الأغنية الوطنية الآن عمرها قصير

مى الوزير
اللحن هو كلمة السر وروح الأغنية، قد ننجرف أحيانا وراء المطرب والبروباجندا الإعلامية ولكن يظل اللحن والكلمة الجيدة هما الأبطال، فى زيارة سريعة إلى «صباح الخير» تحدثنا مع الملحن والمطرب «أمجد العطافي» صاحب العديد من الألحان الناجحة على مدى سنوات علقت بأذهاننا لمطربى مصر والعالم العربى تحدثنا عن حال الأغنية المصرية والأغانى الوطنية بشكل خاص ولماذا أصبح عمرها قصيرا، كما أخبرنا بسر الدويتو الناجح لسنوات بينه وبين الفنان جورج وسوف الذى بلغت حصيلته حوالى 50 أغنية.
• كلمنا عن البداية ما بين الغناء والتلحين ؟
- الغناء بطبيعة الحال هو الأسهل وأنا أغنى منذ الصغر ولكن لم أمارس الغناء بشكل مهنى إلا بعد حصولى على بكالوريوس التجارة وتبلورت أثناء التحاقى بفرق الموسيقى فى الجامعة ومن ثم التحقت بمعهد الموسيقى العربية قسم الدراسات الحرة أثناء دراستى فى كلية التجارة، وفى بداية الثمانينيات بدأت أمارس الغناء بشكل عملى أكثر، وبدأت ميولى فى التلحين تظهر ومن ثم كنت فى احتياج إلى آلة وبالتالى فالعود هو الآلة الأقرب لثقافة العاملين فى هذا المجال وكنت قد درسته فى المعهد وبدأت أعزف بالفعل وبدأت ألحن قصائد لنفسى من الجرائد والكتب.
وفى عام 86 تم اعتمادى فى الإذاعة كمطرب وتقريبا فى عام 92 ذهبت لأتقدم كملحن وبالفعل تم اعتمادي، وقتها تقدمت للجنة بقصيدة كانت منشورة فى جريدة الأهرام للشاعر الكبير مصطفى عبد الرحمن وكان السنباطى قد لحن له قصيدة اسمها «أشواق» ولما سمعوا لحنى طلبوا منى أن أسجلها بصوتى.
وبالنسبة للغناء كان يجب أن أتجه لسوق الكاسيت بعيدا عن الإذاعة وكان لدى تجربة ولكن لم أحب التجربة وبعدها اتجهت للتلحين بشكل أعمق وفى هذه الأثناء تعرفت بالأستاذ عبد الوهاب محمد وكنت أذهب إليه فى المنزل ونعزف، ولم يكن يعلم أنى ألحن، وفى مرة طلب منى تسجيل لحن وبالفعل سجلته وتركته له، وفى اليوم الثانى وجدت معه الفنانة «لطيفة» تسمع الأغنية وكتب لها الكلمات لأغنية اسمها «متحكم وانت بعيد» وبعدها بدأ المشوار مع لطيفة وراغب علامة وجورج وسوف، وكان النصيب الأكبر مع جورج وسوف بحوالى خمسين أغنية، مثل صابر وراضي، ويوم الوداع، سلف ودين ، ويا أم العيون كحلة، مشينا يا حبيبى ومجموعة كبيرة من الأغانى وبعدها مع لطيفة قدمنا ألبوم «وأخيرًا» وفى غيابك عني، الموضوع منتهي، وراغب علامة قدمنا ولا يُعلى عليك، يا سلام عالغرام، ومع إيمان البحر درويش أنا وانت كل يوم، وأخيرا يا حبيبى بقينا لوحدنا، وتعاونت مع العديد من المطربين فى لبنان وسوريا، بالإضافة إلى غنائى فى الموسيقى العربية وحفلاتى فى دار الأوبرا المصرية.
• وما سر هذا الثنائى الناجح مع جورج وسوف؟
- هو فى الاعتبار الأول التقاء روحى ببساطة شديدة، فتلاقى الأرواح هو الأساس فهو وجد نفسه معى والعكس صحيح، فهو من الأصوات الجميلة جدًا وعلامة صوتية مهمة جدًا ولديه كاركتر مميز ولا يشبهه أحد، ففى الغناء يعتبر الكاركتر أهم ما يميز المطرب.
• هل كاريزما الفنان عليها عامل كبير فى انتشاره وجماهيريته أم أن الصوت هو المقياس الوحيد؟
- بالتأكيد الكاريزما عنصر مهم جدا ويصنع فارقا كبيرا وهناك من يحاولون اصطناعها وهؤلاء لا يستمرون كثيرا، أما من يمتلك هذه الفطرة فمن الله، وإذا تحدثنا عن جورج وسوف هنا كنموذج فهؤلاء من يستمر نجاحهم لسنوات، فتلقائيته هى سبب نجاحه وقربه من الناس وتلك الفطرة هى ما تحقق للفنان رصيدا كبيرا، مثل فيروز مثلا رغم ثبات انطباعات وجهها إلا أن هذا سر جاذبيتها والكاريزما الخاصة بها.
