السبت 14 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

القتل يتصدر جرائم النساء.. والزوج هو الضحية الأولى!

القتل يتصدر جرائم النساء..  والزوج هو الضحية الأولى!
القتل يتصدر جرائم النساء.. والزوج هو الضحية الأولى!


«المرأة قاتلة».. جملة مستجدة.. اقتحمت واقعنا وفرضت نفسها بقوة على صفحات الحوادث، فبعد أن كان عنف المرأة مغلفاً بالنعومة والدهاء وبعيدا كل البعد عن العنف الصريح، أصبحت المرأة اليوم بطلة مشاهد دموية قاسية، فهناك من تقتل زوجها لتنتقم منه أو باتفاقها مع عشيق، أو تخطف ابن جارتها وتقتله لخلاف مع أمه، وغير ذلك من الجرائم التى تطالعنا بها الصحف.

وعندما بحثت فى الدراسات التى تهتم بعنف المرأة لنتعرف على حجم المشكلة الحقيقى وجدت أن آخرها دراسة قام بها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تحت إشراف د. أحمد المجدوب وقامت بها د. فادية أبوشهبة، ود. عبد المنعم شحاتة ود.ماجدة عبدالغنى عن الفترة ما بين 1990 و 1999، وتعد هذه الدراسة هى الأحدث فى هذا الإطار.
• ملامح الدراسة
بداية توضح الدراسة أنه استقر فى فكر وثقافة المجتمع أن المجرم وخاصة القاتل يجب أن يكون «رجلاً»، وذلك لتدنى نسبة جرائم النساء بالمقارنة بالرجال، وهو ما جعل جرائم الرجال تخضع للدراسة والبحث أكثر بكثير مما حظيت به جرائم النساء، وأن أهمية الدراسة جاءت من ارتفاع نسبة جرائم القتل العمد فى الآونة الأخيرة عند المرأة وأنها أصبحت أكثر عنفاً.. ومع أن جرائم القتل العمد المتهم بارتكابها أنثى إلى جملة جنايات القتل المتعمد المقيدة ضد ذكور لا تمثل إلا 6%، وهى نسبة قليلة، فإن عامل الخطورة الذى استدعى ضرورة القيام بدراسة شاملة لهذا الأمر هو أن نسبة جريمة القتل العمد احتلت المرتبة الأولى بنسبة 33% قياسا بجرائم العنف الأخرى، وتعتبر عالية جدا، مما يشكل تحولا فى سلوكيات المرأة المصرية. واللافت أن أعلى نسبة من القاتلات 39.3% كانت تربطهن بالمجنى عليهم علاقة زواج، وأن نصفهن تقريبا ارتكب هذه الجريمة انتقاما من الزوج وذلك لزواجه بأخرى أو لإقامته علاقة عاطفية مع أخرى، يلى ذلك الجيران.
• حقائق وأرقام
فى ثنايا الدراسة، فرضت بعض الحقائق نفسها، فكان لزاماً التوقف عندها ورصدها:
يأتى على رأسها أن محافظات الوجه البحرى احتلت المرتبة الأولى فى ارتكاب النساء لجنايات القتل العمد أو الشروع فيه (48%) يليها الوجه القبلى (35%) ثم المحافظات الحضرية (15.6) وأخيرا الحدود فلم تزد النسبة فيها على 1%، كذلك تتزايد جرائم القتل تدريجيا فى شهور الصيف، فى حين احتلت الآلات الحادة المرتبة الأولى بين الوسائل التى تستخدمها النساء ثم الأسلحة البيضاء ثم الخنق ثم السم ثم الحرق والضرب بالعصا فى المرحلة الأخيرة.
أيضا فإن الانتقام هو المحرك الأول للقتل عند المرأة ويسبقه النزاع العائلى ثم العار ثم المال، كما أن أعلى نسبة للقاتلات فى الفئة العمرية بين 20 و40 سنة، 72% منهن أميات، و4% فقط من الحاصلات على مؤهلات جامعية.
