الخميس 13 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مجلة الصرخة كانت صرخة ضد الاستبداد

مجلة الصرخة كانت صرخة ضد الاستبداد
مجلة الصرخة كانت صرخة ضد الاستبداد


لا يزال يمتعنا الأستاذ «رشاد كامل»  بمجلداته المميزة «الصرخة»، وذلك الجهد الكبير المبذول لجمع المادة وتقديمها كى تكون نبراسا للأجيال الحالية، حيث صدر المجلد الرابع مؤخرا عن مؤسسة «روزاليوسف» وكما ذكر رئيس مجلس إدارة مؤسسة «روزاليوسف» المهندس «عبدالصادق الشوربجى» فى افتتاحية المجلد الرابع.. أن من لا ماضى له لا حاضر له ولا مستقبل، لذلك انطلقت مدرسة «روزاليوسف» لتحيى ذكرى أعمدة المدرسة ومؤسسى الفكر الخاص بها الذى تميزت به على مر العصور، فقدمت  المؤسسة هذه الأعمال تحت سلسلة من تراث «روزاليوسف» لكى نتذكر  من عاصروا هذه الأقلام والأعلام بأعمالهم ونضع أمام الجيل الجديد كيف كان يفكر هؤلاء الأعلام.


• حكاية الصرخة
 لمن لا يعرف الصرخة فإننا فى سطور نحكى حكايتها، لم تكن مجلة «روزاليوسف» التى صدر العدد الأول منها فى يوم الاثنين الموافق 26 أكتوبر سنة 1925 هى الإصدار الوحيد الذى أصدرته السيدة «فاطمة اليوسف»، لقد أصدرت «فاطمة اليوسف» أكثر من مجلة عقب إغلاق وتعطيل الحكومات المستبدة لمجلتها «روزاليوسف»، واحدة من ضمن الإصدارات هى «الصرخة» التى كانت صرخة صادقة ضد الاستبداد والطغيان والديكتاتورية.
فـ«روزاليوسف» فى السنتين الثالثة والرابعة من عمرها من أكتوبر 1927 إلى أكتوبر سنه 1929 كان المفروض أن يصدر منها 104 أعداد، باعتبار أن السنة 52 أسبوعاً ولكن «روزاليوسف» لم يصدر منها فى هذه المدة إلا 42 عددا وصودر منها 62 عددا، أى ما صودر كان أكثر مما صدر، ولم يقتصر الأمر على المصادرات بل تحقيقات وقضايا ووقوف فى ساحات المحاكم ورحلات يومية لمبنى النيابة. وتحريض لجرائد أخرى للسب فى «روزاليوسف».
وكانت كل مجلة تصدر يكتب على صدرها تشترك فى تحريرها السيدة «روزاليوسف»، وهكذا صدرت «روزاليوسف» بأربعة أسماء مختلفة فى أقل من عام .
وفى المجلد الرابع يستكمل «رشاد كامل» استعراض مجلة الصرخة.. بداية من العدد 40 الذى صدر 17 مايو سنة 1931 بسعر 10 مليمات حتى العدد 74 والصادر 5 يوليو من نفس العام، فالأعداد التى يضمها المجلد تؤكد مدى جرأة وحرفية الأساتذة الكبار فى عالم الصحافة، فكان يكفى وضع جملة (روزاليوسف ومحمد التابعى ومحمد حماد يحررون هذه المجلة) لكى يقبل على شرائها وقراءتها الآلاف لأنهم واثقون تماما بأنهم يقرءون مجلة محترمة جريئة غير موالية لأى حكومة لا تخشى فى الحق لومة لائم، تنتقد رئيس الحكومة والبرلمان والمندوب السامى البريطانى بمنتهى الجرأة وتقدم أعمالا كاريكاتيرية ساخنة مبتكرة تتحدى بها أى مطبوعة أخرى.
• فضيحة الانتخابات
حيث تصدر غلاف العدد 40 رسم كاريكاتير بمناسبة قرب انتخابات البرلمان ويصور ملاكما وهو يسدد ضربة قوية للوزارة، والغلاف الأخير يصور «صدقى» باشا رئيس الحكومة بين الأطلال والحجارة تتساقط فوق رأسه.
