الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من حق الناس تبتهج

من حق الناس تبتهج
من حق الناس تبتهج


مازال بالحياة أناس يولدون بداخلنا البهجة والانبهار، هم ملح الأرض يعيشون بيننا ببساطة وقدرة هائلة على عشق الحياة وعناقها مهما تراكمت السنوات على سجل ميلادهم يظلون يتعاملون مع الحياة بروح شابة ويتعاملون مع أهدافهم وأحلامهم على أنها ممكنة التحقق، من هؤلاء الناس.. جمال الدين حسين النهرى ابن الثمانين ربيعا!! نعم فالربيع نحن من نغرسه فى حياتنا وسنوات عمرنا ونحن أيضا من نسمح له بالمغادرة!!
جمال الدين حسين النهرى بلغ عامه الثمانين، كان عمله فى الصبا صحفياً فى دول الخليج وشغل مناصب عديدة على مدى سنوات عمره المهنى، لكن ظل عشقه للزرع هواية وحياة، فهو ابن العباسية الشرقية أحد أحياء القاهرة العامرة فى ذلك الوقت بالزهور والنباتات، فنشأ وعيونه تلمع فيها خضرة الأشجار ونداوة الأزهار، لذلك كانت كل منطقة يعيش بها يزهر بلكوناتها بأكبر عدد من الأزهار، ولأن قلبه يعشق أبناء وطنه لم يبخل عليهم بمجهوده ونباتاته وقرر أن يزرع بمجهوده الذاتى حديقة قريبة من منزله كانت قبل ذلك جاذبة لأكياس القمامة، رافعا شعار «الأرض كنز مقدس ومكدس بالثروة» ولا يصح أن تصبح مقلباً للقمامة، وبمجهوده الفردى المحدود بدأ رحلة زراعة  الحدائق العامة الممتدة من ميدان عثمان ابن عفان «الكلية الحربية» إلى ميدان سانت فاطيما، استطاع خلال ثلاثة سنوات أن يزرع ما يقرب من ثلاث أفدنة أى ما يوازى «0024» متر!!
∎ زهر، عطر، ثمر
حين اقترح أحد الجيران عليه أن يزرع الشارع بعد أن ازدحمت بلكونته ومداخله الخاص بالورود والأزهار، وذهبا سويا إلى رئيس الحى، فأعطاه وقتها موافقة شفهية، وأضاف: لكن لا مال عندى ولا رجال، وسعد عم جمال وقتها بالموافقة، فهى بالنسبة له كافية ليحقق حلم الجمال والبهجة الممتدة على جانبى الحديقة، فبعد أن كانت الحديقة جرداء ومملوءة بأكياس القمامة، جعل منها حديقة لها شعار «زهر، عطر، ثمر»، وبمجهود شيخ فى السابعة والسبعين وحماس وصدق وروح شاب فى ريعان الشباب بدأ الرحلة، كل يوم يقوم بتنظيف الحديقة من أكياس القمامة والمخلفات، ثم زراعة الفل والريحان والياسمين ومسك الليل والتمر حنة والياسمين الهندى وشجيرات الكركدية وأشجار الليمون والبرتقال واللارينج وغيرها، حتى أصبح فى الحديقة أكثر من 07 صنفاً نباتياً وما لا يقل عن 05 لوناً، فالحدائق فى فلسفته مثيرة للبهجة وإسعاد الروح والحديقة فى مذهبه «مدرسة ومعبد ومستشفى»، وأصبح المارون فى وسط الشارع يمرون بين حديقة مزهرة نظيفة يفوح منها العطر والجمال وتوقف «08٪» ممن يقومون بإلقاء أكياس القمامة فى الحديقة الممتدة على مدى الـ«0004» متر التى يزرعها عم جمال بمفرده، لكن بعضاً من أهالى الحى الراقى «مصر الجديدة» لفتهم ما يقوم به عم جمال كل صباح فيتطوع كل فترة مجموعة مختلفة لمشاركته العمل بالحديقة، وهذا هو الشىء الوحيد الذى يسمح بتلقيه، فهو منذ اليوم الأول لقرار زرع وتجميل الجزيرة الوسطى لميدان عثمان بن عفان وهو يرفض التبرع ولا يكتفى بذلك، بل يمنع أيضا أى بيع لمنتجات الحديقة، يضحك وهو يقول: أزرع الكركدية يمكن يشرب كل أطفال مصر الجديدة مشروبه المحلى، ولكنه سمح لنفسه أن يكون محرضاً لبعض رجال الأعمال الجيران له فى الحى بالتبرع بصناديق قمامة على جانبى الحديقة.
∎ يا محلى العمل فيما نحب
يحكى عم جمال عن تجربته: قد يندهش البعض من تجربتى لكن ببساطة حين يحب الإنسان شيئاً يعطيه وأنا أحب الجمال والأزهار وأرى أن الجمال والأزهار يمنحان الإنسان البهجة التى هى أحد أهداف الحياة، فإذا جلست مع زوجتى وهى مسنة تقترب من عمرى أبتهج إذا تناولنا الشاى ونحن يحيطنا الخضرة والأزهار، أو حين أقدم لها عقدًا من الياسمين جمعته من الحديقة ولضمته بيدى، كل هذا بهجة، حين أجد أطفال وشباب وأهل الحى جميعا يسيرون وسط الحديقة بالشارع ويشعرون بالسعادة أحصل على البهجة .
