الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قاتلات خارج الأسوار: «أدينا عايشين.. وغلطة كلفتنا حياتنا»

قاتلات خارج الأسوار: «أدينا عايشين.. وغلطة     كلفتنا حياتنا»
قاتلات خارج الأسوار: «أدينا عايشين.. وغلطة كلفتنا حياتنا»


لم أكتفِ في مقابلتي مع النساء القاتلات بالسجينات اللواتي في السجن واللاتي عرضت قصصهن في الحلقات السابقة، بل أردت أن أقابل من أنهين عقوبتهن لأتعرف علي شكل حياتهن بعد الخروج بعد السجن، علمت أن هناك إدارة تابعة لوزارة الداخلية هي إدارة الرعاية اللاحقة معنية بهذه الشريحة، فوجدت العديد من المفرج عنهن لاستلام حقائب غذائية توزع عليهن كل فترة وفي المناسبات، كنوع من الإعانة لهذه الشريحة التي تبدأ حياتها من الصفر بعد الخروج من السجن
بل قد يكون من تحت الصفر- على حد قول المفرج عنهن- لأن المجتمع ينبذ المجرم بعد خروجه من السجن ويرفضه، وعلى الجانب الآخر هناك حاجز نفسى لدى السجينات اللاتى قضين أكثر من العشرين سنة بعيداً عن الناس والحياة داخل أسوار السجن يمنعهن من طلب العمل أو المساعدة خوفاً من رد فعل الناس.. ذهبت لأتعرف على هذه الإدارة وأرى نماذج أخرى من القاتلات ولكنهن خارج الأسوار.
• كلمة كلفتنى حياتى
ممتلئة سمراء تجاوزت الخمسين من عمرها رفضت أن تتكلم أول الأمر وعندما وعدتها بعدم ذكر اسمها أو تصويرها بدات تطمئن وتتحدث: «ماحدش يعرف إنى كنت فى السجن أنا اتربيت فى القناطر عندى تلات عيال كان جوزى أرزقى يوم بيومه، كان ماشى ورا أمه ومتجوز قبلى مرتين، خلافات على طول من أول يوم وبعد كده على مصاريف العيال، أنا كنت اللى بشتغل وبصرف على البيت تقريباً وفى يوم راح البلد عند أمه فقامت خناقة بينه وبين طليقته رجعنا فطلع زهقه فى واحد صاحبه كان جارنا وعلى طول عندنا وعارفنى، قالى أخلصك منه، قلت آه كنت فاكره إنه هيطلقنى منه أتاريه عينه منى وعايز يقتله.. أخده عند القطر وخبطه بسكينة، وطلع النهار خدونى أنا. وكنت وقتها عندى عيلين فاكراه هيطلقنى منه وقلت له خلصنى لكن ماقلتش اقتله، خدت تأبيدة وطلعت بعد 15 سنة حسن سير وسلوك.
سألتها عن سنوات السجن فأجابت بدون تفكير: «عدوا عليَّ بالمر والبهدلة، وغسيل للناس، كل شهر بنغسل فى مغسل بيحاسبونا بالشهر كل شهر خرطوشتين سجاير نبيعها للكانتين ونحط الفلوس فى الأمانات، ولادى كان عندهم سنتين وسنة وابنى التالت ولدته فى السجن وقعد معايا سنتين»، ثم بدأت فى البكاء وهى تسترجع أيام السجن: «أيامى كانت صعبة بعيدة عن أهلى وأولادى والذل وحش» •سألتها عن حياتها بعدما أنهت سجنها وهل تقبلها أولادها؟؟
قبل السجن كنت بنضف البيوت واشتغل، إنما دلوقتى مش قادرة أشتغل عندى 50 سنة إخواتى بيصرفوا عليَّ بيدونى حاجة كل شهر وبآجي الرعاية اللاحقة أصرف الرز والزيت وسكر وآهى ساترانا، ولادى اتجوزوا وشايلنى ومعيشينى عندهم، ونسايبهم ما يعرفوش حاجة عن سجنى، وأدينى عايشة.. وندمانة على الكلمة اللى قلتها وكلفتنى عمرى.
حاسة إنها أيام وباقضيها لحد ما أقابل وجه كريم.
• نصيرة الغلابة
سعاد امرأة ملفتة فهى بيضاء ممشوقة القوام ذات عينين زرقاوين فى الأربعين من عمرها.. حبيبة الكل، فبمجرد أن دخلت الرعاية اللاحقة إلا والتفت حولها السجينات اللاتى أنهين فترة عقوبتهن يقبلنها ويسلمن عليها سألت عن سر هذه الشعبية فردت عليَّ زميلتها: «لأنها نصيرة الغلابة فى السجن مابتسبش واحدة مظلومة ولا بتسمح لواحدة تذل واحدة ضعيفة»، علمت من الضابط المسئولة أن لها حكاية مثيرة ولكنها لا تحكيها أدخلتها السجن، وأخبرتنى عنها فهى امرأة جميلة واجتماعية وخانها زوجها مع جارتها، فلم تقبل ما حدث فخططت لأن تمسكهما بالجرم المشهود وخرجت من بيتها يوماً وجعلت رجلا يراقب زوجها وجارتها وأعلمها عندما تسللت الجارة لمنزلها فدخلت عليهما بالسكين طعنت الزوج وفرت الجارة هاربة من النافذة بعد أن فضحت نفسها فى الحى كله.. وحكم عليها بالإعدام ثم خفف للتأبيدة».
