الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأساتذة حمدي أحمد الصعيدي

الأساتذة حمدي أحمد الصعيدي
الأساتذة حمدي أحمد الصعيدي


قد يختفون قليلا.. ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى  زحمة الدنيا لبعض الوقت.. لكنهم يظلون طوال الوقت.. حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة.. ونقطة ضوء فى  عتمة الليالى  الفارغة.. يظلون دائما..

الصعيدى الجدع.. السياسى الشريف.. الممثل الصادق الذى لا يعترف بالدكتوراه فى التمثيل.. حمدى أحمد.. عندما وصلت لباب بيته على سطح عمارة بالسادس من أكتوبر.. وجدت شقته على  سطوح يحيطه الزرع من كل مكان وعلى السلمتين قبل الدخول لشقته يضع ماجورا وإبريقا كانوا يغسلون أيديهم فيهما أو يتوضأون بهما قديما.. وبمجرد دخولى وجدت صورة كبيرة لوالده فى جلبابه الصعيدى والعمة وشنبه المبروم، وصورة بالحجم الطبيعى لعبدالناصر.. كان موضوعا على طاولة على جانب الصالة لمبة جاز وتليفون بقرص أسود قديم، وتحتها قبقاب خشبى قديم وصورة لرجل واقف وسيدة جالسة على كرسى.. وأطفال.. وعندما سألته أين أنت منهم؟ فقال لا أحد لكن معنى الصورة أعجبنى.


• لاحظت أنك مغرم بكل ما هو قديم، قبقاب، لمبه الجاز وغيرهما من الأشياء القديمة؟
- من نسى قديمه تاه.. فيجب أن تكون هناك أشياء تذكرنا بأصولنا.. وأنا رجل من الصعيد، (مشيراً للمبة الجاز الموضوعة على الطاولة) هذه كنت أذاكر عليها فى طفولتى، حيث لم يكن لدينا كهرباء وقتها.
•  أعمالك مميزة ولكنك مقل؟
- مجمل أعمالى 100 عمل ما بين الفيلم والمسرح والدراما.. وكان لدىّ منهج أسير عليه ومن الصعب أن أقوم بتغييره، وكنت دائما أقول إن الفن ليس مصدرا للفلوس.. الفن مصدر للعطاء.. يعطى ولا يأخذ بدليل أننى تخرجت فى المعهد وتوظفت بـ24 جنيها.. وكانت الحياة غالية وكنا سعداء جدا.. وتأقلمنا على هذه الحال.. فكل أعمالى مختارة وبدقة ولصالح الجماهير.. وشاركت فى مسرحية «ريا وسكينة» رغم عدم استمتاعى بالدور، ولكن من أجل جملة واحدة وهى «إن البلد دى مش حيتصلح حالها طول ما فيها ناس بتخاف».
• كنت تقول إن الفن ليس رسالة فقط.. فماذا تعنى بهذا؟
- بالفعل الفن ليس رسالة فقط، بل عبئًا كبيرًا.. لأن التجديد مطلوب فيه طول الوقت.. فهو فن متجدد.. كذب من قال: «إنه واخد دكتوراه فى التمثيل».. لأن التمثيل ليس به دكتوراه، فمثلا لو أخذ يوسف وهبى دكتوراه فى التمثيل، ماذا سيكون بعد ذلك؟!.. فهذه كلها مجرد أسماء ليس لها أساس من الصحة.. فعندما كنا نقف زمان على المسرح كنا نجتهد ونعلى أصواتنا كى تصل للجمهور، لأن وقتها لم تكن هناك ميكروفونات حتى ظهرت ثورة الميكروفونات.. والتكنولوجيا الجديدة.
• هل ترى أن التكنولوجيا جعلت الفن أسهل؟
- بالعكس عمر ما كان الفن سهل إلا اليومين دول!!.. فعلى أيامى عندما كنا نأتى برواية مترجمة لنقوم بتمثيلها.. كنا نقرأ النص المصرى، ونأتى أيضا بالنص الفرنسى لنقرأه ثم النص الإنجليزى.. ونظل نقرأها 30 ليلة بروفات لنرى ما هو المشترك فى النصوص الثلاثة.. هذا بالإضافة إلى البروفات النهائية بالملابس والماكياج.. وهذا أيضا ما فعلناه فى فيلم «القاهرة 30».. فالفن مشقة وليس رفاهية.
