الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البنت محجبة.. وأمها لأ!!

البنت محجبة..  وأمها لأ!!
البنت محجبة.. وأمها لأ!!


«بقى يا ابنى البنت تبقى محجبة وأمها لأ، دى حاجة غريبة قوي» كانت هذه هى الجملة التى علقت بها والدة المعيد بكلية الحقوق، بعد أول زيارة تعارف جمعت بين العائلة وعائلة حبيبته خريجة نفس الكلية.
وجدت أميمة نفسها صبيحة يوم الزيارة التى انتظرتها طويلا، مطالبة بأن تفسر للعريس سبب عدم حجاب والدتها.

هذه المواقف وغيرها يعيشها الكثير من الأسر فى بيوتنا..تحمل بين تفاصيلها أصداء صراع سنوات طويلة من الأفكار.. والغضب المكتوم.. ومقاومة القفز على الحرية الشخصية.
مشاهد متكررة.. تكشف عن مشاعر متأججة لأمهات وبنات حبسنها لسنوات خلف الأبواب المغلقة وستائر البيوت الهادئة.
«تبقى بناتك محجبات وأنتى مش محجبة، بدل ما تحطى الإيشارب على كتفك حطيه على رأسك.. عرسان بناتك هيقولوا إيه» جملة لا تنساها الصحفية الخمسينية «أ- ج»  التى لم ترتد الحجاب يوما، طالما سمعتها من والدتها.
بصوت تملؤه الثقة بالنفس والقدرة على تحمل الاختيار تحكى أ- ج عن تلك المشاعر والنقاشات التى عاشتها مع ابنتيها اللتين ارتدينا الحجاب منذ سن المراهقة.
تقول: لم أرتد الحجاب يوما، لأنى لا أفعل شيئا إلا بعد أن اقتنع به، رغم أن الكثير من زميلات الجامعة ارتدينه بعد تخرجنا خلال الثمانينيات، وفى نفس التوقيت تقريبا ارتديتاه والدتى وغالبية قريباتى وصديقاتى وزميلات العمل، بينما كنت أرى أن ملابسى المحتشمة تتماشى مع وسطية المجتمع الذى عشت فيه فى طفولتى وشبابي، ولم تكن السيدات ولا الفتيات يرتدين الحجاب، وكانت كبيرات السن يرتدينه وقارا، كما فى الأفلام وحفلات أم كلثوم.
لم تقف الأستاذة «أ- ج» أمام رغبة ابنتيها فى ارتداء الحجاب منذ أن كانتا فى مرحلة الدراسة الثانوية، «بصراحة عندى تخوف إنى أكون مش على يقين حقيقى فى موقفى من الحجاب، وعشان كده احترمت اختيارهما كما احترمتا اختياري، رغم إحساسى بأنهما ارتدايناه لأنهما لم تستطيعا الاختلاف عمن ارتدين الحجاب فى محيطها».
تكمل أ-ج: ابنتاى لم تطلبا منى ارتداء الحجاب لأن البنت سر أمها وتشعر بمشاعرها ومواقفها، ولا تحتاج الأم أن تبرر أو تشرح للابنة، لكن ما كان يحزننى هو أن بعض زميلات العمل وأصدقاء النادى لم ييأسن طوال هذه السنوات من محاولات إقناعى بارتداء الحجاب، وكثيرا ما تتكرر منهن تلك الجملة الشهيرة «ياخسارة كل حاجة فيكى كويسة مش ناقصك إلا الحجاب»، وكأن المجتمع لا يسمح لأحد بالاختلاف أوالتمرد على ما اختارته الأغلبية ولا يحترم حق الواحد منا فى الاختيار.
• حفلات الختان والحجاب
تصف الوكيلة المرموقة بالنيابة الإدارية «ل-م» مشاعرها حين جاءتها ابنتها طالبة المرحلة الثانوية، تخبرها بأنها سترتدى الحجاب قائلة: فى تلك اللحظة شعرت أن هناك من يريد أن يجرى ختانا لابنتى بعد أن حميتها من هذه العادة السيئة، قبل أن تصبح جريمة بالقانون.
وتكمل ل-م: أدركت ذلك عندما حكت لى ابنتى كيف يحتفل المدرسون فى المدرسة بالفتاة التى ترتدى الحجاب، ويقيمون لها حفلة ويشترون لها الهدايا، تماما مثلما كانوا يغرون الفتيات فى الماضى بالهدايا والملابس الجديدة والحفلة لتقبل أن يجرى لها الختان، وفى المقابل تتعرض الفتاة التى لا ترتدى الحجاب للتمييز، والاستهجان حين يطلقون عليها «أم قصة» أو للشد من شعرها فى بعض الأحيان، إلى جانب مشاعر الحرمان من الاحتفاء التى تمنح للمحجبات.
طلبت ل- م : من ابنتها ألا ترتدى الحجاب إلا بعد أن تنتقل للجامعة، «كنت أشعر بالضغوط نفسها التى تمارس على ابنتى من زملائى فى العمل حتى ارتدى الحجاب، وأردت أن أنقذ ابنتى من الاستسلام لها». وبالفعل استجابت الابنة لطلب الأم.
• صفعة للمعيدة
