الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بابا«Naughty» لكن ماما.. لا

بابا«Naughty» لكن ماما.. لا
بابا«Naughty» لكن ماما.. لا


براءتها باهتة، وكأن شيئاً ما أضاع من ملامحها الكثير، عيونها تبحث دائماً عن الحب والاهتمام ممن حولها، تبكى من أتفه الأسباب، لا تثق فيمن حولها حتى أقرب الناس لها.
هى طفلة فى الثامنة من عمرها.. لكنها كبيرة، تتحدث كالكبار، تراقبهم عن كثب، تحاول أن تجد فى عيونهم شيئاً راح منها، هى نفسها لا تعرف ما هو.. لكنها تعلم جيداً أن هناك إحساساً مهماً ينقصها.. الأمان!
ففى اليوم الذى قرر والدها ووالدتها الانفصال حٌكم عليها بالنقص، أسرة ينقصها الأب، وأم ينقصها الحب، وحياة ينقصها الكثير، ليست كباقى الأطفال، تضحك فتبالغ فى ضحكتها، تحزن فتنفعل وتبكى بجنون وكأنها عندما تضحك تحاول أن تقنع نفسها أنها حقاً سعيدة، وعندما تبكى ربما تنتهز الفرصة لتعبر عن ألم بداخلها لاتستطيع طفولتها وصفه، لفتت نظرى عندما قاطعت حديثى مع والدتها كعادتها لكن بغضب شديد لأنها كانت تتحدث عن زواجها بشخص ما.. وفوجئت بالفتاة تصرخ: «لا.. لا.. مش هتجوزى حد غير بابا.. فاهمة» الغريب هو أن ملامحها كانت ساكتة.. خالية من التعبير.. رغم الغضب الذى كان يملأ صوتها.
عندما تجد أمها منشغلة فى الحديث مع أحد، تحاول مقاطعتها بشتى الطرق وإذا لم تجد نتيجة تمسك خديها بيديها الصغيرتين محاولة توجيه وجهها لها، فإذا فشلت ذهبت وجاءت وهى تبكى، تشكو من ألم فى بطنها، أو قدمها، أى عذر فقط لتلفت نظر الأم، ولو صادف وجود أطفال معها اختلقت معهم الخلافات تحاول طول الوقت إغاظتهم بما تملكه ولا يملكونه سواء لعب أو ملابس أو غيره، هذا لأنهم دون أن يقصدوا يثيرون غيظها بما يملكون ولا تستطيع هى أو أمها أن تشتريه لها، يملكون الأب، يملكون الأسرة الكاملة.
«جنا» ذات الثمانى سنوات وحيدة والدتها، انفصل والدها وهى لم تبلغ السنة، فأصبح الأب يراها فقط فى المناسبات، ينسى عيد ميلادها، تتحدث معه على الهاتف وتقول له: وحشتنى يابابا تعالى..
+ إن شاء الله.
ــ هستناك
+ إن شاء الله
بعد بضع ساعات، يدق جرس الباب، فتجرى مسرعة لفتح الباب ظناً منها أنه «بابا»، فتفتح الباب فإذا به السائق الخصوصى.. يعطيها ظرفاً فتسأله: «فين بابا؟!» يجيب: «عنده شغل».. ويتركها!
تظل عيناها معلقتين فى الخارج حتى تفقد الأمل الذى يغازل عقلها الصغير بأن «بابا» سيظهر الآن.. وتغلق الباب.. وتذهب لتعطى الظرف لأمها، فتفتح الظرف لتجد مبلغاً من المال.. فتنظر لابنتها وهى ترسم ضحكة على وجهها والدموع تملأ عينيها وتقول لها: «بابا بعتلك فلوس كتير عشان تشترى كل اللى أنت عايزاه».
تتجاهل الطفلة هذه الضحكة الوهمية وتراقب بحرص الدموع التى رسمت فى عينيها كطبقة زجاج رقيق أوشك على الانفجار، فتحتضن الأم وتربت على كتفها وكأنها هى الكبيرة.. تبكى الأم أما هى فلا.. أصبحت «جنا» هى الحاضن دون إرادتها، فهى ترفض أن تكون المحضون، فكل الأحضان من حولها.. أحضان من جمر، تكويها بنار القهر والحرمان.. دار بيننا حوار صغير.. يبرز ما تعانيه وما سوف تعانيه فى الأيام القادمة..
