الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فراشة السماء

فراشة السماء
فراشة السماء


حلمها كان فى السما عالى .. حلقت معه حتى أصبحت السماء بساطها تصول وتجول فيه شرقاً وغرباً بقوة واقتدار.
ارتحلت إلى بلاد بعيدة عابرة لمدارات وقارات وسط رعد وبرق.. وفوق جبال وسحاب.. وشموس قوية  تشع فى وجه استدار كالقمر.. لتكشف عن ثغرها الباسم فخراً بتحقيق الحلم.
فقد امتطت السماء فى وقت تحارب فيه أخريات من أجل حق القيادة «السواقة» على الأرض!


لحقت بقائمة رائدات اخترقن كل الحدود والسدود والموانع ليصبحن «كابتن طيارة» .. لتثبت تاء التأنيث جدارتها ليس فقط مجرد إضافة تأنيث للوظيفة ولكنها إضافة إثبات الوجود والتميز.
دلال أسامة خليل.. كابتن طيارة فى «مصر للطيران» واحدة من قلائل «على أصابع اليد الواحدة» يقدن طائرات الإيرباص320.
عندما يهاتفك صوتها من مذياع الطائرة «معكم كابتن دلال أسامة»، للوهلة الأولى قد تندهش.. لكن مع أول إقلاع لها تنتزع منك تصفيق الإعجاب بالتميز.
لم تكن رحلتها من الأرض للسماء بالرحلة السهلة ولا بالواسطة.. فقط إيمانها بحلمها واجتهادها للاقتراب رويدا رويدا منه  بالدراسة والتدريب  والعمل، فمنذ نعومة أظافرها وهى تحلم بالتحليق فى السماء، نسجت خيوط حلمها بالتدريب على الطيران الشراعى فى مطار إمبابة حيث كانت تذهب إلى هناك لتراقب من بعيد بشغف المتلهف للتعلم ثم قررت التدريب على الطيران الشراعى، وبالفعل أنهت التدريب بنحاح ثم كان القرار بالسفر إلى أمريكا لتعلم الطيران هناك، ورغم معارضة الأم لها.. «بنت فى أمريكا بمفردها وكماااان طيران».
فإن مساندة والدها لها وإيمانه بها وبحلمها ساعدها كثيراً فى مشوارها، وكانت مشاعر فرحتها الممزوجة برهبة المسئولية مع أولى رحلاتها الداخلية إلى شرم الشيخ.. لتثبت لمدربيها وقادة الشركة أنها اجتازت كل الاختبارات المهنية والنفسية وأصبحت على أتم الاستعداد لكى تقود أحدث طائرات الإيرباص «320» إلى كل أنحاء العالم.. ولم تتوقف أحلام كابتن «دلال» عند ذلك، لكنها مازالت تحلم بقيادة الطائرات الأحدث والأكبر لتطير إلى مناطق لم ترتدها من قبل مثل جبال «الهيمالايا» وأن تجد المرأة المصرية مكانها فى القوات الجوية بعدما أثبتت جدارتها فى الطيران، فلم يعد ينقصها شىء للمشاركة فى الطيران الحربى خاصة أن ما تقوم به المرأة فى مجتمعنا اليوم يمنحها لقب المحارب بجدارة.
فلم تنس كابتن «دلال» موقف الراكب القادم من صعيد مصر والمسافر معها إلى الكويت عندما علم أنها هى قائدة الطائرة، فارتبك وظهرت عليه ملامح التوتر وقال: «هو أحنا مسافرين الكويت فعلا»،   وبعد هبوط الطائرة أرض المطار دخل لها الكابينة ليحييها على حسن القيادة قائلاً لها بلهجته الصعيدية: «صحيح أنتى ست لكن بميت راجل».
قادتنى الصدفة للتعرف عليها أثناء رحلة عودة من برلين للقاهرة، ووسط ملامح انبهارى وإعجابى بتميزها  المهنى كقائدة للطائرة وجدتها شخصية مثقفة جدا وعلى قدر كبير من الوعى والوطنية.. تعشق عملها ووطنها.. فأثناء حظر التجول بعد الثورة.. كان البعض يرفض النزول والخروج خوفا من المضايقات.. إلا أنها كانت تصر على الخروج من بيتها للالتزام وإحساسها بالمسئولية.. فهناك آلاف البيوت المفتوحة من وراء إقلاع وهبوط الطائرة.. وكان دافعها الثانى هو أن يراها الآخرون سيدة وتخرج لعملها فى هذا التوقيت  الحرج مما قد يشجعهم على الخروج فى وقت البلد محتاجة فيه لكل إيد.
ارتيادها لجميع دول العالم المتقدم يشعل بداخلها نبرات التحدى.. لماذا لا نكون مثلهم!
سألتها مرة عن تحديات القيادة فى السماء وقيادة السيارات على الأرض.. فبدون تفكير قالت: السواقة فى السماء أسهل بكثير من السواقة على الأرض، بل أصبحت تصاب بتوتر إذا قادت سيارة فى الشارع فمطبات السماء بالنسبة لها أسهل من مطبات الأرض!
نموذج لامرأة مصرية يؤكد أن كفاح المرأة المصرية لإثبات ذاتها مستمر ومتواصل من الأرض للسماء. •