الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى دهـاليـزالقصر الرئاسى: حـاشيــة الرئـيـس الـقـادم

فى دهـاليـزالقصر الرئاسى: حـاشيــة الرئـيـس الـقـادم
فى دهـاليـزالقصر الرئاسى: حـاشيــة الرئـيـس الـقـادم


يخططون.. يصفقون.. وأحيانا يغتالون فكريا كل من يقترب من عالمهم داخل دهاليز القصر الرئاسى إنهم الرجال المقربون من الرئيس، رجال لا تراهم الشمس إنما نرى بصماتهم على كل قراراته، رجال أجادوا النفاق »والنفخ« حتى يصبح الحاكم كالبالون على وشك الانفجار فى وجه شعبه فيبادره الشعب بشكة دبوس..
 
جميعنا نحمل الذكرى السيئة عن هؤلاء فمن زكريا عزمى »رئيس الديوان« الذى كان يمنع الاقتراب من الرئيس السابق بل وتحديد ما يطرح عليه من أسئلة صحفية وبالطبع بما لا يمتد إلى قضية التوريث.. إلى صانع الفرعون الصغير أحمد عز والذى قال عن جمال مبارك فى وصلة »نفخ« إعلامية بأنه مفجر ثورة التطوير فى الحزب الوطنى »المنحل«، إلى صفوت الشريف إلى..إلى.. ممن راهنوا عليه جميعا فخسروا الرهان وتحولت المنحة إلى محنة..
 
والآن بعد تجربة انتخابية رئاسية وصفها الجميع بأنها عرس ديموقراطى جديد يتجمل على أثرها القصر الرئاسى لاستقبال رئيسه لم نتحدث بل ولم نسمع من مرشحينا شيئا عن »حاشيتهم« ولماذا لم يخترهم الشعب كما اختار رئيسهم؟ وإذا كانوا هم مفسدوا الرئيس السابق فهذا أجدى أن نتحقق فى اختيار هؤلاء مع الرئيس القادم، كما حدث فى بريطانيا بعد فوز حزب المحافظين حيث قام رئيس الوزراء باختيار أسماء الحاشية ثم عرضها على البرلمان للتصويت عليها وعندما نشرت إحدى الصحف الإنجليزية خبرا عن أحد رجاله بأنه دفع غرامة لأنه كان يقود سيارته مخمورا، تم استبعاده فورا من الحاشية!!..
 
تساءلنا مع محللين سياسيين عن هؤلاء الأشخاص، الذين كانوا بمثابة أصابع وعقل النظام السابق وعن »نيولوك« ظهورهم مع الرئيس القادم وهل سيخرجون علينا أم إلينا وهل سيستمر تزييف التقاريرالمكتوبة ام سيأخذون بظاهرة التطور ويقطعوا »وصلة النت«.
يقول الدكتور حسن أبو طالب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى تحليله لفكر الحاشية وتغلغلها فى توجيه النظام السابق »بأن الحاشية أوالبطانة أو شلة الرئيس كما يطلق عليها البعض قد أفسدت الرؤساء وخانتهم بل وأذلتهم على مدى التاريخ فمن عبدالناصر إلى السادات ومنه إلى مبارك والذى كان له فريق خاص من المنافقين يحيطون به ويغازلونه فاستمع إليهم واستمتع بلذة إطرائهم. هؤلاء الأعوان الذين يقلبون الحقائق فيزينون للرئيس الفجور والشرور والظلم من أجل خدمة أهدافهم ومصالحهم الخاصة دون أدنى اهتمام بمصلحة الشعب، والرئيس فى برجه العاجى لا يسمع ولا يشفع، حتى أنهم عندما يبادرونا بدعوة من دعواتهم الإصلاحية مثل الخصخصة وغيرها من الأفكار التى أرادوا بها تمزيق البلاد اقتصاديا حيث لا تكون أكثر من حيلة رخيصة على الشعب تحمل فى ظاهرها خدمة الوطن بينما فى باطنها هى صورة بانورامية لتوزيع ثروات الوطن على هؤلاء الحاشية والمقربين من السيد الرئيس وهو ما يتبعه سقوط مدو للبلاد إلى حافة الهاوية.
 
