نهاد جاد.. رئيسة عصابة الخير

زينب صادق
هى الكاتبة الراحلة (نهاد جاد) هذه الصفة أطلقها عليها زميل عمرنا الكاتب المتميز (صبرى موسي) كانت حقيقة تحب الخير للناس وأيضا تفعله طوال سنين حياتها. كانت فى داخلها طفولة لألعاب ومغامرات (أحمد بهاء الدين) أن تقدم (بابا) للأطفال وقدمت له نماذج لصفحة حكايات لهم، أعجب بأسلوبها الأدبى وسألها لماذا لا تكتب قصصا للكبار؟!..
برقت عيناها الجميلتان وقالت (أحب الكتابة للأطفال).. كان ذلك فى نهايات الخمسينيات من القرن الماضى وكان زميلنا الرسام (دياب) حديث الالتحاق بالمجلة وطلب منه أن يرسم ما تكتبه نهاد.. وقد كان..
كتبت نهاد جاد للأطفال حكايات تعليمية وثقافية بأسلوب أدبى يفهمه الطفل، نشرت فى مجلة صباح الخير.. وفيما بعد كتبت فى عدة مجلات متخصصة للطفل ورافقها فى رسم القصص الفنان الرسام (إيهاب شاكر).
كما بدأت فى كتابة قصص قصيرة للكبار، وفى منتصف الستينيات سافرت لأمريكا فى منحة دراسية من جامعة (إنديانا) وهناك كانت قصة حب وزواج مع الكاتب المسرحى والأستاذ الجامعى الراحل سمير سرحان حيث كان يحضر للدكتوراه.
• نهاد يطاردها البوليس !
بسبب حبها للأطفال تعرضت للقبض عليها مع الرسام الفنان إيهاب فى القاهرة وبسبب حبها للحيوانات تعرضت للقبض عليها مع زوجها فى ولاية (إنديانا).. فى القاهرة كانت تكتب مسلسلا للأطفال بعنوان (عوامة العفاريت) لمجلة أطفال، وكان ضمن أحداث الرواية مكان فى حدائق القناطر الخيرية. فذهبت مع الرسام إيهاب ليعيشا فى المكان على الطبيعة.. وكان ذلك أوائل الستينيات وكان ممنوع التصوير أو الرسم فى الأماكن الحساسة ومنها القناطر، وبينما كان إيهاب يرسم ونهاد تكتب جاء جنديان من البوليس وقبضا عليهما. وبلا اعتراض ذهبا معهما إلى قسم بوليس القناطر وشرحت نهاد للضابط قصتها وقدمت أوراق كتابتها وبطاقة تحقيق شخصيتها، وكذلك فعل الفنان الرسام إيهاب.. وبدأ الضابط بالشك ثم بالضحك عندما فهم الموقف.
وفى ولاية (إنديانا) فى أمريكا وقعت نهاد وزوجها الأستاذ والكاتب سمير سرحان فى قبضة البوليس الأمريكى والمعروف بالشدة عن البوليس المصرى، فقد كان سمير ونهاد وصديق لهما عراقى مستغرقين فى المذاكرة فى شقتهما التى كانت فى الدور الأرضى من البناية عندما سمعوا صوت نقر على زجاج النافذة وصوت قطة.. قامت نهاد مسرعة لتدخل قطتها التى كانت غائبة.. انتفض الصديق الذى كان يخشى القطط ليخرج من الباب الذى فتحته نهاد لتدخل قطتها.. خافت القطة من اندفاع الرجل الغريب وجرت نهاد خلفها تناديها. وعندما وجد سمير أن نهاد تجرى فى الطريق المظلم بملابس البيت جرى وراءها، وجرى الصديق العراقى وراء سمير ليعيده إلى البيت. وأصبح المنظر كما وصفه سمير. قطة تجرى فى الشارع المظلم وزوجتى تجرى وراءها وصديق يجرى ورائى إلى أن وقفت زوجتى تحت شجرة عالية فى الغابة التى تقع على مشارف الجامعة، ونظرت إلى أعلى الشجرة (تبسبس) برجاء للقطة ووجدتنى أساعد زوجتى فأبسبس أيضا، أما صديقنا فوقف جامدا متصورا أننى وزوجتى أصبحنا فى عداد المجانين !
