الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأساتذة أحمد خليل اللورد

الأساتذة أحمد خليل اللورد
الأساتذة أحمد خليل اللورد


قد يختفون قليلا.. ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى  زحمة الدنيا لبعض الوقت.. لكنهم يظلون طوال الوقت.. حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة.. ونقطة ضوء فى  عتمة الليالى  الفارغة.. يظلون دائما..

ساعة من زمن لم أعشها من قبل.. تمنيت كثيراً ولم تتح لى الفرصة.. توقعت أن أكون برفقة فنان آتِ من هذا الزمان ولكن فى الحقيقة هو لم يأت أبداً.. بل أخذنى أنا إلى هناك.. أخذنى إلى زمن كان هواء  ميدان طلعت حرب معبأ برائحة الآيس كريم.. حين كانت السينمات بنكهة «السواريه» والـ«الفورير» والعطور الفرنسية.. حين كنت كمريض يتوجب عليك الوقوف احتراما لحظة دخول الطبيب حين كنت تسير فى شوارع القاهرة فترى لمعة الأسفلت جراء غسله بالماء والصابون.. هكذا وصف الفنان أحمد خليل الزمن الذى تربى فيه وأخذ من طابعه المخملى تفاصيل أضافت إلى ملامحه الكثير من الرقى والأناقة وإلى فكره تحضراً وعمقاً.

لعبة الفن والحظ
• كيف اكتشفت الفنان بداخلك؟
ـــ أول ما أتذكره حين أعود لمرحلة الطفولة أنى لم ألعب سوى لعبة واحدة فى حياتى وهى أننى كنت أقوم بتأليف قصص وأوزع أدوارها  على أصدقائى وآخذ دفتر روشتات والدى الطبيب لأصنع تذاكر وأوزعها على أصدقائى ليشاهدوا العروض، وفرحت كثيرا بنفسى حين التحقت بمعهد السينما ووجدت أن كل ما كنت أفعله هو العملية الفنية المتكاملة بدءاً من التأليف والتمثيل والإخراج وحتى الجمهور الذى لا تكتمل العملية الفنية بدونه.. «بدون الجمهور.. لاقيمة للفن»  فشعرت أننى أمتلك حسا فنيا بالفطرة.
• ومتى بدأت حياتك العملية ممثلاً؟
ـــ تخرجت فى معهد السينما عام 1966 وكنت الأول فى دفعتى وعينت معيداً فى المعهد ولم أحب تلك المهنة كثيرا ولم أستمر فيها سوى سنوات قليلة  وبدأت رحلتى فى عالم الفن وكنت محملا بطاقات قوية.. كنت أحلم وقتها بأني سأعيد بناء قواعد الفن من جديد ولكن حين بدأت حياتى العملية لم أشعر بتلك الهالة التى كنت أتوقعها.. وجدت نفسى وجهاً جديداً أعامل بطريقة لا تليق وأؤدى أدوارا فى أعمال اجتماعية بسيطة لا تقدم هدفاً ولا معنى فكنت أتحامل على نفسى كثيرا حتى أتواجد وأحصل على أدوار ولكننى لم أكن سعيداً أو متحققاً.
• ولكن لماذا لا نتذكر أحمد خليل فى مرحلة شبابه.. فأنت منذ بدايتك تؤدى دور الوالد؟
ـــ أنت لا تتذكرينى لأننى لم أكن موجوداً بالفعل.. وتلك قصة لا يعرفها الكثيرون.. سأرويها لك وأعود معك إلى عام 1974 حين كنت أؤدى دورا فى مسلسل اجتماعى يتكلم عن المشاكل الزوجية وكان مطلوباً منى فى أحد المشاهد أن التهم طبق كفتة من صنع زوجتى وحدث وتأجل المشهد لمدة يوم وقام الإنتاج بحفظ طبق الكفتة داخل  دولاب فى ديكور المسلسل وحين أتيت فى اليوم الثانى  للتصوير وضعوا أمامى نفس الطبق وبالطبع علمت من رائحته أنه قد فسد وطبقا للمشهد طلب منى المخرج التهامه وحين رفضت أداءه إلا فى حالة إحضار طعام آخر.. رفض الإنتاج.. وكانت هذه أول مرة فى حياتى أتفوه بأقبح الألفاظ والشتائم تاركا البلاتوه وأقسمت على عدم العودة للتمثيل مرة أخرى.