الافتتاحية جاءت ساخرة بعنوان الانتخابات وغلاء البطاطس، حيث هزأت من جريدة المقطم الموالية للحكم، التى تحدثت فيها عن البطاطس بينما الأمة كلها كانت تطالب الوزارة بالاستقالة.. بينما كتب الأستاذ «محمد التابعى» عن جريدة المقطم أيضا مهاجما وساخراً من كلام «صدقى» باشا عن العناصر الرشيدة التى يحكم بها مصر.
وتواكب مع العدد كاريكاتير لـ«صدقى» باشا رئيس الحكومة يصوره حائراً من كل ما حوله.
أعقبه مقال مهم عن أن كل شىء يهون فى البلد إلا مصيبة تأييد نظام حكم «صدقى» باشا الذى عصف بدستور البلاد.
• تحقيقات مترجمة
أيضا التحقيقات المترجمة كان لها نصيب كبير فى العدد، حيث تناول العدد تحقيقاً عن أسرار عدم زواج ولى عهد بريطانيا حتى الآن وهل ذلك يعود إلى كثرة أسفاره ومغامراته النسائية خارج بريطانيا، ثم أعقبه تحقيق آخر عن الجاسوسية فى روسيا، وتحقيق عن ماذا يعمل نجوم السينما فى العالم بعد اعتزالهم التمثيل ومنهم شارلى شابلن الذى أكد أنه سيعمل فى الإخراج، بينما الممثلة إيستر رالستون أكدت أنها ستعمل فى مجال الملابس لأن المخرجين والمديرين الفنيين علموها كيف ترتدى ملابسها قبل أن تمثل.
ومقال آخر عن أحد قادة فرنسا مسيو تبيرى الذى عاشر زوجته وأمها وأختها وكن كلهن ذوات نفوذ على فرنسا، وظهرت وقتها طقطوقة شعبية فى فرنسا تسخر من الوضع.
من ضمن الأخبار الخفيفة التى نقلها لنا صحفى متجول كان خبرا عن سيدات تظاهرن ضد وزارة الداخلية فطلب منهن التظاهر تحت سمع الوزارة وبصرها فذهبن ودخلن إلى فناء وزارة الداخلية فصدرت الأوامر بإغلاق أبواب الوزارة حتى لا يهربن فأمر «على ماهر» باشا وزير الحقانية بفتح الأبواب لهن قائلا: لا تغلقوا الأبواب على النساء.
كاريكاتير آخر مهم جاء تعليقا على حديث بين فخامة المندوب السامى ودولة رئيس الوزراء يوضح أن الاثنين يحتسيان الشاى بينما تظهر صورة سيدة مقيدة بالأغلال تمثيلا للدولة التى يحتسيان الشاى على سجنها.
ويبدو أنه كان فى هذا الوقت يمر المصريون بضائقة مالية، حيث أعلنت لوكاندة الأمير «فاروق» عن تخفيض فى أسعار الكباب والحمام المشوى بما يتناسب مع الحالة المالية للمواطنين.
• نعش الانتخابات
فى العدد 41 الصادر فى 24 مايو سنة 1931 جاء الغلاف الأول ساخرا يصور المندوب «سامى» البريطانى يجلس على جماجم المصريين بعد انتهاء معركة الانتخابات والتزوير والتزييف الذى قامت به حكومة «صدقى» باشا، والغلاف الأخير رسم عليه كاريكاتير يصور الوزراء وهم يحملون نعشا كتب عليه صندوق الانتخابات، وتعليق يقول: لكل وزارة أجل معلوم.
 العدد جاء به الكثير من الأخبار والتحقيقات والمقالات المهمة عن الانتخابات.
فجاء فى ملاحظات صحفى متجول أن معظم المرشحين لبرلمان «صدقى» باشا يصلحون أن يكونوا مادة طريفة لكتاب عنوانه «الكفايات فى تحويل الفسيخ إلى شربات».
