الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مايسترو الفرشاة والألوان

مايسترو الفرشاة والألوان
مايسترو الفرشاة والألوان


تمر هذا الأسبوع ذكرى رحيل أستاذى الفنان جمال كامل،   قد لا يعرف شباب الفنانين وطلبة كليات الفنون اسمه،   فقد رحل عن عالمنا منذ ثمانية وعشرين عاما،   هو ظاهرة فنية وإبداعية لا تتكرر كثيرا وأحد أساتذة فن البورتريه فى مصر .
قضى ما يقرب من أربعين عاما يقدم رسوما للصحافة حيث عمل بدار «روزاليوسف» منذ عام   1950،   كانت أعماله ثورة فى فن الرسم الصحفى،   حيث احتوت على القيم الفنية العالية،   وذلك من حيث التكوين والتعبير واستعمال الألوان بجرأة وحرية،   قال عنه صديقه الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين  «إنه يملك أجمل ريشة» .

حقق جمال كامل المعادلة الصعبة ما بين الالتزام بالتعبير الجمالى والالتزام بالتعبير الواقعى،   استطاع أن يسجل الروح المصرية بمهارة فائقة على الورق وعلى قماش اللوحات .
قدم أعمالا لفتيات بمناديل بنات البلد ونساء الأحياء الشعبية بالملاية اللف ومدخنى الشيشة وعازفى الربابة،   كما قدم لوحات لراقصات شرقيات وشعبيات تفيض بالحيوية والحركة .
فى بداية عمله بروزاليوسف قدم بابا أسبوعيا بالحبر الشينى تحت اسم  «لوحة الأسبوع»  قدم فيه مسحا اجتماعيا لقطاعات المجتمع المصرى خصوصا الطبقة المتوسطة فى فترة الخمسينيات وحتي   1960   حيث قام بنقد عاداتنا بأسلوب يمزج بين الرسمين الإيضاحى والكاريكاتيري .
عبر فى تلك الرسوم عن أحلام وآمال الإنسان البسيط ونقائضه خلال حياته اليومية،   كان مثل الفنان الأمريكى المعروف نورمان روكويل الذى صور الحياة اليومية الأمريكية على   غلاف مجلة بوست.. تألقت ريشته مع روايات صديقه إحسان عبدالقدوس،   فقد كانت رسومه هى الترجمة التشكيلية لمشاعر وعواطف إحسان . 
كما قال الكاتب كامل زهيرى كما أبدعت ريشته الرسوم لرباعية صديقه الكاتب الراحل فتحي   غانم  «الرجل الذى فقد ظله»  ولا أحد ينسى رسومه المدهشة لرواية  «الغبى»  لفتحي   غانم أيضا،   وقد رسم جمال كامل لفتحى   غانم لوحة بالأسلوب التكعيبى وهو يكتب رواية  «الجبل».
عندما صدرت مجلتنا «صباح الخير» عام   1956   بدأ جمال كامل رسم   غلافها أراد أن يتذوق المواطن العادى أعمالا فنية مثل التى يراها فى المعارض،   فقام برسم بورتريهات بألوان الزيت الباستيل لفتيات مصريات من مختلف طبقات الشعب،   عكس فى وجوههن السحر والفتنة بالوجه الشرقى،   وقد شاهدته فى سنواته الأخيرة وهو يقضى أياما فى رسمهن بمرسمه فى «صباح الخير» ليكون بعد ذلك أغلفة للمجلة .
عشق جمال كامل الإنسان وكان يراه أجمل المخلوقات ولذلك أحب فن البورتريه وأصبح أحد أساتذته ووصل بهذا الفن إلى قمة شاهقة لا ينافسه فيها إلا الفنانون بيكار وصبرى راغب.
فى أعمال جمال كامل يبدو اهتمامه الشديد بتجسيد الكتلة أو الفورم والتعبير بالبقع اللونية،   ولذلك كان الإحساس بالصرحية هو الصفة المميزة لأعماله كانت شخوصه التى يرسمها تبدو لنا فى ثقل وأبعاد بارزة وتظهر كتماثيل ملونة تبرز من سطح اللوحة يصبغها بألوانه الدافئة الجميلة ولمسات فرشاته الحية،   ويرجع اهتمامه بالكتلة لتأثره بالفنان الفرنسى سيزان الذى كان يحبه ويراه أهم فنان فى تاريخ الفن،   وقد بدا تأثير سيزان عليه فى لوحاته الشهيرة لصديقه عبدالحليم حافظ،   تطل علينا شخوص بورتريهاته فى وداعة ورقة وتبصرنا بحيويتها وجمالها وإنسانيتها لم ينقل جمال كامل الوجه الإنسانى نقلا حرفيا ولكن كان الينبوع وبداية رحلة التخيل والإبداع فى عالم الألوان التى كان يسقطها بملء فرشاته لمسة بجوار لمسة لتعطينا فى النهاية سطح اللوحة الذى تراه عيوننا،   ويبرز فى النهاية الشكل فى حقيقته المادية .
سجلت ريشته مشاهير الثقافة والفن فى عصره من عبدالحليم إلى أم كلثوم وسناء جميل ويوسف شاهين وفتحي   غانم وتوفيق الحكيم وغيرهم .
وهذه اللوحات باقية فى بيوت أصحابها رغم رحيلهم وكما قال إحسان عبدالقدوس  «الفن لا يموت».•