الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أحمد فؤاد درويش: أعمل كى لا أواجه مصير شادى وتوفيق صالح

أحمد فؤاد درويش: أعمل كى لا أواجه مصير  شادى وتوفيق صالح
أحمد فؤاد درويش: أعمل كى لا أواجه مصير شادى وتوفيق صالح


حد سمع عن أحمد فؤاد درويش.. ربما تكون الإجابة بالنفى خاصة عند جيل الشباب ربما لأن هذا الرجل 65 عاما - ينجز مشاريعه السينمائية فى صمت منذ تخرجه فى معهد السينما عام 1967 - الأول على دفعته التى ضمت أسماء مثل داود عبدالسيد خيرى بشارة، وربما لاعتقاده - المستمر حتى الآن - بأنه يحارب من كل الأنظمة السياسية نظرا لموهبته الواضحة، وهو مستمر فى مشروعه رغم مئات العراقيل لسبب واضح - لديه - وهو أنه مُصر على استكمال مشروعه الثقافى والسينمائى حتى لا يلقى مصير المخرجين الراحلين العملاقين شادى عبدالسلام، توفيق صالح.
 
لماذا هذه المقدمة.. الإجابة تتلخص فى أن هذا السينمائى القابض على أدواته عرض له أسبوع سينمائى مهم بمركز الجزيرة للفنون بعنوان «أسبوع سينما أحمد فؤاد درويش التشكيلية» ورغم أهمية الحدث وقيمته.. فإنه مر مرور الكرام وهو ما دعانا إلى تسليط الضوء على هذا الرجل الذى نحترم إخلاصه لعمله ومشروعه برغم الصعوبات خاصة عندما نعلم أن كل أفلامه صنعها بنفسه ومن ماله الخاص!
وأحمد فؤاد درويش حتى لا نتعب فى تصنيفه لأننا إزاء مخرج أفلام وثائقية وتسجيلية وكاتب وروائى وسيناريست ومنتج سنركز على تجربته فى السينما الوثائقية وهى التجربة التى قضى فيها أكثر من نصف عمره وكادت حياته تضيع بسببها عندما كان يصور فيلما سينمائيا عن دولة الإمارات وسقط من طائرة هليكوتبر ولكنه نجا لأن فى العمر بقية.

• أسبوع الأفلام الوثائقية

المهم هنا هو أسبوع الأفلام الوثائقية التى قدمها درويش عن رواد ونجوم الفن التشكيلى من وجهة نظره وحشد بها جمعا من المثقفين والنقاد للحديث عنها.. ولنتأمل اختياراته الفنية التى أنتجها كلها من ماله الخاص نجد أننا إزاء ستة أفلام وثائقية عن عالم كل من الفنان الكبير حامد ندا وقدم له فيلم «امرأة وديك وسمكة» وهى الثالوث المقدس فى معظم أعمال ندا.. وفيه قدم عالم الفنان حامد ندا وتجربته التشكيلية المهمة، وهناك فيلم بعنوان أسطورة عبدالهادى عن الفنان الكبير عبدالهادى الجزار وسبب اختياره لهذين الفنانين بالذات كما يقول درويش لنا: لأنهما أهم فنانين نقلا الفن التشكيلى المصرى وعبرا فى أعمالهما من السريالية الشعبية المصرية، فهناك الحارة والشارع والريف والمدينة بطعم مصرى خالص وهناك فيلم «بنات الغورية» عن تجربة الفنان الكبير على دسوقى الذى يراه درويش فنانا يجمع بين الفن التشكيلى والفن القطرى بطريقة محببة لقلوب الكبار والأطفال وهناك فيلم «أوغندا منابع النيل» الذى استعان فيه برسومات وأعمال من أوغندا للفنانة الكبيرة زينب عبدالعزيز، وتوقف د. شاكر عبدالحميد وزير الثقافة المصرى عند أهمية هذا الفيلم ودوره فى توطيد العلاقة مع دول منابع النيل، وأبدى دهشته من عدم اهتمام الدولة بعرض هذا الفيلم فى التليفزيون المصرى!
وهناك فيلم «بلادى» عن رسوم أطفال دول الخليج الذى قدمه درويش أثناء زيارته لدولة الإمارات وصنعه لاقتناعه بالفكرة ولم يتقاض مليما واحدا من الإمارات، أما الفيلم الأخير الذى عرض فكان بعنوان وجوه من القدس وفيه يستعرض تجربة الفنان الفلسطينى مصطفى الحلاج أهم نحات وحفار ورسام أنجبته فلسطين، وآراء درويش من خلاله أنه يؤكد وجود ثقافة مهمة فى فلسطين برغم الاحتلال والصعوبات الحياتية الموجودة هناك، ويقول لنا درويش إن هذا الفيلم حقق صدى طيبا عند عرضه فى الستينيات، وهو الفيلم الوحيد الذى وجد فى مكتبه الرئيس الراحل عبدالناصر.
والملاحظة المهمة هنا أن بعض هذه الأفلام صنعها درويش خلال مسيرته الإخراجية وبعضها أنتج فى الستينيات وأخرى فى السبعينيات والثمانينيات لهذا نجد أن بعضها تعرض لعوامل التعرية ويحتاج إلى ترميم عاجل وقد تبارى النقاد فى مناقشة أفلام درويش وأهميتها فى قدرته على رصد تجارب فنية مهمة لفنانين تشكيليين عظام أثروا الحركة التشكيلية بأعمالهم الخالدة وتأكيد الروح المصرية والعربية فى مواجهة ثقافة التغريب والقضاء على الهوية.
والجميع أبدى دهشته من تجاهل الدولة لهذه الأفلام رغم أهميتها وأبدوا إعجابهم أيضا بإصرار درويش على إنجاز مشروعه السينمائى بجهود فردية مخلصة.

