الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

علاء الديب وعصير الكتب

علاء الديب وعصير الكتب
علاء الديب وعصير الكتب


علاء الديب.. واحد من أشهر أدباء وكتاب «صباح الخير» الذين أثروا الحياة الثقافية والأدبية فى مصر وهو صاحب الباب الأشهر «عصير الكتب».
ولد عام 1939 فى مصر القديمة، وحصل على ليسانس حقوق عام 1960 من جامعة القاهرة، نشر مجموعته القصصية الأولى عام 1964 بعنوان: «القاهرة»، بعد ذلك توالت مجموعاته القصصية «صباح الجمعة» عام 1970، والمسافر الأبدى عام 1999.
كتب عددا من الروايات القيمة مثل: «زهر الليمون» 1978، و«أطفال بلا دموع» عام 1989، «قمر على المستنقع» 1993، «عيون البنفسج» 1999.
قام أيضاً بترجمة عدد من الأعمال الأدبية مثل: «لعبة النهاية» لصموئيل بيكيت، «امرأة فى الثلاثين».. لهنرى ميلر، فيلم المومياء، كتابات عن شخصية السياسى «هنرى كسينجر»، وحصل على جائزة الدولة فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2001.
كما صدر له «عصير الكتب» كان باباً شهيراً فى «صباح الخير» ظل لسنوات عديدة، حتى جمعه فى كتاب اسماه بنفس الاسم.
والحقيقة أن مقالات «عصير الكتب».. شاهد على حقبة كبيرة من تاريخ الوطن وكتابه وإبداعاتهم، وقد تناول على مستوى نشره مائة وأحد عشر عملا فى القصة والرواية، والشعر والسياسة، والموسيقي، والتاريخ بتحليل شيق، وعرض ممتع.
عندما نتصفح مقالات «عصير الكتب التى بدأ فى كتابتها منذ أربعين عاما، نجده قد قدم عظماء الأدب العربى فمن ينسى تقديمه أول عرض لكتاب فى مقال مهم عام 1986 عندما قال: « صدر للكاتب الشاب سمير غريب كتاب مهم بعنوان «السريالية فى مصر»، والكتاب يعد فترة موثقة من أهم فترات الفكر والفن فى مصر، ويكشف سمير غريب فى كتابه الممتع عن أعماق تلك الحركة التى لم تكن تتمثل فى نشاط الفنانين التشكيليين، بل كانت فى حقيقتها حركة تمرد اجتماعي، وفكرى للمثقفين المصريين»، كما كتب عن رواية «ذات».. لصنع الله إبراهيم، ورباعية خيرى شلبى «الوتد»، ورواية «السيد من حقل السبانخ» لـ «صبرى موسي»، و«رأيت النخيل» لـ «رضوى عاشور».
وكان أول من تحدث عن طبيب شاب هو علاء الأسوانى  الذى ألف كتابا اسمه «الذى اقترب ورأي»، فقال عنه: علاء الأسوانى طبيب جديد اقتحم عالم الكتابة بجرأة، يدفعه غضب جامح، وتراث البلاغة والفن».
علاء الديب كاتب مهم كمبدع وقد شكل وعى القارئ بما قدمه من رؤى فكرية وثقافية مهمة فى كل نواحى الفن والأدب.
فلم يترك مجالا إلا وطرقه، حتى الموسيقى تحدث عنها، فعندما قرأ لإبراهيم أصلان «بحيرة السماء» تحدث عن الموسيقار «يوهان باخ» قائلاً: «تعلمت من الموسيقى الكلاسيك، وخاصة من باخ: إن أروع ما فى العمل الموسيقى هى الثوانى التى تنتهى فيها الجمل الموسيقية، أو اللحن»، لم يكتب علاء الديب عن الكتب العربية فقط، بل كتب أيضاً عن أعمال عالمية مثل: «مديح الظل» لليابانى «جونيو تيشرو».
وعندما جمع مقالاته فى كتاب «عصير الكتب» أصبح من أهم الكتب فى الأدب والفكر، فبمجرد أن تتصفحه ترى تقديمه بقلم صديقه المقرب: «إبراهيم أصلان»،  وكان تقديماً رائعاً، حيث قال أصلان: هذه كلمات لا تنفع إلا أن تكون فى محبة علاء الديب، الصديق والأستاذ، وأحد الأخيار القدامى فى هذا الواقع الثقافى الذى صار مسخرة، ومفخرة، وأى شيء من ذلك القبيل.
كتب علاء الديب العديد من الروايات، وقد نشرت فى مجلة «صباح الخير»، منها: زهر الليمون التى تم نشرها 1978، ونجحت نجاحا باهرا، فقال عنها الناقد الكبير محمود أمين العالم: إن «زهر الليمون» تعد إضافة حقيقية للرواية العربية عامة، سواء ببنيتها الفنية، أو بما تعبر عنه تعبيرا عميقا من خبرة إنسانية حية صادقة.
