الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أطفال الطلاق يتامى بحكم القانون!

أطفال الطلاق يتامى بحكم القانون!
أطفال الطلاق يتامى بحكم القانون!


انتابنى الفضول لأطلع على القانون الذى يجعل أبًا لا يستطيع أن يرى أبناءه إلا فى حديقة أو ناد.. قانون جعل الأم أبا وأما فى نفس الوقت.. قانون يقطع الأرحام ويحرم الجد والجدة من رؤية نسلهما.. قانون هدم ببنوده كل معانى الأسرة ومقوماتها.. فرق بين الأب وابنه.

مواد ترتكب كل يوم  ظلما بينا عندما تنتج للمجتمع أطفالا مشوهين ليسوا بقادرين على مواجهة من حولهم، حتى أنفسهم، حول 8 ملايين طفل فى الإحصائية الأخيرة لمجلس الطفولة عام 0102 من أطفال الطلاق إلى يتامى فما بالكم بعددهم الآن!
قانون حول المحاكم إلى ساحات قتال وتجسيد لصراعات الآباء والأمهات، فبدلاً من أن يكون الحكم العدل بين المتخاصمين أصبح عاجزًا عن حماية المحضون.
وبالرغم من التعديلات التى طرأت عليه منذ أن تم وضعه عام 9291 فإن قالبه مازال يشكو من عدم الرحمة، أو المنطق.. فالحاضن يشكو، والمحضون هو الضحية.. ضحية مأساه خلقها القانون.
∎ رحلة البحث داخل القانون
علمت فى رحلة بحثى أن قانون الحاضن والمحضون، أو كما يسمى فى المحاكم بقانون الرؤية :هو قانون يلجأ إليه الوالدين عندما تتصاعد الأحداث بينهم، وتصل إلى الخلاف المستحكم بعد الطلاق، وترفض الأم أن يرى الأب أطفاله، وشرع نظام الرؤية يتيح للأب رؤية طفله، ولكن شريطة ألا يكون متعارضا مع مصلحة المحضون.
وقد مر القانون بعدة تطورات، فكان أول انطلاق له عام 9291 بقانون رقم 52 وأقر بأن حق الرؤية يثبت لكل من الأبوين ويسقط عن الأجداد فى حالة وجود الأبوين، فلو كان الطفل فى حضن الأم  فلا يمكنها منع أبيه، ولكنها لا تجبر أن تحضره إلى منزله، ولا تجبر أن يحضر هو إلى منزلها، لكنها تخرج به إلى مكان مناسب لرؤيته يوما فى الأسبوع قياسا على خروج الزوجة لزيارة أبيها.
شرط أن يكون مكانًا لا يؤذى مشاعر الصغير كالحدائق العامة، أو الأندية ولا يجوز رؤيته فى قاعات المحاكم، أو أقسام الشرطة.
بعد ذلك جاء القانون رقم 1 لسنة 0002 لتنظيم بعض إجراءات وأوضاع التقاضى لكن ظل نص القانون كما هو، ثم جاء القانون 01 لسنة 4002 وأنشأ محاكم الأسرة حتى يتم اللجوء إليها فى النزاعات، وتقوم  بتنظيم الرؤية ويقوم القاضى فيها بالفصل فى القضايا.. تبعتهما تعديلات جزئية بصدور قانون رقم 5002، وتمت مد فترة الحضانة إلى 51 عاما، والذى أشعل ثورة فى نفوس الآباء، والذين رأوا فيه ظلما بينًا، فما الذى سيفعله الأب بطفله بعد أن يصبح عنده 51عاما للذكور، وحتى الزواج للإناث، وقد تربى بعيدا عنه، والذى أشعل الموقف أكثر أن القاضى سوف يسأل الولد بعد بلوغه هذه السن أيهما يفضل أن يمكث معه: الأم أو الأب، فبديهى أن يختار الأم بعد 51عاما جلس فيها معها.
حتى جاء التعديل لسنة 9002 وأقر الاستضافة يومين هما يومًا الإجازة، فاشتعلت الأمور وازدادت تعقيدا، وقامت الأمهات بعمل وقفة احتجاجية أمام محكمة الأسرة تنديدا بالاستضافة مؤكدات أن الآباء سيستغلون الاستضافة أسوأ استغلال، وتساءلت الأمهات: كيف ستأمن على ابنها، مع الرجل الذى تركها وتركه ورفض تحمل المسئولية؟!!!..من ناحيتهم قام الآباء بوقفة احتجاجية أخرى أمام محكمة الأحوال الشخصية منادين بضرورة  تفعيل الاستضافة، لكن الأمر لم يطبق حتى الآن.
 ∎ الاستضافة  فى الدول العربية
هل قوانين الرؤية فى كل البلدان العربية على هذا النحو، أم أن هناك اختلافا؟ إذا نظرنا إلى قانون الرؤية فى الدول العربية «السعودية، الإمارات، الكويت»، فنجد أنه يعطى للطرف غير الحاضن  مدة يومين كاملين كل أسبوع، إضافة إلى أسبوع كامل فى إجازة نصف العام، وآخر فى نهاية العام، وكذلك فى الإجازات والأعياد الرسمية والدينية حتى يستطيع الطفل التعرف على أهله من الناحية الأخرى، إضافة إلى صلة الرحم.
∎ التعديل ضرورى
