الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

زيادة الأسعار أو المجاعة الدوائية!!

زيادة الأسعار  أو المجاعة الدوائية!!
زيادة الأسعار أو المجاعة الدوائية!!


لم تعتبر شركات الأدوية رفض وزارة الصحة  الموافقة على طلبها بزيادة أسعار منتجاتها من الأدوية المختلفة نهاية المطاف.. فالشركات مصممة على زيادة الأسعار (رغم أنف وزيرها) بدعوى الخسارة رغم مليارات الأرباح التى تحققها سنويا.
 والمتابع للشأن الصحى المصرى بصفة عامة وللمتغيرات التى تشهدها السوق الدوائية خاصة يدرك أن شركات الأدوية بدأت خطة إجبار وزارة الصحة على اتخاذ قرار زيادة الأسعار التى بدأت بسحب بعض أصناف الأدوية  الحيوية والتى ليس لها بديل فى الأسواق مثل حقن الألبومين الضرورية لعلاج مرض الاستسقاء الكبدى.

حيث تعمل على إخراج المياه من تجويف البطن لمرضى الكبد، وأيضًا حقن الصبغة ليبيدول وحقن الكوريمون وبدائلها، وبون وان 0.25 ووان ألفا 0.25 لهشاشة العظام ومونوماك ديبو كبسولات لعلاج الذبحة الصدرية للقلب، وكذلك  «حقن الكورتجين» لقىء الأطفال توقف إنتاجها، وهى الحقن  التى كانت فى متناول المواطن البسيط لأن سعرها 5 جنيهات فى حين أن البديل لها حقن تسمى «دانست» سعرها 39 جنيها.
وقدر البعض حجم الأصناف الدوائية الناقصة فى السوق بأكثر من 400 صنف دوائى 25% منها على الأقل لا يوجد بديل له، فى حين وصل حجم الأصناف الدوائية الناقصة فى السوق فى تقدير عدد من أعضاء غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات إلى 1900 صنف دوائى، وتشمل جميع الأصناف التى تقول شركات الأدوية العاملة فى مصر أنها تحقق خسائر وتتراوح أسعارها بين 5 و20 جنيها.
وهو ما يؤكد اقتراب شركات الأدوية من إحداث ما يطلقون عليه (المجاعة الدوائية)، التى تحدث بتوقف الشركات عن إنتاج 80% من  الأدوية المسجلة، وإذا كان بعض المسئولين فى وزارة الصحة يستبعدون حدوث المجاعة الدوائية لكبر حجم الأدوية المسجلة لدى الوزارة والتى تقدر بحوالى 13 ألف صنف دوائى غالبيتها العظمى من الأدوية المتشابهة والجنسية، ولم يتوقف إنتاج سوى بضع مئات منها حتى وصل رقم الأدوية التى توقفت الشركات عن إنتاجها إلى 1900 الذى يعتبر ضئيلا جدا مقارنة بحجم الأدوية المسجلة فعليا والمصرح بإنتاجها من قبل وزارة الصحة.
ويبدو تبرير مسئولى وزارة الصحة منطقيا للبعض لكن الذى يعرفه جميع المتعاملين فى سوق الدواء أن الـ (13 ألف) صنف دوائى المسجلة فى وزارة الصحة  لا تقوم شركات الأدوية بإنتاجها جميعا حيث لا يزيد حجم الأدوية التى تنتجها شركات الدواء العاملة فى مصر بمختلف الجهات التى تملكها سواء كانت حكومية أو خاصة أو فروعا لشركات عالمية كبرى على 4000 صنف دوائى فقط، فإذا وصل عدد الأصناف الدوائية التى توقفت الشركات عن إنتاجها إلى 1900 صنف فإن ذلك يمثل حوالى 50% من عدد الأدوية الموجودة بالفعل فى الصيدليات، وهو ما يعنى الاقتراب من نقطة الخطر أو صافرة الإنذار بالمجاعة الدوائية!!  
