت قلبى وأشعلت خيالى وأصبحت أتابع إنتاجهم وأفكارهم وكيف أصبحت المزيكا بالنسبة لهم أسلوب حياة، وعندما بدأت الغناء أصبحت أريد أن أغنى شيئا مختلفا عما هو موجود حولى، وأخذ خيالى شكلا  معروفا فى الأفلام الأجنبية ويعتبر غير مألوف فى الصعيد وقتها وهى وجود شخص يغنى  لجمهور أثناء تناولهم العشاء، وقبل انتهاء الدراسة الجامعية فى العام الرابع وقبل وجوب التحاقى بالجيش قررت السفر خارج مصر ولو لفترة لفضولى نحو هذا العالم الغريب وأسلوب الحياة المختلف والفكر المختلف، وكان وقتها ممنوعا أن يسافر الطلبة أثناء مرحلة الدراسة، إلى أن صدر بعدها بفترة قانون يسمح للطلاب بالسفر لمدة ستة أشهر، ويستطرد قائلاً: سافرت إلى اليونان وبمجرد وصولى شعُرت أننى فى مكانى وكأنى كان يجب أن أولد هنا، وفى أول أيامى هناك قررت الذهاب إلى الشاطئ، وعلى أحد الشواطئ تعرفت على مطرب أوبرا يونانى وعرف اهتمامى بالموسيقى وأخذنا نعزف سويا على الشاطئ، واستضافنى فى منزله بعد أن علم أنه ليس متوافرا لديّ مكان لأعيش فيه، ومن هنا أسرتنى الموسيقى اليونانية وشعرت أننى فى بلدى ومكانى ولم أشعر بالغربة يوما.
ومن هنا قررت أننى لن أعود إلى مصر لفترة فأنا عشقت أسلوب الحياة والشغف الذى وجدته تجاه عملى وموسيقاى فى الخارج وبدأت الغناء فى أثينا فى مسارح  ومطاعم، وهنا بدأت أشعر أننى أقوم بشىء أحبه وهذا ما خلقت من أجله،  وبعدها انتقلت فى رحلتى من اليونان إلى بلجيكا وألمانيا وهولندا، وأخذ منى الأمر فترة طويلة ولم أعد خلالها إلى مصر إلا بعد خمس سنوات  وعدت بعدها إلى بلجيكا، وأصبحت انتقل من band  إلى آخر وكانت حياتى كلها مزيكا، خاصة فى مرحلة الـflower  power ، وهى كانت فلسفة فى تلك المرحلة  تقوم على الحب والمشاركة والمحبة ونبذ العنف فكان السائد أن تجدى مجموعة من البشر يجلسون فى الحدائق العامة يتشاركون كل شىء ويعزفون الموسيقى.
• مرحلة  جديدة
• كلمنى عن المرحلة الجديدة والتعامل مع الموسيقيين الغربيين، وفكرة الاستقرار وإنشاء استوديو خاص بك؟
- فى مرحلة ما وبعد العمل مع العديد من الفرق قررت تأسيس استوديو خاص بى، فمنذ عام 85 وعلى خلفية حبى وجنونى بالمزيكا ورغبتى فى مواكبة الموسيقى العالمية فكرت أنه يجب أن نسير على خطى التميز والاختلاف وقدمت أغانى مختلفة وبشكل جديد تماما،  وحققت ردود فعل واسعة ولكن صداها كان فى أوروبا أكثر من بلدى فأغنية يا «بوسطجى» التى  قدمتها قى الثمانينيات لاقت صدى فى أوروبا واستضافنى العديد من القنوات والصحف المهتمة بالعرب وقتها، فكرت فى تأسيس استوديو صوت بأفضل المواصفات لأن هذا يشكل فرقا فى صناعة الموسيقى  وكل استوديو صوت يختلف عن الآخر ويقدم إنتاجا مختلفا خاصة فيما يتعلق بالأضواء وكيفية التخلص منها لذلك فإنشاء الاستوديو فى حد ذاته فن، وفى مصر أنشأت استوديو 5، واحد من أفضل استوديوهات الصوت فى مصر.
