أفهمنى أبى .. أن الطبيعة تحتفل بعيد ميلادى!
نهي العليمي
«الطبيعة بورودها تحتفل معى بعيد ميلادى» هذا ما كنت أعتقده وأنا طفلة صغيرة قبل دخولى المدرسة عندما تبدأ الزهور بألوانها البديعة فى التفتح فى مشتل المريلاند أمام بيتنا بمصر الجديدة فى شهر إبريل، وفى نفس الوقت عند جدتى فى الدقى حيث كانت تأخذنى لمعرض الزهور آخر شهر إبريل قبل عيد ميلادى بأسبوع أو عشرة أيام لنشترى شتلات أزين بها بلكونة غرفتى.. وكان أبى - رحمه الله - هو من غرس هذه الفكرة فى رأسى، وأخبرنى أنها تتفتح احتفالاً بعيد ميلادى، فقد استوقفتنى رؤيتها فى هذا الوقت من السنة فقط بكل هذه الألوان واختفاء معظمها باقى العام فسألته عنها..
فقد كنت طفلة كثيرة الأسئلة، ولاقى رده فى نفسى قبولاً وسعادة، فترسخت فكرة الربيع والورود التى تفتحت مع ولادتى والتى تتكرر كل عام فى هذه المناسبة فى عقلى الصغير وأسعدتنى، حتى إننى اعتقدت أن هذا الشهر أول شهر فى السنة.. وكيف لا؟! وهو عيد ميلادى يوم تفتحت عيانى وأول الحياة بالنسبة لى.. وحتى بعد أن علمت أن سبب كل هذه الألوان الجميلة لا يمت لميلادى بصلة بعد دخولى المدرسة.. حلت محلها ذكريات تراكمت وارتبطت بسعادتى بهذا الوقت من السنة، ملابس الصيف بعد خنقة الشتا، صوت فريد الأطرش فى أغنية الربيع، رقص سعاد حسنى وغناؤها «الدنيا ربيع»، تلوين البيض مع أمى وإخوتى، سفرية مع أسرتى فى إجازة شم النسيم.. كلها ذكريات ملونة بلون الورود ومفرحة كصوت العصافير.
وحدث أن أطلق على مدرس اللغة العربية فى المرحلة الإعدادية أستاذ مجدى «يارب يكون بخير» لقب «ربيعية الوجه» وكان يعطش الجيم وهو ينطقها كلما رآنى، وقد كان مدرساً قديراً حببنى فى اللغة العربية، وكان فخوراً بتفوقى ويرشحنى دائماً لدخول مسابقات أوائل الطلبة.. وعندما سألته عن معنى هذا اللقب.. رد على «لما باشوفك على طول منطلقة ومبتسمة ومقبلة على الحياة بافتكر الربيع..» زادنى كلامه حباً وتوحداً مع الربيع وتفاؤله وألوانه حتى إننى كتبت وقتها بعض أبيات الشعر البسيطة وكنت لم أتجاوز الثانية عشرة.
أنا الربيع.. والربيع أنا تشابهت ضحكاتنا كللها الندا
كل الورود ظللت مهدنا بألوان البهجة وأشكال الهنا
وكل الكائنات احتفت بنا فانطلقت تهفو حباً هناك أو هنا
وقد أرى هذه الأبيات اليوم ركيكة بالمقارنة بوصف الربيع للبحتري
أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكاً مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَــــــلَّما
وَقَد نَبَّهَ النَيروزُ فى غََسِق الدُجي أَوائِلَ وَردٍ كُنَّ بِالأَمسِ نُــــــــوَّما
وأراها ساذجة بجانب كلمات الرائع صلاح جاهين «الدنيا ربيع.. والجو بديع.. قفلى على كل المواضيع» التى غنتها السندريللا.. إلا أن صدق المشاعر وبساطتها كانت تشبهنى وتعبر عنى وقتها.
وتدور الأيام وتمر السنوات وتنضج أحلامى ويقتصر حبى للربيع على ذكريات تدعو للتفاؤل والأمل، إلى أن أتى الربيع فى عام 2008 وفاجأنى بأمل جديد عندما أخذتنى زميلتى العزيزة بسنت الزيتونى إلى الصبوحة فى إبريل ليكون ميلاداً جديداً لى، وشجعنى الأستاذ رشاد كامل رئيس التحرير وقتها على الكتابة فى مجلتى الحبيبة، ربيعية المشاعر والأفكار «صباح الخير..» فكانت حياة جديدة لى وميلاداً بدأ أيضاً فى الربيع.
وإذا كان الربيع الآن للأسف مرتبطاً بالعواصف الترابية التى تأتى فجأة دون سابق إنذار، وهبات الجو الساخنة التى قد تضرب بخطط أى خروجة عرض الحائط، وتسبب حساسية الصدر والعيون على حد وصف أولادى، فيتمنون أن يمر سريعاً، ولا يصبرهم عليه سوى إجازة شم النسيم لنسافر خارج القاهرة.. إلا أن هذا هو ربيعهم.. أما أنا فلم ولن يمحى ربيعى بمكانته وذكرياته الجميلة من قلبى حيث شكل شخصيتى ولون حياتى. •