الثلاثاء 17 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحكومة تحل أزمة مياه الشرب.. بجريمة!

الحكومة تحل أزمة مياه الشرب.. بجريمة!
الحكومة تحل أزمة مياه الشرب.. بجريمة!


لم يكن أحد من سكان الهرم وفيصل و6 أكتوبر يتوقع أن تقوم الحكومة ممثلة فى وزارة الإسكان والجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى بحل أزمة مياه الشرب المزمنة فى مناطقهم بكارثة أو قل جريمة.
فمحطة تنقية المياه الجديدة التى تقام فى مدينة 6 أكتوبر والتى بشر وزير الإسكان مصطفى مدبولى ملايين السكان المقيمين فى مناطق هضبة الهرم وفيصل والهرم وعدد من أحياء أكتوبر بقرب توفير مياه الشرب لهم بصفة مستمرة مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى للمحطة بطاقة 400 ألف متر مكعب من المياه فى اليوم، يقع المأخذ الرئيسى للمياه لهذه المحطة على النيل فى منطقة عزبة الحلوانى بقرية التابوت التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة وهى منطقة ملوثة بمياه الصرف الصحى بنسبة كبيرة جدا، حيث تقوم جميع منازل القرية والقرى المجاورة بالصرف المباشر فى مياه النيل فى تلك المنطقة التى تقوم محطة تنقية المياه الجديدة بـ6 أكتوبر بأخذ المياه منها بواسطة مواسير السحب التى تم مدها بالفعل بل تم الانتهاء من 70% من أعمال الإنشاءات لمحطة رفع المياه فى تلك المنطقة الملوثة بالصرف الصحى.
الجريمة الأكبر
وإذا كان عدم اكتراث محافظة الجيزة ووزارة الإسكان والجهاز التنفيذى لمياه الشرب لقيام الأهالى فى تلك المنطقة بالصرف الصحى المباشر فى النيل يعتبر جريمة كبيرة، فإن الجريمة الأكبر هى أن يكون مأخذ المياه للمحطة الجديدة لتنقية المياه بـ6 أكتوبر من هذه المنطقة الملوثة بالمخلفات الصلبة غير المعالجة التى تحتوى على جميع الديدان الشريطية والميكروبات والجراثيم والطفيليات والعناصر السامة منذ سنوات طويلة, وذلك رغم اعتراض كثير من الوزارات والجهات الحكومية المعنية على أن يكون مأخذ مياه المحطة فى تلك المنطقة.
والمتابع لبداية إنشاء محطة تنقية المياه الجديدة فى 6 أكتوبر يجد أن هناك إصرارا غير مبرر أو مفهوم من جانب الجهة المالكة لمحطة تنقية مياه أكتوبر على أن يكون مأخذ المياه من أكثر المناطق تلوثا فى النيل، ولا ندرى لماذا هذا الإصرار رغم رفض أكثر من جهة حكومية أخرى مختصة لأخذ المياه للمحطة من هذه المنطقة مثل وزارة الصحة واللجنة العليا للمياه، ومع أن مجرى النيل يمتد لمئات الكيلو مترات من الجيزة حتى بنى سويف والتى بها العديد من المناطق المناسبة والنظيفة التى يمكن أن تأخذ منها محطة مياه أكتوبر الجديدة المياه للمحتاجين إليها فى حدائق الأهرام وفيصل والهرم و6 أكتوبر، فالملايين من سكان هذه المناطق صبروا كثيرا على أزمة مياه الشرب على أمل أن يجدوا فى النهاية مياها صالحة للاستهلاك الآدمى ولم يتنظروا كل هذه السنوات لكى تهدى لهم وزارة الإسكان والجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى التابع لها «مياه مجارى» مكررة ليشربوها بالسم الهارى.
بداية الكارثة
وبدأت قصة محطة المياه الجديدة فى 6 أكتوبر فى 12 يوليو 2009 عندما أصدر د.أحمد نظيف رئيس الوزراء وقتها قرارا بإنشاء المحطة لمواجهة احتياجات الزيادة المتلاحقة للسكان فى مدينة 6 أكتوبر خاصة التوسعات الشمالية، بالإضافة إلى منطقة إسكان الشباب فى منطقة حدائق أكتوبر والمناطق السكنية الجديدة الخاصة بمشروع ابنى بيتك، وكذلك كان من الأهداف الرئيسية للمحطة إنهاء أو حل أزمة المياه بصورة نهائية فى مناطق فيصل والهرم وحدائق الأهرام التى يشتكى سكانها منذ فترة طويلة من الانقطاعات شبه المستمرة لمياه الشرب.