رحلة دائرية تبدأ من حجرة البطل الصغيرة فوق سطح بيت فى السويس، وتنتهى فى القاهرة بين الأسرة وأصدقاء قدامي، فى عطلة نهاية الأسبوع. رحلة تبدو نزولا إلى الماضى والعودة منه، تعود خلالها ملامح هذا الماضى بذكرياته المختلفة، لكن خلفية هذه الرحلة الخاطفة هى عمق ما عاناه هذا الجيل منذ سنوات الخمسينيات والستينيات من محنة واغتراب.
• أطفال بلا دموع
كتبها علاء الديب على صفحات صباح الخير عام 1989، ونشرت على عدة أجزاء.
تدور ثلاثية علاء الديب الرائعة حول غربة أسرة؛ غربة مكانية وغربة نفسية.. رسم شخصية الأب منير فكار، أستاذ الأدب العربي، فى الجزء الأول (رواية أطفال بلا دموع)، ثم الأم، سناء فرج، فى الجزء الثانى (رواية قمر على المستنقع)، وأخيرا حياة الابن تامر فكار الشاعر التسعينى (رواية عيون البنفسج).. وفى الروايات الثلاث يغوص علاء الديب بعيدا فى أعماق الصراع الأسرى والإنساني، وكيف ينظر كل من الأبطال لنفسه.
• وقفة قبل المنحدر
أما مؤلفه «وقفة قبل المنحدر»، فكانت من أوراق مثقف مصري، يقول عنها الأديب علاء الديب فى سيرته الذاتية: هذه الأوراق أراها، محزنة، محيرة، وكئيبة، لكنها صادقة، صدق الدم النازف من جرح جديد.
هى أوراق حقيقية، كان من الضرورى أن تكتب؛ لأنها كانت البديل الوحيد للهروب مع أى شيطان أو للانتحار.
ماذا حدث لنا فى تلك السنوات1952 إلى 1982، ماذا حدث للناس وللبلد؟ من أين لإنسان يشعر ويفكر أن يحتمل فى حياته كل هذه التقلبات والتغيرات؟ أليس من حق الإنسان أن يلتقط أنفاسه، ينعم بحياة مستقرة بعض الشيء، هادئة بعض الشيء، مفهومة بعض الشيء؟! يقول الناس: «كل يوم له شيطان».
وشيطان كل تلك الأيام كان يعمل بجد واجتهاد، لكى لا تكتمل الأعمال ولا تتحقق الأحلام، يعمل لكى يسود صراع دامٍ بين الناس، وأن تصل إلى نهاية يومك، منهكًا مهدودًا، وأنت فى الحقيقة لم تحقق شيئًا. تغيرت معانى الكلمات ووجوه الناس، وخطوط الأفق فى القرى والمدن.
تغير الصوت والصدي، الظاهر والباطن حتى النخاع. والتغير سُنة الكون منذ كان، لكننى أعتقد أن التغير لم يكن يحدث من قبل بهذه القسوة، والسرعة، والفظاعة.
- قال عنه الكاتب علاء الأسواني: إن أهم  ما كتب علاء الديب رواية «زهر الليمون» الشهيرة وروايات «أطفال بلا دموع» و«قمر على المستنقع» و«عيون البنفسج»، وهى ثلاثية مدهشة فذة فى تعبيرها عن غربة الإنسان المصرى فى عصر الانفتاح.. بالإضافة إلى إنتاجه الأدبى الغزير مارس الأستاذ علاء النقد التطبيقى على مدى خمسين عاما فى زاويته الأسبوعية «عصير الكتب». كل أسبوع يقدم قراءة نقدية بسيطة وعميقة لنص أدبي، يتوجه إلى القارئ العام ليثقفه ويشرح له أسرار فن الأدب.
وقال أيضا عنه: دور عظيم آخر اضطلع به علاء الديب هو اكتشاف المواهب الأدبية وتقديمها، ما أن يقرأ الأستاذ علاء نصا لكاتب موهوب حتى يكتب عنه ويبادر بالاتصال به ويدعمه بكل جهده.. معظم الأسماء اللامعة فى عالم الأدب قدمهم علاء الديب لأول مرة وتتلمذوا عليه وهو - شأن الكبار دائما - لا يذكر أبدا فضله على تلاميذه، يأتون إليه كطيور صغيرة فيرعاهم ويعلمهم الطيران، وما أن يحلقوا عاليا حتى يطمئن عليهم ويلتفت إلى غيرهم ممن يحتاجون إلى مساعدته.
إن الأستاذ علاء من القلائل الذين عرفتهم، فلم أجد تناقضا بين ما يقولون وما يفعلون. إنه يعيش تماما مثلما يكتب. تعلمت من الأستاذ علاء كيف نفصل الخاص عن العام، رأيت ذلك أكثر من مرة: يكون الأديب صديقا للأستاذ علاء، ثم يصدر كتابا لا يعجب الأستاذ علاء فلا يكتب عنه والعكس صحيح يكون الكاتب على خلاف شخصى مع الأستاذ علاء ثم يصدر كتابا يعجب به فيكتب مشيدا به.. رأيت كيف يتعفف الأستاذ علاء وينأى بنفسه عن كل صراعات المثقفين وتقاتلهم على المصالح الضيقة؟
رأيت فى الأستاذ علاء نموذجا للكاتب الحقيقى الذى لا يسعى إطلاقا إلى الشهرة أو الثروة. لا يحب الأستاذ علاء الأضواء والكاميرات ويضيق بكل ما هو مصطنع متكلف. •