الأساتذه محمد متولى الحالم
صباح الخير
قد يختفون قليلا.. ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى زحمة الدنيا لبعض الوقت.. لكنهم يظلون طوال الوقت.. حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة.. ونقطة ضوء فى عتمة الليالى الفارغة.. يظلون دائما..
بين «مصطفى بطاطا» و«المعلم بسة»، بين «خوليو» و«الحاج إسماعيل» أبحر النجم الكبير محمد متولى - على مدار 45 عاما من العطاء الفنى - بين شخصيات كانت ولا تزال تنبض بروح كل مواطن مصرى، تنوعت بين الظالم والرحيم، صاحب النفوذ والصعلوك.. شخصيات توحد المشاهد معها وتسللت إلى قلبه برشاقة الأداء السهل الممتنع وصدق الإحساس ليعيش فى أدواره وتعيش فيه.. برع الفنان القدير محمد متولى فى أدائه لأدوار «السايكو تراجى كوميك» وهى المنطقة التمثيلية التى تميز بها عن سائر أبناء جيله، واستطاع أن يقدم أدوارا مثلت علامات فارقة فى تاريخ التليفزيون والسينما.. التقينا به فى منزله بالمريوطية، وتأكدت أنه ليس فنانا جميلا فحسب وإنما إنسان أجمل.. استقبلنا بحفاوة وحنان الأب، فتح لنا قلبه وتحدث عن ذكرياته مع عمالقة نجوم السينما.
•لماذا قررت الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية بعد الدراسة فى كلية دار العلوم؟
- منذ سن الـ12 أو إلـ13 عاما اكتشفت موهبتى فى التمثيل عندما كنت أمثل الاسكتشات الصغيرة ثم مسرحيات الفصل الواحد فى المدرسة.. كذلك إخوتى كانوا هواة للتمثيل ولذلك فقد أحببت التمثيل من خلالهم.. أما فى مدرسة السعيدية الثانوية فقدمت 3 مسرحيات عالمية بالترتيب «موتى بلا قبور» لجان بول سارتر وإخراج عبد الفتاح السباعى و«العادلون» لألبير كامى وإخراج أحمد علام وآخرها مسرحية «الأب» لأوجست ستراندبرج وحصلت عن المسرحيتين على ميداليتين ذهبيتين أما الأخيرة فحصلت عنها على الميدالية الذهبية بامتياز.. بعد ذلك قدمت أوراقى فى المعهد العالى للفنون المسرحية ومكتب التنسيق الذى اختار لى كلية دار العلوم..
ولأول مرة أرتكب فعلا أندم عليه وهو أننى كذبت: بعد التقديم فى معهد التمثيل ومكتب التنسيق قدمت فى معهد التربية الموسيقية العالى بالزمالك والحقيقة أننى لم أكن أنتوى الالتحاق بهذا المعهد ولكننى كانت لدى رغبة فى أن «أختبر أذنى وأعرف إذا ما كانت موسيقية أم لا!»، رغبة صبيانية، الإفيه بقى أن اللجنة التى اختبرتنى مكونة من سيدتين هما سكرتيرة ووكيلة المعهد وكانت مدة الاختبار ساعة إلا ربعا، عصرونى، غنيت لهما أغنيتى محمد عبد الوهاب القديمة «عصفور البان» و«يا جارة الوادى» فلاقيت استحسانا كبيرا من ناحيتهما وفى آخر الوقت سألتنى وكيلة المعهد: هل إذا نجحت فى هذا الامتحان ووجدت نفسك صالحا للتحضيرية «أى إعدادى معهد» ستلتحق بالمعهد وتدرس الموسيقى؟! وأعلم جيدا أنك إذا لم تلتحق ستحرم غيرك من هذه الفرصة؟! وهنا أعترف أننى كذبت وقلت لها أنا أحب الغناء وأود لو أتعلم العود..! وبالفعل نجحت وفزت بالتحضيرية ولم ألتحق بمعهد الموسيقى ليشاء الله أن يجازينى بأن أرسب فى معهد التمثيل، وهذه عدالة السماء.
ثورة الموتى
• وهل ذلك منعك من التقديم مرة أخرى فى المعهد؟
- استمررت فى دار العلوم حتى السنة الثالثة ووقتها صممت أن أقدم فى معهد التمثيل وحصلت على المركز الأول وبدون واسطة.. والحقيقة أن من خلال كلية دار العلوم ومنتخب جامعة القاهرة حصلت على جائزة أحسن ممثل ثلاث مرات.. وحققت نجاحا مذهلا لأن مثل هذه المسرحيات التى يقدمها شباب منتخب جامعة القاهرة وهم هواة بدون محترفين يقدمون ليلتى عرض فقط ولكننا عرضنا إحدى المسرحيات لمدة 45 ليلة عرض!!
