«البحيرات» فى طريقها للانقراض!

صباح الخير
تعتبر الثروة السمكية فى مصر هى الكنز الأساسى لبعض المحافظات مثل بورسعيد ودمياط، وتتعرض هذه الثروة لتدمير شديد بسبب الإهمال الجسيم من المسئولين الذين تركوا الصيد المخالف وصيد الزريعة أمام البواغيز ليقضوا على الثروة السمكية بالكامل، وبدلا من الحفاظ عليها امتدت إليها يد الإهمال والتسيب، فالبحيرات الشمالية الأربع وهى مريوط وإدكو والبرلس والمنزلة تتداعى منذ السبعينيات وحتى اليوم،
ورغم مسئولية هيئة الثروة السمكية عن البحيرات.. فإنها لا تملك القرار كله لأن القضية تقع فى أيدى العديد من الهيئات والمحافظات، وهم لا يدركون أن التوسع فى الاستزراع السمكى فى البحيرات يخلق فرصا عديدة للتصدير ويعود على مصر بالكثير من العملات الصعبة. ويحل مشاكل كثيرة ويؤمن جزءا كبيرا من البروتين الحيواني.
يقول الدكتور هانى إبراهيم- المعمل المركزى لبحوث الأسماك: بحيرة المنزلة من أكبر البحيرات المصرية على الإطلاق، وتقع بين محافظات بورسعيد والإسماعيلية والشرقية والدقهلية ودمياط التى قامت- وكذلك الوزارات المعنية- بردم وتجفيف وتجريف مساحات شاسعة منها، فتقلصت مساحتها من750 ألف فدان (50 كيلو مترا طولا وما بين 30- 35 كيلومترا عرضا) وتعادل مساحة البحيرات الثلاث الأخرى مجتمعة حوالى 100 ألف فدان، وكانت تنتج جميع أنواع الأسماك البحرية فأصبح إنتاجها مقتصرا على البلطي، وأصبح لا يخرج منها سوى بضع سيارات محملة بالأسماك.
ودأبت وزارة الزراعة والمحافظات مؤخرا على تجفيف مساحات شاسعة من البحيرة دون مراعاة لخطورة الآثار المترتبة على ذلك، ورغم أن الدراسات أكدت أن إنتاجية الفدان المائى تعطى أضعاف إنتاجية الفدان الزراعي، فضلا عن التكلفة الباهظة التى يتكلفها استصلاحه، كما أن تبعية أكثر من ثلثى مساحة البحيرة لمحافظة بورسعيد جعلها خلال العشرين عاما الأخيرة مستباحة لمشروعات وطرق المحافظة والمشاريع التجارية وكذلك الأهالي.
وهناك العديد من الأخطار التى تواجه تنمية الثروة السمكية فى منطقة البحيرة، بالملوثات الكيميائية من النفط ومشتقاته والمعادن الثقيلة ونفايات المصانع والمبيدات الزراعية ومواد التنظيف والتعقيم وغيرها، أو الملوثات العضوية الناتجة من مياه الصرف والنفايات ومخلفات المصانع الغذائية وغيرها، وربما الملوثات الفيزيائية، كذلك التلوث الحرارى الناتج من طرح مياه تبريد المنشآت الصناعية، التى تكون درجة حرارتها مرتفعة تفوق حرارة المياه الواردة بثمانى إلى عشر درجات وتحتوى على مواد سامة تزيد من التلوث الحراري. وآثاره تكون كبيرة فى فصل الصيف، حيث الحرارة المرتفعة التى تقارب درجات الحرارة المميتة لكثير من الكائنات المائية الحية.
ويضيف الدكتور عطية العياط- معهد علوم البحار: الإنتاج السمكى للبحيرة تقلص نتيجة تعرضها المستمر للتلوث بأنواعه المختلفة وعدم كفاية البواغيز والفتحات والقنوات المغذية لها بالمياه المالحة، والتعدى على المسطح المائى بإقامة الأحواش والسدود وانتشار النباتات المائية والصيد المخالف وصيد الزريعة، وتظهر أبشع صور التلوث فى تخلص خمس محافظات من مياه الصرف الصحى الذى تبلغ جملته 652 مليون متر سنويا فى البحيرة عن طريق مصرف بحر البقر الذى تقدر كميات الصرف منه إلى البحيرة بنحو 1.7 مليون متر، وكذلك مصرف فاقوس ومصرف بحر جادوس والبحر الصغير وترعة الشرقاوية ومصرف العناترة بدمياط وأولاد حمام ومصرف رمسيس ومحطات ضخ السرو والمطرية وفارسكور. والأخطر مصادر التلوث من الصرف الصناعي، حيث تصب فى البحيرة مخلفات أكثر من 42 مصنعا، بالإضافة إلى الصرف الزراعى بما يحمله من بقايا المبيدات والأسمدة الكيماوية المستخدمة فى الزراعة، وقد أكدت نتائج التحاليل التى أجريت عليها وجود أملاح المعادن الثقيلة فى مياه البحيرة وفى أسماكها بنسبة عالية، ما جعلها غير صالحة للاستهلاك الآدمي. وكان لنزول ملوثات الصرف الصحى والصناعى والنباتات المائية مثل ورد النيل وعدم التجديد لمصادر المياه للبحيرة أكبر الأثر فى زيادة الرواسب العالقة بقاعها، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه فى أماكن كثيرة منها وعدم أهلية قاعها لتكون مرعى إنتاجيا وآمنا للأسماك.
كما أن انتهاكات الصيادين أدت لتدهور كبير للبحيرة، وذلك بإنتهاجهم أساليب مخالفة للقانون مثل الصيد بالتجريف أو الشباك المخالفة أو عن طريق الأحواض والسدود العلوية واستخدام المحركات والمواتير عالية القدرة، مما يزيد من تلوثها وصيد الزريعة من جانب فئة لديها الإمكانات التى تساعدها على الهروب بها لتحقيق الربح السريع ببيعها للمزارع الخاصة لتغذية أسماك اللوت والقاروص، مما أدى إلى نقص الأسماك فى البحيرة.
بحيرة البرلس ثانى أكبر البحيرات فى مصر، ولكنها أصبحت مهددة بالاندثار، وهى تقع شمال شرق فرع رشيد بطول 70 كم تقريبا وعرضها من 6 إلى 17 كم، وتقلصت مساحتها من 160 إلى 100 ألف فدان فقط الآن منها 25 ألف فدان بوص وهيش هذا بجانب التعديات داخلها!
وأصبحت البحيرة مستوطنة لأصحاب النفوذ الذين يعملون تحويطات على مساحات كبيرة داخلها، إضافة إلى الصيد المخالف بالمراكب الآلية التى تلوثها، فضلا عن قيام محتكرى الأراضى بالتعدى على جزء كبير من المسطح المائى ومنع الصيد الحر فيه، رغم أنها محمية طبيعية بقرار رئيس مجلس الوزراء، كما أن مافيا الصيد من أصحاب النفوذ يحتكرون صيد الزريعة ويقومون بتحويله إلى أعلاف للمزارع السمكية، فى ظل غياب الرقابة على البحيرة من شرطة المسطحات المائية ومن هيئة الثروة السمكية ووزارتى الرى والزراعة.. ولابد من مقاومة التلوث (منع الصرف الصحى والصرف الصناعي) - منع التجفيف لزيادة المسطح المائى للإنتاج السمكى - القضاء على الحشائش والنباتات، حيث إنها تغطى ما يقرب من 50 ألف فدان من البوص - التصدى للصيد المخالف وصيد الزريعة. •