الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

يا بورسعيد.. والله حسرة!!

يا بورسعيد..  والله حسرة!!
يا بورسعيد.. والله حسرة!!


لبورسعيد مكانة خاصة فى  قلوبنا.. فقد كانت بالنسبة لنا هى  المتنفس الجميل والبهجة التى  تملأ النفوس بعد عام دراسى  بغيض ندخله ونخرج منه.. فلا علم ازددنا ولا فهما حققنا وقد كانت رحلة الذهاب إلى  المصيف تبدأ بمؤتمر على  مستوى  الأسرة فكان السعدنى  الكبير رحمه الله يدعونا لغرفته للتشاور والتصويت.. فيبدأ بالسؤال وكأنه مانديلا فى  عصره وأوانه المتسامح الديمقراطى  المؤمن بالرأى  وبالرأى  الآخر.. ويسألنا السعدنى  أو يخيرنا.. تحبوا تروحوا إسكندرية ولا بورسعيد وكانت كل أصوات الأسرة وفوقها صوت أمنا الغالية الحبيبة تنصب فى  صالح بورسعيد وهنا يرفع السعدنى  يده فى  اتجاه أمنا يأمرها بتحضير الشنط ولا الجنرال روميل ويقول يالا حنروح على  بورسعيد!
وعلى  الرغم من هذا الجو الديمقراطى  البليغ لم يترسب داخلنا أى  شعور سيئ ناحية بورسعيد بل العكس هو ما جري.. فقد كان المكان بديعا.. رمال صفراء ممتدة على  مدى  البصر تنعكس عليها أشعة الشمس فتحسبها ذهبا وبحر تستطيع أن تتمشى  فيه نحو العمق فلا تصل المياه إلى  ركبتيك وفوق ذلك فالبشر الذين صادفناهم فى  هذه المدينة الجميلة وارتفعوا بمقامها وجملوا لياليها.. كان هناك عمى  وتاج راسى  إحسان عبدالقدوس، والعم العزيز الغالى  نعمان عاشور والكاتب الفنان محمد عودة وأسطى  الصحافة المصرية موسى  صبرى  الذى  كان يسكن بورفؤاد، والكاتب الكبير والأديب العظيم أحمد رشدى  صالح.. وبالطبع هؤلاء الأفذاذ كانوا ينيرون أى  مكان حتى  لو تركتهم فى  الصحارى  ولكن ما جذبنى  بشدة إلى  هذا المكان هم أهل هذا البلد ومنهم العم شعانينو كان يسرح بالبسكلتة فى  الصباح الباكر ويحمل على  كتفيه بعض الألعاب وتعودنا أن نصحو مبكرا لكى  نستولى  من شعانينو على  كل ما يحمل من لعب، وبالعافية وفى  المساء كانت تدب خناقة فى  العلالى والسعدنى  يحذره ألا يستجيب لنا والرجل يقسم برأس جده شعانينو الكبير أن هؤلاء ليسوا أطفالا ولكنهم عفاريت  تعرفنا على  عم حسين العجلاتى  كنا نستولى  منه على  العجل فى  الصباح ولا نسلمها له إلا فى  منتصف الليل، ولكن بورسعيد الحقيقية لم نعرفها إلا عندما بدأ السعدنى  يصحبنا معه إلى  أهلها وناسها وأزقتها وحواريها وأسواقها.. فعرفت رجلا بهى  الطلعة اسمه محمد الغزل وكان من عشاق مجلتنا المحبوبة «صباح الخير» ومدمن قراءة السعدنى  وكان الرجل يملك أهم وأجمل فنادق المدينة واسمه الغزل, ولم تكن فى  بورسعيد عشوائيات ولا عصابات ولا هذه التجارة العجيبة التى  تسمى  «البالة»، وما أبعد الفارق بين بورسعيد التى  رسمت فى  ذاكرتنا أجمل ما لا تحمله من ذكرى  وما بين بورسعيد التى  أصبحت اليوم.. الحق أقول إننى  لم أعد أزور