• «القاهرة 30»
•  كيف تم اختيارك فى  فيلم «القاهرة 30»؟
- أرسل لى صلاح أبو سيف أنا ومكاوى، فذهبنا إليه، وهناك قابلت أحمد توفيق وأعطانا السيناريو، وقال لنا اقرأوه جيدا وتعالوا.. وعندما سألته عن دورى قال لى «ملكش دعوة».. أخذنا السيناريو وقرأناه وقلنا ملحوظاتنا كلها حول الفيلم وهو كتبها وبعدها قال لنا: «روحوا وإحنا هنبعت لكم»، وقتها اعتقد الكثيرون أنه ألغى اتفاقه معنا.. وكان الاسم المبدئى للفيلم «فضيحة فى القاهرة»، ولكنهم رأوا أن اسمه شديد فغيروه باسم «فضيحة فى الزمالك» أهل الزمالك اعترضوا وزعلوا فاستبدلوه «بالقاهرة الجديدة».. ولما جئنا سميناه «القاهرة 30».. وأعطانا صلاح سيناريو جديدا بدلا من القديم.. ودخل هو وتوفيق خيرى وعلى سليمان.. ثم أعطونا السيناريو مرة أخرى .. وعدنا بملاحظاتنا فأخذوها وصرفونا ثم كلمونا وجئنا، وقرأنا السيناريو أمام الكاميرا.. صلاح أبوسيف يمتاز بالموضوعية والتصاقه بالمجتمع، لكن يوسف شاهين يختلف، فهو يعتنى بالصورة أكثر، وبالتالى لم يفهمه الكثير من الناس رغم أنه كان يقوم بعمل سينما متقدمة فى وقت السينما المتأخرة.
• الأرض
• ما أكثر المواقف التى لم تنسها مع يوسف شاهين؟
- مشهد الجرية فى فيلم «الأرض» من أكثر المشاهد التى لا أنساها معه، رغم صعوبته لأننى قمت بتصويره فى غيط القطن والجرى داخل غيط القطن خطر لأن به شوكا.. فكنت أقفز وأنا أجرى وأرفع رجلى جدا حتى أتفادى الإصابات.
•أنت ممثل مسرح متمكن.. ما رأيك فى المسرح الآن وأين أنت منه ؟
- المسرح كانت أغلى تذكرة بـ25 قرشا.. وكنا وقتها نعمل مع لطفى الخولى ومحمود دياب وغيرهما.. وهنا كان الإتقان هو الأساس..  لا ترفع ستائر الرواية المسرحية إلا لما نكون كلنا حافظين الأدوار .. بمعنى أدق نجعلها «تستوى قبل ما نطلع بها» على المسرح.. لكن الآن المسرحية تعرض دون أن تستوى جيدا.. لذا لا أستطيع المشاركة فى هذا.
• من الستينيات إلى 2015.. مثلت فى كل العصور، فما إحساسك مع تغير الوقت والسنين ما الفرق فى رأيك؟
- نحن نقع فى مشكلة ألا وهى أن الفن يتطور بتطور المجتمع وبحاجة المجتمع.. وكذلك المسرح.. دائما يقولون المسرح الموجة.. المسرح طول عمره موجة!!.. وإلا كيف يقوم  المسرح بتثقيف الناس؟!!.. فالمسرح دائما يأتى بالواقع ويجمله.. وأيضا الفن يأخذ من الواقع كى يقبل عليه الناس وترى نفسها فيه، ولكن بصورة جميلة، فالفن يتغير بتغير المجتمع وحاجاته.. وما يحدث الآن فى الفن يعتبر تهريجا وعبثا.. ولا يعبر عن واقعنا.. ففى هذه الأيام الفن أصبح يسىء لمصر وللمصريين.. 99% من الشعب المصرى من الطبقة المتوسطة.. واقعنا هو الغلبان الذى لا يحمل سلاحا إطلاقا.. والشعب المصرى لا يحب العنف.. فقد أتينا بالعنف من السينما الأمريكية، وهى سينما رخيصة وتصدر لنا الأفكار السيئة العنيفة والمظاهر الخداعة.. وما الرسالة التى تريد أن تعلمها للناس، ثقافة اللبس الضيق  والبناطيل الساقطة المقطعة!!.. زمان الفنان كان بيظهر بشكل أنيق قميص وبنطلون وكرافت وبدلة حتى لو كان فقيرا لا يجد قوت يومه، تجميل الواقع واجب.