ويكمل سمير حكاية القطة إزاء ذلك المشهد.. وصلت ثلاث سيارات بوليس أحاطت المكان وسلطت علينا كشافات ونزل منها ضباط مسلحون أخذوا ثلاثتنا وأداروا ظهورنا إلى جذع الشجرة وقاموا بتفتيشنا بحثا عن أسلحة! وقد أنقذنا الصديق الذى كان فى سترته بطاقته الدارسية والإقامة وشرح لهم سمير الموقف ليعلموا أنهم يريدون القطة من فوق الشجرة.. وأن زوجته سيدة كاملة ولا يعيبها سوى حبها وجنونها بالحيوانات بكل أنواعها وأنها تكلمهم مثل د. (دوليتل) ولما تحققوا من بطاقة صديقهما وبوجود القطة فوق الشجرة صعد أحدهم برشاقة متمكنة على فروعها وأحضر القطة التى زاد زعيقها ولم تهدأ إلا فى حضن نهاد.
• نهاد والمسرح
كان سمير سرحان مغرما بالمسرح، دارسا، وقارئا، وكاتبا وتأثرت نهاد به وبدأت تفهم.. عندما عادت وزوجها إلى أرض الوطن فى نهاية الستينيات، بدأت نهاد الكتابة للمسرح.. كتبت مسرحيتين الأولى حولتها من قصة قصيرة بعنوان (الرجل الذى لم يُصبح) وظهرت مسرحية باسم (عديلة) وقد عرضت على مسرح الطليعة. المسرحية الثانية كتبتها بعنوان (محطة الأتوبيس) وعرضت أيضا.
المسرحية الأولى على شكل (المونودراما) وكنا نتعجب كيف تكتب نهاد مسرحية من قصة قصيرة لزوجة تندب حظها على زواجها من رجل يعمل فى المحاماة بلا طموح كانت تريده من عمله.. وتندب حظها على ابنتها التى لا تتمتع بالجمال وابنها المتعثر فى دراسته.. وبعد كل ما سردته من إحباط فى حياتها تأتيها مكالمة تليفونية تحمل إليها خبر اختيار زوجها ليكون وزيرا فى الوزارة الجديدة ! ويتبدل نحيبها المحبط على حظها إلى تخيل حياة جديدة جميلة ومريحة وتسرد كل أحلامها ثم تدخل حجرة النوم لتوقظ زوجها فتجده قد فارق الحياة.. وربما من قبل نحيبها.. وفرحها.. وقد استطاعت نهاد أن تحول قصتها القصيرة إلى مسرحية بشطارة ودراسة جيدة للمسرح.. وكانت مسرحيتها الثانية (محطة الأتوبيس) تعتبر مسرحية نقد اجتماعى وسياسى بما حدث فى زمن الانفتاح فى سبعينيات القرن الماضى.. وقد عرضت المسرحية فى نهاية الثمانينيات على مسرح لا أتذكره تماما لكن أتذكر بوضوح يوم الافتتاح ونهاد العزيزة كانت تقاوم المرض اللعين، وتحاملت على نفسها لحضور الافتتاح، وجذبها الممثلون والممثلات إلى خشبة المسرح عند نهاية المسرحية، وكان دوى التصفيق لها بمثابة دواء ساحر ظننا أنه سيشفيها!! حبيبتى رحلت فى نهاية الثمانينيات.. وكانت تحلم أن تكمل كتاباتها المسرحية ورواية طويلة حدثتنى عنها.. •