الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نظر الإرادة 6 / 6

نظر الإرادة  6 / 6
نظر الإرادة 6 / 6


فى باحات وممرات قلعة صلاح الدين الأيوبى كنت أسير متجهة إلى أحد المسارح المقامة على سفح هذا الأثر العريق، كى أحضر حفلا لعزف الموسيقى الكلاسيكية يتناسب تماماً مع روح المكان المقامة فيه، ويجبرك أن تعود بخيالك سنوات وسنوات إلى الوراء وربما إلى حقبة زمنية مختلفة وتعيش فى حالة من الهدوء والهيام وتترك أذنيك تترجم كل لحن إلى إحساس يدخل  قلبك مباشرة،  
 
وعندما يكون الأوركسترا من مؤسسه النور والأمل لرعاية وتأهيل الكفيفات فهذا يعطى التجربة بعداً آخر ويضيف لها المزيد من الفضول والشغف، فمن المعروف أن أصحاب القدرات الخاصة المصريين هم فى الحقيقة أصحاب قدرات خارقة يقتنصون الميداليات الذهبية وأوركسترا النور والأمل للكفيفات هو النسخة الأخرى لهذه القدرات الخارقة لكن فى الموسيقى. وبدأ الحفل كأننى أستمع إلى أوركسترا عالمى يعزف بتنسيق بديع وتناغم مبهر، والفتيات الكفيفات يعزفن على جميع الآلات التى يمكن أن توجد فى أى أوركسترا محترف بلا نوتة والبعض منهن قدمن وصلات من العزف المنفرد (صولو).
لم تكن الفرصة مناسبة للحديث مع الفتيات بعد الحفل، لذلك قررت فى يوم لاحق أن أتجه إلى مقر مؤسسة النور والأمل بمصر الجديدة وأحضر إحدى البروفات، وبالفعل ازداد انبهارى أكثر وأكثر، فقد عزفت الأوركسترا أثناء البروفة عدة مقطوعات بدون أى خطأ، وهذا ما جعلنى أشعر أنها حفل خاص لم يحضر من الجمهور سواى وبعد أن انتهت البروفات كان لى هذا الحديث مع العازفات.
تقول زينب إبراهيم خليل 52 سنة عازفة أوبوا: أنا فخورة أنى أعزف على الآلة التى أحبها وعزف عليها العندليب عبدالحليم حافظ، ومنذ بداياتى فى الأوركسترا والجميع هنا تنبأ لى بمستقبل مشرق معها، وأعزف على هذه الآلة منذ عام 1974 وأعمل بمصنع للقش نهارا وفى المساء أنا عازفه بالأوركسترا.
أما بسمة سعد - 30 سنة - فتقول: أنا عازفة «كمان» منذ أن كنت فى الصف الثالث الابتدائي، وتضيف: فى العام الأول ندرس صولفاج وقراءة النوتة بطريقة برايل، ثم بعد ذلك يتم إعدادنا لاختيار الآلة الموسيقية المناسبة لكل فتاة، وأنا منذ طفولتى أعشق آلة الكمان، وعندما طلبت من المايسترو العزف عليها وافق حينها، ونحن كعازفات نكمل بعضنا ونعمل كفريق واحد، وأنا أحب عزف مقطوعات «موتسارت» وأستمتع بالعزف كثيراً عندما يتفاعل الجمهور معنا.
وتقول شريفة فتحى عازفة ڤيولا: التحقت بالمعهد منذ أواخر الستينيات وعشقت صوت الڤيولا وكنت أعقد مقارنات بينها وبين الكمان من خلال دراستى وأنا حاليا أُدرس الڤيولا لأوركسترا الأطفال وأنصحهم دائماً بضرورة العزف بشكل يومي، وأنا عن نفسى لم أكتف منذ صغرى بالتدريبات فى المعهد، بل أمتلك آلة خاصة بى فى المنزل أعزف عليها ما لا يقل عن ساعتين يومياً، هذا علاوة على عملى كمشرفة للمكتبة هنا أيضاً.
وتقول عزة حسن - 25 سنة عازفة تشلو: لا تتوافر لنا الكثير من النشاطات كمكفوفين، وهذا ما جعلنى ألتحق بالأوركسترا فهذا هو المتاح لنا وعزفت فى 7 دول وشعرت أن جمهور أستراليا وسويسرا يقدرون الموسيقى الكلاسيكية بشدة.
ويقول المايسترو د. على عثمان قائد الأوركسترا: على عكس باقى العازفين فإن فتيات النور والأمل يتمتعن بذاكرة قوية جداً يعتمدن عليها بشكل أساسى فى حفظ المقطوعات الموسيقية، وبالرغم من وجود نوت موسيقية مطبوعة بطريقه برايل لكنهن قلما يلجأن إليها ويجدن عزف من40 إلى 45 مقطوعة موسيقية بدون نوتة وهذا لا يوجد فى أى أوركسترا آخر، حيث عادة ما يرفض العازفون العزف بدون نوتة وحتى إذا أهملنا بعض المقطوعات الموسيقية مثلا لمدة شهر وعدنا نعزفها مرة أخرى أجدهن مازلن يعزفنها كأول مرة دون إخفاق وهذه الموهبة هى هدية من الخالق عز وجل ليستعضن بها عن حاسة النظر. ويضيف: الفتيات هنا بالمعهد تدربن على يد أمهر عازفى الكونسرفتوار، لذلك هن محترفات ولا أتعامل معهن ككفيفات بل كمحترفات، ويضيف: من المواقف الطريفة التى تحدث أثناء البروفات عندما ينقطع النور يستمررن فى العزف دون توقف، وعندما يعلمن يضحكن كثيرا ويطلبن الاستمرار فى العزف فهذه المسألة لا تعيقهن على أى حال، وأحيانا قد تتواجد بعض الأخطاء فى طباعة النوت الموسيقية بطريقة برايل وهن يعلقن عليها ويقمن بتصحيحها ويضيف: تمكنهن من العزف خلق لهن جمهورا خاصا متذوقا لفن الموسيقى الكلاسيكية خصوصا فى بعض الدول الأجنبية، حيث عزفنا من قبل أمام كبار المسئولين مثل ملكة هولندا ورئيس الوزراء اليوناني.
وتقول أمل فكرى نائب رئيسة جمعية النور والأمل لرعاية الكفيفات: تأسست الجمعية عام 1954على يد السيدة استقلال راضى ومجموعة من سيدات المجتمع آنذاك، وبعد ذلك قامت الدكتورة سامحة الخولى بتأسيس الأوركسترا بعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه فى الموسيقى من إنجلترا، وكان الأوركسترا مكونا من 15 فتاة يعزفن لضيوف الجمعية فقط، وكان أول حفل عزفن به خارج الجمعية عام 1972 بدار الأوبرا المصرية وحقق نجاحا كبيرا وقتها، ثم بدأنا بعد ذلك نسعى للسفر خارج مصر حتى يتعرف العالم كله على أوركسترا النور والأمل، وبالفعل قدمنا حفلات على أعرق المسارح بـ 14 دولة أوروبية وأستراليا وكندا و5 دول عربية و3 دول آسيوية، وما يميز زى الفتيات هو عقد نفرتيتى الذى ينال إعجاب عشاق الحضارة الفرعونية فى الدول الأجنبية، ويرجع الفضل فى ذلك لمصممة الأزياء ليلى البنان عندما صممت أول زى للأوركسترا منذ نحو 10 سنوات، وكان عبارة عن فستان أسود وقلادة مفتاح الحياة.•