سعاد لم تحكِ تلك التفاصيل بل قالت: كنت نوباتجية النضافة ودا اللى سهلى انقل صوت كل ضعيفة أو مهانة فى السجن للإدارة، اتعلمت فى السجن التريكو والكمبيوتر والخياطة وأخدت الثانوية العامة.
التأبيدة بالنسبة لى كانت أقوى من الإعدام لأنى هاعيش محبوسة، لكن رضيت بالواقع أخدت عهد على نفسى أكون ضهر كل واحدة ضعيفة خرجت من السجن وأنا عندى 38 سنة وساكنة فى البساتين بنضف البيوت، واتقدملى صاحب أخويا واتجوزنا الحمد لله.. سألتها ماخفش يتجوزك وأنت قاتلة؟ أجابت على العكس هو عارفنى من زمان وإنى قلبى طيب وإن الجريمة دى غصب عنى.. والحمدلله عايشين مبسوطين».
المفاجأة أنها أخفت عنى أن الزوج الثانى أيضاً خائن سرق تحويشة عمرها وهرب ولكنها اتعظت من الجريمة السابقة، فلم تحاول السعى وراءه لإيذائه وسلمت أمرها لله وكل من حولها يتعجب كيف لامرأة جميلة مثلها أن تقع مرتين ضحية خيانة الزوج، ولكن النهاية جمعتها مع كل السجينات اللاتى أنهين عقوبتهن وجئن ينتظرن كرتونة الرعاية اللاحقة لسند حياتهن من الجوع.
• الظلم وحش
فادية ضئيلة الحجم، سمراء تلبس خمارا يغطى كل جسدها وكأنها تريد أن تختفى عن العيون، نظراتها تائهة والضعف والشحوب ظاهر على لون شفتيها، دخلت تسأل عن كرتونتها، اقتربت منها وسألتها عن قصتها وبعد تردد وبصوت منخفض حكت: «عمرى 40 سنة، خرجت منذ 3 سنوات من السجن، تربيت فى القلعة أهلى ماعلمونيش، وجوزونى صغيرة ماعرفش كنت كام سنة، عشت معاه كام سنة خلفت ابنى وبعدين مات جوزى.. بعدها اتجوزت تانى واحد أرزقى اكتشفت بعد فترة أنه إنسان سيئ كان بيعامل ابنى وحش ولم يشفع له أنه يتيم كان يذله ويضربه، وزاد الضرب بعد ما خلفت ولد وبنت ما بقاش طايق ابنى، والذل كان بيزيد من يوم للتانى طلعه من المدرسة خلاه يشتغل صبى فى قهوة ودخل عياله المدرسة ماقدرتش أستحمله، ومرة اتخانقنا ضربنى عدمنى العافية وعملى نزيف فى عينى، أنا مش مهم لكن اللى فرق معايا أنه راح لابنى عشان يضربه، وفى لحظة ضعف ماحسيتش بنفسى إلا وأنا بضربه على دماغه بحديدة ما كنتش شايفة غير ظلمه لابنى وجبروته.. تحشرج صوت فادية ثم نزلت دموع الندم والحسرة من عينيها.. وأكملت حديثها بعد ما فقت أدركت أنى خسرت حياتى وابنى، وياريت يرجع بيَّ الزمن كنت خدت عيالى وطفشت وعشت فى أرض الله قاطعتها وسألتها عن حياتها فى السجن فأجابت: «أسود أيام بعيدة عن عيالى، لا حد بيسأل عليَّ ولا بعرف أخبارهم إلا كل فين وفين أمى ست عجوزة عاشوا معاها لحد ما خلصت وطلعت حسن سير وسلوك وأدينى عايشة ولادى كبروا وبيساعدونى ويشتغلوا وأنا بخدم فى البيوت».
• جوزى الجديد مش خايف أقتله
ليلى سمراء نحيلة، الغلب بادى على وجهها.. جاءت الرعاية اللاحقة لتستلم كرتونتها.. اقتربت منها وطلبت الحديث معها «باجى آخد الكرتونة فيها رز وزيت وسكر بتسندنا وقالوا لى لو عايزة تشتغلى فى مصنع هنجيبلك شغلانة، لكن جوزى قاللي خليكى فى البيت وابعدى عن الشوارع وقرفها». سألتها عن قصتها التى أدخلتها السجن. فبدأت تحكي: «ضربت جارتى فى خناقة عشان العيال على السلم وقعت جارتى وماتت اتحكم عليَّ 5 سنوات جوزى سابنى وطلقنى عشت الذل خمس سنين كسرة النفس.. جوزى راح اتجوز وساب العيال وعاش حياته خرجت مالقيتش لى حد غير أمى اللى خدت بالها من عيالى.. لكن ربنا عوضنى خير واتجوزت عامل محارة، إنسان أصيل وبيعاملنى كويس لكن شارط عليَّ العيال عند أمى.. قاطعتها ضاحكة: «وما خفش جوزك الجديد يتجوزك ولو زعلك تضربيه تموتيه؟» قالت: هو عارف قد إيه أنا طيبة وغصب عنى اللى حصل، ومش خايف إنى اقتله». •