الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سينما الجنس الناعم تواجه بشراسة صناع الأفلام

سينما الجنس الناعم تواجه بشراسة صناع الأفلام
سينما الجنس الناعم تواجه بشراسة صناع الأفلام


فى يوم المرأة العالمى، لا يمكن ألا نتوقف عند «المرأة المُخرجة» لنؤكد أنها ليست مُجرد «ظاهرة» وستنتهى مثلما كان يعتقد الكثيرون فى بداية الثمانينيات، بل على العكس... أثبتت المرأة صمودها وتحديها للأفكار العقيمة من خلال إبداعها السينمائى الذى أسهم فى تغيير قوانين لصالحها، وقبل الخوض فى تحدياتها وصمودها أمام مُتطلبات السينما التجارية.
 
لابد من إشارة عاجلة لمُخرجات ما قبل الثمانينيات لتندهش عندما تعلم أن بداية المرأة المخرجة كانت فى الثلاثينيات والأربعينيات وكانت جميعهن  فى الأساس مُمثلات مُحترفات واتجهن للإخراج من باب الوجاهة وإنقاذ موقف فى أحياناً أخرى، لذلك لاتجد  لأى منهن بصمة جيدة فيما أخرجنه من أفلام، لذلك ليس غريباً ألا تجد سوى فيلم واحد تم إخراجه لكل  منهن وأشهرهن فاطمة رشدى وبهيجة حافظ وعزيزة أمير، وفى الستينيات كانت «ماجدة الصباحى» مخرجة بالصدفة إنقاذاً لموقف مرض مخرج  فيلمها الذى تنتجه «من أحب» عام 1966، ثم إنعام محمد على كمخرجة تليفزيونية منذ الستينيات وحتى وقتنا هذا.
• البداية
 ليأتى فيما بعد زمن الثمانينيات وهو البداية الحقيقية «للمرأة مُخرجة» الذى بدأته كل من إيناس الدغيدى ونادية حمزة وبترتيب الأولوية للأكبر سناً سنجد الراحلة نادية حمزة بدأت العمل كمنتجة من خلال فيلمين: «العرافة» لمديحة كامل والمخرج عاطف سالم و«الطاووس» لرغدة وكمال الشيخ، إلا أنها فضلت الإخراج ليكون رصيدها 12 فيلما.  وبنظرة سريعة للأفلام التى أخرجتها ستجدها لم تحقق سوى نجاح محدود للغاية فى شباك التذاكر. وربما يكون فيلم «نساء صعاليك» أكثرها نجاحاً من منطلق أن جميع بطلات فيلمها من السيدات همهن الوحيد رجل واحد لانراه طوال أحداث الفيلم، ورغم ذلك يُحسب لها اقتحام عالم الإخراج الذى كان محسوباً على الرجال فقط. وتليها مباشرة الأكثر شغباً وجدلاً إيناس الدغيدى، وبغض النظر عن القضايا  المرفوعة ضدها سواء على بعض المشاهد بأفلامها أو تصريحاتها الجريئة فى وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن سينما إيناس الدغيدى يجب التوقف أمامها باهتمام وجدية لعدة أسباب، أولها خوضها لكتابة وإنتاج بعض أفلامها، ثانيا تصديها لقضايا مجتمعية لم يقترب منها أحد وأهمها «المساواة بين الرجل والمرأة فى القضايا التى تخص الشرف بالمحاكم» وصنعت فيلمين يعكسان همها بهذه القضية وهما «عفواً أيها القانون» عام 1985 وهو بالمناسبة فيلمها الأول كمخرجة والجزء الثانى بعده بثلاث سنوات  «التحدى» بأبطال مختلفين.
أيضا زواج القاصرات والريفيات من الأثرياء العرب كان من الظواهر المتفشية فى مجتمعنا وبحرفية سلطت إيناس الدغيدى الضوء على تجارة الجسد فى فيلم «لحم رخيص» وإذا كانت هناك شخصيتان رئيسيتان بالفيلم رضختا لسمسار المتعة، فقد حرصت المخرجة على منح الشخصية الرئيسية الثالثة طاقة إيجابية وصمودا تجاه هذا السمسار من خلال فتح مشغل خياطة يستوعب بنات قريتها، إذاً المرأة لدى المُخرجة بدأت فى عدم الاستسلام ومواجهة مشاكلها بطرق مشروعة.