• وكيف وفقت بين الدراستين فى معهد التمثيل ودار العلوم؟
- لم أكن حريصا على النجاح فظللت أدرس فى دار العلوم لمدة 7 سنوات ولكن بمزاجى وليس فشلا منى.. لأننى كنت أحضر لشهادتين فى نفس الوقت فأديت امتحانات السنة الأولى فى المعهد ورسبت السنة الثانية لأننى كنت فى السنة الثالثة فى دار العلوم وكان لزاما عليَّ أن أنجح وإلا سيتم فصلى من الجامعة وبالفعل نجحت ووصلت إلى السنة الرابعة وأديت الخدمة العسكرية وقدمت مسرحية «انتهى الدرس يا غبى» أثناء الخدمة العسكرية وأخذت تصريحا بالسفر إلى تونس من وزير الدفاع وقتها المشير محمد عبد الغنى الجمسى شخصيا وحققت هذه المسرحية نجاحا ساحقا واستمر عرضها لمدة عامين بفارق سنة عن أنجح مسرحيات هذه الفترة «مدرسة المشاغبين» التى عرضت لمدة ثلاث سنوات.
العمالقة
•عملت مع كبار الفنانين والفنانات ماذا تعلمت منهم؟
- تعلمت الكثير وأعتبر نفسى محظوظا لأننى وجدت من يأخذ بيدى فى بدايتى.. أذكر القدير حمدى غيث والعظيم والعملاق محمود مرسى فى مسلسلات أبو العلا البشرى وأبو العلا 90 والمحروسة 85 ومن الكلام الجميل الذى سمعته من الفنان محمود مرسى أننى كنت عندما أقول أى «إفيه» من ضمن الحوار المكتوب فى المسلسل كان «يموت من الضحك» رغم أن هو ذاكر الحوار وحفظه جيدا فكان يقول للمخرج محمد فاضل: «مش معقول يا فاضل محمد ده جميل قوى».. فكنت أطير من السعادة وأصمم أن أقدم أحلى تمثيل فى حياتى من أجل هذا الرجل الذى يحبنى.. أما القدير حمدى غيث فكان يقول لى «أنت هاتبقى ممثل كويس».
أنت اسمك إيه؟
•وماذا عن ذكرياتك مع «سناء جميل» فى مسلسل «الراية البيضا»؟
- ما فعلته معى وسام شرف على صدرى.. قدمت معها فى هذا المسلسل دور «أبو طالب شيحة»، وكانت شخصية شريرة بمثابة المحرك الرئيسى للأحداث.. وكنا قبل الدخول للتصوير «نعمل بروفات ترابيزة» مع المؤلف والمخرج والممثلين.. كنت أقرأ معهم ولكن ليس بتمثيل مائة بالمائة ولكن مع الاحتفاظ بطبيعة الشخصية التى أقدمها فكانت الراحلة سناء جميل تجلس فى الكرسى الرابع على نفس صف مقعدى وكانت لا تعرفنى رغم أننى كنت مشهورا بعد «ليالى الحلمية» وظلت تنظر إليَّ باستغراب لأنها كانت تتوقع أن يتم ترشيح غول فى التمثيل للدور لأنه صعب .. وكانت تهمس للراحل نبيل الدسوقى طوال الجلسة.
ويقلد الفنان محمد متولى «تون صوت» الراحلة سناء جميل وطريقة كلدامها: «هو مين ده؟!» قال لها: محمد متولى، عادت لتسأل مجددا ويقلدها متولى.. «هو مين محمد متولي؛ الدور مهم جدا يا نبيل؛ ده بطل معانا؛ أحسن ياخد الدور ويقع..!!».. فقال لها نبيل الدسوقى جملة أنصفتنى جدا: «طب بس خدى بالك من نفسك وأنت بتمثلى معاه..!!» فقالت له: «أنت بتتكلم جد؟!» وفرحت كثيرا.. كم كانت جميلة وموهوبة ونفسها أن يكون الممثل أمامها موهوبا وقويا.. فكانت تحب أن يكون بيننا مباراة تمثيل و«مافيش ممثل ياكل اللى قدامه».. وهذا ما تعلمته... ثم جاءت مرحلة «التحضير» فبادرتنى سناء جميل: «أنت اسمك إيه؟!» فقلت لها: «محمد متولى..!» فقالت لي: «أهلا وسهلا» فقلت لها: «سعيد جدا بالعمل معك وهذا شرف لى..!!» ثم جاءت «بروفة الكاميرات» فتعمقت فى الأداء أكثر فسألتنى مجددا بحماس أكبر: «أنت اسمك إيه.!!».. فأجبتها فرددت الاسم وقالت لى «good luck».. بعدها صورنا المشهد باقتدار وقالت لي: «أنت اسمك إيه..!!» فقالت لى بصوت عالٍ وفيه حماس: «محمد متولى.. مش هانساه خالص..!!!»..
البشرى
• أى من أدوارك تعتبره بوابة دخولك لقلوب المشاهدين؟!