٭٭ جنا.. إزيك؟!
ــ الحمد لله.
٭٭ مبسوطة ياجنا؟!
ــ أيوه مبسوطة.. ماما جابتلى الفستان ده..
٭٭ ليه ماما جابتلك الفستان ده النهارده؟!
ــ عشان عجبنى.. وماما بتجبلى كل حاجة عشان هى بتحبنى.
٭٭ بتحبى ماما أكتر ولا بابا؟!
ــ ماما طبعاً..
٭٭ طيب وبابا؟! بعد لحظات من الصمت..
ــ بحبه برضه..
٭٭ زعلانة عشان بابا مش بييجى؟!
ــ لا.. ما هو بييجى.. وبيبعتلى لعب كتير، وإخواتى (إخوتها من والدها) بيكلمونى فى التليفون.. وبيحبونى..
٭٭ وأنت بتحبى إخواتك؟!
تبدأ بالوقوف والجلوس وتحرك عينيها هنا وهناك.
ــ آه، ياسين وعمر، بحبهم، شبهى بالضبط صح ياماما؟!
٭٭ ممكن تروحى تعيشى معاهم؟!
ــ (تنظر لى وكأننى مجنونة) لأ.. بابا هو اللى هييجى يعيش معانا..
وهيجيبهم معاه، وهياخذنى أنا وماما ويعملنا بيت كبير، وهيكون عندى أوضة لوحدى، وإخواتى أوضة.
٭٭ يعنى مش عايزة تروحى تعيشى مع بابا!!
ــ عايزة أعيش مع ماما وبابا..
٭٭ لكن ماما مش عايزة.. تروحى أنت لوحدك؟!
ــ لا.. لا..
٭٭ ليه بس؟!
تحاول أن تغير الموضوع وتبدأ بالشكوى من بطنها، فأتحدث بعيداً عن الموضوع، وأعود للموضوع.. ليه مش عايزة تروحى بقى تعيشى مع بابا؟!
ــ يابنتى، هسيب ماما لوحدها إزاى!! أنا اللى بنام جنبها، وأنا اللى بخرج معاها، هى بتخاف، وأنا لما بكون معاها مش بتخاف!!
٭٭ طيب ما هو بابا ممكن يكون خايف برضه؟!
ــ لا.. هو مش بيخاف.. هو راجل!!
٭٭ طيب بتحبى تشوفى بابا؟!
تفكر لحظات..
ــ عادى!!
٭٭ عادى إزاى يعنى؟!
ــ ممكن أشوفه، (ثم تصمت لحظات وتحرك يديها بطريقة عشوائية) وتكمل لكن هو مش بييجى، بفضل أستناه.. وبقول هاييجى.. ومش بييجى خالص.. مرة جه، وقعد معانا، وجابلى لعبة، وبعدين مشى ومجاش تانى!!
٭٭ طيب مش بتكلميه تقوليله ييجى؟!
ــ بقول له.. وبكلمه، بس عنده شغل، كل يوم عنده شغل، حتى الجمعة فى الإجازة..
٭٭ بابا بيشتغل إيه ياجنا؟!
ــ عنده محلات كبيرة قوى..
٭٭ هتزعلى لو ماما اتجوزت واحد تانى؟!
ــ لا.. ماما بتحبنى.. مش هتتجوز.. لو بابا ماشى، لكن حد تانى لا..
٭٭ ليه؟!
ــ كده..
٭٭ أيوه ليه ما بابا متجوز؟!
ــ(تصمت لحظات.. وتفكر) بابا نوتى، هو حر، لكن ماما لا. ماما بتحبنى أنا بس صح ياماما؟!
٭٭ بس أنت بكرة تكبرى وتتجوزى وتسيبيها لوحدها؟!
ــ لا.. مش هتجوز.. مش هسيبها..