أيضا يأتى فيلم «القاتلة» للمؤلفة ماجدة خير الله من أهم أفلام إيناس الدغيدى، ففيه كان التنبؤ بعنف المرأة الناتج عن العنف الذكورى. وفى «القاتلة» نجد المرأة عند المؤلفة قمة فى الشر، فهى تقتل الرجال بعد مضاجعتهم لها، فقد تعرضت فى طفولتها للاغتصاب وعندما تزوجت فوجئت بوحشية زوجها أثناء ممارسته للجنس معها، مما دفعها لقتله لتتوالى عمليات قتلها للرجال انتقاما منهم لما لحق بها من عقد نفسية - بعد هذا الفيلم انتشرت ظاهرة قتل الأزواج وتعبئتهم فى أكياس قمامة ثم كان فيلم «المرأة والساطور» للمخرج الراحل سعيد مرزوق الذى يعبر فيه عن نفس الفكرة.
أيضاً لإيناس الدغيدى فيلم «الباحثات عن الحرية» للمؤلفة هدى الزين وإذا كان فيلمها مليئا بالملاحظات المُتعلقة بالمُعالجة السينمائية، إلا أنه يحسب للمخرجة  تسليط الضوء على المرأة العربية الهاربة من قيود الشرق لباريس من خلال الشخصيات النسائية بالفيلم «المصرية» و«اللبنانية» و«المغربية». ليجدن أنفسهن داخل قيود من نوع مختلف مثل المغربية التى تضطر لمعاشرة رجل وتحمل عنفه الجنسى معها، والمصرية التى لا تستطيع الحياة بمفردها كأنثى فى مجتمع مثل باريس. لتبدأ كل واحدة منهن فى ترتيب حساباتها.
• المُتمردة
أما ساندرا نشأت فهى أول مخرجة تقتحم عالم الأكشن والتشويق بأفلامها ويحسب لها صمودها فى هذا اللون الذى كان حكرا على  المُخرجين الرجال، والطريف أن ساندرا سارت ضد تيار نظيراتها من المُخرجات على مستوى الموضوعات وباستثناء فيلمها الأول «مبروك وبلبل» الذى حمل الكثير من الإنسانيات من خلال شخصية معتوه القرية التى جسدها باقتدار يحيى الفخرانى وجدناها ترضخ للعبة السوق وقتها التى كانت تعتمد على ممثل جان وممثلة صف أول من النجمات، وكان وقتها كريم عبدالعزيز هو نجم أفلامها وبجواره أسماء لا تخرج عن حنان ترك أو منى زكى أو حلا شيحا، والمثير أن أفلامها كانت تحقق أعلى الإيرادات لحرصها على إتقان ما تقدمه احتراماً لموهبتها ولجمهورها. ويُحسب لها تحديها وصمودها ونجاحها فى منافسة أفلام تلك الفترة. وهذا ما دفعها لتأكيد أكذوبة أن أفلام الأكشن مقصورة على عالم الرجال فقط ووجدناها تصول وتجول فى أفلام تنتمى للأكشن والتشويق بمنتهى الإبداع، ويكفى أن فيلمها «ملاكى إسكندرية» من أفلام التشويق الذى لم يجد له منافسا منذ عشر سنوات فى هذا اللون سوى عدد من الأفلام أقل من أصابع اليد الواحدة.
