الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

موجة الحجاب تنكسر في مصر

موجة الحجاب تنكسر في مصر
موجة الحجاب تنكسر في مصر


على مدى ثلاثة أعداد لفتت «صباح الخير» إلى اتجاه بعض النساء والفتيات إلى التخلى عن حجابهن بعد سنوات من الرفقة الطويلة.. وإلى المشاعر والعلاقات الخاصة التى تتكون داخل الأسر التى تكون فيها الابنة محجبة والأم ليست كذلك، وإلى التقاليع التى ارتبطت بعالم الحجاب خلال السنوات الأخيرة، التى تعيشها مصر الآن.


وخلال رحلتنا هذه لم نجد سوى رسالة علمية واحدة تناولت ظاهرة الحجاب تعود للثمانينيات، وكان علينا أن نسأل: ما التطور فى الظاهرة ولماذا حدث الآن، وإلى أين ستذهب موجة الحجاب فى مصر؟!
وكانت البداية من المدارس، حيث عادة ما تبدأ العلاقة بالحجاب من هناك وتنتقل من طالبة إلى أخرى.شاهيناز الدسوقى، مديرة مديرية التربية والتعليم بالقاهرة سابقا، تؤكد بحكم مشاهداتها فى أغلب مدارس العاصمة أن موجة الحجاب التى كانت قد وصلت إلى ذروتها خلال السنوات العشر الأولى بعد عام 2000 قد بدأت تنكسر بالفعل.وتقيس شاهيناز التى كانت تجوب يوميا أكثر من ثلاث مدارس فى مختلف المراحل التعليمية، نسبة انخفاض ارتداء المحجبات بين طالبات المدارس الإعدادية إلى نحو 50% من إجمالى الطالبات بعد ثورة 30 يونيو، فى حين كانت قد وصلت إلى 90% خلال سنوات الألفيات، وبدأت تنخفض لتصل إلى 80% فقط خلال حكم الإخوان المسلمين.
تربط شاهيناز بين ذروة نسبة الحجاب بين طالبات الإعدادى «بداية سنوات ارتداء الحجاب» وبين تأثير موجة الداعية عمرو خالد، التى دعمها بعض المعلمين، خاصة مدرسى اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية، بطرق مختلفة منها التحفيزية أو التخويفية، باستخدام جمل مثل «اتحجبى عشان وشك ينور، الجنة للمحجبات»، وكان هذا يزيد من التمييز بين المسلمات والمسيحيات داخل الفصول، ووصل الأمر فى المدارس الإسلامية إلى أن أصبح الحجاب ملزما لكل الطالبات.
تقول شاهيناز: «كنا نتابع مثل هذه الأمور فى الوزارة والمديرية، وأرسلنا الكثير من التعليمات الرسمية للمدارس لتحذير المدرسين من إجبار الطالبات على ارتداء الحجاب خلال فترة المراهقة، وأن يكون تركيز المعلمين على تعليم الطالبات الأخلاق، كما أصدرنا تعليمات بألا يقوم بالتدريس منتقبات، وأن تنقل المعلمة المنتقبة إلى عمل إدارى»، هذه الضغوط لم تكن تمارس فقط على الطالبات، بل على المعلمات أيضا، اللاتى وصلت نسبة ارتدائهن للحجاب إلى 98%.
وتفسر المديرة السابقة لمديرية التربية والتعليم بالعاصمة، انكسار موجة الحجاب بين طالبات المدارس، إلى تراجع ضغط الأهل خاصة بعد ثورتى يناير ويونيو اللتين جعلتا الكثيرين يركزون على الجوهر والأخلاقيات أكثر من الشكل، وعلى الأمور السياسية أكثر من المظاهر الاجتماعية، بالإضافة إلى تراجع «موضة عمرو خالد».
• حجاب بحكم محكمة
مثلما كان بعض المعلمين يضغطون على طالباتهم من أجل ارتداء الحجاب، كانت هناك مدارس أخرى تمنع طالباتها من ارتداء الحجاب، على أساس أنه يتنافى مع الزى الرسمى المعلن للمدرسة، كما يؤكد مدير إدارة القاهرة الجديدة التعليمية محمد عطية، الذى لمس ذلك خلال مسئوليته عن مدارس أكثر من إدارة تعليمية خلال السنوات الماضية.
