السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إقبال بركة: مصر الجديدة قادمة

إقبال بركة: مصر الجديدة قادمة
إقبال بركة: مصر الجديدة قادمة


كل شىء له آخر، طالما بدأت أعلم جيداً أنه حتما سيأتى اليوم الذى تنهيه فيه ما عدا العلم، فمن يبحث عن العلم لا ينتهى أبدا، يصل إلى الحقيقة ليكتشف أن وراءها حقيقة أخرى، بعدما حصلت على ليسانس الآداب الإنجليزى من جامعة الإسكندرية بتقدير عام جيد جدا، لم تكتف بحصولها على هذه الشهادة واستكملت دراستها، فالتحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة وحصلت على الليسانس الثانى فى قسم اللغة العربية بتقدير عام جيد جدا.

نعم، إنها إقبال عبدالحميد مصطفى محمد بركة، عملت عقب تخرجها كموظفة علاقات عامة فى شركة فيليبس ثم مترجمة فورية، وبعد ذلك سافرت إلى الكويت للعمل كمدرسة للغة الإنجليزية وعادت لتلتحق بالإذاعة ثم محررة فى مجلة «صباح الخير»، تتلمذت فى الصحافة على يد حسن فؤاد ومحمود السعدنى ورجاء النقاش وعبدالله الطوخى وصلاح حافظ.
تدرجت فى المناصب إلى أن شغلت منصب رئيس تحرير مجلة «حواء» التى تصدر عن دار الهلال، صدر لها العديد من الكتب كـ:الحجاب ـــ رؤية عصرية، وخواطر رمضانية، الحب فى صدر الإسلام، والمرأة المصرية فى صراع الطربوش والقبعة، والإسلام وتحديات العصر، وهى فى عيونهم.
كما صدر لها العديد من الروايات مثل: الفجر لأول مرة، ولنظل أصدقاء إلى الأبد، ليلى والمجهول، تمساح البحيرة، كلما عاد الربيع، يوميات امرأة عاملة، والصيد فى بحر الأوهام، وأخيرا رواية «ذاكرة الجدران» التى احتفت بها «دار العين» للنشر والتوزيع.
دار العين
فتحت «دار العين» أبوابها برئاسة الدكتورة فاطمة البودى لتحتفى برواية «ذاكرة الجدران» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، وقالت «البودى»: إنها ترحب دائما بكل قيمة أدبية وإبداعية وتفتح لها أبوابها ليس شرطا أن تكون هى الناشرة للعمل، وأضافت أن الدكتورة إقبال بركة قيمة أدبية وإبداعية ليست كروائية أو ككاتبة فقط وإنما أيضا كسيدة فاعلة فى المجتمع المدنى وسيدة تقف بشجاعة شديدة جدا أمام مدعى الإسلام وتجار الدين، لقد وعت «بركة» بهؤلاء الأشخاص وأشارت عليهم منذ زمن بعيد.
أول مرة
أدارت الدكتورة فاطمة البودى الندوة وناقش الرواية كل من الدكتور وسيم السيسى، والشاعر شعبان يوسف، حيث قال «السيسى»: إنها المرة الأولى التى أجلس فيها لأناقش رواية أو أتحدث عنها فعادة أكتفى بقراءتى للرواية أو العمل الأدبى عموما فقط لا غير، لم أقرأ الرواية بالكامل نظراً لضيق الوقت، ولكنى سأتحدث عما قرأت من أجزاء بها، عندما تمسك الرواية لتتصفحها فى المرة الأولى من الصعب جدا أن تتركها إلا بنهايتها فالرواية تتمتع بمذاق سردى خاص جدا يجذبك ويشدك إليها ويجبرك على قراءتها.. تقرأ الصفحة وتهرول مسرعا لتقرأ التالية فكل كلمة تزيدك شغفا فى معرفة ما بعدها.
تدور أحداث الرواية فى القرن العشرين الذى تراه الكاتبة كما يراه الجميع العصر الذهبى، فهو من أزهى العصور التى مرت بها مصرنا الحبيبة.
ومن الصعب أن يحدث هذا الزهو دون وحدة وطنية ولُحمة شعبية، فالوطن وقتها كان نسيجا واحدا مسلما وقبطيا ويهوديا، وهذا ما ترتكز عليه أحداث الرواية».
 خطان  أساسيان
وأضاف الشاعر شعبان يوسف «الرواية تتخد خطين أساسيين هما أن هناك شخصا يعيش فى هذا العصر يتحدث عن آخر كان يعيش فى القرن العشرين ويوجد تداخل بين الراوى والمروى عنه وهو «عوض جاد عبدالمسيح» الأب فى هذه الرواية ساقط إلى حد ما حيث إن الراوى يستدعى جده فى كثير من الأحداث ويعتمد عليه اعتمادا كليا وهناك حيلة روائية كثيرا ما يستخدمها الروائيون, لكن «بركة» تناولتها فى «ذاكرة الجدران» بشكل طيب إلى حد كبير ألا وهى الأقواس التى أخذتها على لسان «عوض» وأحيانا يشاركه الراوى فى إيضاح بعض الأحداث ونستطيع أن نقول إن الرواية هى عن أوراق عثر عليها هذا الشاب الذى يعيش فى الزمن الحديث كتبت عن طريق جده المحامى الكبير «مكرم عبيد» الذى كان يعيش قديما، تدخل الرواية بعد ذلك فى تفاصيل كثيرة جدا بين البطل وعصمت المستمع إلى الرواية بالإضافة إلى تعقيبات متعددة.