ابتسمت له وسألته فى دهشة عن المجهود البدنى والمادى الذى يدفعه فى مقابل هذه البهجة؟
قال: كثيرون يندهشون بما فيهم أولادى من المجهود الذى أبذله فى الحديقة وكيف أقوى على ذلك وأنا فى الثمانين من عمرى، فطوال العام صيفا أو شتاء أتوجه إلى الحديقة من العاشرة صباحا حتى الخامسة أو السادسة ما عدا الجمعة وأقوم بالحفر والرى للأرض وتقليم الأشجار، مجهود حقيقى ضخم، لكن الروح العالية للعمل أستمدها من الأرض والزهور، واليوم الذى أجلس به فى المنزل أتحرك بصعوبة وأنحنى بصعوبة، فهذه طبيعة مرحلة الشيخوخة أو العمر المتقدم، لكن أمام النباتات والأزهار والثمار تتقمص ويتقمص جسدى روح الشباب ولا أشعر بتعب.
∎ وماذا عن العبء المادى؟
قال: لا شىء!! هل تعرفين أنه يمكن زراعة جميع شوارع مصر بالفل والريحان والزعتر وغيرهما بنظام «العقلة»، فمن كل نبات نستطيع أن نحصل على الآلاف من «العقل» وزرعها، بالطبع الزرع يحتاج رعاية يومية ومجهودًا، خاصة فى التخلص من الحشائش التى تغتال أحواض الزهور، أيضا الزرع يحتاج عناية خاصة فى شهرى يوليو وأغسطس وأطلق عليهما شهرا الإنقاذ إذا مرا بسلام على الحديقة تكون الأمور على ما يرام، لذلك خلال هذين الشهرين أقوم بالرى للأرض منذ الصباح حتى موعد انصرافى.
∎ مواقف مزعجة
يحكى عم جمال عن المواقف المزعجة التى صادفته خلال الثلاث سنوات السابقة، فيقول: أروى الحديقة بخرطوم خاص اشتريته لها بمواصفات معينة وطول 57 مترًا، وجاء سارق واستولى عليه، فأسرعت واشتريت بديلاً له، لكن المشكلة أننى أضطر كل يوم إلى لف الخرطوم بعد الانتهاء من رى الأرض ووضعه فى سيارتى لأعود به إلى المنزل الذى يبعد عن الحديقة بشارعين وبالتأكيد لف خرطوم طوله «07» مترًا يوميا أمر مرهق للغاية لرجل فى مثل سنى.
موقف آخر مزعج جدا وهو حين فوجئ أهل الحى ببعض الأفراد من الحى يقتحمون الحديقة ويقتلعون أشجار الموز التى زرعتها وبعض الأشجار المثمرة والشجيرات وكانوا من إدارة الحدائق بالحى، وقالوا لعم جمال: إن هذه الحديقة تخالف نظام الحدائق العامة!! ويعلق بقوله: لا أعلم لماذا ونحن دولة من دول العالم الثالث لا نزرع حدائقنا العامة بالفاكهة والأشجار المثمرة كالبرتقال واللارينج مثلما يحدث فى العالم كله، وقد قمت بتلقيح عدد من النخلات المزروعة فى الطريق المؤدى للمطار وستثمر هذا العام، ثمراً يمكن يكون «مصدر غذائى» لأى شخص يريد ذلك.
∎ أفكار لبكرة
تلقى جمال النهرى دعوة هذا العام من الجامعة الأمريكية للحوار معه، والحكى عن تجربته الناجحة على مدى ثلاث سنوات وعرف أن بأرض الجامعة الأمريكية الممتدة على 003 فدان بالتجمع هناك «0001» نخلة زغلول و«0001» نخلة بلح سمانى، والنخلة الواحدة تنتج فى العام ما يقرب من «001» كيلو من البلح، ومنذ عدة أسابيع شاهد فى أحد الجرائد مناقصة لشراء البلح بالجامعة الأمريكية أى أنها ستبيع فى هذه المناقصة «002» ألف كيلو بلح، إذا فرضنا الكيلو بـ«01» جنيهات سيكون دخل الجامعة 2 مليون جنيه، وتكلفة تلقيح كل نخلة لكى تثمر بلحًا 02 جنيهًا للنخلة الواحدة، أى أن التكلفة السنوية للمحصول 04 ألف جنيه، فلماذا لا تعمم فكرة النخل وتلقيحه فى الحدائق العامة والجامعات المصرية، فالتمر غذاء جيد جدا وصحى ومنظمة الصحة العالمية تحذر من مجاعة تطرق أبواب العالم قريبا، فلماذا لا نواجهها وننمى اقتصادنا فى نفس الوقت!!
أيضا فكرة أخرى يطرحها علينا وقد سبقتنا إليها ماليزيا حين جاء مهاتير محمد وبدأ عمله بزراعة مليون شجرة زيت نخيل، ومنذ أشهر أعلن وزير الخارجية الماليزى أن ماليزيا رابع دولة فى العالم فى تصدير زيت النخيل، إنها أفكار بسيطة لكنها بناءة لأنها أفكار تعتمد على تزاوج العلم مع إدارة الإعمار.∎