 كنت فى حاجة ماسة إلى أحد يجيب لى عن تساؤلاتى، فتوجهت إلى المحامى  المتخصص فى الأحوال الشخصية محمد سيد بيومى، فقال لى: الحقيقة أن قانون الرؤية يسبب جدلاً كبيرًا منذ أن تم وضعه فى القانون المصرى، وكل تعديل له يعقبه جدل أوسع، ولا يرضى الطرفان به سواء الأب أو الأم ويقع الطفل حائرا بينهما، فالأم لا تريد أن يرى الأب أولاده، وكأنها تحاول معاقبته على الطلاق، والعكس صحيح، ولايفكر أى منهما فى الأضرار التى ستصيب طفلهما، وكمية العقد النفسية التى سيتربى عليها، وبدلا من إخرجه للمجتمع فردا صالحا.. سيخرج عضوا مثقلاً بهموم وعقد الدنيا كلها.. وبالرغم من أن القانون عدل أكثر من مرة، لكن قالبه الأساسى الذى وضع عام9291 مازال واحدا باستثناء التعديل الأخير الذى رفع سن الحضانة إلى 51عاما للولد، وحتى تتزوج البنت، مما يتسبب فى إشكالية كبيرة..ونحن فى محاكم الأسرة تأتى لنا حالات يشيب لها الرأس، فتأتى لنا الأم وتشكو الأب وتسبه وتلعنه، وتدعى أنه ليس أمينا على أطفالها، ثم يأتى الأب ويقول إن الأم تريد إبعاده عن أطفاله، كما أنها تستغل لهفته على ابنه وتطلب نفقات، ومبالغ طائلة مقابل أن يراهم..وهناك نوع آخر يمتنع عن تنفيذ الحكم، ولا يذهبون بالطفل فى موعد الجلسات والغريب أنهم يتحايلون على القانون، ويأتون بشهادات تؤكد حجة غيابهم، ويظل الأمر هكذا حتى يرفع الطرف المضار قضية إسقاط الحضانة عن الطرف الآخر، والتى تستغرق مدة طويلة فى المحاكم تصل لسنوات..ويؤكد الأستاذ محمد أن القانون به استضافة لكنها لا تطبق، ولا يوافق الطرف الحاضن، وهو فى غاليية الوقت الأم أن تعطى الطفل لطليقها ليبيت معه، ولا يستطيع تطبيق هذه النقطة من القانون، باستثناء بعض النماذج المتصالحة مع نفسها والتى توافق على موضوع الاستضافة من أجل مصلحة أبنائهم..يصمت الأستاذ محمد قليلا ثم يقول: بعيدا عن القوانين، فنحن بشر خلق الله لنا القلب والعقل لنحكمهما، وعلينا أن نجرد أنفسنا من أى رغبة أو ميول نفسية حاقدة وكارهة، سواء أن كنا آباء، أو أمهات ونفكر فى مصلحة أطفالنا ونسوى كل ما بيننا من خلافات حتى يستقيم هذا المخلوق الصغير الذى جاء للدنيا بسببنا، وأننا فى محكمة الأسرة نهتم جدا بالجلسات الاجتماعية التى تضم الأب والأم ليتعلما فيها كيف يحترمان بعضهما بعد الطلاق ليس من أجل أحد إلا أطفالهم.
∎ طفل مشوه
سألت  المحامى - أحمد عبدالله، والذى كان يعمل سابقا فى المجلس القومى للأمومة والطفولة عن دور قانون الطفل، فقال لى: الحقيقة أنه بمجرد وقوع الطلاق بين الأب والأم، فلا تنتهى المعركة بل تبدأ ويكون الأطفال هم ساحة القتال، فعندما يتم الطلاق بين الزوجين يتحولان لأعداء، يريد كل منهما أن ينتقم فى شخص الآخر، لكنه فى الحقيقة لا ينتقم إلا من أطفاله..وبصراحة مطلقة دائما كنت أنادى بضرورة تغيير قانون الرؤية، خاصة أنه يتعارض بشدة مع  قانون الطفل لعام 8002 الذى ينص على حق الطفل الأصيل فى الرعاية الكاملة والحصول على متطلباته وأهم ما فيها: حقه فى رؤية والديه وأقارب رحمه، وإذا أهمله الطرف الحاضن يدفع غرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولذا فلابد من تغيير القانون ليتناسب مع قانون الطفل الذى وضع خصيصا لحماية الطفل.
وقد كنت أرى بعينى حالات يقشعر لها البدن، فقبل، رفع الوصاية التعليمية كنت أرى أمهات يردن نقل أطفالهن من مدرسة لأخرى، والأب منسحب من حياتهم بالكامل، وتجلس الأم بجوار المديرة تترجاها لكن المديرة تصر على حضور الأب لأن الوصاية التعليمية فى يده، عكس الأمر بعد رفع الوصاية التعليمبة، نجد الأم تتحكم فى كل شىء، والأب يتحول فقط إلى خزنة نقود..وقد رأيت أيضا أطفالا انعكست عليهم خلافات أهاليهم، فقد اختارت طفلة فى إحدى المرات أن تذهب لتعيش مع جدتها وقالت للقاضى أنا بكره ماما وبابا علشان على طول بيتخانقوا، ونموذج آخر لطفل أصيب بمرض التلعثم فى الكلام فى سن التاسعة بسبب رؤيته لوالده يضرب والدته فى المحكمة بعدما حكم القاضى لها بحضانة الطفل..فللأسف لا يعلم الطرفان أن الخيوط لا تستطيع أن تنقطع بينهما، فالطفل كما ذكرت سالفا يحتاج الاثنين ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما، فقد كانت تأتى لنا أيضا حالات أطفال يمرضون ويحتاجون للتدخل الجراحى، وتحتاج الأم للأب لكنه لا يأتى أبدا، أيضا تكبر الفتاة وتحتاج لوالدها ليكون وكيلها، فلا تجده.. نفس الأمر بالنسبة للولد الذى يكبر ويصبح فى سن يحتاج فيه لأبيه، فيجب على الوالدين أن يضعا هذا فى عين الاعتبار قبل إعلان الحرب على بعضهما البعض.