 عجز الوزارة
وزارة الصحة من جهتها تبدو عاجزة أمام تحركات شركات الأدوية  فكل ما فعلته الوزارة على لسان وزيرها عادل عدوى هو التصريح بأنها لن تخضع لابتزاز شركات الأدوية وترفع الأسعار وأن أحدا لن يستطيع لى ذراع الوزارة لرفع أسعار الدواء، لكن هذه التصريحات الرنانة لم يصاحبها اتخاذ أية خطوات جدية على الأرض للوقوف ضد هذا الابتزاز، فمثلا لم تنذر وزارة الصحة الشركات بشطب أنواع الأدوية التى توقفت عن إنتاجها، وهو ما يعنى حرمان الشركات من إنتاج هذه الأصناف مستقبلا، لأن ذلك يتطلب البدء فى إجراءات تسجيل الأدوية والتسعير من جديد وهى إجراءات تأخذ وقتا طويلا قد يصل إلى أربعة أعوام للصنف الدوائى الواحد، كما أن شطب بعض أصناف الأدوية المسجلة يعنى بالضرورة خفض القيمة السوقية للشركات المنتجة لها، حيث تقدر القيمة المالية لشركات الأدوية فى مصر بحجم الأدوية المسجلة لها فى وزارة الصحة حتى إن توقفت عن إنتاج وتصنيع عدد منها لفترة مؤقتة.
الطريف أن لوبى شركات الأدوية ونقابة الصيادلة الضاغط لرفع الأسعار دفع  برئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين (المحسوب رئيسا ولجنة على وزارة الصحة) بتقديم بلاغ  إلى رئيس الوزراء ضد وزير الصحة نفسه  يتهم فيه الوزير بالمسئولية المباشرة عن اختفاء الأدوية المهمة من الأسواق بفعل سياسة الوزارة الفاشلة فى تسجيل وتسعير الأدوية،  أى أن بداية الضربات تحت الحزام لوزير الصحة جاءت من داخل الوزارة وعلى يد أحد موظيفه! ويراهن رؤساء شركات الأدوية على قصر نفس د. عادل عدوى وزير الصحة فى صراعه مع الشركات من أجل زيادة الأسعار، وكما قال لى أحدهم» وزارة الصحة تدرك أنها لا تستطيع مواجهة شركات الأدوية  لفترة طويلة خاصة أن الشركات  سواء كانت عالمية كبرى أو شركات خاصة أو تلك التابعة لقطاع الأعمال وتضم نحو 8 شركات منتجة وموزعة للدواء تحت مظلة الشركة القابضة للأدوية اتحدت فى مطالباتها بزيادة أسعار منتجاتها، لذلك يبحث الوزير عن حل يرضى الشركات على أن يتم تقديمه بطريقة توحى للرأى العام بأن الوزير لم يتنازل كثيرا، ولم يرضخ لابتزاز الشركات، وذلك باقتراح زيادة أسعار حوالى 300 صنف دوائى من الأكثر مبيعا لشركات الأدوية وهى الأدوية التى تعالج أكثر الأمراض شيوعا أو ما يعرف بسلة الأدوية الأساسية مثل أدوية الضغط والقلب والكلى والكبد والعظام والسكر على أن يتم  تبرير الزيادة فى حالة إجبار وزارة الصحة عليها بأن زيادة أسعار 300 نوع دواء لا يمثل شيئا من حجم الأدوية المسجلة والتى تتجاوز  13 ألف صنف دوائى وأن زيادة الأسعار  جاءت لإنقاذ شركات الأدوية الحكومية من الإفلاس والانهيار الاقتصادى (أرباح هذه الشركات تتخطى 400 مليون جنيه)، وأن صناعة الدواء قضية أمن قومى ولابد من المحافظ عليها، وكأن هذه الشركات التى تمثل الشركات العالمية العملاقة النسبة الأكبر فيها تشحت على باب السيدة ولا تحقق مليارات الجنيهات سنويا  قبل أن تحولها دولارات للشركات الأم فى الخارج حتى إن إحدى هذه الشركات وهى شركة فايزر مصر تبرعت لوزارة الصحة قبل سنوات قليلة بـ 5 ملايين دولار كمنحة لتدريب الأطباء، بل المؤتمر الترفيهى السنوى الذى كانت تعقده وزارة الصحة  فى شرم الشيخ قبل الثورة كانت تموله شركات الأدوية (أجنبية وخاصة وحكومية)، وطبعا لم تؤثر هذه التبرعات على أرباحها السنوية بل زادت هذه الأرباح نتيجة قيام الوزارة وقتها برد الهدية ورفع أسعار العديد من الأصناف الدوائية التى كانت تزيد كل عام وأحيانا أكثر من مرة فى العام للصنف الدوائى الواحد مثل دواء «أماريل» الذى يعالج مرض السكر وتنتجه شركة سانوفى أفنتس إحدى أهم كبريات شركات الأدوية فى العالم!!
