الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

القانون يضيّع حق سهير

القانون يضيّع حق سهير
القانون يضيّع حق سهير


كانت أصوات الأطفال المبهجة تأتى من خلف ستار المسرح الصغير لدار الأوبرا،  خلال استعدادهم للاحتفال بعيد الطفولة ومرور  25  عاما على اتفاقية حقوق الطفل،  الخميس الماضى،  بينما كان ما يشغل الكبار فى القاعة هو الحكم الذى صدر فى نفس اليوم من محكمة جنح أجا بالمنصورة فى دعوى الطفلة سهير الباتع «13سنة» ،  التى توفيت فى يونيو  2013  إثر عملية ختان،  والمتهم فيها الطبيب والأب .
وهى الدعوى الأولى التى يحيلها النائب العام للمحاكمة باعتبارها جريمة ختان الإناث منذ صدور القانون عام 2008، وبعد إعادة فتح التحقيق فى القضية، إثر محاولات من الطبيب والأب لتغيير وقائع ماحدث للفتاة .
بداية القصة كما تحكيها منى أمين، منسق البرنامج القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومى للسكان، كانت عندما تقدم الأب ببلاغ يتهم فيه الطبيب بالتسبب فى وفاة ابنته عقب إجرائه عملية ختان لها.. وفى نفس يوم الوفاة عاين مفتش الصحة جثمان الفتاة وأثبت فى تقريره وجود قطع فى العضو التناسلى، باستخدام جهاز الكى، واحتمال أن تكون الوفاة بسبب صدمة عصبية أو هبوط حاد فى الدورة الدموية، وحول المحضر للنيابة.. وعندما بدأت النيابة التحقيقات مع الأب، تراجع عن أقواله التى قالها فى محضر الشرطة، وقال إنه أخذ ابنته للطبيب لشعورها بألم فى الرحم، وأن الطبيب قال له إنها تعانى من زوائد جلدية ويجب استئصالها، وعدل عن اتهامه للطبيب بالتسبب فى الوفاة.
وعندما استجوبت النيابة الطبيب، أنكر إجراءه الختان، وقال إن الفتاة كانت تعانى من زوائد جلدية، وأنه أزالها باستخدام جهاز الكى، مستخدما بنجا موضعيا، وأنه أعطى الفتاة بعد ذلك حقنة مسكن لشعورها بالألم، وبعدها أصيبت بتشنجات وزرقة بالأطراف، بسبب الحساسية من حقنة المخدر وفارقت الحياة .
أما الطبيب الشرعى الذى انتدبته النيابة لمعاينة الجثة، فذكر فى تقريره أن قرار تدخل الطبيب لإزالة الزوائد الجلدية كان سليما، وأن الطبيب أخطأ بإهماله الجسيم فى عدم اختباره لحساسية الطفلة للمسكن.. وعندما سألته النيابة هل كانت الواقعة ختانا أم لا، قال بأنه لا يستطيع الجزم بما إذا كانت العملية ختانا أم إزالة زوائد جلدية، بحسب مذكرة النائب العام فى مارس الماضى .
وطلب المجلس القومى للسكان من النائب العام فى نوفمبر الماضى تشكيل لجنة من خبراء الطب الشرعى، لفحص التقريرالسابق، وللتحقق من كون الوفاة قد نتجت عن إجراء طبى مقرر، أم تدخل بالختان المجرم.
استجاب النائب العام للطلب وتم ندب لجنة ثلاثية يرأسها كبير الأطباء الشرعيين، لإعادة فحص التقرير، وانتهت تحقيقات النيابة إلى توجيه تهمة القتل الخطأ للطبيب، وتهمة إجراء ختان لكل من الطبيب والأب، وإحالتهما للمحاكمة.
تصالح !!
الخميس الماضى قضت محكمة جنح أجا، برفض الدعويين المدنيتين المقامتين من المجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى للسكان، وقضت بانقضاء الدعوى الجنائية فى جريمة القتل الخطأ بالتصالح بين والدة سهير والمتهمين، وألزمت الطبيب رسلان حلاوة، بدفع 5 آلاف وواحد جنيه، تعويضًا مؤقتًا لوالدة المجنى عليها .
تنص المادة 242 من قانون العقوبات : «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن 5000 جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث».
المحامى عصام الإسلامبولى الذى ترافع ضد دعوى إلغاء نص تجريم ختان الإناث أمام الدستورية العليا، وانتصرت المحكمة للإبقاء على النص فى 2013، يطالب الجهات المختصة بسرعة الطلب من المشرع بتغيير قيد ووصف مادة القانون الحالية، لتوصف الجريمة من قتل خطأ إلى قتل عمد، لأن الطبيب الذى يجريها يدرك أنها جريمة، وهو يتعمد ممارستها، وبالتالى فالقتل الناتج عنها قتل عمد، وليس قتلا خطأ كمن يقود سيارته فيصدم شخصا ويتسبب فى وفاته.. تحول ختان الإناث لجريمة يجعل الحد الأدنى للعقوبة هو السجن 3 سنوات، على اعتبار أنه جريمة تشويه عضو له وظيفة فى جسد المرأة» يقول الإسلامبولى، الذى يرى أن من حق النيابة العامة الاستئناف ورفض التصالح، وتتمسك بالشق الجنائى الذى يتعلق بحق المجتمع وليس المجنى عليها فقط، وحماية للفتيات اللآتى سيتضررن بسبب عودة هذه الممارسة .
فى المقابل يرى المستشار عمرو الشيمى، رئيس محكمة بالاستئناف، أن التصالح فى دعوى الختان، يغلق الباب أمام النيابة للاستئناف، لأن نص التجريم موجود فى باب الضرب بقانون العقوبات، والذى يسقط التهم بالتصالح وقبول الدية «التعويض» ، باعتبارها جريمة أفراد، وليست جريمة مجتمعية مثل جريمة الإتجار فى البشر والسرقة والرشوة، والحل فى أن الحفاظ على حق الطفلة هنا يكون يتغيير ثقافة المجتمع، والنص صراحة فى القانون على عدم قبول التصالح فى جريمة ختان الإناث .
ويشير الشيمى إلى أن بعض دعاوى ختان الإناث يحكم فيها مع ثبوت الأدلة وقوتها، مثل دعوى قضت فيها محكمة المحلة بحبس داية 3 أشهر، بعد أن كادت تتسبب فى وفاة طفلة إثر الختان «غالبا ماتنتهى الدعاوى المشابهة ضد الأطباء بالتصالح».
من جانبها قالت فيفان فؤاد منسق برنامج مناهضة ختان الإناث بمجلس السكان، إن المجلس سيسعى لتغيير القانون الحالى، حتى لايعتد بالتصالح فى هذه الجريمة، «لأننا نعتبر أهل الفتاة هنا خصوما لاينبغى التصالح معهم، وأن النيابة العامة هى المدافع عن حق الطفلة». •