الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المرأة ليست للإغواء فقط!

المرأة ليست للإغواء فقط!
المرأة ليست للإغواء فقط!


السينما كانت دائما المرآة التى تعكس أوضاع المرأة فى المجتمع وتكشف نظرته إليها ومكانتها فيه، وفى الوقت الذى حاربت فيه بعض الفنانات بأفلامهن من أجل قضايا المرأة وحقوقها وحاولن تحريك المياه الراكدة تجاه مشاكلها وطموحها، كانت هناك فنانات أخريات يسقطن  سواء عن قصد أو دون قصد فى فخ الإساءة للمرأة وتشويه صورتها والتركيز فقط على كونها جسدا مثيرا لا دور لها سوى إغواء الرجال!
المؤكد أن ذاكرة السينما على مدى تاريخها تضم أفلاما أظهرت المرأة كسلعة رخيصة تغوى الرجل وذلك لجلب الجمهور وتحقيق مكاسب مادية من وراء مشاهد ساخنة ليس لها أى مبرر درامى، ومنها أفلام شاركت فيها نجمات كبار حتى وإن لم يقصدن تصدير صورة سلبية عن المرأة مثل: ميرفت أمين وبوسى وناهد شريف ونادية الجندى ومنها على سبيل المثال «سيدة الأقمار السوداء»   و«قطة على نار» و«أعظم طفل فى العالم» و«رجب فوق صفيح ساخن» و«عنتر شايل سيفه».. وغيرها، فالقائمة التى تضم هذه النوعية من الأفلام التى قدمت المرأة فقط فى صورة من تغوى الرجال باعتبارها أحد الرهانات المضمونة فى شباك التذاكر.
ولم تتوقف تلك الأفلام عند جيل الستينيات والسبعينيات فقط، لكنها امتدت إلى ما بعدهما حتى إن بعض أفلام إيناس الدغيدى فى الثمانينيات كانت تكرس أيضا صورة المرأة كجسد حتى وإن غلفت تلك الأفلام ما تقدمه بدعاوى الجرأة والتحرر، والغريب هنا أنه حتى الأفلام التى تولت قيادتها مخرجة امرأة لم تستطع أن تنصف المرأة وتناقش واقعها، وإنما غلبت عليها أيضا فكرة الجنس.
وبعدها جاء ظهور ما أطلق عليه مصطلح «السينما النظيفة» فى جيل التسعينيات لتكريس نفس النظرة للمرأة فى السينما على أنها جسد فقط حتى إن كان ذلك بشكل مختلف، حيث روج صناع تلك الأفلام أن نظافة الفيلم تتطلب عدم ظهور هذا الجسد إلا كديكور بجانب البطل فقط مع منع أى أحضان أو قبلات.
وهكذا تطرفت السينما فى تناولها للمرأة سواء فى الأفلام التى صورتها كلعوب أو فى الأفلام التى وضعتها فى قالب الديكور المكمل لدور الرجل، وابتعد النوعان من الأفلام تماما عن قضايا المرأة الحقيقية.
وامتد الأمر إلى السينما فى وقتنا الحالى لتظهر هوجة من الأفلام التى أطلق عليها مصطلح جديد هو «الأفلام الشعبية» التى لا دور للمرأة فيها سوى أن تكون راقصة بجوار مطرب!
لكن فى المقابل كانت هناك أفلام على مدى تاريخ السينما تدافع عن المرأة وقضاياها ووقفت ضد فكرة كونها مجرد جسد جميل، ورغم أن تلك الأفلام قليلة بالمقارنة بهوجة الأفلام التى تصور المرأة كجسد فقط، لكنها كانت شديدة التأثير فى المجتمع.
فالنجمة الكبيرة الراحلة فاتن حمامة قدمت ما يقرب من  100 فيلم وكانت حريصة فى معظم أفلامها على الدفاع عن حقوق المرأة ولا يمكن لأحد أن ينسى فيلما مثل «أريد حلا» سيناريو وإخراج سعيد مرزوق، وحوار سعد الدين وهبة عن قصة للكاتبة حسن شاه، فهو الذى حرك الكثير من المياه الراكدة فى مجال قوانين الأحوال الشخصية الظالمة لحقوق المرأة، وتأثيره لم يتوقف عند نجاحه فى إقناع المجتمع بقسوة ما تتعرض له المرأة من اضطهاد فى حقوقها الشخصية، وإنما تخطى ذلك ليصبح أول فيلم عربى حاول الكشف عن الثغرات التى يحتويها قانون الأحوال الشخصية فى مصر وساهم فى تغييره.
ولا يمكن أيضا أن ننسى فيلم «الأستاذة فاطمة» لفطين عبدالوهاب الذى ناقشت فاتن حمامة من خلاله حق المرأة فى  التعليم والعمل والإقرار بأن قدرات المرأة قد تكون أفضل من الرجل.
وفى فيلم «الباب المفتوح» للمخرج هنرى بركات تناولت  فاتن حمامة أهمية مشاركة المرأة مع الرجل فى الدفاع عن مصر وضرورة أن تخرج المرأة من عزلتها ومن داخل الأسوار التى فرضتها عليها الأعراف والتقاليد.
شادية أيضا قدمت أكثر من فيلم دافع عن حقوق المرأة ولو بشكل كوميدى كما حدث فى فيلم «مراتى مدير عام» الذى شاركها بطولته صلاح ذو الفقار وعادل إمام وكان بمثابة دعوة لإقرار  حقوق المرأة فى تولى  المرأة المناصب القيادية.
ولن يسقط من ذاكرة السينما بالتأكيد فيلم «جميلة» للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين وتأليف نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوى وعلى الزرقانى بطولة الممثلة والمنتجة ماجدة ونخبة من نجوم السينما العربية الذى تناول من خلال نموذج المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد كيف يمكن للمرأة فى كل مكان أن تكون فى مقدمة صفوف النضال.
كما قدم رائد الواقعية المخرج الراحل صلاح أبوسيف فيلم «أنا حرة» الذى لعبت بطولته لبنى عبدالعزيز وهو أحد أهم الأفلام الواقعية التى دافعت عن حقوق المرأة فى تاريخ السينما المصرية، حيث واجه الفيلم المجتمع الذكورى الذى لا يعطى للمرأة حقها، ولكنها تتمرد على هذا الوضع، وتدخل الجامعة، فتكتشف أن أمانيها فى الحرية هى أشياء بسيطة بالنسبة لمعنى الحرية الحقيقى.
بالإضافة إلى محاولات قليلة من جيل الثمانينيات والتسعينيات أيضا لتقديم قضايا المرأة بشكل واقعى حتى وإن كان فى ذلك مغامرة مع شباك التذاكر، فكانت هناك محاولات لنبيلة عبيد ويسرا وإلهام شاهين وليلى علوى التى قدمت فيلما مهما مع عاطف الطيب هو «إنذار بالطاعة».
لكن الجيل الذى ظهر بعدهن مثل: منى زكى وهند صبرى وغادة عادل وغيرهن لم تكن لديهن القدرة على تقديم قصص تهم المرأة وتكون فيها هى الأساس بعد أن سيطرت أفلام البطولة الرجالية على السينما وغابت قضايا المرأة عن الفن السابع.
والمؤكد أن الصراع بين السينما التى ترى المرأة جسدا يغوى الرجل فقط وبين السينما التى ترى أن المرأة لابد أن يكون لها تواجد حقيقى على الشاشة يدافع عن قضاياها ويطرحها بجرأة للمجتمع  سوف يستمر لأنه فى النهاية جزء من الصراع الموجود فى المجتمع نفسه تجاه النظر للمرأة.•