ثم مقال آخر بعنوان: تستطيع الوزارة أن تقول مفيش معلم يحاسبنى، حيث هزأ المقال من تصريح لـ«صدقى» باشا قال فيه إن نسبة الناخبين كانت مائة فى المائة.
ثم موضوع آخر مترجم عن نابليون وكيف كان أعداؤه يصورونه فى الرسوم والكاريكاتير والرسم الأشهر وهو على شكل ثعبان.
تحقيق فنى عن (بطل التمثيل فى الشرق يابانى) يحكى كيف كان الرجال فى اليابان يقومون بأدوار النساء بسبب وجود قانون يمنع النساء من الاشتغال بالتمثيل حتى تم إلغاؤه عام 1900 وبعد ثمانية أعوام فقط تم إنشاء أول معهد تمثيلى للنساء فى اليابان.
• الكرسى المبهوؤ
العدد 44 الصادر 14 يونيو - جاء الغلاف الأول فيه يصور «صدقى» باشا يجلس على كرسى الحكم ولا يكاد يملؤه، وتعليق ساخر يقول زعيم الأغلبية فى كرسى الأغلبية، والغلاف الأخير يصور «محمد محمود» باشا ود. «حافظ عفيفى» باشا فى لندن وكل منهما يحاول أن يخفى وجهه عن الآخر، وجاءت الافتتاحية التى كتبها «سعيد عبده» بعنوان أين صوت المعارضين فى مجلس النواب الجديد؟ وصف فيه ما حدث بأنه جزء من رواية «الذئب والشاه» يراد منه إبعاد حزب الوفد عن مسرح السياسة بأى ثمن.
الجو السياسى الذى يكتبه «محمد التابعى» يسخر فيه من كلام «صدقى» باشا وقوله فى البلد نظام قائم وفيه برلمان وحكومة، ويتناول خبرا حول نية «صدقى» باشا للتخلى عن وزارة المالية لكى يستطيع التفرغ لوزارة الداخلية.
وفى أخبار ع الماشى ومقال مهم عن قانون الصحافة الذى تريد الحكومة التعجيل بإصداره قبل افتتاح البرلمان وسريان الدستور الجديد والتفكير فى قانون لحماية الدستور الجديد وقانون لحماية أعضاء البرلمان.
وفى نفس العدد كاريكاتير طريف يصور «صدقى» باشا منهمكا فى العمل وسكرتيره يبشره بأن جريدة التايم الإنجليزية تقول عنه أذكى وأكفأ المصريين فيقول «صدقى» باشا له: قل لإدارة الأمن العام أن تصدر بلاغا رسميا بأن الخبر غير صحيح.
• هجوم نارى
وموضوع فنى عن طالبة ترد على الأستاذ «يوسف وهبى»، وهى الطالبة المتميزة «زوزو حمدى الحكيم» والمقال هجوم نارى منها على مسرح «يوسف وهبى» وما يقدمه وتتهمه بأنه لا يعرف التمثيل ولا الإخراج وأن الفضل كان لأبيه الذى وضع فى جيبه بضعة آلاف من الجنيهات فحولها لمشروع تجارى وهو مسرح رمسيس وكيف له أن ينكر فضل عمالقة المسرح من قبله أمثال «سلامة حجازى» و«جورج أبيض»، مختتمة مقالها بجملة «الله يكسفك يا أستاذ».
وفى العدد رقم 45 الصادر بتاريخ 21 يونيو 1931 - على صدر الغلاف الأول كاريكاتير يصور حواراً بين رئيس الحكومة وسليمان فوزى صاحب مجلة الكشكول عن فضائح الحكومة، والغلاف الأخير كاريكاتير يرسم «صدقى» باشا يعترف للمندوب السامى أن هذا البرلمان عمله بفضله والمندوب السامى يحذره من ألا يعيش البرلمان أكثر من عشر سنوات كما حدث من قبل.. أما الافتتاحية فجاءت بعنوان الكبار يزمرون أفلا يرقص الصغار.. ويتحدث عن فضيحة الامتحانات الخاصة بالشهادة الابتدائية، حيث قامت جريدة الضياء بنشر بعض الأسئلة التى تضمنها الامتحان.. وفى أخبار ع الماشى جاءت إشارة مهمة عن الإفراج عن الأستاذ «عباس محمود العقاد» يوم 8 يوليو بعد سجنه بتهمة العيب فى الذات الملكية، وتقول إن صحته ساءت كثيرا فى السجن حتى نقص وزنه بمقدار 8 كيلو جرامات وكذلك أصيب بالبواسير.