• بعد 25 يناير ظهر بالفعل ما تقول عليه غير واقعى من بلطجية تحرش وغيره؟
- صدمت كثيرا فى المظاهرات، لأن عمرنا ما نعرف البلطجة بالمرة.. لأن الشعب المصرى شعب طيب وغلبان  يمتاز بالرجولة والنخوة.. والتدمير والبلطجة والتخريب ليس من شيمه.
• ثورة شعب
• إذن ما تحليلك فيما حدث بين 25 يناير و30 يوليو؟
- الناس حتى الآن لم تعرف من القاتل ومن الذى استخدم العنف!.. لكن بالتحليل السياسى من الممكن أن نعرف ذلك بسهولة.. ولو رجعنا بالتاريخ لسنة 28 يوم ما طلع الإخوان وقتلوا أحمد بدر والنقراشى باشا وقتها عرفت من الذى فعل ذلك.
• انغماسك فى السياسة ودخول مجلس الشعب عطلك عن الفن؟
- لا، الحزب الوطنى هو من عطلنى عن الفن.. لأنه كان يملك المؤسسات والمسارح وكل شيء.. ولأننى كنت صريحًا كنت دائما أواجه مشاكل معهم.
• صرخة نملة
• هل أنت مع مصادرة الأعمال الفنية؟
- أنا فاهم قصدك.. لأنى وافقت من قبل على مصادرة عمل يقال عليه فنى.. دلوقتى أنا بخرب فى مصر وعايز أوقعها.. مصر قدوة، وهو عايز يوقع هذه القدوة.. فأول شيء فعلوه هو أنهم أنتجوا 150 فيلما سموها أفلام المقاولات، وهذه كانت فى الثمانينيات.. وهذه الأفلام خربت الصناعة فى مصر.. أصبح الجمهور لما يدخل السينما لا يشاهد فيلما، بل يشاهد ناس نائمة على السرير ويسمع ألفاظا سيئة.. وأصبحوا يروجون أن الشرف ليس له معنى، بل الفلوس هى التى لها معنى.. وبالتالى هذا رفع اقتصاديات السوق، بمعنى الشخص الذى يأخذ 10 جنيهات أصبح يأخذ 50 وأيضا الممثل الذى يأخذ 100 جنيه أصبح يأخذ 1000.. وإذا أتينا بمنتج مصرى أو عربى لن يقدر على هذه الميزانية وبالتالى تخرب السينما.. لذلك أتحدى وبشدة إذا كانت رءوس هذه الأموال مصرية!!.. فما يحدث الآن هو صورة مكبرة من الذى حدث فى أفلام المقاولات.
• من أكثر ممثل تحب أن تمثل أمامه؟
- ليس لديّ هذه العقلية، بل أحب أن أمثل مع كل الفنانين.. مثلت مع الكبير والصغير فى المسرح والسينما وفى التليفزيون.
• تعجبت عندما رأيتك تمثل فى فيلم «صرخة نملة» رغم أنك غير موافق على فن هذه الأيام وتسميه تهريجا؟
- اخترت هذا الدور نظرا لتجربتى التى خضتها فى تاريخى البرلمانى والحزبى.. فدورى كان مقتصرا على عضو مرتشٍ لا يسير إلا بالرشوة، وبالتالى كان من الصعب أن يقوم أى شخص آخر بهذا الدور، لذا قمت به.
• من من الفنانين الصغار الذى تراه خامة جيدة وتستمتع بمشاهدته؟
- لا أحد، هؤلاء الشباب لا مروا على معهد ولاحتى تدريب.. زمان كان الفنان بيأخذ سنة يتدرب على التمثيل.. لكن دلوقتى معظم مخارج ألفاظ الشباب خاطئة.. كل ما يفعلونه هو أنه يكون شابا أنيقا أو بلطجيا.. ولو سألناهم عن آخر كتاب قرأوه، سنجده من  أيام طفولتهم.. لكن إحنا فلوسنا كنا نصرفها على الكتب.
• ما آخر فيلم رأيته فى السينما؟
- منذ زمان لم أذهب إلى السينما لأننى لم أر أى شيء جديدا ولا مبدعا فيها.
• عاشق المسرح.. هل حضرت مسرحا قريبا؟
- هو فى مسرح أصلا؟! أكيد لو فيه  كنت سأحضره.. فما يحدث فى الفن يعتبر فقرا فنيا!!.•