• الـ «ألفا»
كاملة أبوذكرى إلى حد ما كانت بدايتها مُشابهة لبداية إيناس الدغيدى فى عملها مع علامات بارزة فى الإخراج، فقد كانت كاملة مساعدة مخرج لعاطف الطيب ورضوان الكاشف ونادر جلال بخلاف عملها بالأفلام الأجنبية التسجيلية واقتحام مجال إنتاج الأفلام المُستقلة عام 2002، لكنها قررت التفرغ لعملها كمخرجة أفلام روائية وكان أول أفلامها «سنة أولى نصب» ينتمى للكوميديا الخفيفة المُغلفة بسمات السينما التجارية، وكانت البطولة لأحمد عز ونور اللبنانية وداليا البحيرى قصة وسيناريو وحوار وإنتاج سميرة محسن أستاذتها فى معهد السينما، ويبدو أن مُخرجة الفيلم رضخت لهذه النوعية التى كانت سائدة فى هذه الفترة ونجحت فى تحقيق التوازن بين موهبتها وبين متطلبات السوق، إلا أنها عادت سريعا للسينما التى ترضى طموحاتها بعيداً عن مُتطلبات السوق من خلال أفلام مُتميزة جدا.. وهى «ملك وكتابة» لمحمود حميدة وهند صبرى و«عن العشق والهوى» لأحمد السقا ومنى زكى الذى قدمت فيه الرومانسية الواقعية المُعبرة عن لغة العصر وفيه حولت المخرجة شخصيات تامر حبيب لناس حقيقية هم أمامك  تراهم فى الحياة وقد تكون أنت منهم، نجحت بموهبتها ومهارتها فى توجيه العنصر النسائى الذى يدور فى فلك رجل واحد  لتؤكد أن الحب الأول ليس هو الأخير دائما، فأجمل قصة حب هى التى لم يعشها المُحب.
أيضا يوجد لكاملة أبوذكرى فيلم «واحد صفر» وهو من أهم الأفلام فى السنوات 7 السابقة، وحصد جوائز لم يحصدها فيلم من قبل وعبقرية الفيلم فى التفاصيل الصغيرة المُرتبطة بحكايات النساء به التى صاغتها الموهوبة مريم نعوم. فالمرأة موجودة بقوة وإيجابية على عكس الرجل، فهو أنانى سلبى وظهر هذا جلياً فى الشخصية التى جسدتها إلهام شاهين التى حاولت الحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج بعد طلاقها والزواج من حبيبها. فى الوقت الذى كان موقفه غاية فى السلبية ومُتخاذلا أيضا هناك المُطربة «زينة» التى تضطر لبيع جسدها لرجل أنانى مقابل الصعود الفنى والحصول على المال الذى تنفقه على أسرتها، أيضا نيللى كريم المنتقبة التى تعيش فى صراع دائم مع شقيقتها المطربة، أما الشخصية الرابعة فهى الحفافة التى جسدتها بعبقرية انتصار.. لم تتوقف موهبة كاملة أبوذكرى على السينما فقط بل وجدناها مُبدعة ومُبهرة  فى الدراما التليفزيونية وبحرفية استطاعت المُنافسة بشراسة لتكون «ألفا» المخرجين على مدار عامين مـتتاليين - عندما أخرجت مُسلسلى «ذات» و«سجن النساء» وحصدت عنهما الجوائز.
• الإخلاص للمرأة
هالة خليل أثبتت تميزها فى السينما النسائية بأول أفلامها «أحلى الأوقات»  الذى كتبت قصته ونفذته وتركت مهمة السيناريو والحوار للموهوبة وسام سليمان. وإذا تأملت أفلام  زميلتيها «كاملة» و«ساندرا» ستجد إمكانية تنفيذها من خلال مخرجين رجال أو نساء ولن نلاحظ أى فرق بين المُعالجتين السينمائيتين بينما فى فيلم «أحلى الأوقات» سنجد البصمة النسائية حاضرة بقوة وحصد فيلماهما العديد من الجوائز فى المهرجانات السينمائية. وعبقرية فيلمها مرتبطة بالتفاصيل الصغيرة لنساء فيلمها الثلاث وكانت أروعهن «هند صبرى» أو يسرية بنت البلد المُدرسة اللى خيرها على كل بيت فى شارعها وجدعنتها مُمتدة لحياتها الخاصة، سواء مع زوجها أو مع صديقات الطفولة، أيضاً شخصية منة شلبى هى نموذج صارخ لبنات جيل يحلم بالنجومية فى عالم الفن مهما كانت التضحيات لكنها سرعان ما تفيق من حلم كاذب صدقته عندما يُخبرها مُخرج مُخضرم بعدم موهبتها. أما حنان ترك التى تجد نفسها مضطرة للعيش مع زوج والدتها إلى أن تجد رسالة غامضة تحثها على العودة للماضى من خلال صديقاتها القدامى والبحث عن والدها لنكتشف أن صاحب الرسالة الغامضة هو زوج والدتها فى محاولة منه لمساعدتها على الخروج من دائرة فقد والدتها. وبجوار هذه الكوكبة من المخرجات توجد المخرجة منال الصيفى صاحبة فيلم «مُنتهى اللذة» لحنان ترك.