وإذا تحدثنا عن هؤلاء الحاشية فنجد أنهم ليسوا القاصرين على الرئيس وإنما لدى كل صاحب نفوذ وقوة، وتكون لديهم طريقتان فى تصعيد المساعدين الخاصين بهم وهم إما أن يكونوا من أهل الثقة وليس بالضرورة أن يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة وأما أن يكونوا من أهل الخبرة وجديرين بهذا المنصب، وبالنسبة لحاشية الرئيس والتى تحمل أهمية خاصة حيث إنهم يمثلون ميزان الرأى داخل القصر الرئاسى وإذا لم يحسن اختيارهم بعيداً عن الأهواء الشخصية فسوف نقع فى متاهة الفساد كما حدث سابقا فى جميع مناحى الحياة على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والسياسى لذلك علينا أن نتشاور فى تحديد الأصلح من ساكنى القصر الرئاسى. أما عن صلاحيات الحاشية فى ظل عهد الرئيس القادم فيقول »طالب« أعتقد أن الرئيس القادم لن يكون مطلق اليد فى تعيين من يشاء أو يضرب بالثقة الشعبية عرض الحائط وأن يفعل ما يريد أو يعتقد أنه فوق الحساب لأن هذا عهد انتهى وجاء عهد جديد عليه رقابة إعلامية وشعبية وسيتم البحث والكشف عن كل صغيرة وكبيرة وستكون هناك رقابة صارمة من جميع أجهزة الدولة كما أننى لا أتصور أن الذى جاء بإرادة شعبية قد يسىء اختيار معاونيه فنحن فى ظل نظام تعددى سياسى وتداول للسلطة ولابد أن يكون التصعيد قائماً على الكفاءة والمعايير بأن يكون الشخص المناسب فى المكان المناسب. ونحن الآن على مشارف عهد جديد نبتعد فيه تدريجيا عن فكرة الحاشية إلى فكرة المعاونين الأكفاء وأى رئيس بغض النظر عن التيار المنتمى إليه سيكون حريصا على ذلك وعليه أن يدرك أن الأولى تصعيد أهل الكفاءة أكثر من أهل الثقة لذلك لا أتوقع حيزا كبيرا لأهل الثقة فى الفترة القادمة ولن يكون لهم النصيب الكبير من المناصب والقيادات وإذا ثبت فساد أى من هؤلاء الحاشية فسيتم استبعاده فورا لأن الرئيس سيكون لديه الحرص على نظافة سيرته وسريرته.
 
 كدابو الزفة
 
»السلطة المطلقة مفسدة مطلقة« هكذا قال الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس مضيفا بأن النظام لا يعنى حاكماً وإنما جماعة تتحكم فى سياسة الدولة وتحريك مقاديرها لذلك فعندما نسقط نظاماً فعلينا أن نقضى على أتباعه وعندما نعيد بناء نظام فعلينا أن ننتبه إلى حاشيته ويوضح زهران حديثه قائلا:
 
لم يكن يخطر ببال الرئيس السابق أنه سيغادر هذا المنصب بهذه الصورة التى شهدها العالم كله فكل رئيس هو الذى يدفع ثمن أخطائه وأخطاء من سمموا فكره تجاه شعبه بأن اعتقد أنه ولى نعمتهم والمتصرف فى شئونهم حتى وإن لم يحاسبه شعبه، فسيحاسبه التاريخ، ونحن كأساتذة سياسة قد أدركنا هذه النهاية للرئيس السابق لأن لكل طاغية نهاية لا تختلف كثيرا عما حدث، ولنكون أكثر حيادية فقد يكون الرئيس فى بداية حكمه صالحاً، ولكن بطانة السوء تفسده وتفسد الدولة كلها. وإذا أردنا تدارك ذلك فى الفترة المقبلة فعلينا إقامة نظام ديموقراطى قائم على المحاسبة السياسية والتى على أثرها ستتلاشى فكرة الأعوان والمقربين من الرئيس وإننى أذكر أن قال لى أحد الأشخاص أن سكرتير الرئيس فقط كان لديه ١١ ملياراً فماذا عن باقى »الشلة«؟ وهو ما تكشف عنه تحقيقات القضاء حتى هذه اللحظة. وإذا تحدثنا عن فساد حاشية القصر الرئاسى فيجب ألا نغفل حاشية الإعلام و الذى لا يزال على ضلاله القديم جالسا فى انتظار من ينافقه حيث كان الإعلام الرسمى تحديدا أحد العوامل الرئيسية السلبية فى نفخ الرئيس السابق وتضخيم الإحساس بالذات لديه و الآن فى انتظار الرئيس الجديد حتى يمارس معه نفس الدور، ويشارك فى صنع طاغية جديد. ولا شك أن هناك الآن طوابير من المنافقين ينتظرون فرصتهم فى الفوز بمنصب أو نفحة من الرئيس القادم، فيصبحون بطانة السوء له ووبالاً على الشعب الذى سرقوا منه كل شىء حتى ثورته.
 