وبالفعل أصدر رئيس الوزراء القرار ونشر فى الجريدة الرسمية وقد تضمن نزع ملكية عدد من الأراضى والعقارات التى تتطلبها عملية إنشاء المحطة خاصة التى تقع فى مسارات أعمال المأخذ والروافع والخطوط الناقلة للمياه، حيث اعتبرت محطة المياه الجديدة من أعمال المنفعة العامة، وفى 30 ديسمبر أسندت وزارة الإسكان ممثلة فى الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى أعمال تنفيذ مشروع ومأخذ خطوط وروافع محطة المياه الجديدة لاتحاد شركتى أوراسكوم للإنشاء والصناعة وأبناء حسن علام وقدرت قيمة أعمال الإنشاءات وقتها بـ2 مليار و153 مليون جنيه بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.7 مليون متر مكعب فى اليوم لنحو 7 ملايين نسمة.
وفى كل بلاد الدنيا هناك سياسة مسلم بها أو أمور بديهية فى إنشاء محطات المياه وهى أن أول شيء يتم اختياره عند البدء فى أى محطة مياه جديدة هو تحديد أفضل مكان على النيل ليكون «مأخذ المياه»، وأهم شرط لهذا المأخذ أن يكون بعيدا عن أى مصدر للتلوث، وبعد اختيار المكان الأفضل لأخذ المياه للمحطة تبدأ عملية أعمال الرفع وتحديد مسارات الخطوط الناقلة للمياه، وهو ما ينص عليه أيضا الكود المصرى لإنشاء محطات تنقية مياه الشرب والذى وضعه بالمناسبة هو جهاز بحوث البناء والإسكان التابع لوزارة الإسكان المالكة للمحطة والذى يلزم أن يكون مأخذ محطة مياه الشرب بعيدا تماما عن أى مصادر للتلوث وبالأخص عن مصبات الصرف الصحى حتى لو كانت هذه المياه معالجة، فما بالنا بمياه الصرف الصحى غير المعالج، ولكن ما حدث عندنا أنه تم البدء أولا فى إنشاء المبنى الرئيسى لمحطة المياه والخطوط الناقلة للمياه، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى المأخذ والذى تم تنفيذ حوالى 70% من الأعمال الإنشائية له فى قرية التابوت بالعياط رغم التلوث الشديد بالمنطقة، بدعوى أن هذا المكان فى قرية التابوت هو الأقرب لمسارات خطوط نقل المياه للمحطة الرئيسية، وأن نقل مأخذ المياه لمكان آخر بعيدا عن قرية التابوت الملوثة يتطلب مزيدا من الوقت والتكلفة.. فى الوقت الذى شارفت فيه أعمال المرحلة الأولى من محطة المياه على الانتهاء.
إصرار غريب على الخطأ
ورغم أن الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف تلقى قبل مدة طويلة وبالتحديد فى 12 يونيو 2011 خطابا من الدكتور محمد سعيد أحمد عبدالعزيز رئيس الإدارة المركزية لشئون البيئة ورئيس اللجنة العليا للمياه المعتمدة من وزير الصحة، يفيد بعدم الموافقة على الموقع المزمع لمأخذ محطة المياه الخاص بقرية التابوت بمحافظة 6 أكتوبر «المحافظة ألغيت فيما بعد» لعدم مطابقته للاشتراطات الواردة بقرار وزير الصحة رقم 301 لسنة 1995 إلا أن أعمال إقامة المأخذ استمرت فى قرية التابوت وكأن شيئا لم يكن، مع أنه لو تم الأخذ بهذا الاعتراض قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة وبحث الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى والشركتان المنفذتان لأعمال المحطة عن مكان آخر غير ملوث على النيل لإنشاء مأخذ المياه لتم توفير الوقت والتكلفة التى يتحدثون عنها الآن، وقبل ذلك إنقاذ صحة حوالى 7 ملايين نسمة من شرب مياه ملوثة بمخلفات الصرف الصحى القاتلة!
ورغم هذا الرفض الصريح قبل ثلاث سنوات إلا أن وزير الإسكان المهندس مصطفى مدبولى أرسل إلى وزير الصحة الدكتور عادل عدوى خطابا فى أول يونيو 2014 يطلب فيه الموافقة على إنشاء مأخذ المياه فى قرية التابوت، فما كان من وزير الصحة بعد التحيات والسلامات إلا أن ذكر وزير الإسكان أن ما يطلبه سبق أن تم عرضه على اللجنة العليا للمياه بجلستها بتاريخ 31 مايو 2011 وانتهى رأى اللجنة إلى عدم الموافقة على الموقع المقترح لإقامة محطة للمياه بقرية التابوت لعدم مطابقته للاشتراطات الواردة بالقرار الوزارى رقم 301 لسنة 1995 وذلك لوجود منازل فى حرم المأخذ مقامة على طرح النيل وتصرف على خزانات صرف وعدم وجود شبكة صرف صحى لهذه المنازل، وبإعادة معاينة «المأخذ» من قبل لجنة من الإدارة العامة لصحة البيئة ومديرية الشئون الصحية بالجيزة يوم الثلاثاء 10 يونيو 2014 حيث تبين أن الموقع غير مطابق للاشتراطات الصحية الواردة بالقرار المشار إليه وسيتم العرض على اللجنة العليا للمياه لاتخاذ القرار، وذلك حفاظا على صحة المواطنين.