وبقيت فى المنزل ما يقرب من ثمانية أشهر حتى فوجئت بعقد أرسلته لى إحدى الشركات الخليجية لتصوير مسلسل «سليمان الحلبى» فى «دبى» بناء على ترشيح من الأستاذ محفوظ عبدالرحمن.. وقتها لم نكن نسمع عن دبى ولم يعرفها أحد مثل الآن، وبالفعل اتخذت قرارى بالسفر للاستكشاف ولأننى كنت فى حالة نفسية سيئة جداً بسبب بعدى عن التمثيل.. ولكن حين وطأت قدماى الاستديوهات هناك «انبهرت كثيراً».. كانوا قمه فى الالتزام والرقى فى التعامل لأن الاستديوهات كانت تخضع لإدارة إنجليزية وشعرت أننى أمام كل ما حلمت به وظللت أتنقل بين الدول العربية لمدة أربعة عشر عاما.. عملت فيما ما يقرب من أربعين مسلسلاً ولم أوقع عقداً كسابقه وظللت أتدرج وحظيت بشهرة واسعة فى الخليج.. لم يكن باستطاعتى مثلاً أن أسير فى الشارع بشكل عادى أو أتواجد فى أماكن عامة.. فى نفس الوقت الذى  لم يكن أحد يعرفنى فى بلدى.
• وكيف عدت مرة أخرى إلى العمل فى مصر؟
ـــ أثناء عملى هناك تعرفت على المخرج تيسير عبود، وكان يجهز لمسلسل بعنوان «الساقية تدور».. وعرض على دور فلاح بسيط.. وحقق هذا العمل نجاحاً ساحقاً فى ذلك الوقت وبعدها عرض على تقريباً عشرة أعمال جميعها دور فلاح.. وفكرت وقتها ماذا لو أديت هذا الدور مرة أخرى وحقق نجاحاً  كنت سأضع نفسى فى هذا الإطار للأبد ولن أنجح فى الفكاك منه.. رفضت كل الأدوار التى ستضعنى فى هذا القالب.. ثم عرض على أعمالاً أخرى مثل «من الذى لا يحب فاطمة».. «هوانم جاردن سيتى» وهكذا بدأت أحقق نجاحاً ملحوظاً فى مصر.
• وعن السينما.. ماذا تقول؟
- حقيقة لا يوجد بيننا حب متبادل.. فلم تحبنى ولم أحبها ولم يعرض على أدوار مشجعة فيها بخلاف الأدوار التى قدمتها مثل «جاءنا البيان التالى».. و «هدى ومعالى الوزير» وأنا سعيد بنجاحى فى الدراما التليفزيونية ويكفينى جداً.
خمسة سياسة مع أبو البنات
• الجمهور لا يعرف الكثير عن حياتك الشخصية؟
ـــ أنا متزوج من سيدة المانية جميلة ولدى بنتان «علياء» و «أمينة».. أحمد الله على وجودهما فى حياتى.. أحرص على تعليمهما وتربيتهما كما تعلمت وتربيت ومستعد لصرف آخر قرش أملكه فى سبيل تعليمهما تعليماً حقيقياً وهما خريجتا الجامعة الأمريكية وتحضران الآن للدراسات العليا.. وأنا أرى أن الاهتمام بتعليم الفتاة أهم من تعليم الولد لأن الفتاة ستربى وتعلم جيلاً آخر وما أحوجنا إلى هذا فى تلك الأوقات العصيبة.. وأرى فيهما شبابى فلديهما طاقة وأمل يتخيلان بهما أنهما سيعيدان بناء العالم... وأنا أتركهما لخيالهما ولا أريد إحباطها.