• طوال 30 عاما تقريبا هو عمر مشوارك الفنى، كيف كان نشاطك فى مصر؟
- كما أخبرتك أن طوال عملى بالتوازى بين مصر وأوروبا، إلا أن صدى هذه الأعمال كان فى أوروبا  وكنت أقدم أعمالى سواء بالتلحين أو الغناء مثل أغنية يا بوسطجى،  وكانت هناك محاولات لمهاجمتى من قبل البعض فى مصر، إلا أننى لم أهتم لأننى لا أقدم عملا بقدر ما أقدم تجربة.
• الأغنية العربية
عن حال الأغنية العربية والمصرية بالأخص دائما ما أقول ساخرا لأصدقائى «إننا نقدم أغنية واحدة من 30 سنة ولم ننته منها بعد»،  فنحن ليس لدينا أى تجديد أو اهتمام بالتجديد وعدد الملحنين محدود رغم أن لدينا مجموعة هائلة من الكتاب  والمطربين الموجودين على الساحة للأسف الشديد يقلدون بعضهم البعض والمطربون الرجال يتعمدون تقليد المطربات، ونسينا جميعا حقيقة مهمة جدا وهى أن الموسيقى الحقيقية الخاصة بنا موجودة فى الصعيد وبورسعيد  والسويس والنوبة، كل هذه الألوان تمثل حضارتنا الموسيقية الحقيقية  وكل ما نسمعه الآن هو موسيقى تركية، والمقامات إما تركى أو فارسى وتركنا كل  تلك الحضارة ولم نقدم دراسات عن ذلك التراث كما تفعل الدول المتحضرة،  على سبيل المثال لدينا أحد أهم  أصحاب التجارب والمدارس الفنية الناجحة وهو الفنان الكبير يحيى خليل، وهو الذى خلق العديد من النجوم الموجودين على الساحة، يحيى خليل يجب أن يدخل التاريخ فهو مغامر وهذه أهم صفة فى الفنان الناجح. وكذلك نماذج مثل فتحى سلامة وأحمد منيب.
• إذا فحال الأغنية العربية لا يسمن ولا يغنى من جوع؟
- الموسيقى احتياج مثل الأكل والشرب إذا قدمت  للناس الجيد فهم سيسعدون به، وإذا قدمته رديئا وسيئا سيدفعهم الجوع لأكله مهما كانت نوعيته، وهذا ما يحدث الآن فالناس تسمع ما هو موجود لأن ليس لديهم البديل، فبعد أم كلثوم وعبد الوهاب وشادية وهؤلاء العمالقة حدثت فجوة مخيفة جدا لم يملأها شىء حتى الآن، رغم وجود بعض التجارب والمحاولات فى بعض الأحيان التى تستحق الاحترام ولكنها لم تكتمل. ولا أجد تفسيرا لهذا، هل هو مرتبط بظروف اجتماعية أو ظروف سياسية أو طريقة تفكير الناس، لا أدرى.
• وإذا افترضنا أنها ظروف اجتماعية وسياسية، ألا توجد موهبة ما تمثل طفرة فى تلك الظروف؟
- كان هناك فى مراحل ما  تجارب فى أحلك الظروف الاجتماعية ولكن الفكرة أن الفن والغناء كانا منظومة تعمل معا  وحالات توأمة  هى التى ساهمت فى انتشار نجاحهم بشكل أكبر، مثل عبد الحليم حافظ وبليغ حمدى ومحمد حمزة، السنباطى وأم كلثوم  والقصبجى، فكرة التعاون ليست موجودة الآن لذلك هناك حالة من الفتور الفنى،  ولاتجاه المسألة إلى حسابات المكسب والخسارة أكثر منها فنا وإبداعا.
• اللحن العربى والجمل الموسيقية، هل تأثرا باللحن الغربى وسرعته؟
- حدث التأثُر ولكن بطريقة خاطئة، أصبحا يقدمان الأغنية العربية كما كانت من خمسين سنة ماضية ولكن باستخدام آلات غربية، هذا هو التطور من وجهة نظرهم إنما لا يوجد الفكر والبناء والمواصفات السليمة، لم نأخذ ما يناسبنا فقط ولكن أصبحنا فى منطقة وسط فلا نحن حافظنا على تراثنا ولا نحن عملنا عليه وعلى تطويره. •