بورسعيد على  الإطلاق بعد رحيل الولد الشقى  اللهم إلا مرة أو اثنتين فقط لا غير.. لأن ما رأيته لا يسر عدوا ولا حبيبا.. هل تصدقون حضراتكم أن الأجهزة المحلية والمحافظة ومديرية الأمن فى  هذه البقعة الغالية علينا جميعا فى  بر مصر غطرشت.. بل إن بعضها تآمر لكى  تنسف الأرض من بنايات شاهقة مستعرضة احتلت كامل الأرض المواجهة لشاطئ البحر وصنعت حاجزا.. بل حاجبا بين الناس والبحر.. ولعلها المرة الأولى  التى  تحدث فى  التاريخ أن يختفى  البحر عن المدينة وينعزل بفضل سطوة وسلطة رأس المال.. فقد جاء زمان حسنى  مبارك أصبح فيه الشعار الأسمى  هو لا صوت يعلو فوق صوت اللحلوح، وهكذا استطاع أصحاب المال والبيزنس أعوان جمال أفندى  مبارك أن يستولوا على  الأراضى  الواقعة على  طول البحر فأقاموا العمارات التى  أغلقت تماما كل الطرق إلى  البحر ومنعت رؤيته وحرمت أهل بورسعيد وزوارها من أهم معلم طبيعى  فى  مدينتهم والحق أقول إن بورسعيد قد خلت من أبناء الجيل الجميل شعانينو والريس أموح وعم محمد اللمعى  ومحمود الخشاب ومحمد الغزل والحاج شاهين بتاع الفطير الشهير، وقد فقدت المدينة واحدا من أشهر معالمها وأحد عشاقها الكبار العم مصطفى  شردي.. ولكن هناك أجيال جديدة جاءت إلى  الحياة وقد انتقل إليها هذا الفيروس الذى  يحمل كل المحبة والوفاء والانتماء لهذه البقعة من الأرض، هذا الجيل الجديد يرفض الأوضاع التى  تعيشها بورسعيد ولا يقبل أن تبقى  مدينتهم إلى  الأبد بلدا يعيش على  الاستيراد حيث يستفيد منه القلة، بينما فرص العمل معدومة والسياحة لا تعرف طريقا إلى  المدينة والسفن ممنوعة من الاقتراب أو التصوير والأسعار فاقت كل ما هو متصور.. هل تصدقون حضراتكم أن الشقة فى  مدينة بورسعيد وصل سعرها إلى  خمسة ملايين جنيه فى  عين العدو ولا أود أن أفتح خراجا سوف يؤلم الجميع.. فهناك من يقول إن الفساد لا يزال يعيش أزهى  أيامه فى  بورسعيد وأن عمليات التهريب على  ودنه وأن الكعكة فى  أيدى  عدة أشخاص يمتلكون المليارات وأعمارهم لا تتعدى  الخمسة وثلاثين عاما، وأن الأجهزة تعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة ولكن لأنهم «واعيين ومخربشين».. فإن أحداً لا يستطيع أن يمسكهم فى  حالة تلبس، فحساباتهم دقيقة وأعمالهم مشروعة على  الورق ولا يخر منها الماء! والمطلوب الآن إزالة كل ما يحجب الناس عن البحر والذى  هو المتنفس الأوحد للمدينة وهذا إجراء لا يحتمل التأجيل فإما أن تطبق الدولة القانون وتفرض الهيبة وتعيد الأمور إلى  ما كانت عليه.. أو نترك الأمور على  ما هى  عليه وهنا سوف نندم جميعا على  تداعيات هذا الأمر فهناك غضب مكتوم داخل النفوس والمدينة جرى  معاقبتها عقابا جماعيا بعد حادث الاعتداء على  مبارك، وبالمناسبة لم يكن هناك اعتداء على  مبارك ولا دياولو كل الحكاية أن أحدهم أراد إعطاء الرئيس شكوى  