الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حجاجوفيتش.. ورحلة كسر حدود العقل

حجاجوفيتش..  ورحلة كسر حدود العقل
حجاجوفيتش.. ورحلة كسر حدود العقل


حجاجوفيتش.. أى حجاج المنتصر.. هكذا أطلق عليه صديقه الروسى حين رآه إنسانا منتصرا فى الحياة.. ويصل إلى كل ما يطمح إليه عقله... رحلة حجاج الذى أصبح منتصرا.. متى بدأت؟ وكيف كانت أسفاره؟.. وكيف يرى العالم بعينيه المصريتين.. قصة العلم الضخم الذى يرافقه وحدوتة انتمائه اللامتناهية.. وحلمه أن يجد كل مصرى المنتصر الساكن بداخله.. فى سطورى القادمة سأتعرف معك على المصرى أحمد مدحت حجاج وقصة شغف يسير على قدمين..
• عمرك ثلاثون عاما.. وزرت 311 دولة.. منذ متى بدأ عندك حلم الترحال؟
- بدأ الحلم لدى منذ أن كنت طفلا فى الرابعة من عمرى ومنذ أن تعلمت الكتابة علقت قائمة بأحلامى على الحائط.. مكتوبا بها «عاوز ألف العالم.. عاوز أسافر اليابان» وبالفعل حين بلغت الخامسة عشر عاما قررت أن أسافر وخضت معارك طاحنة وعنيفة مع والدى حتى يسمحا لى بالسفر وكنت أمتاز بعناد وتصميم جعلهما يرضخان فى النهاية لمطلبى.
• عملك كرحالة يعتمد على دراسة الجغرافيا واللغات.. هل لدراستك علاقة بذلك؟
- على الإطلاق فأنا خريج حاسبات ومعلومات عام 7002 ومنذ أن تخرجت ووليت اهتمامى للسفر والرحلات، أما عن اللغات فقد بدأت رحلتى منذ خمسة عشر عاما وأنا أتحدث العربية والإنجليزية فقط أما الآن فأنا أتحدث خمس لغات.. تعلمتها بالممارسة والتجربة.
• ولكن ما السر وراء هذه الرغبة الملحة منذ الصغر؟
- نشأت وبداخلى قناعة أننى يجب أن أرى كل شىء بعينى وأن مصدر قناعاتى وثقافتى هو ما أرى ليس ما يحكى لى فكانت لدى الرغبة فى أن أكسر حدود عقلى فما لم أره.. ليس موجودا بالنسبة لى.. ويعود الفضل فى ذلك إلى جدى اللواء حسين حجاج فمنذ صغرى وهو يحدثنى عن أسفاره ورحلاته ويحكى لى مواقفه ويجعلنى أدرس خرائط العالم وهذا ما أثار لدى شغفا عاليا بالسفر والمعرفة.. وكونه لواء ربط هذا الشغف بالانتماء وحبى لمصر فلم تكن أسفارى ورحلاتى منزوعة الهدف بل كانت فى حب مصر ومن أجل إعلاء اسم مصر فأنا أطوف العالم بعلم مصرى ضخم دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية عليه توقيعات زعماء العالم.. وهذا يأخذنا لملحوظة قوية أنه لا يوجد علم عليه إجماع عالمى سوى العلم المصرى.. فإذا فكرت أن تطوف بالعلم الأمريكى أو الروسى قد تجد خلافا أو عدم اهتمام ولكن العلم المصرى له شأن آخر وهذا عن تجربة حقيقة.
• هل تتعرض لانتقاد أو سؤال من شعوب العالم بسبب أحداث ما بعد الثورة فى مصر؟
- بجانب لقبى كرحالة فأنا ملقب بالسفير غير عادى، وعادة ما ألقى محاضرات وأعقد ندوات فى بلدان العالم المختلفة وأواجه أسئلة من هذا النوع وأرد بكل قوة وصرامة وأوضح حقيقة ما حدث فهذا دورى ودور أى مصرى خارج بلده
• تقول إنك سفير غير عادى لمصر.. هل تجد دعما من الحكومة المصرية؟
- الحديث فى هذا يطول فأنا على مستوى وزارة الخارجية وسفرائنا فى الخارج أجد كثيرا من الدعم والتعاون.. وحتى شركة مصر للطيران تحملت تكاليف أسفارى ورحلاتى ولكن على المستوى الداخلى لا أشعر بالتقدير والحفاوة التى أشعر بها فى الخارج.. فأنا لم أحظ بأى دعم من أى رجل أعمال مصرى.. وعلى سبيل المثال لا أصدق أننى مذكور فى المناهج الدراسية لسبع دول مختلفة مثل فرنسا وألمانيا كواحد من أكثر الشخصيات تأثيرا فى الشباب وغير مذكور فى مناهج بلدى.. وفى العام الماضى قابلت وزير التعليم  «محمود أبوالنصر» وتحدثت معه فى هذا الشأن ووعدنى بضرورة إضافة نبذة عنى هذا العام ولم يحدث أى من ذلك.
