الأحد 7 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فاتن حمامة والباب المفتوح

فاتن حمامة والباب المفتوح
فاتن حمامة والباب المفتوح


«انطلقى ياحبيبتى، صِلى كيانك بالآخرين.. بالملايين من الآخرين.. بالأرض الطيبة أرضنا، بالشعب الطيب شعبنا وستجدين حبا أكبر منى ومنك، حبا كبيرا، حبا جميلا.. حبا لايستطيع أحد أن يسلبك إياه.. حبا تجدين دائما صداه يتردد فى الأذن وينعكس فى القلب ويكبر به الإنسان حب الوطن وحب الشعب».

بهذه الكلمات  ناجت فاتن حمامة جمهورها وهى تلعب دور ليلى وهى تقرأ  رسالة حبيبها فى فيلم «الباب المفتوح» الذى تم عرضه عام 1963 عن رواية لطيفة الزيات لتفتح فاتن حمامة الباب واسعا لمشاركة المرأة فى الحياة العامة من خلال أفلامها، وتكون قد فتحت لى بابا لأرى فيلما سينمائيا فى دار عرض سينمائية لأول مرة  فلم يكن أبى ليسمح لى فى صباى فى سبعينيات القرن الماضى أن نذهب إلى السينما،  ولأن فاتن حمامة كانت بطلة الأفلام الجادة والهادفة وافق أبى على أن يصطحبنا  لرؤية فيلم «إمبراطورية ميم» فى أول عرض فى سينما «اللبّان» فى دمياط لأجلس مبهورة بسيدة الشاشة التى أقنعت أبى دون مناقشة بأن أرى دار السينما لأول مرة!
والآن فى هذه الليلة التى رحلت فيها فاتن حمامة والتى أتلقى فيها العزاء لوفاة أبى أجدنى مدينة لفاتن حمامة وللطيفة الزيات ولأبى بهذا الباب المفتوح الذى بدا واسعا بعد ذلك أمام أجيال من الفتيات والنساء ليشاركن فى الحياة العامة وفى مسيرة الوطن  وصوت فاتن حمامة يترقرق من خلال الباب المفتوح ليهمس ممسكا بأوراق خطاب مختلف سرى من جيل إلى جيل فى أعصاب ونسغ قلوب الفتيات والنساء ليصبحن مسئولات من الظفر حتى الروح فى مسيرة الوطن «انطلقى يا حبيبتى.. افتحى الباب عريضا على مصراعيه أو اتركيه مفتوحا، وفى الطريق المفتوح ستجديننى أنتظرك لأنى أثق بك وأثق فى قدرتك على الانطلاق، ولأنى لا أملك سوى الانتظار.. انتظارك».
بصوتها الحالم كانت فاتن حمامة تهمس فيقول زكى طليمات عنها فى مذكراته «إنها تحس ماتقوله إحساسا عميقا يرتسم على كل أعضاء جسمها مثل صندوق آلة الكمان أو العود الذى يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف».
ويقول لها عميد الأدب العربى طه حسين بعد عرض فيلم «دعاء الكروان» عن روايته: «إن خيالى وأنا أكتب صورة «آمنة» فى القصة هو بالضبط مافعلته أنت فتقول فاتن حمامة «وعندما سمعت ذلك شعرت بأننى أسعد امرأة فى العالم».
فاتن حمامة لم تكن فقط رمزا من رموز السينما المصرية ولكنها كانت بما لعبته من أدوار فى أفلام عن روايات مثلت انتفاض الأدب والأدباء ضد صور الظلم الاجتماعى المختلفة, فهى فى فيلم «الحرام» عن رواية يوسف إدريس تجسد صورة الفلاحة التى تترك أسرتها وترتحل مع أنفار الترحيلة الذين يعملون فى أراضى أحد الإقطاعيين، وتتعرض للقهر والظلم، وكانت فاتن حمامة قد تحدثت عن الفيلم للثائر تشى جيفارا عندما دعاها لحفل رسمى عندما جاء إلى القاهرة فقال لها جيفارا «إن السينما لابد أن تتبنى موقفا واضحا ضد الفقر والقهر وتحرض على الثورة» فلم يكن يؤمن بأن مجرد تصوير معاناة الفقراء فى السينما يمكن أن يضيف شيئا، وكان أحمد بهاء الدين قد أفرد لهذا النقاش بين تشى جيفارا وفاتن حمامة مقالا شاملا كما يقول عبدالنور خليل فى كتابه «فاتن حمامة والعصر الذهبى للسينما».. وكانت فاتن حمامة قد تخلت عن لعب الدور التقليدى للفتاة مكسورة الجناح مع بداية الخمسينيات والتوجه العام للسينما المصرية نحو الواقعية بفيلم «صراع فى الوادى» عام  1954 والذى جسدت فيه شخصية مختلفة لبنت الباشا فهى تؤازر الفقراء وتساندهم، وفى فيلم «الأستاذة فاطمة» مثلت دور طالبة الحقوق التى تؤمن أن للنساء دورا يوازى دور الرجال فى المجتمع، وفى فيلم «أريد حلا» عن قصة حسن شاه أطلقت فاتن حمامة صوتها مطالبا بمناقشة أوضاع المرأة فى  قوانين الأحوال الشخصية وإزالة كل ظلم يقع عليها.
وفى فيلم «يوم حلو.. يوم مر» صورت معاناة أرملة فى عصر الانفتاح تحملت الأعباء وكلها أمل أن ترى ذات يوم يوما حلوا!
لقد صورت فاتن حمامة من خلال ارتباط أفلامها بالروايات الأدبية دور السينما والأدب فى معالجة قضايا المرأة والنهوض بأحوالها من خلال كتابات مشاهير عصرها، فلعبت دور البطولة فى فيلم «حكاية وراء كل باب» والذى ضم مجموعة من كتابات توفيق الحكيم «أريد هذا الرجل»، و«الساحرة»، و«أغنية للموت»، ولعبت دور البطولة فى أفلام عن روايات إحسان عبدالقدوس ومنها أول فيلم سياسى بعد ثورة 1952 وهو فيلم  «الله معنا» عن قصة لإحسان عبدالقدوس وكذلك لعبت دور نادية فى روايته «لا أنام»،  وفاطمة فى فيلم «ليلة القبض على فاطمة»  عن رواية سكينة فؤاد، وكانت من أمنيات فاتن حمامة أن تلعب أدوارا تصور حياة صفية زغلول وهدى شعراوى.
فاتن حمامة التى بدأت رحلتها السينمائية طفلة وبطلة أمام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فى فيلم «يوم سعيد» 1940 وقدمت أفلاما ثرية كانت ولاتزال علامة بارزة فى تاريخ السينما المصرية  فاستحقت عن جدارة لقب «سيدة الشاشة» و«نجمة القرن»، و«وجه القمر». •