اللى خانك واللى خانّا مش حسين ولا هو حنا

شاهندة الباجورى
«يا عيون مصر الحزينة.. ارمى حزنك كله فينا.. كفنى فى صدرك شهيدك، وامسحى دمعة عنينا، اللى خانك واللى خانّا.. مش حسين ولا هو حنا، ده اللى خان مش من وطننا.. ياعيون مصر الحزينة» بهذه الكلمات اختتم حياته، وقابل ربه شهيدا، الشهيد رقيب يوسف كامل كمال.. أحد شهداء مذبحة رفح الثانية.. غنى هذه الكلمات قبل استشهاده، وكأن مصر أبت أن ترفض له طلبا، واستجابت له، واحتضنته شهيداً فى قلبها.
كان فى طريقه للقاء حبيبته ابنة خاله التى خطبها قبل استشهاده بعام.. كانت تنتظر لحظة أن ينهى خدمته ليتزوجا، لكن الإرهاب الغاشم فرقهما للأبد.
كان يشعر فى قرارة نفسه باقتراب أجله، وقرب موعد شهادته فكتب هذه الكلمات، وغناها بصوته الشجى العذب، وصورها أحد زملائه، ونشرها على الفيس بوك، فى ذكرى مذبحة رفح الثانية، وكأن القدر أرادها خالدة تسجل اسمه فى قلب مصر، أكد فيها على مفهوم الانتماء، ومعناه.. عبر عن حبه الشديد لبلده، رحب بالشهادة مادامت ستكون فى حضن الوطن.. اعترف على من قتله بدم بارد، وأكد أنه مش حسين، ولا هو مينا، وإنه مش من وطننا.. ربط الشهيد يوسف الهلال بالصليب وقال إنه لا يمكن أن تراهما إلا معا فى مكان واحد، وهو مصر.
استشهد الرقيب يوسف كامل كمال فى مذبحة رفح الثانية، والتى كانت يوم 19 أغسطس 2013 أثناء عودته وزملائه من إجازتهم من خدمتهم العسكرية بالعريش، فأوقف ملثمون الحافلة، وربطوهم ثم أطلقوا الرصاص عليهم، فأسفر الحادث عن 25 شهيداً، وتم القبض على القيادى حبارة وآخرين معه بتهمة ارتكاب هذا العمل الغادر.
• خمسة عشر يوما
التقيت كميل كامل - توأم الشهيد يوسف كامل، والذى كان يؤدى خدمته العسكرية هو أيضا فى العوينات، قال لى: أنا وأخى مواليد نوفمبر91 بعزبة النخل المرج، نحن خمسة إخوة تربينا على حب الوطن، أصررت أنا وأخى على دخول الجيش على الرغم من سماح القانون بالتأجيل لأحدنا لأننا توأم.
بصوت حزين، وبعيون تترقرق فيها الدموع، يتذكر كاميل ما حدث قائلاً: كان متبقيا له خمسة عشر يوماً وينهى مدة خدمته، فقد دخل سلاح المركبات لكن إصابة يده جعلته يلتحق بجهاز الخدمة الوطنية، فذهب إلى العريش، وتولى مسئولية منفذ بيع هناك.
آخر مكالمة كانت بينى وبين أخى، كانت يوم الحادث صباحاً، اتصلت به لأطمئن عليه، وقد كنت فى خدمتى أنا الآخر، فحكى لى أنه فى يوم فض رابعة حدث قلق، واتصل به قائد وحدته وطلب منه الحرص لأن الإخوان يستهدفون أفراد الشرطة والجيش، فذهب أخى وزميله عند أحد المدنيين فى العريش، ومكث عنده حتى اتصل به شخص وأبلغه أن المنفذ ضرب، وعهدته سرقت، فذهب على الفور، واستقل مع زميله السيارة التى كانت مستهدفة فتم قطع الكمين وأخذوه مع زملاء آخرين، وقتلوهم بدم بارد.
فوجئ أبى بنقيب يتصل به ويبلغه الخبر، وأن جثة الشهيد ستصل مطار ألماظة يوم الجمعة، فى نفس الوقت علمت أيضا بالخبر مساء نفس اليوم، وانهرنا جميعاً، وكأننا نعيش فى كابوس صعب.
جاء يوم الجمعة، وذهبنا إلى المطار، واستلمنا جثة أخى وصلينا عليه فى الكنيسة وقمنا بدفنه على الفور.
توقف كميل عن الكلام فترة، ثم قال: أخى كان يستعد لزفافه على خطيبته، وابنة خالنا فور انتهاء مدة خدمته، لكنه ذهب ولم يعد.. الإرهاب الغاشم دمر فرحته وفرحتنا، وفرق بيننا للأبد.
• مكانة أفضل
حاولت الحديث مع والدته، أو خطيبته لكنهما للأسف منذ الحادث، وهما فى انهيار تام، فتحدثت مع والده الأستاذ كامل كمال الذى قال لي: كلامى عن يوسف لايكفيه حبر البحور كلها، فأنا حزين جداً على فراق ولدى، فلذة كبدى، لكن ما يصبرنى هو علمى بأنه فى مكان أفضل مع المسيح، ابنى كان مؤمناً جداً بالله، وكان عازفا على الجيتار، ولم يكن ابنا بل كان أخاً لى كما كان أخاً صالحا لإخوته، وكان محباً للجميع والجميع حزن عليه.
ربيته وإخوته على حب الوطن، وكان بإمكانى عند دخوله الجيش مع أخيه التوأم أن أؤجل لواحد وأدخل الثانى لكنى أدخلتهما الاثنين، وفقدت واحداً، يوسف كان قد أنهى كل شيء فى خدمته بقى فقط أن يختم أوراق خدمته، لكن الله أخذه عنده شهيداً.
ففى آخر مكالمة منه قلت له: أنا خائف عليك ياولدى، فرد: أنا مش خايف على نفسى يابابا لأنى لو مت هموت شهيد، لكن أنا خايف عليكم أنتم.. علشان الإرهاب والمجرمين.. خد بالك يابابا من أمى وإخواتى ومن نفسك.
وهنا لم يستطع الأب المكلوم الاستمرار فى الحديث، وفى النهاية ذهب الشهيد عند الله فى منزلة الشهداء، وبقيت أغنيته راسخة فى وجداننا جميعاً. •