وكل أملى أن يذكر اسمى بعد مرور مائتى عام بشىء من التقدير.. ولكن للإنصاف حين قابلت الرئيس عبدالفتاح السيسى ودار بيننا حوار مطول عن التجارب العالمية التى حان الوقت لتنقل لمصر مثل مشروع الدراجات على سبيل المثال أو مشروع الطاقة الشمسية كحل دائم لأزمة الطاقة وتوليد الكهرباء.. ملأنى الأمل أن يتم تطبيقها فى أقرب وقت.
• بعيون مصرية طافت العالم.. ما الذى ينقصنا لنرتقى إلى مصاف الدول المتقدمة؟
- لا ينقصنا الكثير فنحن نمتلك الأساسيات، ويحزننى كثيرا أننى أرى بلدانا لا تملك عشر ما نملكه ولكنها تحقق أضعاف ما لدينا على سبيل المثال برلين أصبحت من أهم المدن السياحية فى العالم الآن وتستند إلى بنايات قديمة تعود إلى الحرب العالمية الثانية على ما أذكر منها مبنى البوليس السرى وقت حكم هتلر وبعد أن أصبح أنقاضا قاموا بإعاده بنائة وتجهيزه لاستقبال السائحين   فهم يصنعون من لاشىء شيئا ونحن نمتلك كل شىء ونهمله، فقط ينقصنا تقدير العمل واحترامه.. احترام الكفاءة والإبداع.. تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير.
• ولكن هل رأيت تجارب تصلح للتطبيق العملى بالفعل فى مصر؟
- رأيت الكثير ولن أكف عن المطالبة بتحقيقه، فمشكلة الطاقة والكهرباء وسد النهضة رأيت حلا لها فى فنلندا حين حاورت رئيس الوزراء قال لى إنه عرض مشروعا على الحكومة المصرية بتوليد الطاقة الشمسية فى الصحراء الغربية وتصديرها إلى أوروبا وأفريقيا.. ولكن لا فكرة لدى عن مصير هذا المشروع، وأضحك هما حين أرى الدنمارك التى ترى الشمس شهرا واحدا فى العام وتعتمد عليها فى توليد الكهرباء بنسبة 06٪ ونحن نمتلك كل تلك الطاقة ونهدرها متعمدين.
 وهولندا التى عاشت منذ عشر سنوات أزمة فى الوقود مشابهة لما نعيشها الآن واتخذت من الدراجات حلا للأزمة فيمكنك أن ترى وزيرا يذهب إلى عمله بالدراجة وسعدت كثيرا حين رأيت مصر على أعتاب تجربة مشابهة. ولكننى صدمت عندما باءت التجربة بالفشل بسبب سوء حالة الطرق والتحرش والنظرة المجتمعية لقائدى الدراجات فحين نسعى لتغيير شىء على أرض الواقع يجب أن نبادر بتهيئة الظروف المحيطة.
ورأيت أيضا المهندس المصرى هانى عازر فى برلين وهو صاحب تصميم محطة القطار متعددة الطوابق هل تتخيلين إذا تم تطبيق فكرته فى محطات المترو المصرية كيف سيكون شكل الطرق والمرور ولا أجد أى ذكر أو اهتمام له فى مصر.. فأين الاهتمام بكوادرنا وعلمائنا فى الخارج.
وانبهرت جدا حين رأيت أنه لا وجود للمطبات الصناعية فى اليابان ووجدت لديهم اختراعا هائلا عبارة عن مادة حمراء موجودة على الطريق تبطيء من سرعة السيارة حين تمر عليها.. فهذا حل سحرى إذا طبق فى مصر.. فالمطبات لدينا سبب رئيسى فى كثير من حوادث الطرق.. ورأيت أيضا اهتمام الحكومة اليابانية بمجموعة من الشباب وثقت بإبداعهم فخرجوا لهم بمشروع قطار الرصاصة.. أسرع قطار فى العالم ومنحتهم نسبة 01٪ من أسعار التذاكر.. لا لشىء سوى أن يواصلوا إبداعهم.. فأين نحن من الاعتماد على العقول الشابة وإعطائها حق قدرها.