ولا أعرف لماذا لا يرد وزير الصحة أو أى من مسئولى وزارته على ادعاء بعض أصحاب شركات الأدوية وأعضاء غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات بأن أسعار الأدوية لم ترتفع منذ أن كان سعر الدولار بـ 3 جنيهات أى منذ عام وهو كذب صريح ووقح، فأسعار الأدوية زادت  فى عهود كل وزراء الصحة بدءا من د. إسماعيل سلام «1996 ـ 2002» وحتى الآن ولا يوجد وزير صحة إلا وزادت فى عهده الأدوية، ونتيجة لذلك تعتبر صناعة الأدوية فى مصر من الصناعات المربحة جدا لأنها تعتمد على سوق استهلاكية كبيرة يزيد فيها سعر الدواء كل عام تقريبا، لذلك لم يكن غريبا أن يزيد عدد شركات الأدوية من  30 شركة قبل 15 عاما إلى أكثر من 120 شركة حاليا بل شركات عالمية تفضل الاستثمار فى السوق الدوائية المصرية عن الأسواق الأخرى فى المنطقة بسبب مرونة وزارة الصحة فى الاستجابة لمطالب الشركات برفع أسعار منتجاتها الدوائية كل فترة، وليس صحيحا أن الهدف من رفع الأسعار هو زيادة تصدير الأدوية المصرية، فرقم صادراتنا الدوائية مخجل للغاية بل أن شركة دواء أردنية واحدة هى «الحكمة» تصدر للخارج ما تصدره 120 شركة أدوية العاملة فى مصر  لأن سوق الدواء الأردنى حجمه صغير للغاية، لذلك فكل مكسب الشركة يأتى من التصدير أما عندنا فكبر حجم السوق (90 مليون نسمة) جعل غاية شركات الأدوية عندنا هو زيادة مكاسبها من السوق المحلىة وبدلا من أن ترحم المواطن المصرى الذى تربح منه المليارات تجدها مصرة على مص دمه لآخر قطرة بدعوى الخسارة.
وأخير نقول إنه لاتوجد دولة ولا وزارة صحة فى العالم تسمح لشركات الأدوية العاملة فيها بإيقاف إنتاج أى مستحضر دوائى يحتاجه مرضاها وتسمح قوانين واتفاقيات التجارة والملكية الفكرية المحلية والدولية لوزير الصحة أن يصدر قرارا بالتصنيع الإجبارى لأى دواء جديد تريد شركات الأدوية الكبرى أن تبيعه بسعر مغالٍ فيه طالما أن المرضى فى حاجة شديدة إليه.
وهو ما فعلته جنوب أفريقيا والهند فى أدوية جديدة مهمة لشركات دواء عالمية عملاقة فما بالنا بالأدوية القديمة المثيلة والبديلة  والتى تمتنع الشركات عن إنتاجها عمدا للضغط لزيادة أسعارها، فلماذا تصمت وزارة الصحة؟! •