الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البرّاح والونيسة والمرثية عند الوفاة

البرّاح والونيسة والمرثية عند الوفاة
البرّاح والونيسة والمرثية عند الوفاة


لا تزال العادات والتقاليد التى توارثها أهل البادية عن آبائهم وأجدادهم، وتحديداً المتعلقة بمراسم العزاء، حاضرة بقوة فى مجتمعاتهم البدوية، وخاصة ما يطلقون عليه «الونيسة» التى تقام لذكرى الميت، أما الإعلان عن وفاة الميت فاختلف تماماً هذه الأيام عن الماضى، وتبقى الأمثال البدوية المتعلقة بالوفاة شاهدة على العصر، السطور التالية تكشف المزيد من التفاصيل عن هذه المراسم الأهم فى حياة البدو.

فى البداية، قال باحث البادية حمد شعيب: «كان البدو فى الماضى يعلمون بوفاة أحد أبناء القبائل الأخرى عبر وسائل بدائية، من خلال شخص يطلق عليه «البَرّاح» الذى كان يجوب البلدة على حمار لإعلام الناس بوفاة «فلان» ومكان العزاء، أو من خلال شخص آخر «الشاعر» الذى كان يكتب قصيدة «مرثية» بمناسبة الوفاة، تنتشر بين الناس عبر انتقالها من مكان لآخر - من السلوم إلى الحمام مثلاً».
وأضاف أن هناك طريقة ثالثة تتمثل فى قيام أهل بيت الميت بإمالة عمود «الجابر» الذى يمسك منتصف «بيت الشعر» أو الخيمة التى يسكنونها، لافتاً الانتباه إلى أن هذه العملية أشبه بمسألة تنكيس الأعلام، حتى يعلم الناس بوفاة صاحب البيت، ويتم اختيار عمود «الجابر» تحديداً لإمالته بعض الشىء لأن البيت بدونه يسقط أرضاً، فيقال مثلاً إن «جابر البيت مات». 
وأشار شعيب إلى أن إعلام الناس بوفاة أحد أبناء القبائل هذه الأيام أسهل ما يمكن فعله باستخدام التليفون المحمول الذى انتشر بشكل واسع أو وسائل التواصل الاجتماعى بعدما زحفت حياة الحضر إلى البادية.
وأوضح أنه بمجرد دفن الميت يقوم أهله بنصب أربع خيام متجاورة ومربوطة ببعضها البعض فيما يطلقون عليه فى الحضر «صيوان العزاء» لاستقبال المعزين من القبائل والعشائر فى البلدان المجاورة لمدة ثلاثة أيام فقط، ويتم فرش الخيام بالسجاد البدوى ولا تتم الاستعانة بأى مقاعد لأن الجلوس يكون أرضاً بعد خلع الأحذية والنعال خارج الخيمة.
وأفاد باحث البادية أن المعزين يأتون فوجاً بعد فوج أى أن عائلة «فلان» تجمع أفرادها لتقديم واجب العزاء فى وفاة «فلان» دفعة واحدة للتخفيف على أهل الميت، مبيناً أن المعزين يقولون لأهل الميت عند التعزية «البركة فيكم» فيرد أهل الميت: «البركة فى سيدنا محمد» صلى الله عليه وسلم.
ونبّه شعيب إلى أن العزاء يقام بدون مُقرئ إلا أنه تتم الاستعانة بخطيب لتقديم الوعظ والاعتبار من الموت، وأهمية الالتزام بالطاعات وفعل الخيرات للفوز بالجنة بإذن الله.
وعن «الونيسة» التى تقام لذكرى الميت، قال باحث البادية: «إن أهل البادية اعتادوا بعد الانتهاء من دفن الميت، ذبح أفضل ما لديهم من الخراف أو الماعز «ذبائح معتبرة»، اعتقاداً منهم أن هذه الذبائح تؤنس الميت فى قبره».
وأضاف أن بعض العائلات ربما تسرف فى هذا الأمر حتى إنهم يقدمون 20 ذبيحة بما يليق بفقيدهم «الغالى»، بالإضافة إلى توقير ضيوفهم من المعزين بشكل زائد عن الحد، مشيراً إلى أن تقديم الذبائح لا يقتصر على أهل الميت، لكن ربما يمتد إلى المعزين الذين يتوجب على أحدهم اصطحاب ذبيحة رداً على ذبيحة قدمها له الميت فى عين حياته أو أحد أفراد عائلته، وفى حال عدم القيام بذلك ربما يعاتب فى هذا الأمر.
ولفت الانتباه إلى أن عادة «الونيسة» قلت فى بعض الأوقات إلا أنها عادت للظهور من جديد هذه الأيام، حتى إن أهل الميت يقيمون فى نهاية اليوم الثالث والأخير للعزاء ما يسمى بـ «فرق العزاء»، وهو عبارة عن تقديم عشاء وشاى من أباريق بدوية للمعزين.
وخلص إلى القول: «لا يوجد ما يسمى بـ «العديد» على الميت عند البدو، لكن ربما تسمع نواح زوجته أو والدته وهى تقول «مات جابر البيت»، مبينا أن هناك بعض الأمثال البدوية المتعلقة بالوفاة، ومنها مثل يقول «الميت كرعيه طول»، أى أن الأحياء نقول ما فيهم وما عليهم إلا أنهم عندما يتوفاهم الله نقول: «لقد رحل الخير معهم»، وهناك مثل آخر يقول «أهل الميت صبروا.. والمعزين كفروا» أى أن أهل الميت يصبرون على وفاة فقيدهم، أما المعزون فيأتون للتعزية وعيونهم يسودها الحزن ويملؤها البكاء على المتوفى. •