• فكرة الناس عن الرحالة ترتبط بالحياة الثرية والأموال الطائلة والفنادق ذات الخمس نجوم.. هل هذه صورة حقيقة؟
- بالطبع لا، بل على العكس تماما ولكننى أعلم أن تلك الصورة مأخوذة عنى بالفعل وكان أول من أردت أن أصدمه صديقى المصور أحمد الزوكى والذى أصبح رفيقى الوحيد فى أسفارى، حيث كان يعتقد أننى مليونير مرفه وحين سافر معى للمرة الأولى كان وزنه 061 كجم وفى تلك الرحلة التى استمرت شهر: نقص وزنه 55 كجم فلك أن تتخيلى حجم المشقة ونوعية الطعام.. فأحيانا نضطر إلى أكل أشياء لتبقينا فقط على قيد الحياة.
• هل يعنى أنك لا تتربح من عملك كرحالة على الإطلاق؟؟
- بالفعل، فأنا أعمل كى أنفق على رحلاتى فأنا خبير ومستشار سياحى فى أكثر من دولة لأكثر من شركة عالمية وهذا هو ما أعتمد عليه لكسب عيشى والإنفاق على رحلاتى.
• على أى أساس تختار البلد الذى تقرر السفر إليه؟
- هو لا يكون بلدا واحدا فأنا عادة ما أزور أكثر من دولة فى نفس الرحلة.. أسافر إلى دولة واحدة منها عن طريق الطيران من مصر مباشرة وأتنقل للبلاد الأخرى بالطرق البرية عن طريق السيارات والقطارات، لذلك هناك بلاد زرتها أكثر من مرة.. ولكن ما يتحكم فى اختيار الدول هو تأشيرات السفر.. الظروف السياسية والجوية ومدى تمكنى من لغة الدول.. وهكذا.
• وما الدول التى لم تزرها حتى الآن؟
- الخطة التى أعمل عليها تقول أننى خلال العشر سنوات القادمة سوف أكون أتممت دول العالم كاملة ولكنك ستتعجبين حين تعلمى أننى لم أزر إنجلترا حتى الآن فالصعوبة والمغامرة جزء من متعة السفر بالنسبة لى.
• بالتأكيد واجهت مواقف صعبة وخطرة.. تتذكر إحداها؟
- أتذكر الكثير من المواقف القاتلة وليست الخطيرة فحسب.. فعل سبيل المثال قطعت المسافة بين الصين وموسكو فى قطار رحلته تمتد لـ 052 ساعة وهى بالتقريب عشرة أيام ودرجة الحرارة خارج هذا القطار سبعة واربعون تحت الصفر.. وبداخله واحد تحت الصفر.. فلك ان تتخيلى العذاب وأنت تمكثين فى تلك الحرارة لمدة عشرة أيام فكنا نرتدى كل ما معنا من ملابس أنا وصديقى أحمد الزوكى، والطريف أن فى بداية الرحلة أخبرونا أننا سنصل الساعة اثنان وثلاث دقائق وبالفعل وصلنا بعد عشرة أيام  فى نفس الموعد تماما.
أتذكر أيضا دخولى أبرد غرفة فى العالم تحت الصفر بمائة وعشرين درجة  فى تشيزوسلافكيا ولو كنت بقيت فى تلك الغرفة أكثر من ثلاث دقائق كنت سأموت متجمدا ولكنى كنت أريد أن أكون أول من يرفع علم مصر داخل هذا الغرفة.
• هل للرحالة عمر محدد يعتزل بعده؟
- السفر مشقة حقيقية ويحتاج إلى مجهود بدنى وذهنى ونفسى  وقوة تحمل.. عظيمة فقد أقرر الاعتزال بعد أن أتم العالم بأكمله إذا أعطانا الله العمر والمقدرة.
• هل فكرت أن تسرد تجاربك فى كتاب؟
- حقيقة لم أفكر أبدا فى كتابة كتاب ولكننى فكرت فى طرق أكثر تطورا وتأثيرا فلدى قناة على اليوتيوب فأغلب مواقفى وآرائى وتجاربى تحتاج إلى دعم بصرى كى تصل الصورة كاملة.
• يقولون أن فى السفر سبع فوائد.. ولكنى أريد أن أرى الجانب الآخر للرحالة.. ماذا خسرت فى أسفارك؟
- خسرت الكثير.. فأنا رجل فى الثلاثين من عمرى لا أملك بيتا خاصا.. لا أملك مليما فى البنك.. لا أمتلك أى شىء.. زملائى أصبحوا فى مراكز مرموقة فى أماكن عملهم.. وأنا لم أحقق شيئا.. فأنا أفتقد للاستقرار والدفء وجو البيت والعائلة.. ولا يشعر بهذا غير من حرم منه مثلى فهى أشياء قد تبدو لكثير من الناس بسيطة وعادية.∎ •