انتهى رد وزير الصحة الذى أرسله لوزير الإسكان فى 12 يونيو 2014 والذى يعيد طرح السؤال لماذا تصر وزارة الإسكان وجهازها التنفيذى لمياه الشرب وشركتا أوراسكوم وأبناء حسن علام على أن يكون مأخذ محطة المياه بأكتوبر من هذه المنطقة الملوثة بقرية التابوت، فهل كنز قارون الشهير مدفون فى المياه هناك وإحنا مش عارفين وهتطلع مع المياه الملوث أحجار الياقوت والزمرد والألماس بدلا من الديدان الشريطية والبكتريا المسببة للتيفود وغيرها من الأمراض القاتلة!
فمنذ الموافقة على إنشاء محطة المياه فى 2009 وحتى الآن أى ما يزيد على 5 سنوات وجميع الجهات المشرفة على إنشاء المحطة ترفض البحث عن موقع آخر لأخذ المياه بعيدا عن الموقع الحالى الذى رفضته وزارة الصحة واللجنة العليا للمياه، بل يضيع جهاز مدينة أكتوبر والجهاز التنفيذى لمياه الشرب الوقت فى مخاطبات عديدة للجهات الحكومية للموافقة على إنشاء مأخذ المياه فى هذا المكان المثير للجدل، فهذا خطاب لإدارة الحماية المدنية بمديرية أمن 6 أكتوبر لأخذ الرأى فى ملائمة إنشاء مأخذ المياه فى هذا المكان من وجهة نظر أمن الحريق وخطاب آخر للإدارة العامة لحماية وتطوير نهر النيل بمحافظة بنى سويف فى 16 مايو2011 وثالث لقطاع تطوير وحماية نهر النيل وفرعيه بوزارة الرى والموارد المائية لأخذ الترخيص «لمأخذ المياه» فى 20 نوفمبر2011 ورغم أن الأخير رد على جهاز مدينة أكتوبر والجهاز التنفيذى لمياه الشرب صراحة بضرورة موافقة وزارة الصحة على عمل المأخذ على أن تكون موافقة صريحة وليست خطابا يفيد بالاشتراطات المطلوبة، ومع أن وزارة الصحة ترفض إعطاء تلك الموافقة منذ ذلك التاريخ إلا أن الجهات المشرفة أو المالكة لمحطة مياه أكتوبر الجديدة استمرت فى عملية إنشاء مأخذ المياه وأعمال رفع المياه حتى أنها أنفقت على تلك الأعمال ما يزيد على 2 مليون جنيه.
هل يرد وزير الإسكان؟!
والسؤال هل صدق وزير الإسكان ما يقوله مرؤسوه فى الجهاز التنفيذى لمياه الشرب من أن إقامة شبكة صرف صحى للمنازل فى عزبة الحلوانى بقرية التابوت يحل مشكلة مأخذ المياه، وهل يعلم الوزير أن إقامة شبكة الصرف للقرية لا يعنى أن التلوث قد انتهى تماما فمازالت المنطقة المقام عليها مأخذ المياه مشبعة بجميع أنواع الملوثات لاستقبالها مياه صرف صحى غير معالجة لسنوات طويلة، وهل فعلا الوزارة وجهازها التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى يرفضون إقامة مأخذ المياه فى منطقة أخرى غير ملوثة على النيل توفيرا للنفقات وحتى لا يضيع مبلغ الـ 2 مليون جنيه الذى تم إنفاقه على أعمال المأخذ الحالى فى قرية التابوت، وهل يساوى ذلك المبلغ مأساة أو قل كارثة أن يشرب 7 ملايين نسمة مياه شرب ملوثة بالصرف الصحى، وهل المواطنون فى فيصل والهرم وحدائق الأهرام و6 أكتوبر سيتحملون خطأ إصرار أجهزة وزارة الإسكان على إقامة مأخذ المياه فى هذا المكان الملوث بمياه الصرف الصحى ورفض البحث عن مكان آخر غير ملوث لإقامته تنفيذا لتوصيات الجهات المختصة؟!
هل يرد الوزير أو أى من مسئولى الأجهزة التابعة له، أم أن الأهم هو سرعة الإعلان عن تشغيل محطة المياه الجديدة فى 6 أكتوبر بدلا من الحفاظ على صحة ملايين المواطنين. •