عوض
«عوض جاد عبدالمسيح» أحد أبطال الرواية وهو شخصية تاريخية وواقعية فى نفس الوقت.
تدور الأحداث حول الطبقة الأرستقراطية إلى حد كبير وتضم حكايات عاطفية تفصيلية وسيكولوجيات متعددة، بالإضافة إلى أن الكاتبة تستدعى أفكارها الخاصة جدا ضمن أحداث الرواية مثل مواقف الشيوعيين وشخصية «عوض» التى تشعرك بأنه فنان وليس شخصا عاديا، فهو يمثل عقلية الكاتبة أكثر من أنه عقلية «عوض جاد عبدالمسيح» القادم من جنوب مصر بإمكاناته المحدودة الضيقة، تتوالى الأحداث التاريخية بالرواية وتحرص الكاتبة كل الحرص على دقة الأحداث التاريخية بالرواية ومطابقتها للواقع.
انتهت المناقشة وكان لنا هذا الحوار مع الكاتبة إقبال بركة:
• هل تعمدت تصوير المشاهد دراميا أم أن الدراما هى التى فرضت نفسها داخل النص؟
ـــ لم أتعمد ذلك بالمرة، فالرواية كتبت نفسها.. كنت أشعر أنها تكتبنى ولست أنا التى أكتبها فهى خلط ما بين الحاضر والماضى وتفاعل الزمنين معا ، ما تعمدته هو رواية التاريخ كما حدث بالفعل حتى أترك للأجيال الحديثة تاريخ مصر وما كانت عليه من جمال وقتها.
• ما رأى الدكتورة إقبال بركة فى تغيير وتجديد الخطاب الدينى؟
ـــ  كثر الحديث مؤخراً عن الخطاب الدينى ويطالب البعض بتغييره ولهم كل الحق، والواقع أن خطابنا الثقافى فى أشد الحاجة للمراجعة سواء على المستوى الدينى أو السياسى أو الإعلامى، هناك أخطاء شائعة يتناقلها الجميع ويكون لها مردود خطير، وقد تُرك الحبل على الغارب للكتاب والإعلاميين بدعوى حرية التعبير، وتحول بعض المقالات إلى ما يشبه الردح والمعايرة والتحريض وإثارة الفتن وشتى أنواع الإساءات التى جدت على قاموسنا الصحفى والإعلامى دون وازع من أخلاق أو ضمير، ودون خشية من عقاب، رحم الله أيام أن كان رئيس التحرير يراجع كل كلمة تنشر فى الصحيفة التى يرأسها، لأنه كان يتحمل مسئولية النشر، وربما قبل المحرر، وأذكر أن صحفياً كتب فى مجلة «أم الدنيا» التى كنت أرأسها عن روائى شهير وصلت رواياته إلى العالمية أنه بدأ من «الحضيض» ووصل إلى القمة، فاستدعيت الصحفى وسألته أى حضيض يقصد إذا كان يكتب عن روائى تخرج فى كلية الطب وقبلها من مدارس أجنبية، وأعطيته أمثلة على ما يمكن أن يوصف بالحضيض وأمثلة أخرى عديدة، لا أطالب رؤساء التحرير بقراءة كل كلمة تنشر فى الصحف التى يرأسونها «كما كنت أفعل» ولكن التشديد على المحررين فى مراجعة كتاباتهم وعدم التسيب فى التعبير عن مشاعرهم الخاصة، كنت دائماً مع إطلاق واحترام حرية التفكير والتعبير والاعتقاد وكتبت عشرات المقالات دفاعاً عن حق الكاتب المقدس فى التعبير عن آرائه مهما اختلفنا حولها، ولكن الحرية ليست هى الفوضى أو التسيب، وقديما عرف أسلافنا الأدب بأنه أحسن الكلام فيما يقال، وشددوا على أنه «لكل مقام مقال». إن هبوط الكاتب إلى التعبيرات المسفة والألفاظ الشائنة يشى بعجزه عن اختيار مفردات لائقة قد تكون أقوى تأثيراً وأسرع فى بلوغ الهدف، وقد شاعت فى الآونة الأخيرة كتابة مقالات بالعامية، خاصة إذا ما شاء الكاتب أن يستظرف، وهو أمر فى غاية الخطورة، لأنه يعكس شوفينية لا محل لها، خاصة فى صحف يتابعها باهتمام القراء العرب فى كل الدول العربية، والخطورة تكمن فى أن هذه «الموضة» إذا ما تفشت لدى الكتاب فسوف يكتب كل كاتب بلهجته العامية ونتحول إلى بابل جديدة، بينما العربية الفصحى بزخمها التاريخى وتراثها البليغ كانت وستظل إلى الأبد هى التى تجمعنا وتقارب أفكارنا وتمهد لوحدتنا التى صارت بعيدة المنال.