• مشروع ثقافى مصري

درويش من جانبه بدا فخورا فى حديثه معنا بتقديمه لتلك الأفلام وغيرها من الأفلام التى قدمها ووصل عددها إلى 800 فيلم منذ تخرجه حتى الآن ويقول بوضوح لن أترك لأولادى الثلاثة ميراثا ماديا.. ولكنى أترك لهم مئات الأعمال الفنية التى افتخر بها فى عدة مجالات منها السينما والرواية والكتابة وكلها نابعة عن قناعة شخصية وفكرية ومليئة بالإصرار والتحدى ويحكى لنا عن فكرة الأفلام التى عرضها قائلا: أنا مؤمن بسينما الجماليات مثلى مثل شادى عبدالسلام، وتوفيق صالح، ولكنى شاهدت التجاهل الذى تعرض له الاثنان أو ما يسميه هو «النفى بالصمت» ويكمل قررت أن أتخلص من هذه العقد، بالعمل وأواجه كل صعوبات العملية الإنتاجية عن طريق تقديم أعمال تسجيلية عن هيئات ووزارات أتقاضى منها أجرا مقابل عمل أفلام عن مشروعاتها وإنجازاتها ثم أنفق منها على مشروعى السينمائى.
وحول هذا المشروع يقول درويش: مشروعى الثقافى مقسم إلى عدة أقسام الأبرز منها يتعلق بالموسوعة السينمائية للحضارة الفرعونية وقد أنجزتها كلها وهى عبارة عن 30 فيلما وثائقيا بدأتها عام 1969 وانتهيت منها عام 2008، وهى ما لم تعرض فى مصر حتى الآن، وعندما انتهيت منها عزمنى المتحف البريطانى فى لندن لمدة عشرة أيام وأقاموا لى أسبوعا بعنوان «فرعونيات درويش بتذاكر نصفها لهم، والنصف الآخر لى وكانت العروض كلها «كومبليت» وهى أفلام تعرض لحياة الفراعنة وأبرز الأنشطة الحياتية والاجتماعية والثقافية والسياسية عن هذه الحضارة العظيمة التى لا نعرف عنها شيئا وفيها حياة العيد، الرقص، الفن، والموت والبعث».
ويحكى لنا حكاية ذات دلالة قائلا: بعد أن جئت من لندن ذهبت لزاهى حواس وكان وقتها مسئولا عن الآثار، وعرضت عليه أن يشترى هذه الأفلام ويسوقها من خلال المجلس الأعلى للآثار، فرفض رفضا باتا بحجة أن هذا العمل ينتقص من دور المجلس فى الوقت الذى كان يدفع مليون جنيه سنويا لقناة ناشيونال جيوجرافيك لكى يخرج على المشاهدين بالبرنيطة الشهيرة التى كان يرتديها!!
أما الجزء الثانى من مشروع درويش السينمائى كما يقول: فكان عبارة عن مجموعة من أفلام الفنون التشكيلية 11 فيلما تبرز تجارب فنية تشكيلية مهمة فى مسيرة الفن التشكيلى المصرى بعضها لعرض تجارب فنانين مهمين مثل الذين شاهدناهم فى أسبوع السينما وبعضها يستعرض تجارب المستشرقين وفنون العمارة المصرية.
والغريب أن درويش كان ينتج هذه الأفلام ويقدمها كما يقول لمتعته الشخصية فلم يكن يعرضها أو يبيعها.. ولكنه كان يواجه بها الثقافة السائدة والمفروض أن الدولة كانت تتبنى هذه الأفلام أيام عبدالناصر، وقد أنتج هو شخصيا عدة أفلام بفضل تشجيع الرئيس عبدالناصر، ووزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة - وحصوله منهما على ألف جنيه كتشجيع ومساندة - إلا أن الدولة تخلت عن لعب هذا الدور واستقالت - حسب وصفه - أيام مبارك ولهذا فإنه يقاطع أنشطة وزارة الثقافة، وعندما علمت الوزارة بهذه الأفلام أرادت أن تحصل عليها مجانا فى حين أنه عرض على المسئولين أن يحصلوا عليها بالأجر الثقافى وليس التجارى ولكنهم رفضوا!
وهنا يقول درويش لا يعنينى المكسب المادى حتى لا يفهم كلامى خطأ، ولكنى معنى بأن ترى هذه الأفلام النور ويراها الجيل الحالى خاصة أنها أى الأفلام تفيد وزارات التربية والتعليم والشباب ونستطيع بها أن نواجه ثقافة الإرهاب والتطرف لأنها تقدم مصر الحقيقية المتسامحة المعتدلة، والدليل على ما أقول أننى أنتجت الأفلام من جيبى الخاص ولم يكن يعنينى سوى إنجازها والاستفادة من قيمتها حتى بعد وفاتى.

