بيع 12 مستشفى و1789 معمل تحليل فى 6 أشهر!

محمد عبد العاطي
سياسات الحكومات المتعاقبة طوال الثلاثين عاما الماضية بخفض الإنفاق خاصة على التعليم والصحة.. أدت إلى انهيار كامل فى المنظومة الصحية، وتدهورت أحوال المستشفيات واعتبرت هذه الحكومات المواطن عبئا.. فتدهورت الحالة الصحية للمصريين وأصبح لدينا 20 مليون مصرى مرضى بالأورام وفيروس «C» والفشل الكلوى، وفى الشهور الأخيرة أصبحت المستشفيات المصرية هدفا للمستثمرين واشترت 12 مستشفى، وأكبر سلسلتين من معامل التحليل وتحاول حاليا شراء قصر العينى الفرنساوي!!
ليبدأ الاستثمار الأجنبى فى مجال المستشفيات والمعامل.
قامت شركة أبراج كابيتال الإماراتية بشراء 12 مستشفى حسب رصد المركز المصرى للحق فى الدواء، حيث اشترت 100% من مستشفى كيلوباترا بصفقة قيمتها 770 مليون جنيه، و60% من مستشفى القاهرة التخصصى، ومصر الدولى والجولف والجنزورى والنيل بدراوى وكيلوباترا والمعادى، كما قامت بشراء 76% من معامل البرج التى تملك 864 معملا فى جميع المحافظات، و76% من معامل المختبر التى تمثل 925 معملا فى جميع المحافظات، وتنافس الشركة حاليا شركة فايزر الأمريكية لشراء أمون للدواء وقدمت عرضا بـمليار و110 ملايين جنيه.. قبل عام من الآن كان الاستثمار الأجنبى فى مجال الرعاية الصحية يبدو غير ملحوظ وربما لا يعرف أحد عنه الكثير، ولكن دون أى مقدمات دخلت مجموعة «أبراج كابيتال» الإماراتية وبدأت فى شراء عدد كبير من المنشآت الطبية فى محاولة للسيطرة على السوق، وهو ما سلط الضوء عليها فى الفترة الأخيرة كذلك دق جرس الإنذار بشأن وجود منافس شديد القوة والخطورة فى ذلك القطاع لا يمكن الاقتراب منه.
وكانت هذه التحركات بمثابة مادة دسمة للكثير من الأسئلة حول دخول الشركة فى هذه القطاعات وشراء جزء كبير منها ورغم وعود عدد من المسئولين فيها بعدم تحريك الأسعار داخل المستشفيات فقد تم التراجع عنها وبدأ الجمهور المتردد على تلك المنشآت يلاحظ الارتفاع الكبير فى المقابل المادى لأداء الخدمات الطبية فضلا عن الاستغناء عن عدد كبير من طاقم التمريض والأطباء وفنيى الأشعة.
والقريب من تحركات الشركة يؤكد أنها تستخدم واجهة لها فى كثير من المفاوضات من خلال شخصية عامة مصرية كانت تتولى رئاسة البورصة فى وقت سابق.. وبدأ الرجل يجرى الكثير من المفاوضات بشأن الدخول فى شراكة مع المستشفيات الجامعية التى يتردد عليها أكثر من 50 مليون مواطن سنويا مما يعنى أن الهدف من وراء ذلك إحكام السيطرة على نسبة كبيرة من القطاع والانتظار لحين الانتهاء من الشكل النهائى لقانون التأمين الصحى الذى سيسمح بتدفق أكثر من خمسة مليارات جنيه سنويا للقطاع الخاص، وهو ما يعنى أن المستشفيات الخاصة فى المستقبل ستكون بمثابة الكنز الذى لا ينضب لأن القانون يسمح بأن يكون التكوين المالى لميزانيات المستشفيات الجامعية مكونا من 50% استثماراً حكومياً والأخرى من القطاع الخاص.. ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد الكثير من التحركات فى مجال المنشآت الصحية من جانب عدد من المنافسين للشركة الإماراتية للحصول على جزء من كعكة التأمين الصحى ولكن يبدو أن المجهود سيكون شاقاً للغاية خاصة أن «أبراج» دخلت مبكرا فى ذلك المجال وبإجمالى استثمارات رهيبة فى ذلك القطاع، ولا أحد يعلم قوة تلك الشركة المالية ومدى قدرتها على الدخول أكثر فى مجالات أخرى.. وتعتمد الشركة الإماراتية على تردى المعامل الصحية التابعة للحكومة والتى دائما ما تخطئ فى نتائج التحاليل حتى إنه بات من الصعب أن يمنح مستشفيان تابعان للحكومة نتائج متطابقة وصحيحة وذلك بشهادة عدد من العاملين بداخلها، ويرجع ذلك إلى عدم وجود أجهزة متطورة تواكب التطورات التى يشهدها المجال والتى تكون متوافرة فى المختبرات الكبرى التى استحوذت عليها «أبراج».. كذلك فإن الغموض بدأ يكتنف الكثير من القرارات والقوانين المتعلقة بشأن استقبال الحوادث، فهل على سبيل المثال ستكون الشركات الأجنبية مجبرة على استقبال بعض الحالات المجانية وحالات الحوادث والطوارئ؟ أم أنها ستتنصل من ذلك باعتبارها منشأة غير تابعة للمنظومة الصحية المصرية.