- بعد تفكير طويل واسترجاع لمشواره الفنى قال: دورى فى مسلسل «أبو العلا البشرى» الجزء الأول.. دور مرتضى البشرى.. وأذكر أننى أكثر من مرة ترشحت للعمل مع المخرج محمد فاضل لكنه رفضنى رغم أننى بدأت أشتهر.. وكان هذا الأمر يزعجنى، لأننى كنت ناجحا فى هذه الفترة.. كان سؤال يراودنى: لماذا يرفض كل ترشيحات اسمى للعمل معه.. وأخيرا عرفت السبب بعد 7 سنوات من الحيرة، فقال لى: كلها أدوار لا تناسبك وأهم شيء عندى الـcasting الدقيق.. وأنا لن أشغلك معى إلا فى دور يحقق لك خطوة للأمام فى حياتك الفنية..
ياااااه؛ كم أراحتنى هذه الجملة وبالفعل كان دور (مرتضى البشري) فى أبو العلا البشرى خطوة مهمة فى حياتى الفنية.. مثله مثل دور «المعلم بسه» فى ليالى الحلمية كان نقلة فى مشوارى الفنى لأنه مسلسل 5 أجزاء و«عبارة عن 15 شخصية فى بعض».
•لماذا يرتبط محمد متولى فى أذهان المشاهدين بأدواره فى مسلسلى «ليالى الحلمية و«أرابيسك» وفيلم «سلام يا صاحبى»؟
- لأنها الأدوار الأكثر شهرة وعلامات فى تاريخ التليفزيون والسينما.. فدور «خوليو» فى «سلام يا صاحبى» ترك بصمة كبيرة عند المشاهدين.. لأن الفيلم حقق أعلى صنسبة إيرادات فى السنوات الماضية والحالية إلى الآن.. وأنا لست ممثل الشخصية الواحدة؛ على مدار 45 عاما لم أكرر فى أدوارى. ويضيف: أحلم أن أحصل على جائزة الأوسكار قد يضحك البعض أو يتهكم البعض الآخر... ولكن أدعو الله أن أحصل على جائزة الأوسكار قبل أن أموت بساعة.. أملى فى الله كبير وفى موهبتى.
أمين أفندى
•وما أكثر الشخصيات قربا إلى قلبك؟
- هو ليس دورا وإنما 20 دورا.. من أدوارى الكبيرة دور «أمين أفندى» فى مسلسل الشوارع الخلفية كان دورا مهما وصعبا؛ شخصية مركبة؛ واستمر فى أذهان الناس لمدة 5 سنوات.. دور «بسة» و«مرتضى البشرى» و«ميلم» فى عصفور النار وشخصية «عزت الجريدى» السايكوباتية فى «مازال النيل يجرى» ولا أستطيع أن أغفل دور «مصطفى بطاطا» فى مسلسل أرابيسك وكذلك شخصية «خوليو» فى سلام يا صاحبى هذا بالإضافة إلى دور صغير (3 مشاهد) فى فيلم «مطب صناعى» مع النجم أحمد حلمى وشخصية الحاج اسماعيل.
•كيف تتعامل مع النجاح والفشل؟
- بعد تفكير لبرهة؛ أخاف جدا من الفشل ولا اتمناه؛ وبفضل الله وكفاءتى أحب النجاح وعمرى ما فشلت.. أذكر أن صديقى محمد هنيدى قال لى أثناء بروفات مسرحية حزمنى يا: «أنت ما بيعقلكش دور».. مازلت أذكر هذه الجملة وتعجبنى كثيرا من محمد هنيدى هو نجم يعتد برأيه فهى ليست من الرياء أو النفاق..
الغرباء لا يشربون القهوة
•ماذا يعنى المسرح بالنسبة لك وقدمت أعمالا مسرحية قد حققت نجاحا كبيرا؟
- المسرح أبو الفنون وأنا ابن المسرح أولا ثم ابن السينما ثم التليفزيون؛ أنا عاشق للمسرح وأنا رجل مسرح مخرجا ومساعدا وممثلا وبطلا ولى باع كبير به وأعتز به كثيرا؛ آخر أعمالى المسرحية كانت «الغرباء يشربون القهوة» لمحمود دياب على مسرح الغد منذ عدة أشهر.. ولكن للأسف البيت الفنى لا يشجع الأعمال الجادة ومدة العرض لا تزيد على شهر.
•وماذا تركت لابنتيك سمر ويمنى؟
- علمتهما الصلاة وربيتهما على الأخلاق الحميدة وأن تكونا مجتهدتين؛ أورثتهما الشرف وهذا ما لا يقدر بمال.. لم أترك لهما أموالا كثيرة أو قليلة.. إنما أقل أقل القليل منها.. يا رب أستطيع أن أقدم لهما ما هو أحسن وأدعو الله ألا يحوجهما لى أو لأحد.
•هل نستطيع أن نقول أن سمر ورثت موهبتك الفنية؟
- ممكن أن تكون الجينات اشتغلت معاها لأنها فنانة تشكيلية.. وأثبتت أن لديها استعداداً فنياً فى التمثيل بأدائها لدور بسيط فى مسلسل «فيفا أطاطا» مع محمد سعد فى رمضان الماضي؛ أما يمنى فهى متذوقة جيدة للفن وكانت غاوية الغناء ولكنها تعمل حاليا بأحد البنوك الأجنبية فى مصر.•