• يعنى إيه فيلم وثائقي

وعن الأفلام الوثائقية بشكل عام يقول أحمد فؤاد درويش: الفيلم الوثائقى هو الذى يختار من الواقع حدثا أو مناسبة أو أيا كان من الواقع أو التاريخ أو الفنون التشكيلية بحيث يحول هذا الحدث إلى سينما ليست خيالية بالكامل وليست واقعية تماما لأن فكر وخيال المخرج وكاتب السيناريو والمونتير ومؤلف الموسيقى التصويرية ومهندس الصوت يتدخلون للوصول إلى عمل فيلم اسمه «الفيلم الوثائقى».
ويرى أن هذا الفيلم الوثائقى لابد أن تتوافر فيه كاتب الفكر والإبداع وجهة نظر مناصرة كاملة للإنسان بالإضافة إلى دفع الفيلم للواقع المعاصر إلى الأمام بمعنى حث المشاهد على تأمل واقعة المعاصر بمنهج نقدى يجعله يفكر نحو المستقبل، أما الفيلم الذى يكرس الواقع أو ينتكس به نحو علاقات اجتماعية ماضوية فهو لا ينطبق عليه وثائقى أو مستقبلى ويضيف درويش أنه ليس هناك فيلم يمكن أن يكون «وثائقيا» بالمفهوم الإبداعى للفيلم الوثائقى إلا أن تكون لقطاته التسجيلية قد خضعت لعملية المونتاج السينمائى وهى بطبيعتها تعكس وجهة نظر وشخصية المبدع السينمائى، وهناك من يذهب إلى حد اعتبار الفيلم الوثائقى فيلم دراميا أيضا أى من حق السينمائى الوثائقى إدخال أى نوع من الدراما عليه دون اللجوء لممثلين طبعا، مع كيفية حسن استغلال صدامات الحياة اليومية كالثورات وحركات التمرد والعنف والإنسان والطبيعة لخلق شكل دراما فى الفيلم الوثائقى.
ويؤكد درويش أن الفيلم الوثائقى وثيقة فنية وإبداعية ويمكن اعتباره سلاحا سياسيا سريع النفاذ إلى قلوب وعقول الجماهير، وهو ما دعا جميع الحكومات والثورات على اختلاف توجهاتها إلى السعى لتجنيد الفيلم الوثائقى ليكون أهم أسلحة تعبئة الجماهير لما تريده هذه الأنظمة، وفى مصر مثلا اتضحت أهمية هذه الأفلام فى حشد الجماهير من خلال ما قدمه رائد السينما الوثائقية فى مصر المخرج سعد نديم وبعض أفلام كامل التلمسانى وفطين عبدالوهاب الذى قدم سلسلة أفلام إسماعيل ياسين فى «الجيش والطيران والبوليس الحربى والبحرية» بإيعاز من الزعيم عبدالناصر وحققت نجاحا ورواجا فى بدايات سنوات ثورة 1952 وخلقت تعاطفا غير عادى من المواطن البسيط مع الجيش بشكل خاص، والعسكر بشكل عام، ومن هنا تبينت قيمة وأهمية هذه الأفلام فى تعبئة الجماهير واقتناعها بالسلطة القائمة.•