• هل مازلنا نحن إلى الأغانى الطربية، أم أن إيقاع العصر أفقدنا الاستمتاع بها؟
- الجمهور يقبل الأفضل وما يقدم له بإخلاص وضمير بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة، فذكاء الجمهور هو المقياس، ولكننا الآن فى مرحلة انعدام وزن بعد الثورتين وبصدد إنشاء كيان ثقافى جديد وبحث عن الذات، فنحن أصحاب الريادة ولدينا تراث ثرى جدا ولكن جاءت مرحلة الانفتاح لتغير من الذوق العام وكذلك نحن الآن فيمكنك أن تقارنى بين الأغانى التى خرجت بعد ثورة يوليو وثورة 25 يناير أو 30 يونيو لتعرض الفرق بين الذوق العام فى المرحلتين.
•بالضبط، هذا السؤال يحيرنى لماذا الأغانى تحديدا الوطنية عمرها قصير جدًا، فى حين أن فى تاريخنا أغانى أرخت لمراحل وأحداث بعينها؟
- السر هو افتقادنا لهويتنا بالإضافة إلى أن الجيل الحالى ليس موصولا بالجيل السابق، ضيفى إلى هذا انعدام الثقافة وخروج أجيال غير مكتملة النضوج، وظهر هذا القبح عندما اختفت رسالة الفن نفسه فالثقافة التى نعيشها تولد القبح، ونحن مازلنا فى مرحلة تكوين الله وحده أعلم إلى أى مدى ستستمر وإذا نظرت إلى الأجيال القديمة وكبرى الأغانى الوطنية ستجدين أنها إنتاج الإذاعة المصرية ولم تكن تلك الأغانى إنتاج شركات خاصة، وطبعا مع تدهور دور الإذاعة وسيطرة الميديا والإنترنت وبالتالى قلة الإنتاج فقدنا ريادتنا فى هذه المنطقة ومازلنا نتغنى بالماضى ولم نقدم أى جديد، لم نأخذ من تراث هؤلاء الفنانين وما تركوه لنا لنبنى ونكمل مشوارنا، بل وقفنا «محلك سر» فعبد الوهاب لم يتوقف عند سيد درويش، وعبد الحليم لم يتوقف عند عبدالوهاب بل أخذ من فكره ونهجه وصعد فى منطقته، نحن الآن نحتاج إلى فئة فى الدولة تعلن عن تبنيها النهضة الجديدة وتعمل على إحياء الموسيقى المصرية، وهذا يحتاج إلى دولة وليس منتجا خاصا فالمنتج الخاص لا يهمه سويا الربح حتى لو كان المضمون مسفاً، وهذا دور الدولة، وليس فقط أن نغنى لأم كلثوم.
• اعتدنا على جيل من المطربين يسلم جيلا، هل هناك فراغ الآن أم أن هناك جيلا يمثلنا الآن من مطربين؟
- أعتقد أن الأصوات النسائية على الساحة نماذجها أكبر فهناك أنغام، أصالة، شيرين، آمال ماهر، ومى فاروق، وريهام عبد الحكيم من الأصوات القوية جدًا، وجنات، أما من الرجال فهناك وائل جسار، وصابر الرباعى.
• ومن هى الأصوات القريبة منك وتتوقع حدوث الكيمياء التى تحدثنا عنها بينك وبينها؟
- كان هناك تجربة لى مع أنغام ولكنها لم تكتمل، لذلك أتمنى أن نتعاون سويا فهى لديها صوت حساس وله بصمة مميزة وغير تقليدي، وكذلك آمال ماهر، وأصالة.
• هل اللحن الجيد الآن مازال عنصرا كافيا لصناعة أغنية ناجحة ونجم أم أن المعادلة تغيرت؟
- هذا كان يحدث حتى ثمانى سنوات سابقة ولكن من وقتها إلى الآن أعتقد أن الأمور تغيرت ولم يعد اللحن الجيد كافياً لصناعة نجم أو أغنية بل واحد من عوامل كثيرة وهذا بسبب الزحام الشديد على الساحة وأن المعروض أصبح أكبر من القدرة على الاستيعاب، فأصبح هناك حالة من التشويش وعدم التوازن خاصة أمام الأجيال الجديدة .
• اعتدنا على رؤية توأمة بين مطرب وملحن فى أجيال كثيرة، على سبيل المثال أم كلثوم والقصبجي، حليم وبليغ وغيرهم ومعهم أيضا الشعراء، لماذا افتقدنا هذه الروح الآن ؟
- لم تحدث لى إلا مع جورج وسوف وأعتقد أن هذا يتوقف على المطرب وقد تكون أنانية منه فهو أحيانا قد لا يريد أن يقال إن سبب نجاحه هو ألحان فلان أو أشعار فلان، والنماذج التى ذكرتها من جيل كان ينشد القيمة فقط، الجيل الحالى لا ينشد القيمة والأنا لديه عالية، فيأخذ ما يريد وينحى الآخرين جانبا بالإضافة إلى عناصر الإنتاج التى قد تتدخل فى تفاصيل عمل الملحن لتقليل أجور، فمرحلة الإبداع شيء ومرحلة التسويق شيء آخر منفصل أما الآن اختلفت الناحيتان فأصبحت الناحية المادية تضغط على الإبداع.•