• ألهذا القدر ترى ذلك مستحيلاً؟
ـــ المجتمع الآن لا يسمح بهذا وأنا لا أحب الكلمات الكبيرة والشعارات الرنانة، فلسنا بحاجة إلا «للديكتاتور العادل المستنير» الذى يعيد إلينا اللجام مرة أخرى لأننى أتوقع نتائج غير مبشرة إذا استمررنا على تلك الأوضاع.. فالشعب المصرى لديه سمات عظيمة تظهر فقط فى وقت الأزمات ويتوجب على من يحكمنا استغلال تلك الصفات فينا والعمل عليها  ليعيدنا إلى المسار الصحيح مرة أخرى.
• وعن الحياة مع زوجة ألمانية.. ماذا تقول؟
ـــ زوجتى هى الألمانية الوحيدة التى خطبت  مثلها مثل أى فتاة مصرية.. كانت هناك علاقة نسب بينها وبين أختى ورأتها والدتى وخطبتها لى وأول مرة أراها كان من خلف الباب ولم أر إلا شعرها واستمررنا فى فترة خطبة حتى شعرنا أننا مستعدان لإتمام الزواج.. وأعشق فيها الصدق وإحساسها بالحرية.. فهى ليست مضطرة للعيش معى إذا لم تشعر بالحب والراحة وأنا أيضا.. باختصار شديد زوجتى تلخص عبارة الإمام «محمد عبده» «رأيت هناك إسلاماً بلا مسلمين» بداية من تعاملها مع عائلتى واحترامها احتراما شديداً لتقاليدهم  ونسائكهم الدينية وصولاً إلى «الخناقة» اليومية التى استيقظ عليها حين أجد زوجتى توقظ بناتى حتى تؤديا صلاة الفجر.
شخصيات.. وأعمال
• هل لديك أدوار محببة إلى قلبك.. أكثر من غيرها؟
ـــ القريب دائما إلى قلبى هو العمل الناجح بكل عناصره.. ماذا إن أحببت أنا دورا لم يحبه الجمهور ولم يلق ناجحاً.. فى رأيى أنه دور لا أهمية له.
• أحدث أعمالك.. مسلسل «الخطيئة» الذى يحاكى الأعمال التركية.. فى رأيك هل تأثرنا كثيراً بالدراما التركية؟
ـــ أهم ما يميز الدراما التركية هو جمال الصورة وهو ما وعينا له وحاولنا تقليده وفى هذا إضافة للدراما المصرية، بالإضافة إلى أن القصة والسيناريو المصرى أقوى بكثير من المحتوى التركى وإذا تحدثنا عن كثرة عدد الحلقات فهى أصبحت شيئاً محبباً للجمهور ولا يتذمر منه مادامت أحداث المسلسل تستدعى هذا العدد من الحلقات. 
• هل احتجت يوما لزيارة طبيب نفسى من أجل دور ما؟
- لا تصدقى من يقول هذا وإذا صدق اعلمى إنه ليس «ممثل جيد» ولا يمتلك مفاتيح الخروج والدخول إلى الشخصية وهو «التكنيك» الذى يتوجب على أى ممثل محترف اتباعه وهنا تأتى أهمية الدراسة الأكاديمية.
• فى النهاية.. هل تعتبر نفسك شخصاً محظوظاً؟
- جداً وحصلت على أكثر مما حلمت.. لأن شخصاً بتلك التركيبة النفسية والشخصية يصعب عليه كثيرا التكيف  مع الوسط الفنى، وخصوصاً فى مصر ولكن القدر كان على الدوام فى صفى وينقذنى فى الوقت المناسب.•