الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن: الدولة تدار بالقانون وليس بالفتاوى

لمياء جمال
أثارت الفتاوى جدلا غير مسبوق فخرجت دار الإفتاء مؤخرا بفتوى تحرم «الشات» بين الرجل والمرأة وبعدها بأيام نفت هذه الفتوى بحجة أنها رأى أحد الشيوخ على أحد المتصلين والآن ونحن على أعتاب دخول الدراسة جاءت فتوى تحرم خروج الفتاة للمدارس والجامعات ولن تنتهى الفوضى طالما لاتوجد قوانين حازمة تطبق على هؤلاء الشيوخ.
الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، شغله الشاغل هو نشر وسطية الإسلام بشكل علمى بحت بعيدا عن الفتاوى الكاذبة، يسعى دائما إلى تدعيم دور التخصص فى علوم الدين حتى لا نقع فى فخ دعوات الإلحاد والتكفير، له نظرته الخاصة وهى أن الإنسان حر طليق دينه فطرى وغيرها من الأفكار المستنيرة فى نص الحوار.
• تعددت الفتاوى فأكثرها أصبح مثيرا للجدل فكيف تنظر لهذه الفتاوى؟
- نحن أمام أزمة تسمى بأزمة الفتاوى لأن نظرة الناس لحقيقة الفتوى تغيرت، فأصبح الرهان على عموم الناس وليس الرهان على المتحدثين بالفتوى، فعموم الناس لو عرفت الحقيقة لوجدت أن الفتاوى هى آراء تخص صاحبها وتعبر عن رؤية ومزاج أصحابها فالتعبير عن الرأى حق مكفول فى دساتير العالم وفى الشريعة الإسلامية فى نصوصها من الكتاب والسنة، فمن حق كل إنسان أن يعتقد كل ما يطمئن إليه قلبه ولا يمكن إجبار الإنسان على اعتقاد معين ما لم يقتنع به، فكل إنسان سيد نفسه حتى فى دين الله عز وجل لأن الدين اعتقاد وتصديق قلبى قال تعالى «إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء» صدق الله العظيم وأيضا الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم «لا إكراه فى الدين»، «ما على الرسول إلا البلاغ»، «فذكر إنما أنت مذكر ليست عليهم بمسيطر» ، فكيف للرسول أن يكون وصيا على الناس من بين خلقه فما بالك من دون الرسول سواء كان فقيها أو عالما أو مفسرا.
• ماذا يفعل المسلم حينما تتعدد الآراء والفتاوى فى قضية واحدة؟
- الله سبحانه وتعالى أمر الرسل أن تبين وأن يترك للناس حق القناعة وقال فى كتابه «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم لعلهم يتفكرون» صدق الله العظيم، فنجد أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أمر عوام الصحابة فى عهده أن يكونوا أسيادا فى اتخاذ قراراتهم الدينية مع أنفسهم وأكد أن البر ما اطمأنت إليه النفس واستراح له القلب فيقول سبحانه وتعالى «استفت قلبك.. استفت عقلك»، فالفتاوى آراء إذا منعنا الإنسان أن يعبر عن رأيه فقد حرمناه من إنسانيته وإذا منعناه أن يتكلم عن نفسه أو عما يقتنع به فقد كبتناه وهدمنا آدميته وكرامته، فعلى الإنسان أن يفرق فيما يسمع ويجب أن يستوعب أن الفتوى التى يأخذها يجب أن تدعو إلى البر والإحسان فدين الله فطرى يرجع إلى الفطرة السوية، فخلاصة الدين كله فى 6 كلمات هى «الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربة وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي».
• إذن الفتوى حق شخصي؟
- بالفعل الفتوى حق شخصانى والعالم وظيفته أن يبين العلم والآراء المختلفة فى المسألة ثم يختار الإنسان الرأى الذى يطمئن إليه قلبه وعقله دينيا، أما إلزام الإنسان بآداب معينة وسلوك وتصرف معين فهذا لا يملكه المفتى وإنما يملكه المجتمع فى القانون فإذا صدر قانون صار ذلك إلزاما وسمة لكل أهل الدولة وفقا لاتفاقهم المجتمعى مثل اللائحة التى تصدر فى شركة وتلزم العاملين بها فالفتوى إذا صارت واجبة النفاذ صارت قانونا، فالدولة تدار بالقانون وليس بالفتاوي، فنجد أن الإنسان الواحد ليس له حكم واحد دائم فله الحكم حسب المكان والزمان فإذا تغير زمانه ومكانه تغيرت الفتوي.