بمرارة تحكى الأستاذة بكلية الآداب «م، ع» قصتها مع حجاب ابنتها المعيدة بكلية العلوم الآن: تصورت فى البداية أنها ارتدت الحجاب تقليدا لزميلاتها فى المدرسة، وطلبت من والدها ألا يتدخل، لكنى فوجئت أنها تطلب منى ألا أحضر لأصطحبها من المدرسة أو من الدرس الخصوصي، لأنى لست محجبة ولا تريد أن تسمع تعليقات زميلاتها على ذلك.
وتكمل الدكتورة م: كانت فى الثانوية العامة ولم أشأ أن أدخل معها فى حوارات تخرجها عن أجواء المذاكرة، وابتلعت إيذاءها لمشاعري، ولم أرد عليها خاصة بعد وفاة والدها، لكنى لم أتصور أن تقول لى «إلبسى إيشارب قدام العريس وأهله لغاية مايمشوا وبعد كده اقلعيه، دول ناس متدينين».
لم تشعر الدكتورة «م» بيدها إلا وهى تصفع ابنتها المعيدة، فى تلك اللحظة وتقول لها: «أنت ما يهمكيش أكون كذابة، لو مش محترمة أمك روحى اتجوزيه من ورايا».
رأت أستاذة الجامعة أن عليها أن تلقن ابنتها المعيدة درسا تأخرت طويلا فى أن تعطيه لها لسنوات، تحملت فيها أن تسمع من ابنتها جملة «ربنا يهديك»، فقط لأنها لم ترتد الحجاب، وهى التى أفنت حياتها من أجل أن تربيها، وتحملت فيها معاملة الابنة الفظة لصديقاتها أستاذات الجامعة المرموقات، لأنهن غير محجبات.
خسرت الابنة المعيدة العريس المتدين، لكنها قابلت مهندسا وأحبته، ولم تخجل من مقابلته لوالدتها، وتزوجته بالفعل.
• التصرفات المخجلة
أما مروة -28 سنة - موظفة حجز التذاكر فى إحدى شركات الطيران الشهيرة، التى ارتدت الحجاب خلال المرحلة الثانوية، بعد أن ارتدته الكثير من زميلاتها فى المدرسة الإنترناشيونال، فلم تشعر بأى مشكلة فى أن تكون والدتها التى مازالت تعمل فى نفس الشركة غير مرتدية للحجاب، لأنها كما تقول تربت على احترام الحرية الشخصية، ولهذا لم تعترض والدتها على ارتدائها للحجاب أيضا.
تتذكر مروة كيف علقت والدتها ذات يوم على طريقة ملابسها بقولها: «كنت حلوة واستايل، كبرت نفسك قبل الأوان»، وكيف أن والدتها كانت تشير إلى طريقة ملابسها بعد ارتداء الحجاب، لكنها تفهمت رأى والدتها كأى أم تريد أن تكون ابنتها أجمل البنات ليتقدم لها الخطاب. 
لكن يسرا الطالبة بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة، التى ارتدت الحجاب خلال المرحلة الثانوية، تقول: ارتديت الحجاب بعد أن قرأت واقتنعت به، وليس فقط لأن زميلاتى يرتدينه، وليس لأنى فرحت بالملابس الجديدة التى اشتريتها معهن حين قررنا جميعا ارتداءه فى نفس الأسبوع، ومع هذا أفتخر بوالدتى مدرسة اللغة الإنجليزية، وهى ليست محجبة، لأنها محترمة، ولا يمكن أن أخجل منها، ومن تخجل من والدتها لا تحبها، وهناك فتيات كثيرات يخجلن من أمهاتهن المحجبات بسبب مداعباتهن لزملائهن فى العمل بطريقة مريبة ومخجلة.
• تلاميذ الدكتورة سلوى
 د.سلوى عبدالباقي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة حلوان، عاشت مثل هذه التجارب مع العديد من معارفها، وفى الحالات التى كانت فيها الأم مستنيرة ومثقفة، كانت تستطيع أن تكون أكثر هدوءا فى تفهم مشاعر الابنة وموقفها، لأنها لا تتعرض لضغوط وانتقادات من الابنة فقط، بل من زملائها فى العمل ومن الأقارب أيضا.. وهذه المشاعر نفسها عاشتها د. سلوى، مع تلامذتها وتلاميذها فى الجامعة، لأنها غير محجبة، وكثيرا ما تسمع منهم الجملة نفسها «أنت كل حاجة فيك كويسة.. طيب ليه مش محجبة».
 وترى د.سلوى أن عدم تفهم الأم والابنة أو حتى الابن لحق كل فرد فى الأسرة فى اختيار طريقة حياته، هو الذى يسبب سوء تفاهم وخلافات كثيرة داخل الأسر، لكنها ترى أن سلوك الإنسان هو الذى يفرض نفسه فى النهاية وليس الشكل، وأنه كلما كان المجتمع منتجا ويقدر قيمة العمل، سيهتم بالمضمون وليس الشكل، لن يكون هناك مكان لانتقاد أحد بسبب هيئته أو ملابسه.
وتتمنى د.سلوى أن يعلى المجتمع المصرى من قيمة العمل والمضمون وليس الشكل، خلال مرحلة الإنتاج والعمل المقبلة. •