فى  يده فتم فبركة موضوع عملية الاغتيال، خصوصا بعد أن قام الحرس الخاص بقتل الشاب الذى  تجرأ واقترب من الرئيس وتم تكدير المدينة وأهلها باعتبار أن الحسنة تخص والسيئة تعم، وبالطبع دوام هذا الحال لا يستقيم مع جزء عزيز على  النفس من أرض الوطن عندما تعرضت مصر بأكملها للعدوان الثلاثى.. لقد حان الوقت لنعيد لبورسعيد وجهها الحضارى   والأهم من ذلك أن نعيدها إلى  أهلها الأصليين بعد أن اختطفها السادة محترفو التهريب ومعتادو البلطجة وأصبحت بورسعيد اليوم مجرد بقعة من الأرض لا تجذب أحدا على  الإطلاق، لو قمت اليوم بزيارة واحدة لبورسعيد ستشعر أنها مدينة منفرة. كل شيء فيها يدعوك إلى  عدم العودة إليها مرة أخرى  وفوق ذلك فقد تم رفع التعريفة الجمركية لكى  تزيد من الهموم التى  أثقلت هذا الشعب.. ويا سعادة رئيس مجلس الوزراء بورسعيد فى  حاجة إلى  وقفة ونظرة وابتسامة ولقاء.. وكما زرت الساحل الشمالى  وذللت العقبات من أجل جذب الناس إلى  هناك فإن فى  بورسعيد ملايين من البشر وأسباب التقدم موجودة ومتوفرة، ولكن المنغصات أكبر والمعوقات أقوى والعصابات المستفيدة يقولون إن سلطتها فوق القانون ودعنى  ألقى  على  مسامع سيادتكم بعضا مما يتندر به أهل بورسعيد، ففى  العام الماضى  وحده تم تهريب 130 كونتنر من الجمارك يعنى  دون دفع مليم واحد للدولة المفترض أنها شحنة ملابس واتضح أنها محشوة بالترامادول.. وهناك أحياء يا سيدى تم الاستيلاء عليها وشراؤها  لذلك أطلق عليها البسطاء من أهل بورسعيد.. حى  ترامادول واحد وحى  ترامادول اثنين.. نسأل الله تفيق الحكومة قبل أن يأكل الترامادول بورسعيد وما جاورها.. ولنبدأ يا معالى  رئيس الوزراء بالكارثة الكبرى  التى  حلت بهذا البلد الموعود «أيام مبارك» بعديمى  الكفاءات الذين أقاموا ساترا أسمنتيا وحجبوا به البحر عن أهل بورسعيد.. وهى  النورس والكروان والباتروس ومرحبا وكنارى  وبعض الفيللات الخاصة وأيضا هناك فندقان للشرطة وللقوات المسلحة وبالطبع نحن جميعا نكن للشرطة وللجيش كامل الحب  والتقدير ولكن للضرورة أحكام فلنبدأ بمنشآت الشرطة والجيش ثم ندخل بعد ذلك على  أكبر شنب ساعتها لن يستطيع أن يفتح فمه بكلمة اعتراض واحدة.
وبعد ذلك وربما بالتوازى علينا أن نفتح المجال للسفن العابرة لكى  ترسو فى  بورسعيد وقد حكى  لى  بعض العواجيز بأنه فى  الزمن الجميل كانت المركب ترسو على  الميناء فتصحو المدينة من سباتها وتفتح المحلات والبارات والدكاكين والمطاعم والعيال السريحة والفنادق فتنتعش الأحوال وتتبدل من حال إلى  حال الله يرحمك يا عم بيرم.. فى  رحلة عودتك من باريس إلى  مصر.. وقفت بك السفينة فى  بورسعيد وقلت.
«وفى  بورسعيد السفينة وقفت تفرغ وتملى  والبياعين حوطونا بكارت بوستال وعملة
لكن بوليس المدينة.. ما تعديش من جانبه نملة.. يا بورسعيد والله حسرة.
ولسه يا إسكندرية».