الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هيباتيا المصرية .. فيلسوفة فى عصر مسيحى

هيباتيا المصرية .. فيلسوفة  فى عصر مسيحى
هيباتيا المصرية .. فيلسوفة فى عصر مسيحى


ألهمت الكثيرين فكانت بطلة لقصائد شعرية وروايات أدبية وأفلام سينمائية ومسرحيات، كما أصبح اسمها عنوانا للعديد من المجلات والجمعيات العلمية وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة.. جمالها الأسطورى وعزوفها عن الزواج ومقتلها الدراماتيكى ، جعل هيباتيا المصرية، ابنة مدينة الإسكندرية موضوعا لكتابات المؤرخين وآراء الكتاب الذين اختلفوا حول حياتها الشخصية والسبب وراء مقتلها ومن الذى قتلها؟! هل قتلها التعصب الديني؟!


فالأستاذة الدكتورة «زبيدة محمد عطا» أستاذة التاريخ البيزنطى بجامعة حلوان والمقرر السابق للجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، كتبت عن سيرتها فى مؤلفين صدرا عن الهيئة العامة للكتاب هما «الدولة البيزنطية» و«قبطى فى عصر مسيحى »، ضمن تناولها للعصر الذى عاشت فيه هيباتيا وقصة حياتها وحقيقة مقتلها.
أن أغلب المؤرخين الذين اهتموا بالكتابة عنها، هم من الغرب، فقد بحثوا وكتبوا عنها أكثر من الشرقيين، ومن هؤلاء الفيلسوف «برتراند راسل» فى كتابه تاريخ الفلسفة الغربية، و«ديورانت» فى كتابه قصة الحضارة، بالإضافة إلى ماجاء عنها فى دائرة المعارف البريطانية وموسوعة «سودا» البيزنطية فى القرن العاشر الميلادى.
تقول د. «زبيدة» عن «هيباتيا» إنها من أهم الشخصيات التاريخية التى تحبها، لما بلغته من شهرة ومكانة علمية، كما ألهم جمالها الأسطورى وعزوفها عن الزواج خيال الكتاب والمؤلفين للكتابة عنها.
 ولدت «هيباتيا» عام 370 ميلادية وتوفيت عام 415، وكانت تدين بالديانة الوثنية فى وقت كانت المسيحية فيه ديانة الدولة البيزنطية، وكانت الإسكندرية ولاية تابعة لها، ويرى المؤرخون أن إسهامات «هيباتيا» كانت بمثابة آخر شمعة أضاءت جامعة الإسكندرية القديمة قبل أن تنهار وتهدم على أيدى المتعصبين للديانة المسيحية فى القرن الخامس الميلادى، الذين أحرقوا من قبل آخر ما تبقى من مكتبة الإسكندرية عام 392 ميلادية، اعتقادا منهم أن الجامعة تدرس علوم الفلسفة التى تحمل فكرا وثنيا، توهموا أنه قد يؤثر على إيمان بعض المسيحيين.
• أستاذة الجامعة
وتوضح د. «زبيدة»: كانت «هيباتيا» أصغر أستاذة فى الجامعة، وعمرها 30 عاما، وتدرجت إلى أن أصبحت رئيسة لقسم الفلسفة، وهى ابنة الفيلسوف وعالم الرياضيات «ثيون» السكندرى الذى نشأ فى مصر وتعلم بها، وكان «يونانى » الأصل.
 وازدادت شهرة «هيباتيا» كعالمة فى الرياضيات والفلك والفلسفة الأفلاطونية والأرسطية، بعد اختراعها لجهاز قياس الوزن النوعى للسوائل والإسطرلاب الفلكى ، وكانت تجمع إلى جانب علمها رصانة وجمالا، كما كانت موضع تقدير من تلاميذها سواء من المسيحيين أو الوثنيين أو الأجانب، وأيضا كبار المفكرين المسيحيين ورجال الدين المعتدلين فى عصرها، حتى إن أحد تلاميذها من مسيحيى الشام كتب فيها قصيدة رثاء بعد مقتلها تقديرا لمكانتها ومكارم أخلاقها كما تؤكد زبيدة عطا.
كانت الإسكندرية قبل وفاة «هيباتيا» تعيش حالة من الصراع بين «الوثنية اليونانية المصرية» و«المسيحية» و«اليهودية»، وقد أخذت الديانة المسيحية تنتشر بين غالبية الشعب منذ بناء أول كنيسة فى العالم فى مدينة الإسكندرية عام 62 ميلادية، فى حين كان ينحصر الفكر اليونانى الوثنى بين الطبقات المثقفة، بينما ظلت اليهودية كشأنها منعزلة فى طبقات خاصة.
• التعصب الدينى
 وبينما اختلفت الآراء حول السبب الحقيقى وراء مقتل الفيلسوفة «هيباتيا»، فإن الدكتورة «زبيدة» تؤكد أن الأسباب الحقيقة تعود أولا للخوف من نفوذها المتنامى عندما التف جمهور المثقفين حولها، مما سبب حرجا بالغا للكنيسة المسيحية وأسقفها البابا «كيرلس»، الذى كان يدرك خطورة «هيباتيا» على جماعة المسيحيين فى المدينة، وتخوف من تأثير الفلسفة والمنطق على عقول أتباعه، على اعتبار أن الفلسفة تحض دائما على التساؤل والشك والنقد، وتجعل الفرد لا يتقبل المعتقدات دون أن يخضعها لمعايير العقل والمنطق، مما يشكل خطورة على العقيدة ورجالها، بالإضافة إلى أن صداقتها لوالى الإسكندرية «أوريستوس» المسيحى الذى كان بينه وبين أسقف الإسكندرية «كيرلس» صراع سياسى فى النفوذ والسيطرة على المدينة، قد يفسر لماذا كان «كيرلس» مستاء مما قد يمثله وجود هيباتيا، واعتقاده أنها تحرض الوالى ضد المسيحيين.
• نهاية مأساوية
 ولهذه الأسباب جاء موت «هيباتيا» مأساويا على يد مجموعة من المسيحيين المتعصبين لديانتهم، تتبعتها الجموع المتعصبة أثناء عودتها لبيتها بعد انتهائها من إحدى ندواتها، حيث قاموا بإنزالها من فوق عربتها التى كانت تجرها الخيول، ثم قاموا بنزع ملابسها وسحلها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها فى شوارع الإسكندرية، حتى تسلخ جلدها، ثم إمعانا فى تعذيبها، قاموا بسلخ الباقى من جلدها بالمحار إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا فيها النيران بعد أن قطعوا جسدها.
وهنا تلفت الدكتورة «زبيدة» الانتباه إلى أن ما حدث لهيباتيا ومقتلها المأساوى على أيدى المتطرفين والمتعصبين الدينيين وبمباركة رجال الدين، إنما يشير إلى خطورة التعصب الدينى أينما وجد فى أى ديانة، وأن التعصب الدينى موجود فى الكثير من الديانات، وأن مواجهته تكون بإعمال العقل ومواجهة الفكر بالفكر. •