تحقيق المطالب
• ما رأيك فيما حدث بالفترة الأخيرة من أحداث سياسية فى مصر؟
ـــ أتعجب لمن يزعمون أن نتائج ثورة الخامس والعشرين لم تتحقق، رغم أن المطلب الرئيسى لهذه الثورة لم يتحقق مرة واحدة، بل مرتين، وهو إسقاط النظام، إن زحزحة نظام حكم فاسد وملوِث لكل الأجواء رزح على قلوب المصريين لثلاثة عقود كاملة لم يكن بالأمر الهين، فقد تغلغل ذلك النظام بعصاباته الفاسدة فى كل شبر على أرض مصر، حتى كدنا نسلم بذلك، ونعتبره أمراً واقعاً لا مفر منه، كنا نتنفس هواءً فاسداً، واختفت سماء مصر المشرقة خلف السحب السوداء، كأنها رسالات تحذير يبعثها الفلاح المصرى.
يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 كان يوماً فاصلاً بين تاريخ مصر كله وما تلاه، أعلنها مئات الآلاف من المواطنين الذين خرجوا لأيام عديدة للشوارع فى كل المحافظات.
عشرات الآلاف الذين باتوا فى ميدان التحرير الذى أصبح أشهر ميدان فى العالم، وصار كعبة لكبار الزوار والسياح ونموذجاً يتكرر بنفس الاسم فى بلدان عديدة. المسيرات السلمية التى زحفت رغم التهديد المسلح نحو القصر الرئاسى تهتف بسقوط النظام، فتهاوى فعلاً رغم رسوخه.
نساء مصر من كل الطبقات والفئات اللاتى خرجن من بيوتهن لثانى مرة بعد ما يقرب من مائة عام، وشاركن فى كل الأحداث. الأقباط، من كل المذاهب المسيحية، الذين خرجوا عن صمتهم الطويل، وقدموا الجرحى والشهداء.
آلاف الشباب الذين استشهدوا والمئات فقدوا أبصارهم، ولم يفقدوا البصيرة، فكانوا يعودون للميدان، ويعاودون الاعتصام، أحداث لن يمحوها التاريخ من ذاكرته مهما تعامى عنها أعداء الثورة وأذنابهم.
إن التغيير الذى أحدثته ثورة يناير فى الشخصية المصرية يشبه المعجزة، أن ينتفض الملايين ثائرين على قهر استمر لقرون، تحملوا فيه ما لا يتحمله بشر من استبداد واستغلال ومحاولات للتفرقة واستهانة بجموع الشعب من الغريب والقريب.
وما أكثر من عيروا الشعب المصرى بسلبيته، واتهموه باللا مبالاة وترك شئون الحكم لأى غاز أو مستعمر أو أجنبى أو مستبد، كأن أمر بلاده لا يعنيه، هذا الشعب الصابر الصامد على مدى قرون خرج عن بكرة أبيه مطالبا بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية.
فهل تحققت هذه المطالب؟ نعم، تحققت.
بعد ثورة 25 يناير أصبحت الكلمة العليا للشعب، وتحقق حلم ناصر، فأصبح الشعب فعلا هو القائد، وهو المعلم، وإذا أمر يجب أن يطاع.
واستوعبت الشرطة المصرية الدرس، فلن تعود أداة لقهر الشعب، ولن يجرؤ أى حاكم على أن يستبد بالشعب المصرى، أو يحاول التفرقة بين مواطنيه، وقد أثبت الشعب يوم 30 يونيو أنه جاد فى مطالبه، ولن يتنازل عن سيادته على كامل أرضه، فأزاح بلا هوادة من استهان به، وقفز على ثورته، ورغب فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
جموع المتظاهرين فى ذلك اليوم أضعاف من خرجوا يوم 25 يناير. انتفض الشعب غاضبا ومدافعا عن ثورته.
أعلنها مدوية فى أكبر مسيرة سلمية عرفها التاريخ: لا عودة إلى الوراء، لا للاستبداد حتى إن وضع قناع الدين، وتحجج بالشرعية، فلا شرعية إلا للشعب، ولولا 25 يناير ما كانت 30 يونيو، لقد خرج المارد من القمقم يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 وحطمه، ولن يعود إليه أبدا.
• كيف ترى المشهد السياسى القادم فى مصر؟
ـــ تبدو الصورة بالنسبة للعامة مشوشة وغير واضحة ولكنها بالنسبة لى جلية إلى حد كبير، وما يحدث شىء طبيعى جدا بعد ثورة عظيمة كثورة 25 يناير وما بعدها من أحداث متتالية ومتتابعة وسريعة للغاية فهى تشبه الزلزال الذى يدمر كل شىء ونحن الآن نبنى مصر الجديدة.•