• ما الشروط التى يجب توافرها فيمن يحق له الفتوى؟
- من يحق له الفتوى يجب أن يكون حاملا على الأقل درجة الدكتوراه فى تخصص الفقه لأنه يقدم الفتوى خدمة للمجتمع وتيسيرا للدين على المواطن، فالأزهر يعين أناساً محددين، ولكن هناك نقطة فارقة يجب أخذها فى الاعتبار وهى منع الكدابين من الحديث بغير علم. يتحدث مع عموم الناس فى الفقه وهو عديم الفقه.
• هل الزى الدينى له تأثير فى نفس الإنسان؟
- طبعا للزى تأثير كبير فهل يصح ونحن فى عصر التخصص أن نمكن كل من ارتدى زياً معينا ومحدداً أن يتكلم فى دين الله وهو غير متخصص فهل العبرة بالزي، فغير المتخصص لا يملك إلا الزى والشكل ليؤثروا فى نفوس المواطنين حتى يرسموا مهابة لأنفسهم فيطلقون اللحية ويمسكون عصى بزعم منهم أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كان يمسك فى يده عصى ومن هنا يبدأون فى دعوة الناس إلى ما يريدون هم وينشرون ثقافتهم وينسبونها للدين كذبا، والضحية فى النهاية المواطن العادى الذى لو علم حقيقة الأمر لميز كل ما يسمع بقلبه.
• كيف يستطيع الأزهر أن يتصدى للفتاوى والفتن التى تصدر بغير علم ومن غير المتخصصين؟
- الأزهر عليه أن يقوم بدوره هو أولا ليكون مثلاً يحتذى به فلا يتكلم منه إلا أهل الاختصاص يراقب أبناءه الذين يتكلمون فى الفضائيات ويمنع أساتذة القانون الذين يتكلمون فى التفسير والعقيدة وأيضا عليه أن يمنع أهل التفسير من الحديث فى علم الفقه والعكس صحيح.
• ما طبيعة لجنة الفتاوى فى الوقت الحالي؟
- وظيفة لجنة الفتاوى الحقيقية هى البيان، لذلك عليها أن تتقى الله فى هذه الوظيفة فيجب على أمين الفتوى أن يكون حقا أمينا فى نقل العلم فإنه ليس وصيا على المجتمع فعليه أن يجيب بالحق وقبل أن يصدر فتاوى أو يرد على إنسان أن يرجع إلى المذاهب والكتب إذا نسى ويدرس السؤال جيدا.
• على الرغم من انتشار القنوات الفضائية الدينية فإنها انتشرت معها دعوات الإلحاد والتكفير؟
- أولا لابد أن نتفق على أن القنوات الدينية معناها قنوات دينية تعليمية ولكن ما يحدث هو فوضى بمعنى الكلمة، ولا يصح أن تموج مصر بقضايا عذاب القبر والإلحاد الذى انتشر مؤخرا وكأن مصر ليس بها أساتذة عقيدة وفلسفة، فأين الأزهر من قضايا الإلحاد والتكفير ألا يسمع شكاوى الآباء من أبنائهم بسبب انحرافهم عن الدين الصحيح على الرغم من أن الأزهر مليء بأساتذة العقيدة ولديهم إجابة واضحة على كل ما ينشر فى المجتمع فمثل هذه القضايا هى قشور العلم عند أساتذة الأزهر فلماذا لا يقومون بواجباتهم تجاه الملحدين.
• كيف ترى المشهد بشكل عام؟
- نحن أمام مشكلة كبيرة لم نأخذها فى الاعتبار بشكل جدى وهى أن العائلة الواحدة أصبح يوجد فيها ما يسمى بـ «خارج نطاق الخدمة» أى أن فى الأسرة أصبح الأب إخوانيا والابن علمانيا والبنت متحررة والأم وسطية والعكس صحيح ومن هنا تفرقت العائلة وأصبح لكل واحد جامع يصلى فيه وزاوية يسمع فيها كل ما لذ وطاب ومن هنا تأتى مشكلة تصنيف الجوامع فهناك جوامع تابعة للجمعية الشرعية وجوامع تابعة لأنصار السنة وأخرى تابعة لوزارة الأوقاف وهى ما يطلق عليه مساجد الحكومة فمن هنا تم تقسيم الشعب لذلك لابد من تجميع المساجد تحت كيان وهوية واحدة صحيح توجد مراقبة ولكن هذه المراقبة ورقية لأنها تتم بمعرفة الجهاز المركزى للمحاسبات.•