وتقابل هذه الممارسات - كما يقول عطية - بشكاوى من أولياء الأمور ضد المدارس التى كانت تضغط على طالباتها من أجل ارتداء الحجاب، وفى المقابل كانت تصل احتجاجات بعض أولياء الأمور إلى دعاوى قضائية ضد المدرسة التى تمنع بناتهم من ارتداء الحجاب، وتحكم المحكمة للفتاة بارتداء الحجاب.
• مصر والحجاب فى التاريخ المصرى
ارتبط ارتداء أغطية الرأس للنساء والرجال بالمكانة الاجتماعية والاقتصادية، كما يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، د. محمد عفيفى، وفى عهد الفراعنة استخدمت الأميرات المصريات الباروكة كغطاء للرأس، للدلالة على الانتماء لعلية القوم والوقار، وفى العصر المملوكى، كانت النساء ترتدى القازدوغلية، نسبة إلى الأمير قازدوغلى الذى كان يحكم على زوجاته، بارتداء ما يشبه الطربوش القصير فوق الطرحة، وتطور فيما بعد إلى القبعة، التى كانت تسمى القلنسوة، بحسب أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة د. مختار الكسبانى.
كما وجد على شواهد قبور النساء الأتراك من أسرة محمد على، صور تظهر أنهن كن يضعن الطرحة أو العمامة أو التلفيحة، فوق رءوسهن،  ولم تكن نساء الإخوان يلتزمن بارتداء الحجاب حتى نهاية الخمسينيات، ويدلل الكسبانى على ذلك بطلب مرشد الإخوان فى ذلك الوقت حسن الهضيبى من الرئيس جمال عبدالناصر فرض الحجاب على المصريات، فكان رد الرئيس: «ابنتك الطبيبة ليست محجبة».
• الاحتماء بالحجاب
أما عالم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية د.على ليلة: فيربط بين انتشار الحجاب بصورة كبيرة فى مصر منذ منتصف السبعينيات والثمانينيات وحتى الألفيات، وبين الأزمة الاقتصادية التى مرت بها الطبقة المتوسطة، مما اضطرها إلى اللجوء إلى الدين والاحتماء به، كأسلوب لمواجهة الفساد والأزمات الاقتصادية مع سياسة الانفتاح، تواكب معها عودة المهاجرين لدول عربية مرتدين أزياء هذه البلاد.
ويرصد على ليلة اتجاه بعض المرتديات للحجاب إلى التخلى عنه بعد زوال حكم الإخوان المسلمين، لشعورهن بأن هناك من استخدم الدين لمصالح خاصة، تواكب مع ذلك مشاعر الكثير من أسر الطبقة المتوسطة بعودة الثقة بعد ثورة 25 يناير، فتخلوا عن طاقة الرمز المادى للدين «الحجاب» إلى الرمز المعنوى.
هذه المشاعر التى يرصدها عالم الاجتماع، يراها قد تواكبت أيضا مع إدانة المجتمع لتصرفات بعض المحجبات، سواء فى طريقة ملابسهن أو غير ذلك.. ويتوقع ليلة أن يقتصر ارتداء الحجاب خلال السنوات القادمة على السيدات ما بعد الخمسين عاما، بينما ستكتفى الصغيرات بالسعى للعمل والتفوق والإنجاز، وستكون المحجبة أكثر توازنا فى تصرفاتها مع مظهر الحجاب.
• الحاجة لبحث قومى
يطالب أستاذ علم النفس السياسى بجامعة عين شمس قدرى حفنى: المركز القومى للبحوث الاجتماعية بإجراء دراسة قومية عن تطور ظاهرة الحجاب فى مصر الآن، فقد كانت آخر دراسة تابعها عن الحجاب هى رسالة ماجستير أشرف عليها خلال الثمانينيات، حين انتشر الحجاب فى الجامعة وقتها، ومنذ ذلك التاريخ لم تجر دراسات حول الظاهرة وتطوراتها.•