أيضا موضوع عن (برمانا) إحدى عرائس لبنان ويصف جمال وروعة سحر هذه القرية التى تبعد عن بيروت أكثر من نصف ساعة بالسيارة.. ولم يخل العدد من الإعلانات الطريفة المتنوعة، ومن أطرفها كان إعلان عن الراديو وبعد انتهاء مدة تأجيره يصبح ملكا لصاحبه، وإعلان عن دار تجميل الوجوه، والإعلان عن أجهزة حديثة تجمل الأنوف والأذان والشفاه والنهود.
• الحلفاء والأحباب
وفى العدد الـ 64 الصادر 28 يونيو سنة 1931 جاء الغلاف الأول لرسم ساخر بعنوان الحلفاء والأحباب ويصور «صدقى» باشا وهو يمسك برقبة رئيس حزب الاتحاد قائلا له: إذا كنت عايز تقول كلمة قولها فى سرك.
والغلاف الأخير يصور الصحافة على شكل امرأة خائفة و«صدقى» باشا يصوب مسدسه نحوها ومهددا ومتوعدا دون أن ينطق بكلمة واحدة.
أما الافتتاحية فقد جاءت بعنوان تستاهلوا تستاهلوا.. فالوفد حى لا يموت.
بينما فى مقال آخر هاجمت الصرخة صحف الحكومة لدفاعها عن قانون الصحافة الجديد وإنه دفاع يخجل أن يتقدم به صبى محامى إلى محكمة بوليس وسخروا من أحد النواب الذى طالب الحكومة بإلغاء جميع الصحف والاكتفاء بالوقائع الرسمية.
غراميات الممثلين وقصة اثنين هددا بالانتحار من أجل فتاة كان التحقيق الفنى الذى تميز به العدد.
موضوع آخر عنوانه لتسهيل الطلاق، حيث قررت جزيرة كوبا اتخاذ كل التسهيلات لتحقيق الطلاق بين الأزواج حتى لو كانوا يقيمون خارجها.
وموضوع تاريخى لطيف عن أسرار وقصة السلطانة صفية كتبه الأستاذ «حبيب جاكاتى» ويحكى قصة هذه المرأة التى استولت على عقل وقلب السلطان.
 وفى العدد الـ 74 الصادر 5 يوليو سنة 1931 جاء بالغلاف الأول رسم ساخر يصور وزير الحقانية وهو يخرج لسانه و«صدقى» باشا يقول له ساخرا سلامتك ورينى لسانك بقالك جمعة وأنت ساكت لا قانون جديد عملت ولا قانون قديم لغيته.
الغلاف الأخير كاريكاتير بمناسبة بدء امتحانات الشهادة الابتدائية ووزير المعارف يقول «لتوفيق دياب» رئيس تحرير صحيفة الضياء بعد أن أغلق فمه حضرتك معتقل لآخر الامتحان - فى إشارة لمنع تكرار كشف فضيحة الامتحانات.
أما الافتتاحية فجاءت بعنوان يصاحب الدولة رفقاً بعقول الناس فالعقول لم تصبح بعد من ماء وطين - فى إشارة لإسهاب القوانين.
كاريكاتير آخر يصور مواطنا «غلبان» وقف أمام لافتة يدعو فيها «صدقى» باشا الفقراء لتناول الطعام فى مطاعم الشعب مقابل قرش صاغ بينما الشيوخ والنواب والأغنياء يتناولون الطعام بالمجان والمواطن الغلبان يندب حظه. •