من اللافت أيضا فى الدراسة أن المتزوجات أكثر ارتكابا لجنايات القتل العمد بنسبة 78% ثم غير المتزوجات ثم المطلقات وأخيرا الأرامل، و45% من القاتلات كن قبل الدورة الشهرية أو أثناءها أو بعدها بأيام قليلة؛ وهو ما يدل على زيادة حساسية المرأة وتوترها وسرعة استثارتها فى هذه الأوقات.
وأخيرا انتهت الدراسة إلى أن دوافع ارتكاب الجرائم تتخذ اتجاهين: أولهما يرتبط بالأسباب المادية ويرجع ذلك لشيوع القيم المادية بعد التغيرات الحادة التى شهدها المجتمع المصرى فى عقوده الأخيرة، والثانى يتعلق بالصراعات الأسرية التى ازدادت بسبب نمو العلاقات الفردية وغياب التماسك الاجتماعى.
• التوصيات
ومن ثم قدمت الدراسة مجموعة توصيات أولها محو أمية المرأة مع التوسع فى فتح مجالات عمل جديدة لها خارج المنزل؛ وهو ما يفرغ الشحنة الانفعالية لديها، ثانياً عدم إذاعة المسلسلات والأفلام التى بها مشاهد قتل وعنف مع إنتاج مسلسلات هادفة تعيد للأسرة روابط المودة والمحبة، حيث 47.3% من القاتلات اكتسبن خبرة القتل من التليفزيون.
الدراسة دعت أيضا إلى إعداد برامج إرشادية دينية من خلال دور العبادة ومراكز الشباب للتعريف بواجبات وحقوق المرأة والرجل، وطالبت مسئولى وزارة الشئون الاجتماعية بالإكثار من مكاتب الإرشاد الزواجى فى جميع المحافظات للعمل على حل المشكلات الزوجية منذ بدايتها وقبل أن تنتهى بجريمة قتل، كما طالبت بسرعة الفصل فى قضايا الأحوال الشخصية حتى يتم تفادى وقوع جرائم القتل العمد بين الزوجين.
• لماذا هى الوحيدة والأخيرة؟!
تقول الدكتورة فادية أبوشهبة: ما استوقفنا خلال هذه الدراسة هو أن القتل العمد يحتل المركز الأول بين جرائم العنف التى ترتكبها المرأة، واستخلصنا منها أن المرأة تقتل بعد تراكمات من العنف ضدها ولا تكون حادثة القتل وليدة لحظة، وإنما بعد معاناة مع الظلم والعنف الممارس ضدها وعلى الرغم من أن الخلع قلل كثيراً من عمليات القتل لأنه بديل عن تضييع مستقبلها فتبدأ حياتها بعيدا عن الظلم والقهر، ولكن يظل الفقر والجهل وتعنت الأهل الذين يجبرون المرأة للعودة لزوجها مهما كان فى كثير من المجتمعات هى المعادلة التى تؤدى لأن يكون قتله هو خيارها الوحيد للخلاص حتى لو كان سيوصلها لحبل المشنقة.
وعندما سألتها عن سبب عدم وجود دراسات أحدث، بل إنها تعد الدراسة الوحيدة التى تهتم بجرائم القتل العمد للنساء، فأجابت الدكتورة فادية: لا يوجد داعٍ لدراسة جديدة لأن قانون العقوبات لم يتغير به شيء والحال هو هو.. والظروف والدوافع والنسب تقريباً ثابتة.
ولأن الواقع هو أصدق مرجع، قررت أن أقترب من هؤلاء النساء القاتلات، فأتعرف على أسبابهن ودوافعهن، أسألهن وجهاً لوجه ولا يكون بيننا أرقام وتحليلات على ورق مر على استنتاجها 15 سنة! فذهبت إلى سجن النسا.. وهو ما سنستعرضه فى الأعداد القادمة. •