ومن الآن علينا أن ننتبه إذا كنا جادين فى التحول لدولة ديمقراطية حقيقية وأن نتعلم من التاريخ وألا نعيد الكرة نفسها مرة أخرى. وأن ندرك أن بطانة الرئيس القادم أهم منه هو شخصياً.. فصناع الطغاة محترفون، ويجيدون التسلل وإفساد الرؤساء لتحقيق مصالحهم على حساب الشعوب التى تظل تنتظر وتنتظر لكشف الغمة أو يبارك الله ثورتهم وتنجح وإن كان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
 
 ثغرات قانونية
 
يتعجب الدكتور يسرى العزباوى الخبير الاستراتيجى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، من صناعة الشعب للديكتاتور ثم تأليهه كما ينبهنا إلى ثغرات القوانين المتضاربة والتى يفلت منها صانعو القرار عندما يقعون فى الفخ فيضيف قائلا:
الحاشية الفاسدة التى حول الرئيس والشعب الضعيف هو الذى يضع الفرعون وهذا ما آل إليه مبارك، فللأسف الفكر المصرى لم يرتق إلى فكرة التمييز والاختيار على أساس الأصلح إنما الأقرب »واللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش« كذلك الاعتماد على سياسة التكويش والاستحواذ والتى مازال معظمها موجود فى المجالس القومية لذلك فالحاشية القادمة لن تكون أفضل من سابقتها إلى أن يتم تحجيم صلاحياتها. فلا شك أن الرئيس القادم أيضا سيأتى وبجواره أهل الثقة ولكن لن يستطيعوا أن يقوموا بنفس مغالطات العهد السابق كما سيكونوا أقل فسادا بكثير لأن عين الرقابة ستلاحقهم أينما ذهبوا. والمهم أن يتمسك الشعب بأن تكون فترة الرئيس ٤ سنوات بحيث لا يستطيع أن يفسد هو وحاشيته خلال هذه الفترة. والأزمة إذا جاء الرئيس من أغلبية البرلمان فبالتالى ستأخذ بالنظام الرئاسى وهذا سيساعده على الفساد ولكن إذا كان النظام برلمانياً فستكون هناك سلطة رقابية للبرلمان على الرئيس. وعلى المصريين والسلطة التنفيذية أن تتخلى عن سياسة أن الرئيس هو الحاكم بأمره ويؤمر فيطاع كذلك التخلى عن عادة المصريين والتى تتطوع بتأليه الحاكم. كما على الجميع أن يتعلم ثقافة القانون والالتزام والمصارحة والمكاشفة واذا أخطأ الرئيس لابد من مواجهته، وقبل ذلك لابد من تنقيح القوانين المتضاربة التى يستطيع عن طريقها الخروج من دوائر الاتهام. تلك الثغرات التى أعدها جهابذة القانونيين ممن ينتمون إلى حاشية البلاط الرئاسى لتكون باب الخروج الخلفى لهم وللرئيس فى حالة إدانتهم.
 
تحجيم سلطة الحاشية
 
يشرح لنا د. رفعت سيد أحمد كاتب وباحث مصرى والمدير العام والمؤسس لمركز يافا للدراسات والأبحاث السياسية أن الرئيس الذى اختاره الشعب لابد أيضا وأن يختار حاشيته فيقول: الحاشية فى مفهومها السياسى العام تعنى نواب الحاكم سواء كان هذا الحاكم رئيس جمهورية، رئيس وزراء، وزيراً، محافظاً، كما أنه يكون متحدثا باسمه وذلك باعتباره من المستشارين أو بعض المقربين. لذلك تعد مسألة اختيارالحاشية من الأمور المهمة لأن هؤلاء هم أقرب الرجال حول صانع القرار »الرئيس« ويكون فى صلاحهم صلاحه وفى فسادهم فساده لأنهم يؤثرون فى قراراته تأثيراً كبيراً. ومن الممكن أن يكون العكس هوالصحيح أيضا، حيث إن الحاكم الفاسد قد يفسد حاشيته بأن يقرب الفئة الطالحة على الفئة الصالحة وهذا قليلا ما يحدث. ومعنى ذلك أن الحاشية أو الذين حول الرئيس هم أداة إنجاح أو إفساد تاريخية للرئيس, لذلك ففى الدول الديمقراطية المحترمة يقوم الرئيس بالإعلان عن أسماء المستشارين والتى تعنى حاشيته ويقدمها للبرلمان لمناقشتها بالقبول أو الرفض بينما يقوم هؤلاء الأشخاص بتقديم السيرة الذاتية لكل منهم، وعلى هذا الأساس يتم التصويت عليهم داخل البرلمان. أما نحن فلا أحد يتدخل باختيار حاشية الرئيس أو يصوت عليهم فليست لدينا هذه الثقافة لأن ثقتنا فى الحاكم أكبر من أن نفكر فى ذلك وهو ما نتج عنه أن أفسدت الحاشية السيئة الكيان الرئاسى حتى وصلنا إلى الفاجعة الكبرى وهى أن الفساد استشرى داخل كل أجهزة الدولة. إلى أن جاء المتغير الكبير وهو ثورة يناير حيث أقرت واقعا مختلفا يشرعه قوة الميدان والتى ستكون قادرة على تصويب وتغيير سلوك النخبة المحيطة بالرئيس حتى لو كانت فاسدة وأعتقد أن التجربة ستكون أفضل الآن لأن الشعب الذى خرج لن يعود مرة أخرى وسيقف أمام أى حاشية ظالمة بل وأمام أى رئيس فاسد.