أيضاً هناك مجموعة من المُخرجات الشابات يفرحن القلب قادمات بقوة للسينما كانت لهن أعمالهن المُتميزة منها ما لم يحظ بفُرص عرض جماهيرى جيدة ومنها ما لم يعرض إلا فى المهرجانات السينمائية فقط ومن هؤلاء المُخرجات: ماجى مورجان «عشم» وهالة لطفى «الخروج للنهار» ونادين خان «هرج ومرج» وآيتن أمين «فيلا 69» وغيرهن.
رغم وجود هذه المواهب النسائية،  فإن هناك اختفاء غير مبرر مثل إيناس الدغيدى التى اتجهت لتقديم البرامج، وإذا كانت كاملة وجيه أبوذكرى وهالة خليل وساندرا نشأت لم يتجهن للبرامج، إلا أن خطواتهن غاية فى البُطء فليس من المنطقى أن تكون هناك مواهب بحجمهن وأن تكون هناك مسافة زمنية ليست قصيرة بين فيلم وآخر لهن.
الإبداع النسائى ممتد من الإخراج للتأليف ذاته وهنا أريد الإشارة إلى عالم النساء السيناريستات فى هذا العصر، وكيف كانت لكتابات  المرأة خصوصية وحساسية لا ينافسها فيها أحد من الرجال  مثل هناء عطية صاحبة فيلم «خلطة فوزية» الذى أنتجته ومثلته إلهام شاهين وعزة شلبى التى صدمتنا عام 2001 بفيلم «أسرار البنات» لمجدى أحمد على وبثقة تأتى بجوارهن وسام سليمان صاحبة أفلام «أحلى الأوقات» و«بنات وسط البلد» و«فى شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع»، «أيضا توجد السيناريست مريم نعوم وأهم أعمالها فى الدراما «موجة حارة» و«سجن النسا» و«ذات» بخلاف فيلمها المهم «واحد- صفر» وهى بالمناسبة تحمل جميعاً توقيع كاملة أبوذكرى. وبجوارهن كانت نادين شمس رحمها الله التى كانت لها تجربة  سينمائية مُتميزة من خلال فيلم «إحنا اتقابلنا قبل كده» ومشاركتها فى كتابة أنجح المسلسلات «موجة حارة» و«قانون المراغى» وغيرها. ونستطيع ضم أسماء أخرى لما قبل هذا الجيل مثل الراحلة حُسن شاة صاحبة فيلمى «امرأة مُطلقة» و«أريد حلا» الذى كان له الفضل فى تغيير قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة، تليها كوثر هيكل صاحبة أفلام «إمبراطورية ميم» لفاتن حمامة «حبيبى دائماً» و«العاشقان» لنور الشريف ثم ماجدة خيرالله التى صنعت 4 أفلام تقريبا لمديحة كامل من مجموع 15 فيلما لها كمؤلفة مُحترفة  بخلاف العديد من المسلسلات أشهرها «وجه القمر» لفاتن حمامة أيضا توجد منى نور إلين ونادية رشاد ومنى الصاوى كأبرز مؤلفى الدراما وسبقتهن فتحية العسال رائدة الدراما التليفزيونية، فهى صاحبة مسلسل «هى والمستحيل» الذى ناقش أمية المرأة وحقها فى التعليم لتختم مسيرتها فى عالم الكتابة القصصية «بسجن النساء» التى كتبت قصتها داخل جدران السجن دفاعا عن حرية المرأة، وتم تحويل القصة لعمل مسرحى وتم تنفيذه كمسلسل وعرض فى شهر رمضان الماضى  وحقق نجاحاً باهراً لم تستطع صاحبته الاحتفاء به لوفاتها.•