• علامات استفهام!!
أكد الدكتور محمود شريف مدير المركز المصرى للحق فى الدواء أن إتمام الشركة الإماراتية لصفقتى معامل البرج والمختبر أدى إلى احتكار كبير فى مجال المختبرات الطبية، وهو أمر يتعلق بالأمن القومى من الدرجة الأولى.. وتساءل شريف عن السبب الرئيسى وراء شراء هذه المستشفيات.. رغم أن ملاكها القدامى يؤكدون أنها مؤسسات خاسرة وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول هذه الصفقات فى الفترة الأخيرة سوى أن قانون التأمين الصحى المنتظر سيجعل من تلك المستشفيات كيانات ناجحة ومربحة بأى حال من الأحوال.
وتطرق شريف إلى طبيعة الملكية فى الشركة وعدم اتضاح الرؤية والشفافية بشأن الملاك الحقيقيين لمجموعة أبراج كابيتال، خاصة أن المدير التنفيذى للشركة وهو باكستانى الجنسية كان قد اتهم فى وقت سابق بغسيل الأموال مع أطراف آخرين مثل علاء وجمال مبارك ولا أحد يعلم ما انتهت إليه التحقيقات.
وأوضح شريف أن الوقت الحالى يحتاج من الدولة إلى ضرورة الالتفات إلى القطاع الصحى لأنه يمثل قضية أمن قومى من الدرجة الأولى ولا يوجد أبرز من الاتجاه الذى سلكته إنجلترا مع شركة فايزر حين قررت هذه الأخيرة شراء شركة إنجليزية كبرى وعلى الفور تم استصدار قانون يحرم بيع الشركة، وذلك خشية على خلاصة الفكر الإنجليزى الذى سينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى ولو كان المقابل المادى لإتمام عملية البيع قياسيا.. وأوضح شريف أن الغرض الرئيسى من شراء المستشفيات هو الحصول على 70 % من إجمالى ما سينفق على التأمين الصحى كل عام وذلك من خلال المبلغ المرصود من الدولة لدعم القطاع، كذلك الاشتراكات الخاصة بالمواطنين والصفقات التى يبرمها مع القطاع الخاص وهو ما يعنى توغل كيانات أجنبية فى ذلك القطاع للاستفادة منه دون مراعاة لاحتياجات المواطن والظروف التى تمر بها الدولة.. وتابع شريف قائلا: إن تلك الاستحواذات الكبيرة التى طرأت فى الفترة الأخيرة لم تدق حتى الآن جرس إنذار داخل الدولة كى تتحرك وتبدأ فى مواجهة ما يحدث على أرض الواقع من استخدام سياسات احتكارية فى قطاع الصحة حيث إن قانون التأمين الصحى سيوحد العلاج فى جهة واحدة بعيدا عن السياسات المتبعة فى الوقت الحالى مثل مستشفيات اليوم الواحد والأمانة المركزية والقرارات الشهيرة بالعلاج على نفقة الدولة.
• أمن قومى!!
ومن جهته أكد الدكتور محمد عز العرب رئيس وحدة الأورام الكبدية بالمعهد القومى للكبد بالقاهرة أن جهاز الممارسات الاحتكارية وحماية المنافسة لا يملك السلطة كى يوقف عمليات البيع والاندماج التى تحدث، لذا لا بد من تدخل قوى من الدولة لحماية المواطن المصرى - الذى عانى كثيرا فى الفترة الأخيرة - من الدخول فى كثير من الأزمات..
وواصل عز العرب حديثه بتأكيد أن من لا يملك دواءه لا يملك صحته وذلك فى إشارة إلى أهمية القضية المثارة فى الوقت الحالى وهو ما يعنى أن الدولة لا تزال تتعامل مع الموقف من بعيد دون الاقتراب وعلاج المشكلة بشكل واضح، وأنه فى النهاية سيكون الضحية هو المواطن المصرى.. وأضاف عز العرب أن هناك قراراً لوزير الصحة صادراً برقم 497 لسنة 2014 يلزم بالحصول على موافقة الوزارة على شراء المستشفيات أو حتى تغيير مدير المستشفى، وذلك القرار صدر قبل قيام الشركة الإماراتية بشراء مستشفى القاهرة التخصصى، فهل حدث ذلك بالفعل؟.. وهل هناك رقابة شديدة من الدولة من أجل الوقوف أمام سياسات الاحتكار الحالية فى مجال مؤسسات الرعاية الصحية. •